بفشل "أسرلة" فلسطينيي الداخل.. سلطات الاحتلال تستعد للخيار العسكري

محمد النعامي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تستعد سلطات الاحتلال الإسرائيلي للتعامل مع فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 عسكريا، بعد فشل محاولات دمجهم في المجتمع الصهيوني منذ عقود فيما يعرف بـ"الأسرلة".

وظهر فشل مساعي الاحتلال في تغيير هوية فلسطينيي الداخل جليا خلال مايو/أيار 2021، حين انتفضت تلك المدن المحتلة في "هبة الكرامة" بالتزامن مع العدوان على غزة.

وشكلت تلك المظاهرات أبرز عوامل حسم معركة سيف القدس بين الاحتلال وفصائل المقاومة بغزة، بعد أن فتحت على "تل أبيب" جبهة جديدة.

مناورات عسكرية

وأطلقت دولة الاحتلال مناورات عسكرية باسم "عربات النار" وخصصت جزءا كبيرا منها للتدرب على مواجهة فلسطينيي الداخل في حرب محتملة قادمة، وأقيم جزء منها في قبرص اليونانية وآخر في البحر الأحمر وإسرائيل.

وانطلقت المناورات في 9 مايو، ولمدة شهر، بهدف محاكاة سيناريوهات قتالية متعددة الجبهات والأذرع، جوا وبحرا وبرا وفي مجال السايبر.

ونفذ الاحتلال ضمن المناورات خطط عزل الشوارع الرئيسة لصالح استخدام جيشه للتنقل بشكل حر، وذلك تحسبا لعصيان واحتجاجات ينفذها فلسطينيو الداخل تؤدي لإغلاق طرقات ما يعرقل حركة الجيش.

وصرح مسؤول كبير في جيش الاحتلال، لم يذكر اسمه، للقناة 12 العبرية أن الجيش يعمل على تدريب 8 كتائب مكونة من لواءين من قيادة الجبهة الداخلية لتوفير سلاسة الحركة للجيش في مناطق الوجود العربي بالتعاون مع الشرطة.

وأضاف "بعد عملية حارس الأسوار (معركة سيف القدس في مايو 2021)، وسعنا قدراتنا للاستجابة لأكثر نقاط عن طريق غرف قيادة أمامية ونحن نزيد من قدرة السيطرة على ذلك".

ويزود جيش الاحتلال قواته بالذخيرة الحية لقمع المظاهرات التي قد تنطلق من قرى ومدن عربية للشوارع الرئيسة التي ستمر منها قوات الجيش للاحتجاج على العدوان ضد غزة على سبيل المثال، حسب المسؤول.

وانضمت شرطة الاحتلال، إلى تمرين مواجهة فلسطينيي الداخل، مع قوات الجيش، بالشراكة مع 42 بلدية ومصانع كبرى، حسب القناة 12 العبرية.

ومن جانبه، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية سعيد بشارات، إن تخصيص الاحتلال هذا الحيز من المناورات لمواجهة فلسطينيي الداخل، أمر غير مسبوق في تاريخه، وكذلك حجم التحريض الذي يبث ضدهم هو الأكبر منذ النكبة عام 1948.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال" أن إسرائيل تنفذ هذه المناورات كاستخلاص للعبر من الحرب الأخيرة، ومشاركة فلسطينيي الداخل الفاعلة.

لذلك أدرك الاحتلال أنهم قنبلة موقوتة مجهزة للانفجار في أي مواجهة، وبدأ بهذه التدريبات للتجهيز لذلك السيناريو.

وأوضح بشارات أن إسرائيل حاولت تفتيت مجتمع الداخل من خلال نشر الجريمة والسلاح فيه، ولكن السحر انقلب على الساحر وجرى توجيهه تجاه المستوطنين في اللد والنقب خلال هبة عام 2021، ولهذا يستعد الاحتلال لمثل هذا الأمر.

نكبة ثانية؟

وفي ذات الوقت الذي يجري فيه جيش الاحتلال تمارين عسكرية للتعامل مع فلسطينيي الداخل تتصدر دعوات أعضاء في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) وقادة أحزاب صهيونية لإحداث نكبة ثانية في المدن العربية "لقمع الصحوة الوطنية".

وهدد عضو البرلمان الإسرائيلي عن حزب الليكود يسرائيل كاتس في 23 مايو من فوق منصة الكنيست، فلسطينيي الداخل المحتل بنكبة جديدة، كتلك التي نفذتها العصابات الصهيونية المسلحة عام 1948.

أما الجنرال المتقاعد وعضو حزب الليكود يوآف غالانت عبر بشكل أوضح عن نوايا الأوساط العسكرية نحو فلسطينيي الداخل حين قال مخاطبا لهم "لا تنسوا ما جرى قبل 74 عاما".

وفي مقابل هذا التحريض يواصل فلسطينيو الداخل تنظيم الفعاليات الوطنية في بلداتهم تزامنا مع ذكرى النكبة التي تحل في مايو من كل عام.

وكان أبرزها مسيرة الأعلام الفلسطينية، داخل جامعة بن غوريون في بئر السبع المحتلة، وهو الحدث الذي أشعل الشارع الإسرائيلي وانتقل للكنيست.

وكذلك نظم فلسطينيو الداخل المحتل مسيرة في مدينة أم الفحم المحتلة في ذكرى هبة الكرامة تضمنت هتافات لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس.

وبدوره، قال المختص في شؤون الداخل المحتل صالح لطفي إن المؤسسة الإسرائيلية درست بعد هبة الكرامة الأحداث على عدة مستويات لمنع تكرارها مجددا، وخرجت بنتيجة مفادها أن المزيد من القوة والتنكيل هي السبيل الوحيد لمعالجة الأمر.

 لذلك سنت عددا من القوانين التي تغطي هذه الأحداث، في مجملها تعزيز وتعميق وجود جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" بين العرب في المدن والقرى وتشكيل مجموعة من الفرق ذات التدخل السريع فضلا عن تدخل الجيش.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "أجرى الجيش سلسلة من التدريبات في منطقة وادي عارة والعملية تقصدت مدينة أم الفحم، كونها كما تصفها أطراف إسرائيلية مركزا للأحداث التي يمكن أن تفجر الداخل الفلسطيني".

وشدد لطفي على أن القوات الأمنية الإسرائيلية تعقبت من شاركوا في هبة الكرامة، واعتقلت وحققت مع الآلاف من الشباب فيما عرف بأكبر عملية تحقيق جرت في تاريخ إسرائيل.

كما لاحقت قانونيا المئات منهم ولا يزال العديد من الفلسطينيين عالقون بين المحاكم والسجون.

وتابع "عززت الشرطة الإسرائيلية عبر مختلف أذرعها الشرطية وحرس الحدود من وجودها الدائم في مدن وقرى الداخل الفلسطيني، وشرعت بزراعة مئات الكاميرات في الشوارع المركزية والأماكن العامة". 

 كما أنشأت العديد من المراكز الشرطية في الداخل، وتهدف من وراء سياسة الوجود الشرطي المكثف إلى بث الخوف في نفوس الناس عموما والناشئة خصوصا.

حرب الهوية 

وأوضح الباحث أن إسرائيل حاولت من خلال ذراعها التعليمي وأدواتها المجتمعية في السلطات المحلية العربية التأثير على المنظومة العقلية للناشئة والطلاب عبر فعاليات مجتمعية تهدف إلى إنهاء معنى الوجود الأبدي الإسرائيلي وحقهم التاريخي في فلسطين.

وتحدث المختص عن محاولات الاحتلال لتفكيك المجتمع الشبابي عبر مجموعة من الأدوات والوسائل كالتحلل الأخلاقي وخاصة زرع متعلقات الحرية الجنسية والجندر والشذوذ الجنسي.

وكذلك إغراق الشباب بالمخدرات، وبث أخلاق التعري والسهر الجماعي للفتيان والفتيات في أماكن خاصة معدة لهذه الشؤون، عادة ما تكون تحت سمع وبصر المؤسسات الإسرائيلية الأمنية والشرطية، واستمالة الشباب والفتيات وخرطهم في العمل لدى الأجهزة الأمنية المختلفة.

ويستمر الاحتلال باتخاذ الإجراءات العقابية ضد فلسطينيي الداخل بجانب محاربة أي مظهر من المظاهر الوطنية.

وصدقت الهيئة العامة للكنيست، في الأول من يونيو/حزيران، في قراءة تمهيدية، على مشروع قانون يمنع رفع العلم الفلسطيني في مؤسسات تمولها الحكومة ومن ضمنها الجامعات، وذلك بدعم وتأييد 63 عضو كنيست، ومعارضة 16. 

وصوت رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، ونواب اليمين في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي لصالح القرار.

ومن جانبه، قال الشاب أيهم أبو سالم من مدينة حيفا، إن معاملة الاحتلال لفلسطينيي الداخل منذ مايو 2021 باتت أكثر عنصرية وعدوانية على الصعيدين الرسمي والشعبي، بجانب حملة تحريض إعلامي غير مسبوق.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "مع كل عملية فدائية ينفذها فلسطينيون ينتقم المستوطنون منا من خلال حرق سياراتنا ومهاجمة محالنا التجارية وتجمعاتنا السكنية وتتخاذل الشرطة الإسرائيلية وتمتنع عن التدخل".

ولا يجري اعتقال أي مستوطن من المهاجمين رغم إبلاغنا الشرطة بأسمائهم وتوثيق هويتهم أثناء الهجوم بتسجيلات كاميرات المراقبة، وفق قوله.

وشدد الشاب الفلسطيني على أن توجهات الأحزاب الإسرائيلية اليمينية التي تمثل أغلبية المجتمع الصهيوني تدعم التحريض ضد فلسطينيي الداخل ومعاملتهم كأعداء محتملين، والتحريض بات حدثا شبه يومي.

وتابع أبو سالم "على جانب آخر فإن التصعيد الإسرائيلي ضدنا يزيدنا في الداخل تمسكا بأرضنا وهويتنا وارتباطنا الأزلي بشعبنا، ويحاصر كل من يدعو للتعايش في مجتمع واحد مع المحتلين".

وأوضح أن من أكثر ما يغيظ الاحتلال هو مشاهدة علم فلسطين يرفع في الداخل المحتل في الشوارع والجامعات وعبارات دعم المقاومة تخط على الجدران، وهو الأمر الذي لم يكن يحدث قبل سنوات من الآن.