شوقي علام.. مفت صوري للنظام المصري وصاحب عمامة ملطخة بدماء المعارضة

لندن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم أن مفتي الديار المصرية شوقي علام أول من وصل إلى هذا المنصب عبر انتخابات، فهو من أبرز الرموز التي لعبت دورا في تمرير الانقلاب العسكري ضد الرئيس الراحل محمد مرسي، الذي صادق بنفسه على تولية علام هذا المنصب عام 2013.

وطوال سنوات شغله للمنصب، كان علام مثيرا للجدل بفتواه ومواقفه الغريبة، إضافة إلى كونه أكثر مفت مصري صادق على أحكام بالإعدام، وصفت بالجائرة والمسيسة من قبل منظمات حقوقية، ما جعله في موضع اتهامات وشبهات. 

وأعاد المفتي فكرة ارتباط الفتوى بالحاكم، ولي عنقها لتوافق رؤيته وقراراته الأحادية، وفتح تساؤلات عن تأثير ذلك على الجماهير في مصر والعالم الإسلامي، إذ يفقدون الثقة في مؤسساتهم الدينية، وفي ذلك المنصب الرفيع.

خاصة وأن رحلة شوقي علام نحو ذلك المنصب مليئة بالتفاصيل والمتغيرات، كونه كان شخصية غير معروفة في عموم المجتمع المصري، ومنكفئة على ذاتها، إلى جلوسه على رأس أعلى هيئة للتشريع الديني في ظروف عصيبة. 

وأثارت زيارة علام للعاصمة البريطانية لندن في 15 مايو/ أيار 2022، كثيرا من الجدل والانتقادات، سواء على مستوى كلمته عن الإرهاب أمام أعضاء مجلسي العموم واللوردات البريطاني، أو على مستوى الدعوة التي نفى البرلمان لاحقا صدورها من جانبه.

مفتي الديار 

ولد شوقي إبراهيم عبدالكريم علام، يوم 12 أغسطس/ آب 1961، في محافظة البحيرة (شمالي مصر) بمدينة الدلنجات، وهناك تلقى تعليمه الأولي في أحد المعاهد الأزهرية الابتدائية.

ثم انتقل إلى مدينة طنطا بمحافظة الغربية، ليلتحق بكلية الشريعة والقانون، وفي عام 1984، حصل على الإجازة العالية (الليسانس) في الشريعة والقانون، بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف. 

ثم حصل على درجة الماجيستير عام 1990، وكان مضمون رسالته "دراسة وتحقيق القسم الثالث والرابع من كتاب البيوع من مخطوط الذخيرة، للقرافي". 

وفي عام 1996 حصل على الدكتوراه، وكانت رسالته دراسة مقارنة تحت عنوان "إيقاف سير الدعوى الجنائية وإنهاؤها بدون حكم في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي". 

وأعير علام إلى سلطنة عمان في الفترة من 2001 إلى 2010، حيث قام بالتدريس في معهد العلوم الشرعية بالسلطنة. 

بعدها عاد إلى مصر، وعمل كأستاذ بقسم الفقه، كلية الشريعة والقانون، في جامعة الأزهر بطنطا. 

وفي 11 فبراير/ شباط 2013، انتخب في اقتراع سري لتولي منصب مفتي الديار المصرية، وذلك خلال اجتماع هيئة كبار علماء الأزهر برئاسة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر. 

ويعد علام أول مفت منتخب بعد تعديلات قانون الأزهر، الذي سن عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وبعد اختياره، صادق رئيس الجمهورية الراحل محمد مرسي، على القرار، ليستلم علام مهام منصبه منذ ذلك الحين. 

مفتي الدم 

وكان علام يعمل تحت مظلة الرئيس مرسي، ويحضر جميع الاحتفالات الرسمية للدولة، بل ويتقدم الوفود أثناء زيارات الرئيس إلى الخارج.

إلى أن جاء يوم 3 يوليو/ تموز 2013، حيث وقع الانقلاب العسكري على يد قائد الجيش (آنذاك) عبدالفتاح السيسي، فإذا بعلام يدعم الانقلاب ويؤيده بالفتاوى والمواقف. 

ولم يقف دور علام عند تلك الجزئية، فبحسب منظمة العفو الدولية (آمنستي)، صادق المفتي المصري على مئات أحكام الإعدام بحق معارضين للنظام العسكري. 

ومنذ ذلك الحين، أعدمت مصر أشخاصا بمعدل غير مسبوق، ما جعلها ثالث أسوأ دولة في العالم من حيث عدد الإعدامات في عام 2020، وفق العفو الدولية.

وجميع تلك الأحكام والدماء التي جرت على هذه الأسس، يتحملها علام عرفا وقانونا. 

وأكثر من ذلك أنه أصدر فتاوى يحرض من خلالها الجيش وقوات الأمن على قتل المعارضين كما حدث في 21 فبراير/ شباط 2019.

عندما أصدر فتوى مثيرة للجدل، جاءت عقب إعدام النظام العسكري الحاكم لـ15 شابا مصريا، وقال حينها "إن جماعة الإخوان المسلمين، هم خوارج هذا العصر وأعداء مصر، وما يقوم به الجيش والشرطة من مقاومة لتلك الجماعات هو أعلى أنواع الجهاد". 

زيارة فاضحة

الدور الداخلي المثير للجدل لمفتي الجمهورية شوقي علام، حاول أن يلعبه في إطار أوسع على المستوى الدولي، عندما قرر زيارة لندن في 15 مايو، لإلقاء خطاب أمام مجلسي العموم واللوردات البريطاني، للتحذير من الإرهاب حسب فهمه.

وخلال كلمته، لم يشر المفتي المصري إلى الهجمات الممنهجة على الإسلام من قبل اليمين المتطرف في الغرب، وتصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا، ما عرضه لانتقادات عديدة.

ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، فبينما نشرت صفحة مفتي جمهورية مصر العربية الرسمية على فيسبوك أن الزيارة جاءت بناء على دعوة رسمية من البرلمان البريطاني.

نفت مديرة العلاقات الإعلامية في مجلس العموم هانا أوليسون، في 19 مايو، توجيه دعوة رسمية لعلام لزيارة البرلمان، موضحة أن وجوده في بريطانيا جاء بعد دعوة قدمتها مجموعة برلمانية حزبية غير رسمية معروفة اختصارا باسم (APPG).

ومجموعة (APPG) ليس لها وضع رسمي في البرلمان، وشكلها نواب وأعضاء في مجلس اللوردات “لتقوية العلاقات بين البرلمانيين البريطانيين والمصريين”.

وفي نفس الوقت أعلن مكتب عمدة لندن صادق خان، أن الأنباء التي ترددت في وسائل إعلام مصرية عن أنه سيلتقي بمفتي الديار المصرية، لا أساس لها من الصحة.

وشدد في بيان، أن "عمدة المدينة لم يوافق أبدا على مقابلة علام، وليس لديه أي خطط للقيام بذلك". 

من جانبها أعلنت رابطة مسلمي بريطانيا، في بيان أنها "شعرت بالفزع عندما علمت بزيارة مفتي الجمهورية المصرية شوقي علام". 

وصرح المتحدث باسم الرابطة مصطفى الدباغ، أن "هذه الدعوة غير مقبولة. علينا أن نفترض أن كل من دعاه إلى بريطانيا ببساطة لا يعرف عدد الوفيات من الأبرياء التي سهلها هذا الرجل شخصيا. هذه الدعوة غير الرسمية يجب أن تلغى". 

وتعليقا على ذلك، كتب الصحفي المصري المعارض وائل قنديل، في 23 مايو: "لو أن في مصر مؤسسة تحترم نفسها، وتعرف قدر مصر وقيمتها التاريخية والحضارية، لفتحت تحقيقا فوريا في فضائح زيارة مفتي جمهورية مصر العربية إلى بريطانيا". 

وأضاف في مقال لصحيفة "العربي الجديد" الإلكترونية: "هذه المهانة الحضارية أساءت لمصر أولا، ولمقام مفتي البلاد ثانيا، وللدبلوماسية المصرية ثالثا".

وكشف قنديل أن "زيارة المفتي، التي استغرقت أسبوعا من السياحة في بلاد الإنجليز، بدأت بكذبة، وتخللتها سلسلة من الأكاذيب، وانتهت بما هو عار حضاري وثقافي. الكذبة الأكبر أن المفتي توجه إلى بريطانيا بدعوة رسمية من مجلس العموم البريطاني، الذي نفى بدوره أن يكون قد وجه الدعوة". 

واستطرد: "الحاصل أن هناك إمكانية لأي شخص عادي أن يزور مجلس العموم، ويحضر بعض جلساته، مستمعا أو مناقشا. وبالتالي، الأدق هنا أن المفتي ذهب إلى مجلس العموم بناء على طلبه، أو بناء على جدول الرحلة التي نظمها أفراد عاديون".

دور مشين

من جانبه، رأى الأستاذ بجامعة الأزهر الدكتور محمد أبو زيد، أن "ما فعله شوقي علام من زيارة لبريطانيا تحت ذريعة الدفاع عن الإسلام ونفي التطرف عنه، يستحق الشجب والإدانة، لأن الإسلام ليس في موقع اتهام أو شبهة".

وأضاف لـ"الاستقلال"، "بل على العكس الغرب في موقع اتهامات تتعلق بالإسلاموفوبيا، واضطهاد المسلمين، والتمييز على أساس ديني، من محاربة الحجاب إلى بقية الشعائر الإسلامية، وهو ما كان يجب أن يتحدث عنه علام".

وتابع أبو زيد، "فضلا عن أن علام معتل التوجه فلم نر منه رحلات لدعم ونشر الإسلام والدفاع عنه في المحافل الأوروبية، ولم نر منه موقفا مشرفا لنصرة مسلمي الإيغور أو ما يحدث في الأقصى الشريف ومدينة القدس المحتلة، لماذا لم يتحرك المفتي في كل هذه القضايا؟ إنه لأمر يدعو للريبة في مقاصده". 

ومضى يقول: "يستحضرني هنا مقولة الإمام جعفر الصادق (الفقهاء أمناء الرسل، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا إلى السلاطين فاتهموهم)، ومن المؤسف أن الفتاوى الجزافية الصادرة إرضاء للحاكم، جعلت الناس يزهدون في الفتوى ومن يصدرها وبدار الفتوى ككل".

وشدد على أن "الحلال بين والحرام بين، ومهما  حاول العالم أن يدلس أو يكتم الحق، فإن الله يظهره، لأن طبيعة الحق أن تظهر وتعلو، والباطل بطبيعته زهوق كما قال الله عز وجل في محكم تنزيله (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)". 

كما أشار الأستاذ بجامعة الأزهر إلى أن "المؤسسة الدينية المصرية في حاجة إلى تطوير وتغيير واستقلالية أكبر حتى تستمر، والنظام الحالي اختزلها وحولها إلى أداة طوعية له، فتضاءلت وفقدت هيبتها، بعد أن كانت تمثل القوة الناعمة لمصر".

وأضاف، أنه لا شك أن الصراع الخفي بين مشيخة الأزهر بقيادة الإمام أحمد الطيب، الذي يخوض معركة الحفاظ على الأزهر كرمز للعالم الإسلامي ومصر، والبقية الباقية من أذرع النظام الدينية مثل مفتي الجمهورية شوقي علام، ووزير الأوقاف مختار جمعة، ساهم في ضعف عام لتلك المؤسسات".

ناهيك عن "خوف شديد من خلفاء الطيب من أنهم سيكونون مسمارا أخيرا في نعش المؤسسة الدينية، وبالتحديد شوقي علام، الذي انسحق تماما في ركاب السلطة، وفقد هيبته كعالم جليل"، يختم أبو زيد.