خليفة بن زايد.. رئيس الإمارات ومروض الصقور يحرره الموت من قبضة إخوته

بعد سنوات من المرض والاختفاء والجدل والتكهنات، رحل في 13 مايو/أيار 2022، رئيس دولة الإمارات، خليفة بن زايد آل نهيان، عن عمر ناهز 74 عاما، بعد صراع مع المرض والمؤامرات.
ولكونه شاهدا على مرحلة بدايات تأسيس الدولة، رفقة والده المؤسس، زايد بن سلطان، وبصفته الرئيس الثاني للبلاد، فقد كان مسار خليفة في الحكم صعبا تتلاطمه أمواج الإخوة والخصوم.
مسؤولية البدايات
في 7 سبتمبر/أيلول 1948، ولد خليفة بن زايد، في قلعة (قصر المويجعي) بمدينة العين، ثاني أكبر مدن إمارة أبوظبي، حيث كان يحكمها آنذاك والده.
وكان خليفة الابن الأكبر من الذكور لزايد، ووالدته هي حصة بنت محمد آل نهيان، الزوجة الأولى لزايد، غير زوجته الثانية فاطمة بنت مبارك الكتبي، والدة كل من محمد، وطحنون، وعبدالله، فهم الإخوة غير الأشقاء لخليفة.
وفي العين، عاش خليفة مع عائلته ورفاقه من أبناء شيوخ قبائل "بني ياس"، حيث تلقى تعليمه المدرسي في "المدرسة النهيانية" التي أنشأها والده.
وفي أغسطس/آب 1966، أصبح زايد حاكم مدينة أبوظبي، وعيّن نجله خليفة (18 عاما آنذاك) نائبا له في المنطقة الشرقية ورئيس المحاكم فيها، وكانت هذه أول مسؤولية تلقى على عاتقه.
وجاءت النقلة الثانية للابن الأكبر في فبراير/شباط 1969، عندما عُين وليا للعهد لإمارة أبوظبي.
وفي 2 ديسمبر/كانون الأول 1971، تم الإعلان رسميا عن تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان زايد هو أول رئيس للبلاد، فيما كان خليفة، أول رئيس للوزراء، إضافة إلى توليه مسؤولية حقيبة المالية، ثم دائرة الدفاع التي شكلت النواة الأولى للقوات المسلحة الإماراتية.
وفي مايو 1976، أصبح خليفة نائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وذلك بعد القرار التاريخي للمجلس الأعلى للاتحاد بدمج القوات المسلحة تحت قيادة واحدة وعلم واحد.

مروض الصقور
على مستوى الحياة الخاصة لخليفة، فإنه متزوج من شمسة بنت سهيل المزروعي، وله منها سلطان، ومحمد.
عرف عن خليفة ولعه بعدد كبير من الهوايات، على رأسها صيد السمك، كما هو بارع في الصيد بالصقور التي ورثها من والده، حيث كان يخرج في رحلات طويلة خاصة للصيد بالصقور في الصحراء.
ومن حبه للصيد، أطلق برنامجا لرعاية مشروعات المحافظة على البيئة الطبيعية في مناطق الصيد، وعلى رأسها تحرير الصقور بإعادتها إلى بيئتها الطبيعة مع نهاية كل موسم صيد، وأمر بإكثار طيور الحبارى (التي تعد الطريدة المفضلة للصقور) وإطلاقها في البرية.
أكثر من ذلك، قام برعاية أبحاث علمية خاصة، تتضمن حركة وهجرات الطيور والصقور باستخدام التقنيات الفضائية.
وامتلك أيضا أحد أكبر وأفخم اليخوت في العالم، من صنع الشركة الألمانية لورسن، وأسماه "عزام".
وفي 15 أغسطس/آب 2013، صنفته صحيفة "التايمز" البريطانية، ضمن القادة الـ25 الأكثر تأثيرا في العالم، وصنفته كرابع أغنى ملك في العالم، بثروة تتجاوز مليارات من الدولارات.
في 7 أغسطس/آب 2020، كشف موقع "ساراواك ريبورت" الماليزي، تفاصيل صادمة، تتهم محمد بن زايد، وأخاه منصور، بنهب ثروة أخيهما خليفة.
وقال الموقع في تقريره إن ذلك "ورد خلال القضية التي تدور في المحكمة العليا بلندن"، والتي ذكر أيضا أن "خليفة ربما لا يعاني من أي عجز عقلي".
وأضاف التقرير، الذي لاقى رواجا عالمية، وترجم إلى عدة لغات، إن "محمد بن زايد، المسؤول الفعلي عن إمارة أبو ظبي الغنية بالنفط، وشقيقه الأصغر منصور، المالك الشهير لنادي (مانشستر سيتي) الإنجليزي لكرة القدم، يسيطران معا على صندوق الثروة السيادية، بأصول تبلغ قيمتها نحو 100 مليار دولار، وكلاهما عضو في مجلس إدارة جهاز أبوظبي للاستثمار".
وأرجع الموقع السبب الأساسي في السيطرة ونهب ثروة خليفة، إلى "سعي محمد بن زايد عند توليه في نهاية المطاف منصب الحاكم الجديد، أن تكون كل هذه الثروة تحت سيطرته، بدلا من توزيعها على أبناء خليفة وعائلته".
انزواء وظهور
2 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، هذا التاريخ كان فارقا في تاريخ الإمارات، برحيل مؤسسها زايد، بعد 38 عاما من الحكم، عقبها تولى أكبر الأبناء خليفة، مقاليد الحكم آملا أن يسير على نهج والده.
لكن صعود خليفة كان محفوفا بالمخاطر، وسط "إخوة أعداء"، كانوا لحكمه بالمرصاد، خاصة وهو ابن حصة بنت محمد آل نهيان، بينما أشقاؤه على رأسهم محمد بن زايد (أقوى رجال الدولة الآن، والمتحكم الرئيس فيها) من فاطمة الكتبي.
وفي عام 2005، قام خليفة بتدشين مشروع بنية تحتية شاملة للدولة بتكلفة قدرت بـ16 مليار درهم (نحو 4 مليارات و356 مليون دولار)، شهدت على إثرها الإمارات نهضة إنشائية ضخمة.
لم يستمر الحال طويلا، فخليفة بسماته المتعددة، أهمها الهدوء، وحبه للتاريخ والشعر، وحرصه على عقد مجالس الشعراء والأدباء، كانت سيرورة حكمه قائمة بشكل طبيعي حتى الـ24 من يناير/كانون الثاني 2014، إذ اختفى عن الأنظار، وسط أنباء تواردت عن تدهور حالته الصحية، وتعرضه لجلطة.
وكان السؤال المستمر منذ ذلك الحين، وتناولته وسائل إعلام عالمية، مرض أم انقلاب؟ وعلى مدار الأعوام التالية حتى وفاته لم يظهر خليفة إلا مرات معدودات.

والظهور الثاني كان في 29 يناير/كانون الثاني 2018، لتلقي العزاء في وفاة والدته.
أما الظهور الثالث في 9 يونيو/حزيران 2018، في مقر إقامته بفرنسا مجتمعا مع أفراد من عائلته.
ووقتها عمت التساؤلات عن الوضع الصحي وقدرة خليفة على حكم البلاد، وأن مرضه ليس بالدرجة الذي يمنعه من ممارسة عمله.
ثم الظهور الرابع في 8 مايو/أيار 2019، أثناء استقباله لأعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات.
وجاء الظهور الأخير والأكثر جدلا لحاكم الإمارات، في 20 فبراير/شباط 2020، عندما خرج بصحبة محمد بن زايد والشيوخ في جولة لغابة محمية "غناظة".
وبدا عليه حينها التعب الشديد وعدم التركيز، وقال معارضون لولي عهد أبو ظبي، إن "خليفة في الغالب لا يدرك ما يحدث حوله، وأن الظهور كان سياسيا ولأغراض أخرى أرادها ابن زايد الذي انفرد بحكم الدولة، وأصبح رجلها الأقوى، بينما الحاكم الرئيس منزو داخل قصره البعيد ما بين المرض والعزلة، حتى الرحيل أخيرا".