بعد توقف لسنوات.. هل يحرك دي ميستورا المياه الراكدة في "نزاع الصحراء"؟

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

متسلحا بخبرته الدبلوماسية الطويلة، وبعد ترقب دام 6 أشهر منذ تعيينه رسميا في مهمته الجديدة، أجرى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى إقليم الصحراء، ستيفان دي ميستورا، زيارة إلى ساحات الدول المعنية بهذا النزاع الشائك.

وخلال جولته، استمع المبعوث الأممي إلى مواقف جميع المعنيين بهذا الملف، وهم المغرب، وجبهة "البوليساريو"، والجزائر، وموريتانيا، بهدف إحراز تقدم نحو استئناف العملية السياسية" حول الإقليم.

وتعود آخر جولة مفاوضات بين المغرب و"البوليساريو" بشأن النزاع حول الإقليم إلى 2018، ولم يحدث تطور يذكر منذ ذلك التاريخ، لكن اللافت في "جولة إحياء العملية السياسية" الحالية أن البيانات الصادرة عن أطراف النزاع جددت نفس مواقفها المتداولة في هذا الملف الذي لا زال "عصيا عن الحل".

مفاوضات سرية

في 12 يناير/كانون الثاني 2022، استهل دي ميستورا، جولته من المغرب حيث التقى وزير الخارجية ناصر بوريطة، وصدر بيان عن الوزارة أكد أن الرباط "ملتزمة باستئناف العملية السياسية بشأن الصحراء على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وفي إطار مسلسل الموائد المستديرة بحضور الأطراف الأربعة (المغرب والجزائر والبوليساريو وموريتانيا)".

ثم انتقل بعد 3 أيام إلى "مخيمات تندوف" أقصى جنوب غرب الجزائر، والتقى مسؤولين من جبهة "البوليساريو".

عقب ذلك، توجه المبعوث إلى موريتانيا في 17 يناير، حيث استقبله رئيس البلاد محمد ولد الشيخ الغزواني في العاصمة نواكشوط، فيما لم تورد الوكالة الرسمية أية تفاصيل بشأن المواضيع التي بحثها الطرفان.

ومن حين لآخر، تؤكد موريتانيا أن موقفها من النزاع حول إقليم الصحراء "حيادي"، ويهدف في الأساس للعمل من أجل إيجاد حل سلمي للقضية يجنب المنطقة خطر التصعيد، باعتبارها  بلدا "جارا وملاحظا".

وفي ختام جولته التقى دي ميستورا، وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، حيث أكد "تجديد موقف بلاده الثابت والداعم لإنهاء الاستعمار في آخر مستعمرة إفريقية"، وفق تغريدة للعمامرة في 19 يناير.

وبعد جولته التي استمرت 8 أيام غادر دي ميستورا المنطقة المغاربية دون تصريحات أو بيانات حول الزيارة.

وعلق مدير مركز "الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية" المغربي، عبد الفتاح الفاتحي على ذلك بالقول إن"هذه المفاوضات تقتضي السرية، لكن أعتقد أن مواقف الأطراف المعنية كانت معبرة بوضوح".

وأفاد الفاتحي لـ"الاستقلال" بأن "المغرب تعامل بشكل إيجابي مع الجولة، وقال إنه ملتزم بقرارات مجلس الأمن والمبعوث الأممي ممثل له ووسيط ومتتبع لهذا الملف".

واستدرك: "فيما الأطراف الأخرى تشكك في نزاهة الأمم المتحدة وتعتبرها متحالفة مع المملكة، متناسين أن هناك تطورات هامة، منها مقترح الحكم الذاتي، وفتح 25 قنصلية لدول متنوعة أغلبها من إفريقيا في الصحراء، وهذا ما يجعل مهمة دي ميستورا صعبة وعصية على الحل".

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي الجزائري، محمد غربال: "دي ميستورا يدرك جيدا مدى صعوبة مهمته في حلحلة الأزمة الصحراوية التي تبدو مستمرة في نفس مسارها منذ وقف إطلاق النار في 1991، رغم بعض المكاسب التي حققها المغرب بعد اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء، مقابل تطبيع علاقات الرباط مع تل أبيب (عام 2020)".

وشدد في حديث مع "الاستقلال" على أن "تعنت الأطراف الثلاثة (المغرب، البوليساريو، الجزائر)، ورفضها لأية حلول غير ما تقترحه سيصعب من مهمة دي ميستورا أكثر".

ويرجع نزاع الصحراء إلى نهاية الاحتلال الإسباني بالمنطقة عام 1975، إذ تسبب هذا الفراغ في مواجهة مسلحة بين المغرب والبوليساريو امتدت حتى عام 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية الأمم المتحدة.

وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل "حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها"، فيما تطالب البوليساريو بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

ويملك إقليم الصحراء بمساحته التي تعادل مساحة بريطانيا (260 ألف كلم)، وكثافته السكانية القليلة، احتياطيات للفوسفات والغاز ومناطق غنية بالصيد، بينما الوضع الاقتصادي غير مستقر هناك بسبب تقلبات الظروف السياسية، حسبما ذكر موقع "الحرة" الأميركي في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

آراء متداخلة

من جانبه، ذكر ممثل جبهة "البوليساريو" لدى الأمم المتحدة، سيدي محمد عمار، أن "دي ميستورا اطلع على الواقع الذي يعيشه الشعب الصحراوي، واستمع لكافة فئاته التي قالت بصوت واحد أن مطلبهم كان وما يزال الاستقلال".

وقال عماري في حديث للتلفزيون الحكومي الجزائري، في 15 يناير، "لا نتوقع الكثير بحكم أنها أول زيارة، وهي زيارة تواصلية"، مضيفا "البوليساريو لن تكون في موقع التفاوض مع دي ميستورا وإنما ستستمع إليه". 

كما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن مسؤولين في البوليساريو أن "زيارة دي ميستورا إلى المنطقة لا تختلف عن أسلافه، في ظل عدم اتخاذ الأمم المتحدة لإجراءات جدية وتقاعس مجلس الأمن".

فيما اعتبر رئيس الوفد الصحراوي المفاوض، عضو الأمانة العامة لجبهة البوليساريو خطري أدوه، في 17 يناير، أن أية خطوة من المبعوث الشخصي للأمين الأممي إلى  الصحراء "تبقى مرهونة بقرارات مجلس الأمن الدولي"، مجددا "تمسك الشعب الصحراوي في حقه المتعلق بتقرير مصيره" .

وفي تصريح للإذاعة الجزائرية على هامش ندوة صحفية عقدها في 17 يناير، أكد خطري أدوه، "ضرورة متابعة الأمم المتحدة للوضع في الصحراء الغربية بجميع هيئاتها و تشكيلاتها".

وأضاف "كل عمل تقوم به الأمم المتحدة يستثني الأراضي الصحراوية المحتلة، ونشك في نجاعة عمل دي ميستورا، إلا إذا واجه بشكل صارم الموقف المستهتر والمتلاعب لمجلس الأمن الدولي"، حسب تعبير المتحدث.

من جهتها، ذكرت صحيفة "الشروق" الجزائرية أن "الجزائر أعلنت سابقا أن الموائد المستديرة حول النزاع قد ولى وقتها، بحكم أنها استغلت من قبل النظام المغربي للتهرب من الطريق الواضح للحل وهو التفاوض مع البوليساريو على حل للنزاع يسمح بتقرير مصير الصحراويين، وتحويل النقاش نحو إقحام الجزائر وموريتانيا كطرفين".

و"المائدة المستديرة" مفاوضات تنظمها الأمم المتحدة، على فترات متباعدة، بين المغرب و"البوليساريو"، حول النزاع على إقليم الصحراء، بحضور الجزائر وموريتانيا كبلدين جارين ملاحظين.

إلا أن الباحث المغربي الفاتحي أوضح أن "هناك محددات وردت في القرار الأخير لمجلس الأمن حول الصحراء رقم 2602، تؤكد أن مهمة المبعوث تنطلق من حيث انتهى سلفه الألماني هورست كوهلر، الذي كان قد أسس للموائد المستديرة كآلية من آليات الحل".

وأشار إلى أنه "في سياق ذلك، حدد مجلس الأمن مواصفات الحل الذي يجب التوصل إليه، وهو أن يكون واقعيا وعمليا ومستداما وقابلا للتنفيذ، ودعا الأطراف المعنية للجلوس إلى طاولة المفاوضات، ووفق هذا التصور، الأطراف الأساسية، هي المغرب والجزائر والبوليساريو، وموريتانيا مراقب".

ولفت الفاتحي إلى أن "التأكيد على أن الجزائر لها دور أساسي ورئيس في المفاوضات هو أن مجلس الأمن تحدث عنها 5 مرات كما تحدث عن المغرب 5 مرات حينما تناول قضية الصحراء، وأن دور البوليساريو يبدو من خلال هذه الملامح لن يتعدى القضية الإنسانية، وأن الحل السياسي يجب أن يكون في مصلحة المنطقة ككل".  

وتابع: "لذلك الموضوعات الأساسية التي بدأ بها كوهلر موائده المستديرة تعلقت بالجانب الاقتصادي والتنموي الذي ستستفيد منه المنطقة، مع تأخيره للشق السياسي".

وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تعيين دي ميستورا مبعوثا له إلى إقليم الصحراء، خلفا للألماني هورست كوهلر، الذي استقال في 22 مايو/أيار 2019.

مهمة مستحيلة

من جانبه، اعتبر المحلل الجزائري غربال أن "الرباط تصر على منح الحكم الذاتي الموسع لإقليم الصحراء، بينما تصر البوليساريو على تنظيم استفتاء شعبي لتقرير المصير بإشراف أممي، وتلقى الأخيرة دعما كبيرا من الجزائر التي تستقبل أزيد من 135 ألف لاجئ من الصحراء في مخيمات تندوف جنوب غربي البلاد، بحسب بيانات رسمية".

وأكد أن "مهمة دي ميستورا ستكون شبه مستحيلة أمام تعنت الأطراف المتنازعة، ورفض تقديم أي تنازلات، خاصة أن الواضح للعلن أن الطرفين الآخرين (البوليساريو والجزائر) مصران على المضي في مطلب الاستفتاء لتقرير المصير".

وعن مسألة التنازلات لإيجاد حل لهذا النزاع، قال الفاتحي إن "المغرب قدم مقترح الحكم الذاتي بعدما تبين أن تنفيذ الاستفتاء وفق الآليات التي كان متفقا عليها بات أمرا مستحيلا لصعوبة التوافق حول الهيئة الناخبة، إذن كان هناك اعتراف من قبل مجلس الأمن والبعثة الأممية بتدبير هذه الآليه بأن هناك صعوبات تقنية ولوجيسيتة".

وتابع الباحث المغربي: "مع تطور الوقت بات الكل مقتنعا أن الأمر لا يمكن تنفيذه (الاستفتاء) منذ توقيع إطلاق النار بين المغرب والأمم المتحدة والبوليساريو".

وأوضح الفاتحي أن "المغرب لم يعد يتحدث عن السيادة المطلقة، وإنما قدم مقترح الحكم الذاتي قائلا إن هذا المقترح قابل للتمطيط وللتمديد حتى لا يكون هناك لا غالب ولا مغلوب، وهذا المقترح يضمن تقرير المصير الذي لا يعني بسبب من الأسباب فقط الاستقلال، بل يعني أن يكون تدبيرا ذاتيا للصحراويين لشؤونهم الاقتصادية تحت السيادة المغربية".

واستدرك: "فيما الجزائر والبوليساريو أبقت على مواقفها الراديكالية والتاريخانية ومحاولة العودة للوراء، لكن لا أعتقد أن المجتمع الدولي سيعود للخلف، لأنه يعرف أن هذه التجربة غير صالحة"

وزاد الفاتحي: "أعتقد أن التعاون الإيجابي الذي أبداه المغرب لم يجده دي ميستورا لدى الأطراف الأخرى، والجزائر تكرر نفس المواقف، وهي الآن في عزلة لأنها تخالف وترفض التوجهات الشرعية الدولية بضرورة الجلوس بدون شروط مسبقة على طاولة المفاوضات".

وختم بالقول إن "الصعوبة تكمن في عدم توجه هذه الأطراف إلى طاولة المفاوضات، وبالتالي المهمة تبدو صعبة في انتظار أن يحمل مجلس الأمن تلك الأطراف مسؤولية الفشل".