برحيل ميركل.. ماذا يتغير في سياسات ألمانيا الداخلية والخارجية؟

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يتضح بعد زمن تشكيل الحكومة في ألمانيا، بعد أن حصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات العامة التي أجريت نهاية سبتمبر/أيلول 2021.

ورغم أن زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز يحاول تشكيل الحكومة باعتباره الفائز في الانتخابات، فإن الوقت فقط هو الذي سيظهر من سيتولى الحكومة، وفق صحيفة "صباح" التركية.

أما المدى الذي ستذهب إليه الحكومة الجديدة في تبني سياسات المستشارة المنتهية ولايتها أنغيلا ميركل في الشرق الأوسط فهي مسألة نقاش طويل.

قائدة فريدة

وقال الأستاذ في جامعة صقاريا التركية إسماعيل نعمان تيلجي في مقال بالصحيفة: "كانت ميركل ترسم السياسات التي من شأنها أن تشكل النسيج السياسي والاجتماعي في البلاد لأجيال عديدة قادمة".

واهتمت ميركل على وجه الخصوص بسياسات الهجرة التي تؤثر بشكل كبير على البنية الاجتماعية في ألمانيا.

فمثلا كان فتح الأبواب لاستقبال أكثر من مليون لاجئ في عام 2015، قرارا ثوريا في ألمانيا، بل حتى بالنسبة لأوروبا في ذلك الوقت.

وأردف أن ميركل أثبتت مع الوقت أنها على حق عندما قالت: "يمكننا إدارة الوضع".

فعلى الرغم من أنها لم تستطع دمجهم في البنية الاجتماعية في ألمانيا خلال السنوات الست التالية، فقد تمكنت من إبقاء هؤلاء اللاجئين داخل النظام دون أن تسمح بأن يولد هذا الأمر نتائج سلبية.

واستدرك: المدهش أنه وفي غضون سنوات قليلة، وجد اللاجؤون السوريون أنفسهم في سعي للمساهمة في تطوير ألمانيا في العديد من المجالات: من التعليم إلى الأعمال التجارية، ومن الصحة إلى الحياة الثقافية. 

وبما أن ألمانيا لم تعان أزمة نابعة عن اللاجئين، فقد وجدت ميركل نفسها قائدة هذه العملية وعمادها.

غير أن سياسة ميركل هذه تجاه اللاجئين والمبنية على "المبدأ والشمولية" لا ينطبق على سياستها تجاه منطقة الشرق الأوسط. 

فقد كان من الملاحظ أن سياسة ألمانيا في الشرق الأوسط كانت بعيدة كل البعد عن القيم الديمقراطية، وتجاهلت المطالب المشروعة والعادلة في المنطقة، ولم تشجع على إنهاء الصراعات، خاصة في الفترة ما بعد بدء ثورات الربيع العربي في عام 2011. يقول الكاتب.

وأضاف أن أحد أوضح الأمثلة على ذلك، بيع ألمانيا منتجات وأسلحة الصناعات الدفاعية إلى الحكومات القمعية والاستبدادية في الشرق الأوسط.

ووفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، تحتل ألمانيا المرتبة الرابعة في هذا السياق؛ إذ تولت بيع 3.9 بالمئة من إجمالي مبيعات الأسلحة التي تمت إلى الشرق الأوسط بين عامي 2016 و2020.

كذلك، يلاحظ أن أكثر البلدان استيرادا للأسلحة في المنطقة أكبرها حجما في التجارة مع ألمانيا. 

لكن برلين تجاهلت حقيقة أن هذه المبيعات تؤثر سلبا على عمليات التحول الديمقراطي في المنطقة أو إيجابا على انتهاكات حقوق الإنسان، في ظل المكاسب الضخمة التي حققتها من هذه المبيعات. 

ولن يكون من الواقعي أبدا توقع أن تتخلى ألمانيا عن هذه السياسات في فترة ما بعد أنغيلا ميركل، وهي التي ترى في موقفها هذا سياسة شرعية تتماشى مع مصالحها الوطنية، بحسب ما يراه الكاتب التركي. 

سياسة واحدة

واستطرد تيلجي: في الواقع، لا يمكننا أن نقول إن ألمانيا تتخذ موقفا مختلفا عن دول التكتل الغربي التي "لا يتعدى دعمها للديمقراطية مستوى الخطاب". 

فمع أن برلين لم تدعم الانقلابات العسكرية في الشرق الأوسط، لم تظهر على الناحية الأخرى أي تردد في استضافة قادة الانقلاب، وحاولت إبقاء علاقاتها الاقتصادية مع هذه الدول في أعلى مستوياتها.

وتابع: إضافة إلى ذلك، التزمت حكومة ميركل الصمت في مواجهة الممارسات المناهضة للديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب للحفاظ على علاقات جيدة مع الحكومات الاستبدادية في المنطقة بما يتماشى ومصالحها الوطنية. 

وبين أن ذلك جرى لدرجة أن هذه السياسات قوبلت بردود فعل شديدة حتى من قبل المنظمات المدافعة عن الحقوق، المحلية منها والدولية.

وأردف: من ناحية أخرى يعتبر الدعم غير المشروط الذي تقدمه لإسرائيل من أكثر السياسات المتأصلة عميقا في سياسات ميركل تجاه الشرق الأوسط. 

فبعد توليها منصبها في عام 2008، ألقت ميركل خطابا في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) قائلة إن "أمن إسرائيل يشكل المصلحة القومية الأساسية لألمانيا".

وبهذا أظهرت موقفها من القضية الأقدم والأكثر تعقيدا في المنطقة، قضية فلسطين.

وقد استمر دعم ميركل لإسرائيل طوال سنوات بقائها في الحكم رغم التوترات بينها وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو. 

ولم تتراجع برلين أبدا عن الخطوات التي اتخذتها لصالح إسرائيل؛ وجرى حظر علم حركة المقاومة الإسلامية حماس في عهد ميركل.

كما أدانت أنشطة "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" المعروفة باسم "بي دي إس" وأصبحت واحدة من الدول التي تقدم الدعم الأكبر لمحاربة معاداة السامية، وفقا للكاتب.

واستدرك: أما المؤشر الأخير على سياسات ميركل الخاصة تجاه إسرائيل فهو الزيارة التي ستجريها المستشارة السابقة ميركل إلى تل أبيب في الأيام المقبلة. 

وخلال هذه الزيارة، ستزور ميركل متحف "ياد فاشيم" للإبادة الجماعية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت وسيتم كذلك تكريمها بدكتوراه فخرية.

وفي سياق السياسات الألمانية تجاه الشرق الأوسط في الفترة المقبلة، من المتوقع ألا يحدث أولاف شولتز ـ الذي يملك الفرصة الأكبر بأن يصبح مستشار ألمانيا بعد ميركل ـ تغييرا حادا فيها.

 إذ كان شولتز قريبا من ميركل في حياته السياسية والمسؤول عن رسم خريطة ألمانيا المالية آنذاك، يؤكد الكاتب التركي.

ويختم تيلجي مقاله قائلا: لا يتوقع أيضا أن يكون هناك تغيير في سياسات ألمانيا في قضايا مثل بيع منتجات الصناعات الدفاعية وعقد صفقات الأسلحة مع دول الشرق الأوسط أو في قضية اللاجئين.

 أما بالنسبة لإسرائيل، فيمكن القول إن سياسة ألمانيا تجاهها لن تخرج عن قالبها بغض النظر عن هوية المستشار القادم، بالنظر إلى أن العلاقات مع تل أبيب هي مسألة "مصلحة قومية أساسية" بالنسبة لبرلين.