محاكمات سرية وأدلة غير كافية.. لماذا سارع الحوثيون بإعدام 9 يمنيين؟

أمة الخالق علوي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في مسعى منها لبث الرعب في قلوب اليمنيين وترسيخ سلطتها على المدن الخاضعة لسيطرتها، عمدت جماعة الحوثي إلى تنفيذ أحكام إعدامات جماعية عبر محاكمات سرية في محكمة جزائية خاصة أنشأتها.

في 18 سبتمبر/أيلول 2021 أعدمت "الحوثي" 9 مواطنين من أبناء تهامة (غرب) بينهم فتى قاصر (17 عاما) بتهمة التخابر مع التحالف السعودي الإماراتي، بدعوى استهداف رئيس المجلس السياسي الأعلى السابق في الجماعة صالح الصماد.

وكان الحوثيون قد شنوا حملة اعتقالات طالت كثيرا من أبناء تهامة عقب مقتل الصماد بعملية عسكرية نفذتها طائرات التحالف بقيادة السعودية في مدينة الحديدة في أبريل/ نيسان 2018.

واتهمت الجماعة أولئك الأشخاص بالتخابر مع دول التحالف وزرع شرائح في موكب الصماد حددت إحداثيات المنطقة الجغرافية التي يمر بها ومرافقوه، وهو الأمر الذي نفاه المتهمون بشكل تام.

وأفادوا بأن اعترافاتهم السابقة كانت تحت التعذيب الشديد الذي طالهم جميعا، خصوصا القاصر عبدالعزيز الأسود الذي قطع حبله الشوكي وأصبح غير قادر على الحركة بسبب التعذيب.

تلك التهم نفاها أيضا، محامي الدفاع عن المتهمين عبدالمجيد صبرة، الذي أكد براءتهم مما هو منسوب إليهم.

تعذيب وإعدام

وكتب صبرة عبر فيسبوك: "كلمني وكيل النيابة الجزائية المتخصصة بالحديدة عبر التلفون أن أبلغ أقارب المتهمين أن لديهم الفرصة الأخيرة لزيارة أقاربهم المتهمين، كونها آخر زيارة وبعدها سيتم تنفيذ الإعدام في الأسبوع القادم".

وتابع: "لم أتمكن من استيعاب هذه العبارة كمحامي دفاع في هذه القضية يعلم كثير من تفاصيلها ويعلم يقينا براءة هؤلاء المتهمين من أي مشاركه في اغتيال صالح الصماد ومرافقيه".

وكان معاذ عباس (23 عاما) الذي يعمل في مهنة الصيد، وقد نفذ فيه حكم الإعدام قد تحدث للمحكمة بأنه تعرض للتعذيب الشديد حتى اضطر للاعتراف بكل الاتهامات الموجهة له، مضيفا أن أساليب التعذيب التي اتخذت معه جعلته يفضل الموت على كل شيء.

وأفاد عبدالمجيد صبرة في منشور آخر على فيسبوك بأن أحد المتهمين وهو محمد المشخري "تعرض لأشد أنواع التعذيب حتى وصل الأمر به إلى أن قال أمام المحكمة الابتدائية: يا قاضي لو طلب المحققون أن اعترف بأني قتلت رسول الله لاعترفت من شدة التعذيب الذي تعرضت له".

وأضاف صبرة أن المتهم قال للمحققين: "-اكتبوا ما شئتم وسنوقع عليه- ورغم ما كتب في تلك المحاضرة من تلفيق وكذب ضده فإن الاتصالات المقدمة من النيابة كدليل إثبات ضد هذا المتهم، أثبتت عدم وجوده يوم الواقعة 19/4/2018م في مدينة الحديدة وشارع زايد الذي يقع فيه أساسا مقر عمله".

وأردف: "رغم هذا كله لم يلتفت القضاء وحكم عليه بالإعدام حدا وقصاصا وتعزيرا".

وتسبب تنفيذ حكم الإعدام بحالة غضب واسعة في أوساط اليمنيين، خصوصا أن مطالبات واسعة من قبل منظمات حقوقية طالبت بإيقاف حكم الإعدام وذلك لبطلان قرار اتهام صدر من محكمة أنشأها الحوثيون لـ"تصفية خصومها".

محاكمة سياسية

رأى خبراء ومحللون بأن تلك المحكمة كانت سياسية بامتياز، ومنهم السياسي وسفير اليمن في المملكة المتحدة ياسين سعيد نعمان.

وقال نعمان في منشور على حسابه في فيسبوك: "وكأن الأرض لم ترتو دما، إعدام تسعة من أبناء تهامة في صنعاء اليوم لا علاقة له بالتهمة التي نسبت لهم ظلما، التهمة مجرد عنوان لإعادة إنتاج السلطة الغاشمة التي نكلت باليمنيين وساقتهم إلى ساحات الإعدام زرافات ووحدانا طوال قرون".

وأضاف: "لنتذكر جيدا كيف تتواصل فصول من تاريخ حكم الأئمة لتعيد البؤس إلى بلد الإيمان والحكمة، تمسك الحوثيين باستمرار الحرب إنما يريدونها أن تبقى مظلة للبطش والإعدامات وقهر اليمنيين".

من جانبه أفاد الصحفي اليمني ورئيس تحرير صحيفة الأيام محمد عايش أن هدف أحكام الإعدام هو بث الرعب في قلوب المواطنين على نحو يرسخ سلطة الحوثيين التي لم يتم الاعتراف بها حتى الآن.

وكتب عايش على فيسبوك: "عشرة أشخاص من داخل فعالية واحدة، وقاعة واحدة، قررت الجماعة المختلة أنهم الأنسب لتضرب بهم المثل وتقيم العبرة، بهدف بث الذعر وسط الناس، وحماية قيادات الجماعة مستقبلا من "خيانة" المجتمع لهم".

وأضاف: "جريمة هدفها النهائي بث المزيد من الأمان لدى قيادات غارقة في الدماء والخوف، ولو كانت الجماعة مقتنعة أنهم مدانون فعلا لحاكمتهم محاكمة علنية، ولبذلت أي جهد يذكر لإقناع الرأي العام بأنهم متورطون".

لكنها بدلا عن ذلك عمدت إلى محاكمتهم محاكمة سرية التي يعتبر وجودها كعدمها، فضلا عن كونها دليلا راجحا على براءة المتهم، وفق قوله.

أما الكاتب والصحفي اليمني محمد المياحي فقد كتب منشورا على فيسبوك قال فيه: "يذبحون الناس كالخراف، ما أسهل القتل لديهم، هذه لم تعد أحكاما شرعية بالإعدام، بل قرارات تصفية متعمدة، تتخذها سلطة استمرأت الدم وبات سلوكا معتادا لديها".

وأضاف المياحي: "كلما شعرت العصابة الحوثية أن سلطة الخوف تراخى أثرها في نفوس الناس؛ تلجأ لسلوك معين تستعيد به تفعيل صورتها كجماعة صارمة ومرعبة في الذهنية العامة، تدرك الحوثية أن الزمن يجرد الناس من الخوف ويحيل أعتى سلطة قمعية لحالة رثة وباعثة للسخرية أكثر منه مثيرة للخوف".

وتابع الكاتب اليمني: "أي سلطة قمعية لا يمكنها أن تستديم هيبتها بواسطة العنف وحده، فسلطة القمع تتعطل إما بفعل امتصاص الناس للخوف أو بالتمرد عليه، سلطة حمقاء وبائسة تلك التي تحاول ترقيع صورتها بمزيد من العنف".

صراع أجنحة

يذهب البعض إلى القول بأن مقتل صالح الصماد كان نتيجة تعاون من قبل قياديين حوثيين مع التحالف، للتخلص من الرجل الذي كان يخوض صراعا مع أجنحة أخرى، من بينها جناحا القياديين محمد علي الحوثي وأبو علي الحاكم.

وعليه فإن التخلص من هؤلاء المواطنين يمكن أن يطوي هذا الملف الحساس ويمنح القتلة الحقيقيين أمانا من أي اتهامات تطالهم.

وكان البرلماني اليمني أحمد سيف حاشد قد تساءل في منشور له على فيسبوك عن سر استعجال تنفيذ حكم الإعدام بحق المتهمين بقضية الصماد، في الوقت الذي لم يستطع محاميهم الحصول على نسخة من الحكم.

وكان محمد علي الحوثي قد كشف في تغريدة على حسابه في تويتر أنه طالب رئيس مجلس القضاء الأعلى بسرعة تنفيذ حكم الإعدام بحق التسعة المتهمين، وهو الأمر الذي أثار استغراب وتساؤل كثيرين من بينهم محامي الدفاع عبدالمجيد صبرة الذي اتهم الرجل بالتدخل في شؤون القضاء.

أما البرلماني اليمني أحمد سيف حاشد فقد انتقد في منشور له على فيسبوك سرية المحاكمة واستغرب من عدم بثها بالرغم من أنها تمس الرجل الأول في سلطة صنعاء.

يذكر أن قيادات حوثية تم تصفيتها في صنعاء ولم يتم الإعلان عن القتلة الحقيقيين، من بينهم أحمد شرف الدين الذي اغتيل في 21 يناير/كانون الثاني 2014 وسط العاصمة صنعاء.

وكذلك البرلماني عبد الكريم جدبان الذي قتل في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وأيضا الشخصية الأكاديمية الموالية لجماعة الحوثي، محمد عبد الملك المتوكل، الذي اغتيل في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2014 في شارع الزراعة وسط صنعاء.

وليس آخرهم اغتيال وزير الشباب والرياضة في حكومة الحوثيين في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أثناء عبوره نفق تقاطع شارع حدة وسط العاصمة صنعاء، في حوادث مريبة لم يتم الكشف عن المتورط الحقيقي فيها حتى الآن.