بعد سيطرة الحركة على بنجشير.. لماذا تغير موقف إيران من طالبان؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع اشتداد المعارك في ولاية بنجشير الأفغانية، قبل أن تسيطر عليها طالبان، تبدل الخطاب الإيراني تجاه الحركة التي تولت السلطة في البلاد بعد انسحاب الولايات المتحدة نهاية أغسطس/آب 2021، وذلك بعد صمت التزمته طهران حيال الأحداث القائمة في جارتها الغربية.

وفي 6 سبتمبر/أيلول 2021، أعلن المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، أن الحركة "سيطرت بشكل كامل على إقليم بنجشير"، فيما أعلنت مجموعة السياسي أحمد مسعود (نجل القائد العسكري المناهض للسوفييت أحمد شاه مسعود) التي تفرقت في جبال وأودية الولاية ذات التضاريس الجبلية الوعرة، أن "المعارك لا تزال مستمرة".

التطورات الأخيرة في ولاية بنجشير أثارت تساؤلات حول الموقف الإيراني ودعوته للحل السياسي بين طالبان وأحمد مسعود، فهل كانت طهران تعول على الأخير للضغط على الحركة؟ أم أنها تخشى بالفعل تدخلا باكستانيا من شأنه أن يقلص نفوذها في أفغانستان؟

خطوط حمراء

إيران صعدت من لهجتها ضد "طالبان"، فقد عبر الناطق باسم خارجيتها، سعيد خطيب زادة، عن قلق بلاده من الهجمات التي كانت تقودها الحركة في ولاية بنجشير ضد جماعة أحمد مسعود، مشيرة إلى وجود تدخل خارجي لصالح الحركة، وأن "مصيره الفشل".

وقال خطيب زادة خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي في 6 سبتمبر/ أيلول 2021، بشأن التدخل العسكري الباكستاني في أفغانستان: إن "الأخبار الواردة من منطقة بنجشير مقلقة والهجمات مدانة بأشد لهجة ممكنة. استشهاد القادة الأفغان يبعث على الأسف العميق"، حسبما نقلت وكالة "فارس الإيرانية".

وأكد أن "إيران تبحث بشان قضية التدخل الأجنبي، وأن تاريخ أفغانستان أثبت بأن التدخل سواء المباشر أو غير المباشر لن يعود سوى بالهزيمة للمعتدي لأن الشعب الأفغاني مستقل وأبي، ولا بد من حل قضية بنجشير بالحوار والتفاوض". 

وتابع المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أنه "لا ينبغي أن يسمح أحد بأن يؤدي هذا المسار إلى اقتتال الأخوة، وعلى طالبان الالتزام بتعهداتها. تجويع أهالي بنجشير وقطع الماء والكهرباء وغير ذلك عنهم يبعث على الأسف".

ولفت إلى أن "إرادة ومطالب الشعب الأفغاني هي التي يجب أن تتحقق وليس التدخل الأجنبي أو أي مخطط أو مؤامرة"، داعيا إلى التزام الجميع الخطوط الحمراء والقوانين الدولية، ومؤكدا أن إيران تتابع تطورات أفغانستان عن كثب.

واعتبر المتحدث أن "سلوك الحكومة القادمة (الجديدة) في أفغانستان هو الذي سيحدد طبيعة موقف إيران والدول الأخرى والصعيد الدولي تجاهها".

وشدد خطيب زادة على أن "قضية بنجشير لا مخرج لها سوى الحل السياسي وليس من المقبول إطلاقا محاصرة هذه المنطقة من ناحية القوانين الدولية وحقوق الإنسان".

وبخصوص تغير الخطاب، قال الخبير في الشأن الأفغاني محمد العقاد لـ"الاستقلال": إن "إيران كانت تدرك أن طالبان سينتهي بها المطاف بالسيطرة على إقليم بنجشير بشكل كامل، خاصة وأن كل الأقاليم باستثنائه قد خضعت لسيطرتها خلال وقت قصير جدا".

وتابع لـ"الاستقلال": "كذلك، فإن إيران لا يتوقع أنها كانت تراهن على قوات أحمد مسعود، لأن الوضع في الوقت الحالي يختلف عما كان عليه في 1996، حيث كان من الواضح أن طالبان في طريقها للسيطرة على الإقليم من خلال وتيرة المعارك في الأيام الماضية".

ولذلك، يضيف العقاد، أن إيران في حال كانت تدعم قوات مسعود في ظل سيطرة طالبان بشكل كامل على البلاد، فهذا يعني أن علاقاتها مع الحركة ستكون متوترة إلى حد ما، وفي اعتقادي أن طهران لن تعيد أخطاء الماضي، بعدما دعمت الغزو الأميركي لأفغانستان.

ورأى الباحث أن "التبرير والتفسير الأوضح للتصريحات الإيرانية، هو أنها ترفض التدخل الباكستاني في أفغانستان بالفعل.

ففي حال استمر التدخل الباكستاني في الساحة الأفغانية فإنه سوف يكون على حساب نفوذ إيران، مع العلم بأن النفوذ الباكستاني هو الأقوى والأوسع، وفق تقديره.

ولفت العقاد إلى أن "إيران تعتقد أن التدخل الباكستاني في الوقت الحالي بأفغانستان، والذي تطور إلى تدخل جوي عسكري كما تفيد بعض المصادر يمكن أن يشكل تهديدا لها (إيران) على المدى الطويل".

وعلى الصعيد ذاته، فرقت قوات تابعة لحركة طالبان في 7 سبتمبر/أيلول 2021 مظاهرات في العاصمة كابول أمام السفارة الباكستانية والقصر الرئاسي، حيث أطلق مسلحو الحركة الرصاص في الهواء.

وقد ردد المشاركون في احتجاجات كابول ومظاهرات مماثلة خرجت في مدينة مزار شريف (شمال) التي تضم فيها الشيعية الهزارة، شعارات منددة بالدور الباكستاني وسقوط ولاية بنجشير تحت حكم طالبان.

ونشرت حسابات أفغانية وصحفيون عبر منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر إطلاق النار في الهواء لتفريق المتظاهرين.

أهمية بنجشير

بسيطرة طالبان على بنجشير، تكون قد حققت الحركة حلمها بالسيطرة على الولاية بعد 25 عاما.

إذ لم تتمكن خلال حكمها أفغانستان حتى عام 2001 من السيطرة على هذا المنطقة، المعروفة أيضا بـ"وادي بنجشير"، الذي شغل العالم طوال 4 عقود ماضية في مقاومة من حاول السيطرة عليه من القوات السوفييتية إلى حركة طالبان بين عام 1996 و2001.

بعد سيطرة الحركة على العاصمة كابل منتصف أغسطس/آب 2021، لجأ أمر الله صالح النائب الأول للرئيس الأفغاني الهارب أشرف غني، وقائد الجيش الجنرال هيبة الله عليزي، وقائد القوات الخاصة الجنرال سميع سادات، وعدد كبير من العسكريين إلى بنجشير للتحضير لمقاومة طالبان.

وفي محاولتها للسيطرة سلميا على الولاية العصية، فتحت حركة طالبان قنوات اتصال مع أحمد مسعود، وتنقلت بين الطرفين 4 وفود؛ أهمها الذي ذهب إلى منطقة جبل السراج برئاسة رئيس لجنة الدعوة والإرشاد في الحركة أمير خان متقي.

وتمكن هذا الوفد من كسب دعم زعماء القبائل وعدد من المسؤولين السابقين في الحكومة السابقة، ولكن أحمد مسعود وأمر الله صالح عارضا تسليم الولاية سلميا لحركة طالبان.

وبعد فشل الوساطات، اضطرت طالبان للهجوم من 8 نقاط مختلفة على مقر الولاية، ولم تقبل بعرض قدمه مسعود يتمثل في ألا تسحب الحركة الأسلحة والمعدات العسكرية من عناصره.

وشمل العرض أن تمنح قوات "الانتفاضة الشعبية" 30 بالمئة من تشكيلة الحكومة القادمة، وتعيين جميع المسؤولين بموافقتها، ولا يخضع من يريد زيارة ولاية بنجشير للمراقبة والتعقب، حسبما أفادت تقارير صحفية في 6 سبتمبر/ أيلول 2021.

ويقع "وادي بنجشير" في جبال هندوكوش الشاهقة، وله مدخل ضيق واحد؛ نجح المقاتلون المحليون في صد السوفييت هناك في الثمانينيات، وبعد ذلك تصدوا لطالبان.

وعن أهمية بنجشير، يقول القائد السابق في الجيش الأفغاني محمد هاشم خلال تصريحات صحفية في 6 سبتمبر/ أيلول 2021: إن "فيها أكثر من 16 واديا فرعيا، ومنذ 4 عقود أصبحت خزانا للأسلحة والمعدات العسكرية".

وتعد سيطرة طالبان على بنجشير بعد 25 عاما خطوة مهمة في سلسلة المكاسب التي أحرزتها الحركة.

إذ يقول الكاتب والمحلل السياسي حكمت جليل في تصريحات صحفية 6 أسبتمبر/أيلول 2021: إن "سقوط وادي بنجشير في يد طالبان أمر بالغ الأهمية، ليس فقط لأنه يمنحها السيطرة الكاملة على الأراضي الأفغانية، بل لأنه يقضي على آمال الحرب ضد الحركة على الأقل في الوقت الحالي".

يتميز وادي بنجشير بحساسية موقعه الإستراتيجي، وهو عبارة عن تضاريس جبلية غنية بالموارد المعدنية الثمينة على بعد 90 ميلا شمال كابول.

ويتميز الوادي بموقعه الجغرافي الذي يجعله حصنا طبيعيا، كونه يقع في شمال كابول في هندو كوش، ما يمنحه ميزة عن باقي أقاليم أفغاستان.

فقد كان معقلا للمقاومة ضد السوفييت في الثمانينات، ثم تمرد ضد طالبان في التسعينات. وطالما عرف الوادي بأنه منطقة "المقاومة"، ولم تسيطر عليه أي قوة.

ولبنجشير القدرة على التحول إلى مركز لتعدين الزمرد، فهو حتى خلال فترة العصور الوسطى، كان المنطقة المشهورة بتعدين الفضة.

فهناك مخزون ضخم من الزمرد البكر في الوادي، والذي يمكن استخدامه لتحقيق مكاسب مالية بمجرد أن تصبح البنية التحتية للتعدين جاهزة.