السيسي حاول إظهار تضامنه مع غزة.. فلماذا أغلق معبر رفح أمام القطاع؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لأول مرة منذ إعلان القاهرة فتح معبر رفح بشكل دائم في 9 فبراير/ شباط 2021، أغلقت السلطات المصرية المعبر بشكل مفاجئ منذ 23 أغسطس/آب 2021 ولأجل غير معروف.

غلق المعبر جاء بعد التصعيد الأخير على حدود غزة والأراضي المحتلة، وتسيير فصائل المقاومة مسيرة شعبية وصلت إلى الجدار الحدودي للاحتجاج على الحصار، وبمناسبة الذكرى الـ52 لإحراق المسجد الأقصى.

وفي الذكرى التي وافقت 21 أغسطس/آب 2021، أطلق الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على المسيرة وأصاب 42 فلسطينيا، في وقت رد شاب فلسطيني بإطلاق النار من مسدسه من مسافة صفر على قناص إسرائيلي.

تصعيد متجدد

كما شنت طائرات الاحتلال الحربية غارات على مواقع للمقاومة في قطاع غزة، وهي أمور عقدت جميعها أوراق التهدئة التي جرت برعاية مصر بعد العدوان الإسرائيلي الأخير في مايو/ أيار 2021.

قبل الإغلاق، توصلت القاهرة إلى تفاهمات مع الاحتلال وغزة لإعادة توزيع ثلثي المنحة القطرية لأهالي القطاع عبر الأمم المتحدة، وحاولت إقناع حركة المقاومة الإسلامية حماس بعدم التصعيد وإعطاء تل أبيب مهلة أكبر للموافقة على بنود التهدئة.

بحسب مصادر مصرية لـ"الاستقلال"، وصحيفة "هآرتس" 18 أغسطس/آب 2021، ضغطت مصر على إسرائيل لعدم الرد على صاروخ تحذيري أطلقته حماس في 16 أغسطس/آب 2021 لمنع انهيار التهدئة.

استمرت المقاومة في التصعيد وحددت موعدا نهائيا لاستجابة إسرائيل والمخابرات المصرية لرفع الحصار كليا، أو معاودة إطلاق مسيرات العودة والبالونات الحارقة تجاه الأراضي المحتلة.

انتهت المهلة في 21 أغسطس/آب 2021، فبدأت الفصائل تنفيذ خطتها للتصعيد لفك الحصار وسيرت أول مسيرة نحو الحدود.

كان تحرك أهالي غزة هذه المرة هو الأول باتجاه الحدود، منذ ديسمبر/كانون أول 2019، حيث أدت مسيرات ومصادمات في عامي 2018 و2019 (مسيرة العودة)، إلى استشهاد وإصابة المئات من الفلسطينيين.

بعد المسيرة الأخيرة، غضبت القاهرة وأصدرت المخابرات أمرا مفاجئا لإدارة المعبر بغلقه رغم إرسال إدارة التنسيقات بالفعل كشوف المسافرين، ما أدى إلى تكدس الفلسطينيين على المعبر داخل مصر وغزة، بحسب مصادر مصرية وفلسطينية لـ "الاستقلال".

زاد غضب القاهرة، تأكيد الفصائل الفلسطينية في غزة في بيان 22 أغسطس/آب 2021 أنها لن توقف المظاهرات الحدودية ضد إسرائيل، وستواصل دون تراجع حتى رفع الحصار والتوقف عن المس بالقدس والضفة الغربية.

رد الفعل المصري جاء عقابيا لحماس، بدعوى إحراجها أمام إسرائيل، التي تعهدت لها بعدم التصعيد خلال زيارة مدير المخابرات المصري عباس كامل لتل أبيب 18 أغسطس/آب 2021.

استهدف أيضا إرضاء رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الذي يستعد لزيارة مصر ويطلب نظام عبد الفتاح السيسي وساطته لدى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لعدم فرض عقوبات.

المفارقة أن إسرائيل، على عكس مصر، لم تغلق معبر كرم أبو سالم مع غزة رغم حادثة الحدود واستمر مفتوحا، لإدخال شاحنات تحمل حواسيب وهواتف نقالة ومعدات اتصال وإنترنت لم يسمح بإدخالهم منذ عملية "حارس الأسوار" (كما أطلقت عليها تل أبيب) أو "سيف القدس" كما تسميها فصائل المقاومة.

مسؤولون مصريون أكدوا لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية أن مصر أغلقت معبر رفح بسبب "توترات مع قادة حركة حماس"، لتعاقب مليوني فلسطيني.

قالوا: إن "هذه الخطوة تهدف إلى الضغط على حماس بسبب الخلافات بين القاهرة والحركة وعدم إحراز تقدم في محادثات التهدئة غير المباشرة التي تقودها مصر مع إسرائيل".

ونقلت وكالة رويترز 22 أغسطس/آب 2021 عن مصدرين أمنيين مصريين، أن "الإغلاق جاء لأسباب أمنية بعد التصعيد بين إسرائيل وحماس".

رسالة عقاب

مصادر مصرية وفلسطينية أبلغت "الاستقلال" أن سبب غضب القاهرة من المقاومة هو رفضها طلب مصر وقف مسيرة الحدود أو نقلها لمكان بعيد عن الحدود، وعدم السيطرة عليها.

مصدر دبلوماسي مصري أكد أن غلق المعبر "رسالة عقابية" لحماس؛ لأن مصر كانت توصلت لاتفاق مع إسرائيل على نقل أموال قطر لغزة وبوادر اتفاق تهدئة وطلبت من الحركة عدم التصعيد، لكنها فوجئت بما جرى.

لم يحدد المصدر زمن فتح المعبر مرة أخرى، مؤكدا أن القرار "أمني" وما وصل لإدارة المعبر كانت تعليمات مفاجئة ولم تحدد جدولا زمنيا للغلق أو الفتح المقبل.

مصدر مسؤول في غزة استغرب أن يغلق نظام السيسي معبر رفح ردا على إصابة جندي إسرائيلي برصاصة، "بينما لم تهتم مصر بإطلاق هذا الجندي وزملائه الإسرائيليين الرصاص على 42 فلسطينيا، اثنان منهما حالتهما حرجة".

المصدر أبلغ "الاستقلال" أن المخابرات المصرية لا تدرك أن قرار استكمال المسيرة وعدم إلغائها بناء على طلب مصر هو قرار جماعي لكل الفصائل لا حماس فقط.

قال: إن مخابرات مصر "أصبحت جزء من المماطلة والضغط على غزة بدل أن تتوسط بين الطرفين أو تقف مع الشعب الفلسطيني"، و23 ألف فلسطيني تعرقل سفرهم في اليوم الأول للغلق.

كما أوضح أن غزة أجرت اتصالات مع مصر وطالبتها بعدم اتخاذ معبر رفح "ورقة ضغط" على الفصائل، لأن الاحتلال الإسرائيلي هو الذي يتحمل كل ما يجري على الأرض وهو الذي يفرض الحصار منذ 15 عاما.

الإسرائيليون كانوا أكثر وضوحا في تأكيد أن غلق المعبر كان مجاملة من رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي لهم وعقابا لحماس وغزة.

وزير القضاء الإسرائيلي السابق حاييم رمون كتب على حسابه في تويتر أن "مصر أغلقت معبر رفح ردا على إصابة الفلسطينيين جنديا إسرائيليا".

وألمح إلى أن السيسي أحن على إسرائيل من رئيس وزرائها بينيت، الذي واصل فتح معبر كرم أبو سالم ومد غزة بمواد البناء، بينما أغلق عليهم رئيس النظام المعبر.

ورأى أن معنى هذا أن "السيسي يهمه أمن جنود جيشنا ومستوطني غلاف غزة أكثر من بينيت".

قناة "كان" الإسرائيلية ذكرت نقلا عن مصادر في 23 أغسطس/آب 2021 أن قرار الغلق "يعود لغضب الجانب المصري من حماس التي لم تستجب لمطلبه الحفاظ على الهدوء على الحدود مع إسرائيل".

أكدت أن حادث إطلاق النار على السياج الحدودي أحرج مصر التي تعهدت أمام إسرائيل أن الأحداث لن تخرج عن السيطرة، بحسب الالتزام الذي حصلت عليه من حركة حماس.

مصادر إعلامية مصرية، وقناة "العربية" السعودية تحدثت عن إغلاق السلطات المصرية معبر رفح "احتجاجا على تصرفات حماس".

إرضاء إسرائيل

هناك سبب آخر لغلق المعبر يتعلق بسعي مصر لإرضاء رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الذي يستعد لزيارة القاهرة بطلب رسمي من السيسي.

"مصر سعت لإرسال رسالة صداقة وحسن نية لإسرائيل قبل زيارة رئيس وزرائها بإغلاقه معبر رفح لأجل غير مسمى" بحسب سياسي مصري رفض ذكر اسمه.

ووفق ما قال "عاموس هرائيل" المحلل السياسي في صحيفة هآرتس العبرية في 22 أغسطس/آب 2021: "تحتاج القاهرة إلى مساعدة من تل أبيب في علاقاتها مع واشنطن".

القاهرة ترغب أن يتوسط "بينيت" لدى إدارة بايدن لمنع حجب جزء من المعونة السنوية بسبب انتهاكات مصر حقوق الإنسان.

"لا يزال هناك احتمال أن تقطع الإدارة 300 مليون دولار من المساعدات السنوية لمصر، بما مجموعه 1.3 مليار دولار بسبب انتهاكات حقوق الإنسان هناك"، بحسب "هرائيل".

قال: "إسرائيل غير راضية أيضا عن إزالة المصريين كل مراقبة على نقل البضائع إلى قطاع غزة عبر رفح"، فسعت لإرضاء إسرائيل بغلق المعبر.

أوضح أن تل أبيب ترى أن إدخال مصر بضائع عبر معبر رفح لغزة قد يسمح لحماس بطريقة ما "بتهريب الأسلحة ومواد البناء التي تحتاجها لتحسين قوتها والقدرات العملياتية بعد جولة القتال الأخيرة".

سبق لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية، التأكيد أن السيسي دعا "بينيت" لزيارة مصر لاسترضاء بايدن ولإقناعه بعدم الضغط عليه في مجال حقوق الإنسان.

قالت في 20 أغسطس/آب 2021: "إن السيسي من خلال دعوة بينيت يريد أن يقنع بايدن بعدم التركيز على القضايا المتعلقة بالمس بحقوق الإنسان في مصر وضمان عدم تأثر المساعدات المالية الأميركية لنظامه".

رئيس الوزراء الإسرائيلي أكد خلال جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية 22 أغسطس/آب 2021 أنه بصدد التوجه إلى القاهرة قريبا للاجتماع مع عبد الفتاح السيسي تلبية لدعوته، حسبما قال المتحدث باسم حكومته.

ولفت وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد الأنظار بقوله خلال مؤتمر صحفي: "إن هناك تحالفا إقليميا بدأ يتشكل، يشمل كلا من الإمارات والبحرين والأردن ومصر وقبرص واليونان ودولا أخرى".

أشار الوزير الإسرائيلي إلى أن "لدى هذا التحالف الإقليمي الجديد دورا مهما في تغيير ملامح المنطقة" بحسب ما نشرت "تايمز أوف إسرائيل" 22 أغسطس/آب 2021.

دلالات وتوابع

حين أعلنت مصر فتح معبر رفح بشكل منتظم فبراير/ شباط 2021، عزت مصادر مصرية وفلسطينية ذلك إلى رغبة نظام السيسي في لعب دور إقليمي في غزة يعيد له الدور الوظيفي السابق الذي كان يلعبه نظام حسني مبارك.

قالت حينئذ: إن وساطة مخابرات السيسي بين غزة وإسرائيل هدفها إبراز أهمية النظام في مصر لأميركا ومن ثم السعي لتلافي الفتور الذي أبدته إدارة بايدن الجديدة تجاه رئيس النظام وتوعدها له بسبب القمع.

نجحت خطة السيسي ومدير مخابراته بمحاولة إظهار تضامنهم مع غزة، وعلاقتهم الجيدة مع الفصائل، في الترويح لدورها الوظيفي أمام إدارة بايدن بتهدئة الحرب التي اندلعت بين إسرائيل وفصائل المقاومة مايو/أيار 2021.

الخبير الفلسطيني الدكتور صالح النعامي يرى أن غلق مصر المعبر "يثبت مجددا أن توسط نظام السيسي في التوصل لتهدئة بين غزة والصهاينة يأتي فقط في إطار دوره الوظيفي في خدمة المصالح الصهيونية".

كتب عبر حسابه على تويتر أن "السيسي يعلم أن العلاقة مع إسرائيل هي الأداة الناجعة في التأثير على واشنطن".

هناك أيضا فتور بين المخابرات المصرية وقادة المقاومة في غزة بسبب مجاملة مصر لإسرائيل على حساب استمرار إطالة حصار القطاع.

كما أن حماس والمقاومة غير راضين عن الاتفاق الذي جرى إبرامه قبل واقعة الحدود بيومين بشأن تحويل الأموال القطرية لغزة، وربما لهذا قرروا إعادة تسخين الأزمة مع الاحتلال للضغط عليه.

الاتفاق المبرم بين قطر والأمم المتحدة بشأن تجديد المساعدات المالية القطرية لقطاع غزة يحل ثلثي مشكلة المساعدات (30 مليون دولار) التي جمدتها إسرائيل بعد جولة القتال الأخيرة في مايو/أيار 2021.

بموجب الترتيب الجديد، سيتم تحويل 10 ملايين دولار شهريا، من خلال البنوك وبإشراف الأمم المتحدة، إلى 100 ألف من العائلات المحتاجة في قطاع غزة وتحويل نفس المبلغ كل شهر لتمويل الوقود لمحطة توليد الكهرباء هناك.

حماس غاضبة بسبب الثلث الذي لم يتم حله، وقيمته أيضا عشرة ملايين دولار، لأنه يتعلق بتمويل رواتب عشرات الآلاف من موظفي حكومة غزة السابقة.

سبب آخر لفتور علاقة القاهرة وحماس هو ربط مصر وإسرائيل ملف رفع الحصار عن غزة بتبادل الأسرى بين الطرفين.

بينما تعتبر حماس الأمرين منفصلين وتهدد بالتصعيد بعدما أثبتت عملية "سيف القدس" توازنا عسكريا جديدا مع الاحتلال.

قناة آي 24 نيوز الإسرائيلية أكدت 22 أغسطس/آب 2021 أنه بسبب رفض حماس خطة مصر وإسرائيل، "لم تشمل المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية بوساطة مصرية الحديث عن ملف الأسرى".

ما يقلق تل أبيب والقاهرة أن تقديرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تؤكد أن "حماس مستعدة لجولة أخرى من القتال ضد إسرائيل".

المحلل العسكري "يانيف كوفوفيتش" كتب في صحيفة "هآرتـس" 23 أغسطس/آب 2021 أن المؤسسة الأمنية تقدر أن زعيم حماس في غزة يحيى السنوار جاهز لجولة أخرى مع إسرائيل.

أوضح أن تقديرات الجيش الإسرائيلي كانت ترى أن حماس ستواجه صعوبة في إعادة بناء قوتها العسكرية بعد عدوان مايو/ أيار 2021، لكن ظهر خطؤها و"هناك استئناف بطيء لإنتاج الصواريخ في قطاع غزة".