لماذا رفض السيسي قرارا أمميا لحماية المصريين من الإبادة الجماعية؟

12

طباعة

مشاركة

رفضت مصر التوقيع على قرار صادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة 18 مايو/أيار 2021، يتضمن إلزام الدول والحكومات بحماية مواطنيها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وذلك رغم موافقة أغلبية دول العالم على القرار، ما يفتح الحديث عن الملف الحقوقي السيئ للنظام المصري.

القرار الأممي الجديد وافقت عليه 115 دولة، وامتنعت عن التصويت عليه 28، ورفضت القرار وعارضته 15 أخرى بينها مصر، وسوريا، والصين، وكوبا، وكوريا الشمالية، وروسيا، وروسيا البيضاء، وأندونيسيا، وكازاخستان، وبروندي، وزمبابوي، وفينزويلا، وبوليفيا، ونيكاراجوا.

تضمن القرار توصيات بتعهد الدول والحكومات بحماية السكان من التعرض لأي جرائم وحشية، أو جرائم ضد الإنسانية، أو إبادة جماعية، وإدراج هذه الجرائم ضمن ولاية مجلس حقوق الإنسان، وضمن إطار الاستعراض الدوري الشامل لملفات البلدان الحقوقية.

موقع المركز الدولي لمسؤولية الحماية، "Global Center for the Responsibility to Protect"، نقل نتيجة التصويت، وأشار إلى ما أسماه "ضعفا تاريخيا للقوانين والأعراف التي تحمي الإنسانية".

ولفت الموقع إلى "تشريد 80 مليون شخص بالعالم بسبب الاضطهاد والصراع والفظائع"، مؤكدا "تعرض المدنيين لهجمات عشوائية، واستخدام القوة غير المتناسبة والمميتة ضد المتظاهرين السلميين".

جرائم وإبادة

على مدار نحو 8 سنوات، ارتكب النظام العسكري الحاكم في مصر جرائم ضد الإنسانية واستخدم آلته العسكرية وقوته الغاشمة في تنفيذ انتهاكات ضد مدنيين عزل خاصة مجزرة "رابعة" التي وصفت بالأبشع في تاريخ مصر الحديث، وفق منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الحقوقية الدولية.

وشهد العالم بالصوت والصورة كيف ارتكب رئيس الانقلاب العسكري في مصر عبدالفتاح السيسي، جريمة فض اعتصام ميداني "رابعة العدوية"، و"النهضة" بالقاهرة، 14 أغسطس/ آب 2013، والذي راح ضحيته نحو ألف مدني وفق تقارير رسمية.

ووفق تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش"، في 8 يونيو/ حزيران 2014، فإن عدد ضحايا فض رابعة وصل 817 شخصا و4201 جريحا، بينما رصد بيان "تحالف دعم الشرعية ورفض الانقلاب"، حينها مقتل حوالي 3000 معتصما.

منظمات حقوقية محلية ودولية سجلت أيضا جرائم النظام المصري بحق المدنيين بشمال سيناء المصرية، من قتل واعتقال للمدنيين، وهدم وتفجير للبيوت، وترحيل قسري وإخلاء للقرى وتجريف للمزارع منذ العام 2014 وحتى 2021.

"هيومن رايتس ووتش"، في تقرير لها في مارس/ آذار 2021، قالت إن الجيش المصري هدم المنازل ونفذ عمليات الإخلاء القسري بشمال سيناء، معتبرة ما يقوم به "انتهاكا للقانون الإنساني الدولي" ومن المرجح أن يرقى إلى "جرائم حرب".

التقرير أكد أنه منذ نهاية العام 2013، وحتى يوليو/تموز 2020، دمر الجيش نحو 12 ألفا و350 مبنى أغلبها منازل، بشمال سيناء، وجرف ودمر وأغلق حوالي 6 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية، معظمها عام 2016.

وعلى الرغم من الانتقادات الدولية لنظام السيسي، وملفه الحقوقي، فإن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، اعتبره "ديكتاتوره المفضل"، وظل يقدم له الحماية الدولية وضمن له مدة 4 سنوات عدم محاكمته ورموز نظامه.

مع دخول الرئيس الأميركي جو بايدن البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني 2021، انهالت الانتقادات الغربية على ملف مصر الحقوقي، وتجددت الآمال في دور أميركي لوقف جرائم النظام  المصري؛ لكن دون نتيجة ملموسة.

ومؤخرا وجه الاتحاد الأوروبي الكثير من الانتقادات لملف مصر الحقوقي، وخاصة في ظل جريمة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، بالقاهرة 26 يناير/ كانون الثاني 2016، وسط اتهامات إيطالية بضلوع أربعة ضباط بالأمن الوطني المصري (أهم جهاز أمني بالبلاد)، بالجريمة.

وفي 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، طالب البرلمان الأوروبي، الدول الأعضاء ومؤسسات الاتحاد الأوروبي بالتصدي لتدهور الوضع الحقوقي بمصر، وتنفيذ الضوابط الأوروبية الخاصة بصادرات السلع للقاهرة والمستخدمة بعمليات القمع والتعذيب والإعدام.

الرفض المصري للقرار الأممي ليس الأول؛ حيث ترفض القاهرة دائما اتهامها بارتكاب جرائم ضد شعبها، وتمتنع عن التوقيع على قوانين دولية تحجم يدها الباطشة بالمدنيين، والتي كان من بينها رفض التوقيع على اتفاقية مناهضة الإخفاء القسري في أكتوبر/ تشرين الأول 2015.

"المنظمة العربية للإصلاح الجنائي"، أصدرت تقريرا في 30 يونيو/ حزيران 2020، أكدت فيه أن الحكومة المصرية تستمر في رفض التصديق على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان مثل "اتفاق روما الأساسي"، واتفاقية "مناهضة الإخفاء القسري"، والبروتوكولات الملحقة بالعهود الدولية، وتتجاهل اتخاذ إجراءات ضد استمرار التعذيب.

كما يرفض النظام المصري وقف عقوبة الإعدام ويستمر في تقييد حقوق التنظيم والتظاهر والتعبير.

وأكد التقرير أن أعلى نسبة رفض مصري للتوصيات الدولية حول حقوق الإنسان هي المحوران الخاصان بالانضمام إلى المعاهدات الدولية الخاصة بذلك.

إلى جانب الإجراءات الخاصة بالإطارين التشريعي والمؤسسي، ومحور الحقوق السياسية والمدنية، والتعاون مع الآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان.

وكشف التقرير، رفض مصر "بعض البروتوكولات الاختيارية الملحقة بالاتفاقيات الدولية الأساسية والتي تعطي حقوقا لبعض اللجان الملحقة بالتفتيش على أماكن الاحتجاز ومقار السجون، ورفضها إلغاء عقوبة الإعدام، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".

مخاوف حقوقية

ناشطون وحقوقيون عبروا عن مخاوفهم من رفض النظام المصري التوقيع على القرار الأممي الملزم للدول بحماية مواطنيها من الإبادة الجماعية.

وطرح الحقوقي المصري، رئيس منظمة الشفافية الدولية بمصر سابقا ،حجاج نايل، العديد من التساؤلات حول نية السلطات حال خروج المصريين للشوارع.

وتساءل في منشور على فيسبوك: "هل هناك اتجاه لضربها بالبراميل المتفجرة كما حدث بسوريا؟، وهل ترفض الدولة المصرية أي التزام قانوني أو تعاقدي دولي بحماية شعبها من أي جرائم وحشية أو جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية".

وتابع: "هل يشكل رفض القرار الأممي تبعات لا يعلم ولا يحمد عقباها؟، وهل ترفض السلطات حماية الشعب المصري وهي المهمة الرئيسة لأي نظام حكم في العالم؟"، محذرا من تجاوز النظام المعتاد لكل الأسقف والخطوط الحمراء.

الناشط السيناوي المصري مسعد أبوفجر، أكد أن رفض مصر التوقيع على معاهدة حماية السكان من جرائم الحرب والإبادة الجماعية والتطهير العرقي يعني أن "لديها نية مبيتة في إطلاق حرب الإبادة على شعبها".

الكاتب والناشط أحمد مرعي، أكد أن امتناع مصر عن التصويت على القرار الأممي "هو بحد ذاته تخل عن أمن وسلامة الوطن والمواطن".

وفي تعليقه على الرفض المصري للقرار الأممي القاضي بحماية مواطنيها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية قال الحقوقي المصري محمود جابر، إن "الدول التي رفضت التوقيع دول قمعية بشكل عام، ونظمها ارتكبت بالفعل جرائم ترقى إلى أن تكون بالفعل جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب وإبادة جماعية".

مدير مؤسسة "عدالة لحقوق الإنسان"، أكد أيضا في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "هذا الرفض يعد اعترافا ضمنيا من تلك الدول بعجزها عن حماية مواطنيها من مثل هذه الجرائم، وإقرارا بوقوع جرائم".

وأضاف: "وكون النظام المصري من بين الأنظمة الـ15 التي رفضت التوقيع؛ فهذا يدل على أمرين، الأول: اعتراف بوقوع جرائم يتطلب محاسبته ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم، والثاني: عدم وجود رغبة مستقبلية حقيقية لدى مصر نحو تحسين حالة حقوق الإنسان، أو حماية المواطنين من الجرائم".

جابر يرى أنه "على الرغم من أن القرار لن تترتب عليه مساءلة أو عقاب آني - فقط سيدرج الجرائم ضمن جدول الاستعراض الدوري الشامل للدول الذي يتم بآلية دورية كل 4 سنوات- فهذا الرفض ليس له أثر".

وأكد أنه "لن يغير من الحقيقة المرصودة والمعلومة من ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في مصر، من تعذيب وقتل وإخفاء قسري، فهذه جرائم نظام موثقة، ولن تسقط بالتقادم، ولن يفلت مرتكبوها من العقاب؛ وقعوا على القرارات أم لم يوقعوا فمآلهم للمحاكمة الدولية رغما عنهم".

"يؤمن مستقبله"

وفي تعليقه، أكد السياسي المصري محمد سعد خيرالله، أنه "كان من المستحيل أن توقع مصر على القرار الأممي لسبب بسيط هو أنها ارتكبت جرائم ضد الإنسانية في سيناء".

مسؤول الملف السياسي بحركة "2 أكتوبر" المعارضة وعضو "رابطة القلم السويدية"، أشار في هذا الصدد بحديثه لـ"الاستقلال"، إلى "تقرير منظمتي هيومن رايتس ووتش، والعفو الدولية- أمنيستي، وكذلك التقرير الأخير عن الخارجية الأميركية 2020، وما تضمنه عن جرائم تم ارتكابها في سيناء".

ولفت إلى أنه "بموجب تلك التقارير الحقوقية الدولية وغيرها، فإننا في حركة 2 أكتوبر المعارضة نلم أكثر بكثير من المنظمات الدولية عن الجرائم التي وقعت بحق أهالي سيناء"، مؤكدا أنه "وبالتالي مستحيل أن توقع مصر لأنها بذلك ستشارك في تسليم جنرالات لها تورطوا بهذه الجرائم".

خيرالله، وفي رؤيته لخطورة هذا الرفض المصري للقرار الأممي قال: "لا أستبعد أبدا بعد انتقال النظام للعاصمة الإدارية الجديدة؛ حال خروج مظاهرات ضده أن يقوم بوأدها مستخدما أرباب السوابق مثل صبري نخنوخ الذي تم تكريمه بالعديد من المحافل".

وأشار أيضا إلى احتمال أن "يأخذ النظام (كوبي بيست) من جرائم النظام السوري ويضرب المصريين بالبراميل المتفجرة، بمجرد الانتقال للعاصمة التي تمثل قمة الرفاهية لرجال الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والأعمال والدين، والوزارات والهيئات"، وفق تعبيره.

وأوضح أن "محيط العاصمة من مدن جديدة يسكنها علية القوم تمثل نحو 10 أو 15 مليون مصري، والباقون 85 مليون مصريا قد يكونون قيد الاقتتال الأهلي؛ ولذا فهنا السيسي برفضه القرار الأممي يحاول تأمين مستقبله".

السياسي المصري ختم حديثه بالتأكيد على مهمة كل السياسيين المعارضين والحقوقيين والإعلاميين "لكشف ما ينتويه النظام بعدم التوقيع، وهو ما قد يماثل ما ترتكبه الدول التي لم توقع والتي امتنعت؛ فهي ترتكب جرائم بحق شعوبها مثل ما يفعله (رئيس الوزراء) آبي أحمد بإثيوبيا وعسكر السودان من جرائم".

وحول دلالات رفض النظام المصري القرار الأممي القاضي بحماية السكان من جرائم الإبادة والوحشية، تحدث السياسي المصري الدكتور عز الدين الكومي، عن دلالات كثيرة.

أكد في حديث لـ"الاستقلال" أن "هذا النظام مسجل خطر، وعلى رأسه بطحة، مثل الدول التي رفضت القرار فكلها ترتكب جرائم وانتهاكات حقوقية ترقى لجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية مثل سوريا".

وكيل لجنة حقوق الإنسان، بمجلس الشورى سابقا، أكد أيضا أن "المنظمات الأممية غير جادة فيما تصدره من قرارات حقوقية رغم أنه يمكن الاستفادة منها والبناء عليها، لكن ليس لها قوة تنفيذية تلزم الدول بتنفيذها، أو اتخاذ إجراءات ضد الممتنع عن تطبيقها".

وأشار إلى رفض الأمم المتحدة مطالب المعارضة المصرية بإرسال لجنة أممية لتقصي حقائق مجزرة رابعة، مؤكدا أنها لا تستجيب هي ومجلس الأمن، والجنائية الدولية"، لافتا إلى تقديم عدة قضايا للجنائية إحداها للمحامي البريطاني الباكستاني الأصل الطيب علي.

وتحدث عن ثغرات بالقوانين الدولية والقرارات وعمل المنظمات الأممية، موضحا أن الجنائية ترفض قضايا المعارضة المصرية بحق نظام السيسي بدعوى أن مصر لم توقع على اتفاقية روما، الخاصة بالمحكمة التي لا تقبل أيضا قضايا أو دعاوى من الأفراد.

ويعتقد أن "هذه ثغرات يستغلها النظام المصري، ويتغاضى عنها المجتمع الدولي المتواطئ مع الأنظمة القمعية، مع غياب الإرادة الدولية لتأديب هذه الأنظمة وإلزامها بتطبيق مبادئ وقيم الغرب".

بل إن الغرب يقايض سكوته على الأنظمة القمعية مقابل بيعه الأسلحة"، في إشارة لآخر تلك الصفقات وشراء القاهرة مجموعة طائرات رافال فرنسية جديدة، وفق قوله.

وتساءل: "ماذا فعلت الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي وواشنطن إزاء انتهاكات النظام السوري بحق شعبه واستخدام الكيماوي والبراميل المتفجرة على مرأى العالم، إلا استخدام روسيا والصين حق الفيتو.