بن يوسف ملوك.. جزائري قاد بـ"العدل" حربا ضد المجاهدين والقضاة المزيفين

وهران - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحول الجزائري السبعيني، بن يوسف ملوك، من موظف في وزارة العدل إلى مناضل خارج أسوار الوظيفة العمومية إثر فضحه لوبيات الفساد في بلاده، ويكون بذلك أول المنضمين لـ"الحراك الشعبي" في فبراير/شباط 2019

ويواجه ملوك، مفجر قضية "المجاهدين المزيفين" مضايقات متتالية من السلطات منذ عام 1992 عندما كشف عن أسماء تحايلت على القانون وحازت على عضوية جيش التحرير الوطني (1954 – 1962)، بغرض الاستفادة من الامتيازات.

ارتبط اسم ملوك أيضا بملف "القضاة المزيفين" الذي أثار الكثير من الجدل في البلاد، وكشف عن فساد كبير في القطاع، فقد بسببه المناضل منصبه في وزارة العدل وتقاعده، ومنصب زوجته، وطرد أبناؤه من المدارس الحكومية.

من مناضل إلى متهم

يواصل ملوك مسيرة المناضل والقيادي التاريخي في جيش التحرير، العقيد محمد طاهر شعباني، الذي أعدم عام 1963، من طرف سلطة الاستقلال، بسبب موقفه الرافض للوبي الموالي للفرنسيين في السلطة الجديدة.

وحول ما ورد في كتاب "الطابو الأخير" للمؤرخ الفرنسي بيار دوم، حول بقاء الغالبية الساحقة من "الحركي"  أي "الخونة" في الجزائر بعد الاستقلال، علق ملوك بالقول "الحركى لم يبقوا في الجزائر فحسب وإنما صاروا يحكمونها اليوم، وأن المجاهدين المزيفين والحركي هي قضية ناضلت لكشفها طوال حياتي، ولن أتنازل عن نضالي مهما كلفني من تضحيات".

وأضاف "الحقيقة التاريخية تثبت فعلا أن كثيرا من الحركي بقوا في الجزائر، وأولادهم اليوم صاروا في السلطة وتغلغلوا في كل أجهزة الدولة، عاشوا في الجزائر بعد الاستقلال (1962) دون أن تتعرض لهم جبهة التحرير الوطني، باستثناء بعض العناصر التي كانت معروفة بممارساتها الفظيعة أثناء الثورة".

وتابع: "هذا الوضع استغله هؤلاء لصالحهم فتبوأوا مراكز مسؤولية في أجهزة حساسة مثل القضاء الذي كشفت فيه 520 حالة، لكن العدالة لم تنصفني".

عمل ملوك في وزارة المجاهدين (قدماء المحاربين) حتى عام 1972، ثم التحق بوزارة العدل كمسؤول قسم الشؤون الاجتماعية والشكاوى لحين طرده في 1992، بعد أن كشف عن أكثر من 50 ملفا لمجاهدين زيفوا وثائق إدارية مدعين أنهم شاركوا في ثورة التحرير (1954-1962)، بهدف الاستفادة من مناصب عالية في وزارة العدل وامتيازات أخرى.

وأشار ملوك إلى أن بعض "المزيفين" حصلوا على صفة "مجاهد"، ليظهر بذلك جانبا من الفساد في المؤسسات الجزائرية، والذي فجر غضب الشارع في فبراير/شباط 2019.

أصبح ملوك "مذنبا" في عين السلطة الجزائرية التي تابعته بتهمة "نشر أسرار المهنة واختلاس وثائق سرية"، وأدانته بـ3 سنوات سجنا غير نافذة، فيما جرى طمس الملفات والوثائق التي تدين كبار المسؤولين في الدولة الذين يزعمون الانتماء إلى جيش التحرير الوطني.

رغم مرور 25 سنة عن تفجير قضية المجاهدين المزيفين أمام الرأي العام من طرف ملوك إلا أن القضية ما تزال مطروحة أمام أروقة العدالة.

وقضى ملوك أشهرا في سجن "الحراش" (على بعد 10 كلم جنوب العاصمة)، وتعرض إلى عدة مضايقات، وتهديدات بالقتل، ويتهم عناصر المخابرات بممارسة ضغوطات ضده، بسبب تطرقه للملف.

تهديد مصالح

يشير المناضل إلى أنه تم حرمانه من حقوقه، ولم يستفد من التعويض على السنوات الطويلة التي قضاها في العمل، كما تعرض إلى حجز جواز سفره لمدة 16 سنة كاملة.

صحيفة "العرب" اللندنية نقلت عن المحامي والحقوقي مقران آيت العربي، الذي تولى الدفاع عن ملوك، تنديده بما أسماه بـ”التحرشات التي يمارسها القضاء ضد موكله”، واتهم القضاء بـ”عدم النزاهة وبالارتهان”.

واستدل على ذلك بالقول: “لم تتم ملاحقة المتورطين الحقيقيين في الفضيحة، كونهم يتمتعون بنفوذ كبير في الدوائر الحكومية وفي النظام بشكل عام، وتم الاكتفاء بمتابعة موظف كان خطؤه الوحيد هو القيام بواجبه المهني بشرف”.

وشدد العربي على أن "ملوكا مس مصالح شخصيات كبيرة في أجهزة الدولة وأزعجهم كثيرا، وهم يريدون الآن إسكاته بكل الوسائل، لكنه لم يذعن للضغوطات والمضايقات، واستمر في طريق النضال من أجل محاربة الفساد واستقلال القضاء وإجلاء الحقيقة".

ولم يتوان ملوك في اتهام أحزاب سياسية بالتواطؤ مع السلطة، إما خوفا أو تنفعا وتوددا من أجل دفن ملف المجاهدين والقضاة المزيفين.

وتحدى السلطة علنا بأن تناظره أمام الجزائريين، وأرجع الأمر إلى “استحواذ الحركي (الخونة) على مقاليد الحكم وهيمنتهم على مناصب حساسة في الدولة، بعد أن تسللوا إليها خلسة مباشرة بعد الاستقلال، وتقاسموا الامتيازات فيما بينهم، والأخطر أنهم يحضرون أبناءهم لخلافتهم، من بعدهم”.

وقال ملوك لموقع "TSA عربي" الجزائري، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017، إن "وزير العدل الوحيد الذي حمل إرادة سياسية قوية من أجل وقف الفضائح وإعادة المياه إلى مجاريها، هو وزير العدل الأسبق ماحي باهي المنحدر من ولاية وهران، لكن بمجرد أن عرفت السلطة أن الرجل فتح الملف، تمت تنحيته من منصبه الذي لم يمكث فيه إلا 10 أشهر".

تهديدات بالقتل

يذهب ملوك حد القول، إن "جهاز العدالة يضم اليوم 520 قاضيا مزيفا، يتصرفون في شؤون المواطن دون أي مؤهلات أو أدنى حق، وأن عدد المجاهدين الحقيقين المقيدين في سجلات المجاهدين للولايات التاريخية الست الذين تم إحصاؤهم عام 1963 في عهد وزير المجاهدين محمدي سعيد، كان 126 ألفا، فكيف ارتفع بعد ذلك ليصبح 864 ألفا؟!".

وتضمنت لائحة المجاهدين والقضاة المزيفين التي كشفها ملوك، أقارب للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

وذهب فاضح الفساد، إلى اتهام بوتفليقة بتسمية إحدى المؤسسات القضائية باسم أحد أقاربه، وهو واحد من "القضاة المزيفين"، علي كافي.

وطالت اتهامات ملوك، كافيا، وهو أحد أعضاء الفريق الرئاسي خلال حقبة العشرية الدموية (1991-2002)، قائلا: من الأولى أن ”يعزل أقاربه الذين كانوا ضمن القائمة، بدلا من أن يتهم الناشط الثوري عبان رمضان، بطل الجزائر بالخيانة”، كما اتهم بعض الأسماء الأخرى في السلطة بانتحال صفة المجاهدين.

وكشف ملوك في ندوة له بث منها مقاطع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في يناير/كانون الثاني2021، عن أن "جهات متنفذة في السلطة حاولت وبكل الطرق الممكنة استرجاع الملفات الأصلية للمزيفين".

وقال إن "هذه الملفات محفوظة في مكان آمن، لا يعرفها إلا هو وشخص آخر يثق فيه، وأنه لن يسلمها إلا إذا سقط النظام، وحل محله نظام ديمقراطي، وأنه لم، ولا، ولن يقبل أي مساومة مهما كانت صفتها، لا مناصب ولا أموال، حتى ولو كلفه ذلك حياته".

وأضاف بأنه "سجن 4 مرات بسبب هذه القضية التي تعود أطوارها إلى سنوات السبعينيات، ناهيك عن الضغوط العديدة التي مورست بحقه وفي حق أقاربه، إذ طردت زوجته وأخته من منصب عمليهما، وفصل ابنه عن الدراسة، ما دفعه إلى بيع جزء من ممتلكاته لتمكينه من مواصلة تعليمه في مدرسة خاصة".

في حوار أجراه مع صحيفة "الخبر" الجزائرية عام 2014، قال ملوك إنه تلقى تهديدات بالقتل بدأت مع زيارة نائب برلماني وعضو في المنظمة الوطنية للمجاهدين (لم يكشف اسمه)، لمنزله أبلغه أنه مبعوث باسم مجموعة من الضباط في جهاز المخابرات، "ليعلمني أنهم يساندونني في قضية كشف المجاهدين والقضاة المزيفين". 

قال ملوك عن الزيارة: "لا يمكن أن أعتبرها تهديدا، لكن لم أعرف أسبابها، ولم أستبعد أنهم ينوون خداعي، فمن غير المعقول بعد كل هذه السنوات الطويلة، أن يظهروا فجأة ويعرضوا علي الدعم في قضيتي، لاسيما وأنني كشفت عن شخصيات خانت البلاد باسم الجهاد بصفتهم مجاهدين مزيفين، ويوجد بينهم كوادر يشتغلون إلى الآن في مناصب حساسة".

يواصل ملوك سرد أحداث قصته لـ"الخبر"، قائلا: "زارني مجموعة من المجاهدين بعد زيارة البرلماني، وهددوني بحرق منزلي إذا فتحت مرة أخرى ملف المجاهدين المزيفين. والغريب أن كل السلطات المعنية والمنظمات الحقوقية وصلها خبر التهديد، لكن لم يحرك أحد ساكنا، حتى منظمة المجاهدين". 

يعقد ملوك أملا على ما يسميه اليوم "ثورة الشباب" أي حراك 22 فبراير (شباط 2019) الشعبي، ويعتبر أنه سيقضي على كل أشكال الفساد في الجزائر، بفضل "عزيمة المحتجين الذين دأبوا على النزول إلى الشارع".