أخطاء ومفاجآت.. هكذا ترى إسرائيل إخفاق جيشها في مواجهة غزة

قسم البحوث | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

المحتويات

مقدمة

القسم الأول: سمات المواجهة:

  • ما هي أهم الملامح المميزة لهذا العدوان عن سابقه؟

  • ما شروط حماس لإيقاف الحرب؟

  • ما العوامل التي تحكم القرار الإسرائيلي بشن العدوان؟

  • ما مظاهر العجز الإسرائيلي في هذه المواجهة؟

  • هل يمكن للتوغل البري أن يحقق لإسرائيل النصر على حماس؟

  • ما نجاحات حماس في هذه الجولة؟

  • ما أخطاء إسرائيل في هذا العدوان؟

  • ما عوامل إيقاف أو استمرار المواجهة؟

القسم الثاني: ما بعد العدوان:

  • كيف ستواجه إسرائيل مخاطر الحرب الأهلية؟

  • كيف ستواجه إسرائيل الخطر الحمساوي بعد الحرب؟

  • كيف ستتعامل إسرائيل مع القدس والمقدسيين؟

  • كيف ستتعامل إسرائيل سياسيا مع القضية الفلسطينية؟

  • ما هي مقترحات تعزيز الأمن الإسرائيلي؟

الخلاصة


مقدمة

 تشهد الأراضي الفلسطينية حدثا مفصليا في تاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، سيكون له تأثيراته المستقبلية على المنطقة والإقليم، وهو مواجهة "سيف القدس" فلسطينيا أو "حراس الأسوار" إسرائيليا.

بدأت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" هذه العملية ردا على الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في المسجد الأقصى المبارك، ومحاولة الجماعات اليهودية فرض واقع فيه على غرار ما حدث في المسجد الإبراهيمي في الخليل. وردا أيضا على تهويد حي الشيخ جراح في القدس ومحاولة طرد خمسمئة فلسطيني من منازلهم.

كشف هذا الحدث عن وحدة الشعب الفلسطيني وتضامنه في كافة تجمعاته الجغرافية، وكذلك عن مركزية الأقصى والقدس في الصراع.

 لذا تقول روث واسرمان لاندا الكاتبة الإسرائيلية في صحيفة معاريف بأنه "يجب عمل كل شيء لفصل غزة والقدس الشرقية وعرب إسرائيل (فلسطينيي 48)، لأنهم كوكتيل سام".

وتابعت: هم "عبارة عن الإحباط المتراكم في قطاع غزة، والمشاعر المتأججة حول المسجد الأقصى، وإهمال عرب إسرائيل، وهذا هو الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه".

وكشفت "حرب سيف القدس" أيضا عن مدى ما تتمتع به حماس من الإدارة الجيدة للصراع، وقدراتها الاستخبارية، وقراءتها لما يفكر فيه العدو ويخطط له، وتغلبها على ظروف الحصار المفروض عليها إسرائيليا ومصريا، وزيادة قدراتها الصاروخية من حيث المدى والقدرة التدميرية، وتطويرها لطائراتها المسيرة التي تستخدم الآن في الاستطلاع وضرب أهداف العدو، وكذلك سلاح الغواصات المسيرة الذي أنتجته عقولها المبدعة.

كما بينت المواجهة مدى حالة الضعف والتردي في الجانب الإسرائيلي، والعوامل التي تنذر بانهيار إسرائيل وزوالها.

يقول أفيغدور ليبرمان وزير الجيش الإسرائيلي السابق: 

  • "ما رأيناه هذا الأسبوع من الخسارة الكاملة للردع والنظام والأمن والحوكمة وانهيار الأنظمة الحكومية أمر غير مسبوق. 

  • تعود المبادرة والسيطرة على الأحداث إلى حماس، فهي التي تحدد متى يبدأ الصراع، ومتى ينتهي. أما إسرائيل فإنها يتم جرها للرد فقط. 

  • لقد أخذ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو دولة إسرائيل رهينة لبقائه الشخصي، وهو يعرض وجودنا للخطر، ويقودنا إلى الهلاك".

وفي هذه الورقة نقدم قراءة إسرائيلية لهذه المواجهة ومستقبلها، ونقرأ من خلالها مدى الهزيمة النفسية التي تذيقها حماس للاحتلال، والتي هي مقدمة لهزيمة مادية ثقيلة على الأرض سيتجرع المعتدي آثارها ونتائجها لفترة طويلة. 

وعلى الرغم من أن الثمن المدفوع فلسطينيا كبير؛ يرى كثيرون أن قدر الشعب الفلسطيني أن يكون طليعة هذه الأمة وقاطرة التغيير فيها والمنارة الهادية لها إلى سواء السبيل. 


القسم الأول: سمات المواجهة:

ما أهم الملامح المميزة لهذا العدوان عن سابقه؟

جولة "سيف القدس" لها سمات تميزها عن جولات أخرى خاضتها حماس في الأعوام السابقة، نوجزها فيما يلي:

1-حرب نفسية فلسطينية ناجحة:

حددت حماس الهدف من هذه الحرب بأنها "من أجل القدس"، وفي هذا المجال استولت على ميزة ولدت لديها شعورا بالنصر فيما يتعلق بالمدينة المقدسة، وهذا الهدف هو السبب الرئيس وراء تصرف الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بشكل عنيف.

ركز الخبير الأميركي ديفيد وورمسر على أهمية الجانب النفسي للحملات العسكرية. لذلك فإن الأخبار التي لا يرغب قادة الجيش الإسرائيلي والقادة السياسيون في سماعها هي أن البعد النفسي والأيديولوجي له تأثير حاسم في أي حرب، "لا سيما في المواجهة الحالية التي نحن غارقون فيها الآن".

 هل يعلم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أنهم في غزة يقاتلون من أجل تحرير القدس؟  هذه المعركة هي أكثر صرامة من تلك التي خاضها موتا غور ومظلاته في عام 1967"

و"موتا غور هو قائد المظليين الذي استطاع هو وجنوده خلال يومين وبعد قتال عنيف مع الجنود الأردنيين، التقدم إلى البلدة القديمة والسيطرة على ما يسمى جبل الهيكل والجدار الغربي (في إشارة إلى الحرم القدسي).

ويبقى تقرير قائد المظليين الملازم موتا غور "جبل الهيكل في أيدينا" واحداً من أكثر التصريحات المثيرة في تاريخ إسرائيل"

إذن، فهذه المواجهة التي تخوضها فلسطين هي أشد وقعا على نفسية اليهود من فخرهم بالاستيلاء على القدس ذاتها التي دائما ما عبروا عن شوقهم لها في صلواتهم: "إن نسيتك يا أورشليم (التسمية الإسرائيلية للقدس)، فلتنس يميني مهارتها، ليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك، إن لم أفضل أورشليم على جميع فرحي". 

لذا في ضوء ما سبق نفهم مغزى تسمية الفلسطينيين لهذه الجولة من الصراع بـ"سيف القدس"، وتسمية الاحتلال لها "حراس الأسوار" أو "حارس الجدار". وهي تسميات تعطينا صورة متكاملة عن هذه الجولة: من بدأها ولماذا.

 كما تعطينا صورة مهمة أيضا عن معنويات كل طرف وحالته النفسية، وطريقة قتاله، وما ستؤول إليه نتيجة هذه المواجهة:

  • سيف القدس: تعني أن المواجهة من أجل القدس دفاعا عنها وعن مقدساتها وخطوة على طريق تحريرها، واسمها أيضا يحمل معنى الإقدام والمبادرة بالهجوم واستحضار تاريخ طويل من التضحية والبطولات منذ فتح عمر بن الخطاب لها، ثم الفتح الصلاحي وقوافل الشهداء الذين سقطوا على أعتابها. 

  • والاسم يعني أيضا الحسم والبتر واجتزاز رقاب العدو وكسر إرادته. وكلها أمور نشهدها بأعيننا اليوم؛ فإسرائيل كلها تحت صواريخ المقاومة وشعبها محكوم عليه بالبقاء في الملاجئ، وهي محاصرة بضربات المقاومة جوا وبحرا وجوا.

  • أما تسمية حراس الجدار أو الأسوار فهي ترتبط بجين متأصل لدى اليهود، حياة الانغلاق والخوف والتشرد والشتات. وهي تسمية أيضا تبين طريقة قتالهم في قرى محصنة أو من وراء جدر. 

  • ولذلك تكرر هذا الاسم في المواجهات مع الشعب الفلسطيني من عملية الجدار الواقي عام 2002 في الانتفاضة الثانية وبناء الجدار العازل وأخيرا حراس الجدار. 

2-إستراتيجية فلسطينية جديدة لإدارة الصراع:

تعتمد هذه الإستراتيجية على جمع الشعب الفلسطيني على عنصر جامع وموحد لكافة التجمعات والأطياف الفلسطينية، واتخاذه منطلقا للمواجهة والحشد.

يقول ديفيد كورين الباحث الإسرائيلي الخبير في شؤون القدس بمعهد القدس للإستراتيجية والأمن: "يبدو أننا نشهد إستراتيجية فلسطينية جديدة لتعزيز الترابط والتآلف بين ساحات العمل، وتوسيع نطاق ساحات الصراع في نفس الوقت. 

تقوم الإستراتيجية الجديدة على:

  • مشاركة نشطة لجميع ألغاز الكلمات المتقاطعة الفلسطينية. 

  • اتساع عدد ساحات المواجهة في انتشار واسع ومتزامن؛ إذ يعمل الفلسطينيون في وقت واحد في القدس وغزة والضفة الغربية والتجمعات العربية داخل الأراضي المحتلة عام 1948. 

  • الاتصال وخلق رابطة وثيقة بين ساحات العمل المختلفة.

  • وجود يد منظمة من جانب حماس. 

  • تغيير نمط العمل الفلسطيني فيما يتعلق بالقدس".

3-تضاؤل الردع الإسرائيلي ومفاجآت قاسية لإسرائيل:

كتب الصحفي والمراسل الحربي الإسرائيلي رون بن يشاي مقالا مهما في صحيفة "يديعوت" عنوانه بالغ الدلالة "الردع الإسرائيلي المتضائل والاضطرابات السياسية وصفة لكارثة".

يقول المقال "تفاجئ حماس إسرائيل مرارا وتكرارا منذ مساء الإثنين 10 مايو/أيار، الأمر الذي ينبغي أن يُقلق الجميع.  إن إطلاق الصواريخ الهائلة على تل أبيب ليل الثلاثاء وفجر الأربعاء هو استمرار مباشر للهجمات الصاروخية التي شنتها الحركة على القدس يوم الإثنين. تظهر هذه الهجمات ما يلي:

  • ردع إسرائيل ضد غزة أصبح شبه معدوم.

  • قللت إسرائيل -على كافة المستويات العسكرية والسياسية والإعلامية- من شأن قدرات حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني التي تقومان ببنائها منذ نهاية حرب غزة عام 2014. 

  • دقة الصواريخ الفلسطينية هو الأمر الأكثر إثارة للقلق، ذلك أنه عندما أطلقت هذه الأنواع من القذائف في الماضي ووصلت في بعض الأحيان إلى حد مدينة الخضيرة كانت غير دقيقة إلى حد كبير؛ حيث كان معظمها إما يهبط في البحر أو ينفجر في الجو. أما الصواريخ التي أُطلقت في 11 مايو/أيار فلم تكن قوة رؤوسها التدميرية كبيرة فحسب بل كانت دقيقة أيضا إلى حد لم تتصوره إسرائيل أبدا. 

  • خطأ تقييمات صانعي القرار في إسرائيل الذين قدروا أن مقاتلي غزة ما زالوا في مرحلة بدائية إلى حد ما من تطوير الصواريخ، وأنهم قد اختاروا التركيز على أسلحة أخرى مثل الطائرات بدون طيار. لقد كان ينبغي عليهم أن يهيؤوا الجمهور، على الأقل عقليا للواقع المعاش اليوم.

  • حققت حماس والجهاد الإسلامي نصرا خطيرا في لعبة الحرب النفسية ضد إسرائيل، على الرغم من أن الخسائر الناجمة عن الهجمات كانت منخفضة نسبيا.

  • فشل سياسة الرشاوي: فقد تحطم في الأيام الأخيرة مفهوم كان يتمسك به الجيش الإسرائيلي والسياسيون، وهو أنه مع تحسن الحالة الاقتصادية والإنسانية في غزة، ستكون حماس أكثر استعدادا للتوصل إلى تسوية طويلة الأجل مع إسرائيل. وكذلك تحطمت الفكرة القائلة بأن حماسا قلقة من أنها قد تفقد السيطرة على غزة إذا استمر تدهور رفاه المواطنين. باستخدام هذا المنطق، سمحت إسرائيل للأموال القطرية بالتدفق إلى حماس، متجاهلة أي استفزاز من جانب الحركة. 

  • مع تزايد ضراوة الاشتباكات بين الفلسطينيين والشرطة (الإسرائيلية) في القدس خلال شهر رمضان، فعلت إسرائيل كل ما في وسعها للحصول على الأموال القطرية والفوائد المتدفقة إلى غزة، لكن الحركة كانت قد وضعت نصب عينيها القتال في القدس. 

  • وكان قادة إسرائيل يرفضون القبول بأن مفهومهم ينهار حتى حلقت الصواريخ على تل أبيب، مما أوضح بجلاء أن رفاهية غزة لا تردع الطموحات السياسية والجهادية لحماس وحلفائها. 

  • من الأمور الأخرى التي فاجأت إسرائيل "أعمال الشغب في القطاع العربي"  التي تعلم منها قادتنا درسا آخر وهو أن "العنف في المجتمعات العربية الإسرائيلية لا يبقى في داخلها، بل ينتشر إلى مناطق أخرى أيضا". وتظهر الأحداث وكذا قرار قوات الأمن باقتحام "جبل الهيكل" (الحرم القدسي) أن العنف والمزاج الساخن يمكن أن يجرا هذا البلد إلى حرب عرقية شاملة".

نخرج من هذا المقال بأن إسرائيل فقدت قدرتها على ردع غزة. فقد تجرعت يوم 10 مايو/أيار غصص مفاجآت متتالية لم تخطر لها على بال.

ما شروط حماس لإيقاف الحرب؟

حققت حماس مفاجأة كبيرة لقوات الاحتلال بتوجيهها إنذارا قويا له يوم 10 مايو/أيار تمهله فيه ساعتين: إما أن يوقف انتهاكاته في المسجد الأقصى والشيخ جراح وإلا فإنها ستطلق صواريخها على القدس. 

إذن فحماس هي التي بدأت المواجهة وهي التي تنهيها، ما هي شروط حماس؟

 يجيب على هذا السؤال ديفيد واينبرج نائب رئيس معهد القدس للإستراتيجية والأمن، فيقول: "تعتمد حماس على الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل والضغط الدولي لإجبار الحكومة الإسرائيلية الانتقالية على وقف سريع لإطلاق النار. وفي اتصالاتها مع الوسطاء فإنها وضعت عددا من الشروط لوقف إطلاق النار.

أ. وقف كامل للاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة.

ب- الإفراج عن كافة المعتقلين في أحداث القدس الأخيرة.

ج . التزام إسرائيل بعدم التدخل في الحرم القدسي الشريف.

د- توقف إسرائيل عن طلب إخلاء عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح في "القدس الشرقية".

ما العوامل التي تحكم قرار إسرائيل بشن الحرب؟

يقول ديفيد واينبرج: "يرى الإستراتيجيون العسكريون أنه في حالة الصراع الذي طال أمده ضد عدو عنيد ومتجذر وغير تابع لدولة مثل حماس، فإن استخدام القوة لا يمكن أن يحقق أهدافًا سياسية مستحيلة. 

بل إن الإستراتيجية واجبة الاتباع هي تلك التي تهدف إلى استنزاف وردع العدو مؤقتًا وإحداث فترات من الهدوء على طول "حدود إسرائيل"

هذه الرؤية الإسرائيلية يحكمها ستة عوامل رئيسة، هي: ضرورة التخلص من مظاهر الضعف السياسي والدبلوماسي والعسكري الإسرائيلي، نظرة شركاء السلام الإقليميين لمدى قدرة إسرائيل على سحق حماس، مدى إمكانية الحسم العسكري، وتجارب الحروب السابقة، القدرات العسكرية لحماس، وتأثير تلك القدرات على الجبهة الداخلية: 

  • "يأتي هذا الصراع على خلفية الضعف الإسرائيلي الملحوظ دبلوماسيا وعسكريا بسبب تغيير الإدارات الأميركية، والضعف السياسي بسبب الجمود الانتخابي الداخلي في إسرائيل. يجب على إسرائيل أن تُظهر أن أياً من العاهات لم يجرد البلاد من قوتها العسكرية وعزمها.

  • يراقب شركاء السلام الإسرائيليون في اتفاقيات أبراهام الجديدة (التطبيع) عن كثب الصراع الحالي أيضًا، ويحكمون من خلاله على إسرائيل. إنهم يسألون أنفسهم ما إذا كنا سنسحق حماسا بشكل مناسب بالطريقة المعتادة باعتبارها عدوا لدول الخليج؛ لأنها ممثلة لجماعة الإخوان المسلمين ومدعومة من إيران، أم أن إسرائيل ستعوقها عوامل الضعف المذكورة. إسرائيل الضعيفة أقل جاذبية بكثير كصديق لحكومات أبو ظبي والمنامة والرياض.

  • من غير المرجح اللجوء إلى حملة برية واسعة النطاق لإعادة احتلال قطاع غزة، لأنه سيؤدي إلى خسائر فادحة في كلا الجانبين. إذن، لا يوجد حل بسيط للكارثة التي تمثلها حماس، وأكثر ما يمكن أن تفعله إسرائيل هو إستراتيجية "جز العشب" لردع الحركة وتقويض قدراتها لفترات طويلة من الزمن. وهذا عمل شاق مستمر، إذا فشلنا في القيام به، فإن الأعشاب الضارة تنمو وتبدأ الثعابين في الانتشار. كذلك، فإن تقليص قدرات العدو وطموحاته في غزة يتطلب استعدادًا عسكريًا إسرائيليًا واستعدادًا حكوميًا لاستخدام القوة بشكل متقطع، مع الحفاظ على جبهة داخلية إسرائيلية صحية ومرنة على الرغم من الهجمات العسكرية المتكررة.

  • في عملية "الجرف الصامد" في عام 2014 هل استخدمت إسرائيل القوة الكافية وألحقت بحماس ما يكفي من الألم لشراء جزء كبير من الوقت كفترة راحة قبل الجولة التالية من "جز العشب"، والتي هي اليوم. وهل الحكومة هذه المرة ستستخدم القوة الكافية لضرب حماس وردعها لفترة أطول في المستقبل؟ ذلك أن التعادل مع حماس غير مرض من الناحية الإستراتيجية. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنه في عام 2014، لم يُخف حماس التدمير المادي للمنازل والمنشآت الذي أحدثه القصف الإسرائيلي. والأسوأ من ذلك كله أن الجيش الأقوى في الشرق الأوسط" فشل في استهداف صانعي القرار في حماس".

ما مظاهر العجز الإسرائيلي في هذه الحرب؟

هناك عدة مآزق تعيش فيها إسرائيل أمام حماس وتجعلها مشلولة اليد محدودة القدرة أمامها وتضعها في حرج بالغ أمام مواطنيها وحلفائها وداعميها. يوجز لنا تسفي هاوزر رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، فيقول:

  • "إستراتيجية احتواء الهجمات الصاروخية على المدنيين من قطاع غزة هي انتهاك أساسي للاتفاقية التي تتعهد بها الدولة للدفاع عن مواطنيها. لا يوجد مكان آخر في العالم يعيش فيه مدنيون تحت تهديد الصواريخ كمسألة روتينية، مع نهاية كل جولة تعد بجولة أخرى قادمة. 

  • إن تحويل الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى ساحة المواجهة يوجه ضربة قوية لمكانة إسرائيل كقوة إقليمية. ويضر بقدرات الردع الإسرائيلية حيث يضفي الشرعية على تحويل المدنيين الإسرائيليين إلى أهداف حية لأي عدو حالي ومستقبلي. والشيء الصادم والمثير للشفقة هو المفهوم السائد تقريبًا في المستوى السياسي والجيش والإعلام بأن الهجمات الصاروخية على "مدن إسرائيل" وبنيتها التحتية الحيوية ومطارها تكاد تكون مسألة مصير ومن المستحيل التعامل معها.

  • إن التفكير الإسرائيلي المشلول المتعلق بقطاع غزة يسمح "لمنظمة إرهابية" صغيرة نسبيًا ببناء قدرات عسكرية في جنوبنا، ويزداد بناء قوة حماس بين جولات القتال، وفق تعبيره. في الوقت الذي تدمن فيه إسرائيل فكرة هدنة طويلة الأمد، وتختار عمليات تكتيكية محددة بدلاً من إستراتيجية تضمن أمن الآلاف من مواطنيها".

وهناك مأزق آخر مهم لم يتعرض له تسفي هاوزر، وهو خطر الحرب الداخلية في الأراضي المحتلة عام 1948، التي اندلعت دعما من فلسطينيي الداخل للمسجد الأقصى وإخوانهم في غزة. وهو خطر يراه ساسة إسرائيل تهديدا وجوديا أخطر من حرب غزة ذاتها، لذلك قال الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين: "إذا انخرطنا في صراع داخلي، فإننا نجازف بخسارة البلد الذي كافحنا من أجل إنشائه".

هل يمكن للتوغل البري أن يحقق لإسرائيل النصر على حماس؟

لا يمكن لإسرائيل أن تغامر بحرب برية شاملة تقتحم فيها القطاع وتسيطر عليه، وإنما ستكتفي بالضرب عن بعد سواء بالطيران أو المدفعية، أو عمليات برية محدودة.

 يقول المحلل العسكري أمير رابابورت: "في منتصف يناير/كانون الثاني 2009 في حرب الرصاص المصبوب كان الجيش الإسرائيلي يبتعد خطوة عن إسقاط حماس. فقد تم تقسيم قطاع غزة، الذي يبلغ طوله 45 كيلومترًا وعرضه 5 كيلومترات في المتوسط، إلى ثلاثة أجزاء. عملت الفرقة 162 في المنطقة الوسطى مع القليل من المقاومة. كان اللواء 401 مدرع ولواء جفعاتي على بعد 4 كيلومترات فقط من قلب مدينة غزة. كان المظليون إلى الشمال قليلاً منهم. كان الطريق إلى الساحل مفتوحًا. وبعد ذلك، بموجب وقف إطلاق النار أحادي الجانب من إسرائيل، أُمر الجيش الإسرائيلي بالانسحاب".

 قال مصدر دفاعي رفيع كان منخرطا بعمق في القتال في ذلك الوقت "بعد عامين من سيطرتها على قطاع غزة، كانت حماس لا تزال مثل الفئران، وكان بإمكاننا إزالتها دون دفع ثمن باهظ، لكن غابي أشكنازي -رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك- لم يرغب في القيام بذلك. وتظاهر يوآف غالانت -قائد فرقة غزة آنذاك- بأنه لا يريد القيام بذلك، لأن رئيس الأركان لم يرغب في ذلك. لم يحاول المستوى السياسي مجادلة الجيش، لأن التوصية بعدم احتلال غزة كلها تناسبه".

هكذا بدت الأمور من منظور قيادات الجيش الإسرائيلي، وهي وجهة نظر زعمت تسيبي ليفني -وزيرة الخارجية خلال عملية الرصاص المصبوب- أن وزير "الدفاع" آنذاك إيهود باراك هو الذي سعى بالتنسيق مع مصر، لوقف العملية من جانب واحد من وراء ظهرها ومن وراء ظهر أولمرت رئيس الوزراء آنذاك. لذلك فإنهم في غزة وفي أماكن أخرى يشعرون بالضعف الإسرائيلي".

ما هي نجاحات حماس في هذه الجولة؟

قراءة نجاحات حماس وأخطاء إسرائيل في هذه المواجهة أمر ضروري ومهم لمعرفة مستقبلها ومدى الجهد الذي بذلته حماس لتوظيف الأحداث توظيفا جيدا، وتحقيق المفاجأة الإستراتيجية للعدو، والارتقاء بقدراتها العسكرية على الأرض: 

1-خلق معادلة جديدة للصراع:

في مقال بعنوان "حماس تخلق معادلة جديدة في الصراع مع إسرائيل" يقول مايكل ميلشتاين المحلل الأول في معهد السياسات والإستراتيجيات في مركز هرتسليا: "إذا لم يتوقف العدوان في الشيخ جراح سيدفع العدو ثمنا باهظا".

عكس هذا التصريح لمحمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، رغبة الحركة في خلق معادلة جديدة في علاقاتها مع إسرائيل تقوم على الادعاء بأنها من تحمي المصالح الوطنية والدينية الفلسطينية، بدءًا بالدفاع عن القدس".

2-تحسين قدراتها العسكرية:

كما حسنت حماس من قدراتها العسكرية بصورة كبيرة، فقد أثبتت الجولة الحالية أن الحركة "تستطيع اليوم إجبار 9 ملايين إسرائيلي على العيش في ملاجئ، وتستطيع أيضا استهداف كل سنتيمتر مربع تقريبًا من هذه الدولة. ولولا البراعة التكنولوجية الإسرائيلية (القبة الحديدية) والجبهة الداخلية الإسرائيلية المنظمة جيدًا والمرنة حقًا لوقعت خسائر فادحة في الأرواح في إسرائيل".

3-عنصر المفاجأة:

من أعظم إنجازات حماس هي قدرتها على مفاجأة العدو وتوجيه صفعة مدوية له، تقول الكاتبة الإسرائيلية د. ليراز مرجليت: "تذكرنا جولة العنف الحالية بأنه على عكس التقديرات العقلانية، فإن لدى حماس دوافع أخرى تحفزها لم تأخذها إسرائيل في الحسبان ولم تكن مستعدة لها. وإذا كانت هناك كلمة واحدة تصف مشاعرنا في الأيام الأخيرة فهي "مفاجأة". 

لقد تلقينا دعوة للاستيقاظ على واقع كنا بالفعل قد تمكنا من نسيانه. ومنذ مساء 10 مايو/أيار لم تتوقف حماس عن مفاجأة إسرائيل. جاء إطلاق الصواريخ بشكل مكثف باتجاه "غوش دان" مباشرة بعد إطلاق الصواريخ على القدس.

"وهذا دليل على التراخي الذي نجد أنفسنا فيه، في الوقت الذي فيه بنت حماس والجهاد الإسلامي في السنوات السبع الأخيرة قدرات عسكرية قادرة على إلحاق الضرر بقلب إسرائيل: قلبها العاطفي، القدس العاصمة، وتل أبيب العاصمة الاجتماعية والتجارية بلا منازع "، بحسب تعبيرها.

ما أخطاء إسرائيل في هذا العدوان؟

يعدد المعلق العسكري أمير رابابورت أخطاء إسرائيل على المستوى السياسي والعسكري والاستخباراتي ونجاحات حماس في نفس الوقت، وهي قراءة مهمة لمعرفة مستقبل هذه الجولة، فيقول: "في الشهر الماضي كانت هناك أخطاء لا حصر لها: 

  • من قبل الأمن الداخلي وقيادة الشرطة: مثل الإصرار على وضع كاشف معادن في باب العامود في القدس خلال شهر رمضان، والإصرار على إقامة مسيرة "رقصة الأعلام" في يوم القدس التي تغير مسارها في اللحظة الأخيرة، والأحداث المختلفة في الشيخ جراح. 

  • فشل استخبارات الجيش الإسرائيلي في معرفة نوايا حماس الحقيقية، رغم أن رئيس جناحها العسكري، محمد الضيف أعلن صراحة أن غزة ستهاجم بسبب الأحداث في القدس. 

  • لم تر إسرائيل أن المنظمة كانت تستعد للإنجاز الإستراتيجي المتمثل في: أن ينظر إليها المجتمع الفلسطيني على أنها تقود النضال ضدنا وتحويل "قضية القدس" إلى مواجهة بين العالم الإسلامي وإسرائيل. 

وإن من انزعج من أعمال الشغب التي قام بها "عرب إسرائيل"، فإنه فقد الصورة الأكبر بكثير، ففي العالم الإسلامي بأسره، يُنظر إلى إطلاق الصواريخ على إسرائيل على أنه دفاع عن المسجد الأقصى. وهذا من وجهة نظرنا شيء مروع. 

إذن، بطريقة أو بأخرى، فقد نجحت حماس في تضليل الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي خلال هذه الفترة الأخيرة برمتها. وعلى عكس حرب لبنان الثانية 2006، والرصاص المصبوب 2009، وعمود الغيمة 2012،  والجرف الصامد 2014، لم تكن إسرائيل هذه المرة هي البادئة بالمواجهة على ما لذلك من أهمية تكتيكية كبيرة. ولقد تسبب الوابل الكثيف لصواريخ حماس على القدس في صدمة لدى إسرائيل. 

على الجانب الإسرائيلي، ونتيجة لغياب رجال الدولة الحقيقيين، فقد مزقت الخلافات الحكومة وواجهت صعوبات في العمل وعدم استعدادها لإدارة الصراع. لذا تم ملء هذا الفراغ بالرجال التكتيكيين وعلى رأسهم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي الذي أغلق كقائد لفرقة غزة بوابة القطاع حين الانسحاب منه في أغسطس/آب 2005. بالنسبة لمن نسوا، بدأ إطلاق الصواريخ من غزة قبل الانسحاب بوقت طويل، لذا بادر كوخافي باستخدام مفهوم "مظلة النار"، أي  استخدام دوائر النيران من بعيد، وبالأساس عن طريق الجو للتعامل مع الصواريخ. وقد حافظ كرئيس للأركان على مفهوم "مقاومة النار" أكثر مما فعل في مناصبه السابقة، رغم إنجازاته المحدودة"

إذن، فقد تعددت الأخطاء الإسرائيلية في هذه الجولة حتى صارت بحق كمن يمشي إلى حتفه معصوب العين مشوش الفكر. 

ما عوامل إيقاف أو استمرار المواجهة؟

بالإضافة للجهود الدولية والوساطات المتعددة لإيقاف المواجهة، فإن أمر استمرارها مرتبط بقرار كل من حماس وإسرائيل الذي تحكمه ثلاثة عوامل رئيسة:

1-تحقيق ما يمكن أن يطلق عليه كلمة النصر: 

"تعلم إسرائيل وحماس أن حرب غزة الرابعة، مثل الحروب الثلاثة السابقة، ستكون غير حاسمة بقدر ما ستكون مدمرة لمليوني فلسطيني في المنطقة الفقيرة. لكن في الأيام أو الأسابيع التي تسبق هدنة حتمية، سيهدف كل طرف إلى شيء يمكن أن يسميه انتصارًا.

  • بالنسبة لإسرائيل، قد يعني النصر اغتيال قائد كبير في حماس، أو تدمير ما يكفي من الأنفاق وقاذفات الصواريخ والبنية التحتية الأخرى لتقول إنها "جزت العشب"، وهي عبارة يستخدمها الإسرائيليون على نطاق واسع لوصف القمع المؤقت للخصم قبل المواجهة التالية.

  • بالنسبة لحماس، فالجائزة الكبرى هي أسر جنود إسرائيليين يمكن أن تقايضهم فيما بعد بالفلسطينيين المسجونين (الأسرى لدى الاحتلال). والثانية القريبة هي تسجيل بضع ضربات صاروخية بعيدة المدى على "المدن الإسرائيلية" لإظهار البراعة العسكرية للمنظمة الفلسطينية في مواجهة عدو أقوى بكثير

2-طبيعة الحرب ومجريات أحداثها ومخاطر إطالتها:

"بما أن الحرب بدأت بمستوى عالٍ من الشدة تمثل في قيام حماس والجهاد بإمطار إسرائيل بالصواريخ، والرد الإسرائيلي الذي ركز على القيام بعمليات اغتيال لشخصيات مستهدفة وإسقاط المباني المتعددة الطوابق في غزة، فهذه المرة لن يسفر استمرار الحرب لعدة أسابيع عديدة عن إحراز تقدم، ولن تستمر 51 يومًا مثل عملية الجرف الصامد". سيصل القصف الإسرائيلي لقطاع غزة إلى ذروته خلال أيام أو أسابيع قليلة. وسيكون اغتيال شخصيات رفيعة المستوى في حماس مكونًا رئيسا للهجمات الإسرائيلية. ومع ذلك، فلا يوجد في الحرب طريقة لمعرفة ما سيحدث على وجه اليقين. 

لذا يعتمد إنهاء هذه الجولة على ما ستظهره إسرائيل من القوة أو الضعف. كما أنه كلما طال القتال، أصبح من الواضح أن الخطر الأكبر الذي تواجهه إسرائيل هو الفوضى والحرب الداخلية، وهو خطر أكثر من الصواريخ من غزة.

3-إدراك الطرفين استحالة تحقيق كل الأهداف:

يدرك كل من إسرائيل وحماس أنه ليس كل ما يتمناه كل منهما من أهداف كبرى يستطيع تحقيقها مهما طال أمد الحرب: 

  • "ستحتاج إسرائيل لإسقاط حماس أن تعيد احتلال غزة في عملية طويلة ودموية من شأنها أن تثير الإدانة الدولية. وحتى أكثر الإسرائيليين تشددًا لا يقترحون هذا المسار. 

  • وعلى نفس المنوال، لا تتوقع حماس رفع الحصار الإسرائيلي المصري المفروض على غزة منذ استيلائها على السلطة في القطاع عام 2007. 


القسم الثاني: ما بعد العدوان:

كيف ستواجه إسرائيل مخاطر الحرب الأهلية؟

"لطالما ابتليت إسرائيل بالتحريض على الطائفية، وتفاقم ذلك خلال الأزمات السياسية وفيروس كورونا، حيث انقسم المجتمع الإسرائيلي بأكمله، وقد ابتلي بهذا الخطاب العدائي جميع الأطراف من وسائل الإعلام والساسة، وحاول المسؤولون كسب التأييد من خلال هذا الخطاب خلال أربع جولات من الانتخابات. لقد رأت حماس الوضع، واستغلت لمصلحتها هذا الغضب المتصاعد بالفعل في عموم المجتمع الإسرائيلي، وجعلته على نار عالية. ربما أشعلوا عود الثقاب، لكن بالتأكيد كان الحطب جاهزًا لدينا.

لا يمكن إلقاء اللوم على السياسيين وحدهم. ورغم أن الكثير من التحريض جاء من أعلى، إلا أن "مواطني إسرائيل" قبلوه وبرروا له وساعدوا على نشره. لذلك، عندما نتطلع إلى شفاء هذه الندوب:

  • سوف يتطلب الأمر جهوداً جبارة من جميع الأطراف لسد الفجوات المتسعة والتغلب على الخوف الشديد وانعدام الثقة. وهذا قد يتطلب أكبر جهد مدني في تاريخ إسرائيل. 

  • تحتاج القوات الأمنية إلى الرد على العنف والعمل بشكل مكثف للحفاظ على السلام.

  • يجب أن تكون هناك جهود مكثفة ونهج متوازن على المستوى المدني لفهم كيفية مكافحة هذه الطائفية، وإلا فإننا ببساطة سنظل في دائرة العنف".

كيف ستواجه إسرائيل الخطر الحمساوي بعد الحرب؟

تدرك إسرائيل أن حماسا قدر لا مفر منه، وأن إعادة احتلالها لغزة خطأ إستراتيجي وتكلفته كبيرة، ومع ذلك ترى ضرورة ردعها، لذا فالتعامل مع الحركة له مستويان؛ أحدهما أثناء الحرب ويمتد أثره إلى ما بعدها، والمستوى الثاني من التعامل هو ما بعد الحرب:

1-أثناء الحرب

يقول نائب مدير معهد القدس للإستراتيجية والأمن العقيد احتياط عيران ليرمان: "إن القيام بعمل بري واسع النطاق للإطاحة بحماس يمكن أن يؤدي بجيش الدفاع الإسرائيلي إلى حالة من الحكم المستمر لسكان معادين بوضوح، مع كل ما يترتب على ذلك".

حكم حماس في غزة ليس له بديل سياسي ؛ ولن يدخل (الرئيس الفلسطيني) محمود عباس غزة على متن دبابة إسرائيلية. يجب أن تكون ضربات الجيش الإسرائيلي مكثفة وتهدف إلى إلحاق أضرار جسيمة بمستوى القيادة المتوسط ​​والبنية التحتية والأسلحة، والتي ليس من السهل تهريب بديل لها، حتى حدوث ضرر كبير لقوتها الإجمالية، وفق تقديره.

ويرى أنه من المهم أن تكرر الضربة إحجامًا عن مواجهة عسكرية مستقبلية لسنوات قادمة. بغض النظر عن رأي أصدقائنا الأميركيين ورأي الآخرين. ليس من المهم بالنسبة لإسرائيل فقط أن حماسا التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، لا تسيطر على الحرم القدسي، وبالتالي تقوض مكانة معسكر الاستقرار في العالم العربي، فعواقب مثل هذا الإنجاز ستكون بعيدة المدى. 

حتى لو احتج الكثيرون في العالم العربي، من الأردن والسعودية إلى مصر، على "أفعال إسرائيل"، فإن مصلحتهم الحقيقية هي منع حماس من تحقيق أي إنجاز في هذه الساحة. وبالقدر نفسه، يجب على جهاز الأمن العام والشرطة الإسرائيلية التأكد من أن حماسا لا توجه المزاج الخطير في الشارع العربي في إسرائيل إلى احتياجاتها السياسية".

2-ما بعد الحرب:

أما التعامل الإسرائيلي مع حماس بعد الحرب فيقوم على: إضعافها سياسيا بالحد من سيطرتها على الشأن الفلسطيني والتجمعات الفلسطينية، وإضعافها عسكريا عن طريق نزع سلاحها. 

يتحدث الباحث في معهد دراسات الأمن القومي  أودي ديكل عن الإضعاف السياسي لحماس وتأثيرها على الفلسطينيين، فيقول: "يلزم وجود نظرة إستراتيجية متعددة الجبهات والتخصصات لتكون بمثابة وسيلة لتخطيط وإدارة الجبهات المعنية، فيما يتعلق بالحاضر والمستقبل على حد سواء: 

  • يجب خفض ألسنة اللهب في البلدات الإسرائيلية المختلطة (الأراضي المحتلة عام 1948). لا ينبغي وصف التوترات الحالية على أنها حرب أهلية، لأن هذا يؤطر للمتطرفين من كلا الجانبين المشاركين في الأحداث.

  • إدارة الحملة ضد حماس تتطلب العلم بأن للإنجاز العسكري حدوده. إذًا فالهدف هو فرض شروط إسرائيلية لوقف "الأعمال العدائية" ومنع سيطرة الحركة على الساحة الفلسطينية، مع حرمانها من قوة السيطرة على واردات القطاع حتى لا يمكن استخدامها في التعزيزات العسكرية المستقبلية.

  • يجب إبقاء الضفة الغربية خارج دائرة التصعيد من خلال التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية.

  • يجب على إسرائيل صياغة هدف يتمحور حول تجديد العملية السياسية مع السلطة الفلسطينية، حتى لو كان ذلك يتلخص في ترتيبات انتقالية تدريجية فقط. 

  • من أجل توليد دبلوماسية دعائية إيجابية لإسرائيل دوليًا، يجب نشر مقاطع فيديو تنقل للعالم الرواية الإسرائيلية".

كما يرى رئيس لجنة الأمن بالكنيست تسفي هاوزر أنه "لا خيار أمام إسرائيل إلا ترسيخ مفهوم إزالة صواريخ غزة باعتبارها الركيزة الأساسية لهذه الجولة، ويجب نزع سلاحها على غرار الطريقة التي جُرد بها الرئيس السوري بشار الأسد من الأسلحة الكيميائية منذ عدة سنوات".

ويضيف: "إزالة الأسلحة الثقيلة من غزة كان هدف عملية الجرف الصامد عام 2014، ويجب ألا نتراجع عن هذا الهدف. ستحتاج حماس إلى الاختيار بين السلطة أو الصواريخ، لا يمكنها الاستمرار في التمسك بكليهما".

  • كيف ستتعامل إسرائيل مع القدس والمقدسيين؟

      يحلل ديفيد كورين الباحث الإسرائيلي الخبير في شؤون القدس بمعهد القدس للإستراتيجية والأمن، أحداث القدس وكيفية التعامل معها، فيقول: "أثارت الأحداث العنيفة التي اندلعت في الأسابيع الأخيرة مرة أخرى التساؤل حول أسباب "حرق" القدس على خلفية قومية دينية. 

السؤال الأكثر روعة وأهمية الذي يجب التعامل معه هو بالتحديد ما الذي يجعل المدينة هادئة وهادئة لفترات طويلة، على الرغم من التفاعل اليومي المكثف القائم بين اليهود والعرب. 

في ضوء حدة النضال الديني والوطني في القدس، فإن النزاعات العنيفة هناك هي سيناريو يجب التحضير له بشكل منتظم ما دام الوضع السياسي الحالي قائمًا. 

وعلى الرغم من سيطرة إسرائيل على القدس، فإن الفلسطينيين لا يتخلون أبدًا عن رغبتهم في إظهار السيادة والسيطرة على "القدس الشرقية". وستظل القضايا المتعلقة بالحرم القدسي والحوض المقدس، هي أساس الخلاف بين الطرفين، وتنتج مزيجًا قويًا من التوتر الديني والوطني. 

لقد أدى بناء "الجدار الأمني" ​​في 2005-2007 إلى عزل "القدس الشرقية" عن رام الله وباقي الضفة الغربية، وساهم بشكل تدريجي في خلق هوية مقدسية فريدة لـ"عرب القدس الشرقية"، في قلبها الارتباط بالقدس والحرم القدسي الشريف ليس فقط كرمز إسلامي ولكن أيضا كرمز وطني فلسطيني. 

ولذلك، فإن العنصر الأساسي الذي يجب الحفاظ عليه في الجانب الإسرائيلي هو ترك الحرم القدسي خارج صورة نزاعات القدس".

وكتب كورين مقالا آخر بعد اندلاع المواجهة يحلل فيه أسباب الأحداث وما يجب على إسرائيل فعله لمنع اندلاع "أعمال عنف" أخرى بالمدينة المقدسة ركز فيها على الجانب العربي، ومتبعا فيها سياسة العصا والجزرة وسياسة فرق تسد، وإضعاف الانتماء الإسلامي لشباب القدس وإعادة تشكيل العقل المقدسي.

 وكان من أهم ما قاله: "تعتبر أحداث العنف الأخيرة، من بين أمور أخرى، ثمرة للتسلل الأجنبي المتعمق للعناصر الإسلامية، بقيادة تركيا، إلى القدس الشرقية. يهدف هذا الاختراق إلى تشكيل صورة شباب القدس الشرقية بألوان إسلامية أكثر تميزًا. إن نشاط "الدعوة" البريء يبذر بذور احتجاج ديني عنيف ضد قوات الشرطة الإسرائيلية بشكل خاص، وضد اليهود بشكل عام في شوارع القدس".

التحديث المقترح للسياسة الإسرائيلية بساحة العمل المقدسية، وساحة العمل الفلسطيني بكامله، بما في ذلك "عرب إسرائيل"، ودائرة القدس الداخلية، يشمل ما يلي:

  • يد شُرطية قوية.

  • تمكين وتوسيع البديل الإسرائيلي المتمثل في تقديم الخدمات من قبل البلدية والوزارات الحكومية، وخاصة في مجالات تشكيل العقل مثل الثقافة والرفاهية والمجتمع والشباب والتعليم.

  • نظرة تكاملية بينية تنظيمية لجميع مكونات الساحة الفلسطينية والعلاقة المتبادلة بينها.

  • التفريق بين الأحياء والمناطق داخل "القدس الشرقية" نفسها المكونة من 19 حيا. فيجب التعامل بقوة مع "أعمال الشغب" في الأحياء التي يسود فيها العنف، وفي نفس الوقت إذاعة "العمل كالمعتاد" فيما يتعلق بالأحياء التي يسودها الصمت.

  • تتطلب مكافحة "التخريب الأجنبي" كلاً من المراقبة المنتظمة للعناصر القانونية والأمنية وعناصر السياسة الخارجية من خلال الأنشطة غير القانونية التي تقوم بها العناصر الأجنبية في "القدس الشرقية"، وتعزيز الإجراءات المدنية الإسرائيلية بطريقة توفر بديلاً جيدًا لرفاهية المدنيين والتعليم والخدمات الثقافية.

كيف ستتعامل إسرائيل سياسيا مع القضية الفلسطينية؟

الاعتقاد بأن صفقات التطبيع مع الدول العربية من شأنه أن يضع المشكلة الفلسطينية جانبا على الأجندة المحلية والإقليمية والدولية، جرى تبديده الآن بشكل لا لبس فيه. 

إن التحديات التي تطرحها القضية الإسرائيلية الفلسطينية موجودة ومُقَدَّر لها أن تعاود الظهور من وقت لآخر، وبالتالي يتطلب من إسرائيل إجراء تفكير إستراتيجي متجدد متعدد الأنظمة يركز على: 

  • تجديد العملية السياسية مع السلطة الفلسطينية، حتى لو لم يكن هناك توقع أو توجه نحو الدفع باتفاق شامل.

  • ترتيبات انتقالية تدريجية تهدف لتحسين الواقع الأمني والمدني في منطقة الصراع.

  • منع سيطرة حماس على الأجندة الفلسطينية. 

  • يجب إعادة الأردن إلى دوره كعنصر اعتدال وشريك في الترتيبات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

ما هي مقترحات تعزيز الأمن الإسرائيلي؟

يستعرض الجنرال المتقاعد جيرشون هاكوهين مشاكل الأمن الإسرائيلي حاليا ومقترحات تعزيزه حتى تستطيع إسرائيل أن تواجه الأخطار بسرعة وأن تتمكن من الحرب بكفاءة على عدة جبهات في نفس الوقت.

يقول: "كشف انفجار العنف الجماعي من قبل عرب إسرائيل ضد المواطنين اليهود في وقت كانت الدولة تتعرض فيه للهجوم من قبل عدو خارجي عن نقطتي ضعف أساسيتين في الاستعداد العملياتي لمؤسسة الدفاع":

  • النقص الحاد في قوات الشرطة والجيش الإسرائيلي: لأكثر من ثلاثة عقود، كان الجيش الإسرائيلي يقلل بشكل مطرد من أعداد قواته، وخاصة وحدات الاحتياط، لإنشاء "جيش صغير ذكي". صحيح أن الأسلحة الموجهة بدقة وإجراءات الاستخبارات المتطورة، تمنح الجيش الإسرائيلي ميزة نوعية واضحة، إلا أن الاعتقاد بأن عصر التعبئة الجماهيرية قد انتهى يتجاهل تعقيد الحرب. 

لذا يجب بالتأكيد أن يتم تنفيذ الجهد القتالي الرئيس من قبل نخبة من القوات الضاربة عالية الجودة، لكنهم سيظلون بحاجة إلى دعم من كتلة كمية كبيرة على مستوى جودة متوسط. 

  • عدم وجود نظام الدفاع الإقليمي الهائل الذي كان يضم السكان المحليين المسلحين المدربين من قبل الجيش في المجتمعات الحدودية: بالنظر إلى الموجة العارمة الأخيرة للعنف العربي في جميع أنحاء إسرائيل، هناك حاجة ماسة لإنشاء قوة أمنية داخلية كبيرة تعتمد على جنود الاحتياط، والتي ستعمل تحت قيادة الجبهة الداخلية أو شرطة الحدود. وهؤلاء يمكن تجنيدهم بسهولة في هذه المهمة الوطنية البالغة الأهمية لإعادة تأكيد سيادة الدولة، وقابليتها للحكم، وسيادة القانون في جميع أنحاء البلاد".


الخلاصة

حققت حماس مفاجأة إستراتيجية أذهلت إسرائيل وأربكتها وكشفت مواطن الضعف فيها، وأعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث بعد المحاولات المحمومة لوأدها عبر صفقة القرن (خطة واشنطن المزعومة للسلام) واتفاقيات التطبيع العربية المعروفة باسم "أبراهام".

كما حققت وحدة الصف الفلسطيني وتوحده حول الأقصى والقضايا الأساسية في الصراع: الأقصى والقدس والاستيطان والحصار الظالم المفروض على غزة. 

ومن هنا أصبح تاريخ 10 مايو/أيار 2021 يوما مفصليا في تاريخ القضية الفلسطينية والمنطقة وفي مستقبل الكيان الإسرائيلي، ولن تكون الأمور بعده مطلقا كما كانت قبله.