المغرب الثالث إفريقيا بالاستثمار الأجنبي.. يبني اقتصاده أم تبعية للخارج؟

الرباط - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"جاذبية خاصة" دفعت البنك الإفريقي "Rand Merchant Banck" في أحدث تقاريره، لإدراج المغرب ضمن أفضل 10 دول إفريقية تُعتبر الأفضل للاستثمارات الأجنبية، بسبب عوامل، أبرزها "الاستقرار السياسي واستقرار مناخ الأعمال في المملكة".

ووفق التقرير الذي يحمل عنوان "أين تستثمر في إفريقيا"، فإن المغرب جاء في المرتبة الثالثة، باعتباره "البوابة الجديدة للسوق الإفريقية".

وأضاف التقرير أن "المغرب اتخذ قرارات حكومية دفعته إلى التغلغل اقتصاديا في محيطه القاري منذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي (في يناير/كانون الثاني 2017)، وخلقه لشراكات مع مجموعات اقتصادية في غرب إفريقيا، مستعينا بتميزه عن باقي البلدان المجاورة باستقرار مناخ أعماله".

وأشار إلى أن "الاقتصاد المغربي من المتوقع أن يعرف نموا بنسبة تصل إلى 4 في المائة خلال السنوات القليلة المقبلة، وبالتالي فإن المغرب من البلدان التي تُعتبر مميزة للاستثمار".

تجاوز الصعوبات

تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب بنسبة 16.8 بالمائة إلى 5.315 مليارات درهم (540.89 مليون دولار) بنهاية أبريل/نيسان 2020، مقابل 6.387 مليارات درهم (649.98 مليون دولار) بنهاية أبريل/نيسان 2019.

وأرجعت بيانات لمكتب الصرف التابع لوزارة الاقتصاد والمالية المغربية، ذلك إلى انخفاض عائدات الاستثمار الأجنبي المباشر، بنسبة 25.9 بالمائة، إلى 8.345 مليارات درهم، بنهاية أبريل 2020، مقابل 11.26 مليار درهم، بنهاية أبريل 2019. (الدولار = 9.6 درهم مغربي)

وانخفض صافي تدفق الاستثمارات المغربية في الخارج، بنحو 1.7 مليار درهم  إلى 1.549 مليار درهم  بنهاية أبريل/نيسان 2020، مقارنة بـ 3.246 مليار درهم بنهاية أبريل/نيسان من العام الذي سبقه.

وبلغت الاستثمارات المغربية المباشرة في الخارج 2.992 مليار درهم  نهاية أبريل 2020، مقابل 3.965 مليار درهم نهاية أبريل/نيسان 2019، بانخفاض 24.5 بالمائة.

فيما ارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بنسبة 7.5 بالمائة إلى 4.238 مليارات درهم بنهاية مارس/آذار 2020، مقابل 3.943 مليار درهم بنهاية مارس/آذار 2019.

وتفيد بيانات رسمية بأن تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو المغرب وصل إلى 1.88 مليار دولار العام الماضي، بعدما كانت في حدود 3.53 مليارات دولار عام 2018، مسجلة انخفاضا بنحو 15,9 في المائة.

فيما عرفت الاستثمارات المباشرة للمغاربة في الخارج عام 2019 ارتفاعا بنسبة 49 في المائة، لتستقر في حدود 963 مليون دولار، إلا أن محللين يعتبرون أن ارتفاع حجم الاستثمارات عام 2018 يعود إلى صفقة استثنائية جاءت بعد بيع حصة من مجموعة "ساهام فينانس" المغربية لشركة "سانلام" الجنوب إفريقية بأكثر من مليار دولار.

وتزامن الارتفاع الكبير الذي سجلته الاستثمارات الأجنبية حينها أيضا مع زيادة العملاق الجنوب إفريقي حصته في المجموعة المغربية إلى 53 في المائة، وتتميز "ساهام فينانس" العاملة في التأمينات، التي كانت ضمن مجموعة مملوكة لوزير الصناعة والتجارة مولاي حفيظ العلمي، بحضورها في 26 دولة في إفريقيا والشرق الأوسط.

في فبراير/شباط 2020، ارتفع عجز الميزان التجاري للمغرب إلى 21.7 مليار دولار، إذ أثر تراجع فاتورة واردات منتجات الطاقة، في عجز الميزان في سياق متسم بترقب القرار الذي قد تتخذه السلطات العمومية حول توسيع نطاق "تليين" الدرهم، الذي يراد منه تحفيز الصادرات.

وسجل عجز الميزان التجاري ارتفاعا طفيفا في العام الماضي، حيث بلغ 21.72 مليار دولار، مقابل 21.41 مليار دولار في العام الذي قبله، حسب بيانات مكتب الصرف، وزادت واردات المغرب في العام الماضي، بنسبة 2 في المائة، لتصل إلى 43.56 مليار دولار، بينما ارتفعت الصادرات بنسبة 2.4 في المائة، لتبلغ 29.22 مليار دولار.

المراتب الأولى

رغم هذه الصعوبات، دأبت تقارير دولية على تصنيف المغرب ضمن البلدان الإفريقية التي تحتل المراتب الأولى في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهذا النمو يأتي عبر الانخراط في سياسات صناعية تستند إلى السيارات والطائرات والإلكترونيات والطاقات المتجددة.

واعتبر اقتصاديون أن أغلب الاستثمارات التي تلقاها المغرب في الأعوام الأخيرة تجذبها الامتيازات التنافسية التي يمنحها البلد، لكنها "لا تساهم في خلق مسار تصنيعي يمكن أن يُبنى عليه" في المملكة.

ولا تزيد هذه الاستثمارات من قدرات المملكة على تطوير اقتصادها، وهو ما يؤشر عليه قطاع السيارات الذي يتصدر الصادرات، غير أن المغرب لا يستفيد منه لخلق صناعات وطنية فاعلة.

ويعتبر المغرب أن جاذبيته مردها إلى استقرار سياساته المالية والاقتصادية، وهو ما يؤشر عليه القدرة على التحكم في عجز الموازنة والتضخم وغيرها من المؤشرات الأساسية، وكذا توفير نظام صرف يسمح بترحيل الأرباح إلى الخارج وتوفير تحفيزات جبائية للشركات المصدرة، وتوافر رؤية على مستوى السياسات العامة.

ودأب المندوب السامي في التخطيط، أحمد الحليمي، على التشديد على أنّ من الجيد منح أراض وامتيازات للمستثمرين الأجانب في قطاعات مثل صناعة السيارات، غير أنه يشدد على ضرورة توفير منتجات تكميلية من أجل خلق دينامية وتحسين تنافسية النسيج الإنتاجي المحلي.

ويعتبر الحليمي أن "الإنتاج لا يتوافر على محتوى تكنولوجي كاف ولا يخلف ما يكفي من فرص العمل المؤهلة".

انخفضت الاستثمارات المغربية في الخارج، بنحو 1.51 مليار درهم إلى 1.159 مليار درهم بنهاية مارس/آذار من 2020، مقارنة بـ 2.665 مليار درهم بنهاية مارس من العام الذي سبقه.

وتراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب بنسبة 19.5 بالمائة إلى 2.218 مليار درهم بنهاية فبراير/شباط 2020، مقابل 2.756 مليار درهم بنهاية فبراير 2019.

إعفاء ضريبي

بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب نحو 282 مليون دولار في الربع الأول من السنة الجارية حسب مكتب الصرف (المؤسسة المكلفة بإحصاء التبادل التجاري والاقتصاد مع الخارج).

ويعمل المغرب على جذب الاستثمار، ويراهن في ذلك على الاستقرار السياسي وموقعه الإستراتيجي الذي يجعل منه منصة للاستثمار نحو إفريقيا، ويعمل أيضا على تحسين مناخ الأعمال ويعمل على تطوير البنى التحتية.

في 2018، قالت وزارة الاقتصاد والمالية في المغرب إن الحكومة ستعفي الشركات الصناعية الجديدة من ضريبة الشركات لمدة خمس سنوات، بهدف تحفيز الاستثمار.

وأوضحت الوزارة أن هذا الإجراء يهدف إلى تشجيع الاستثمار في 24 قطاعا، من بينها السيارات والطيران والمنسوجات والأغذية والصناعات الدوائية.

وأتى هذا الإعفاء الضريبي في وقت توقع فيه المغرب استمرار تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، بعدما تراجع بنسبة 17.2% في النصف الأول من 2018 مقارنة بالفترة نفسها من العام الذي سبقها.

غير أن المملكة اجتذبت استثمارات من شركات عديدة في قطاعي السيارات والطيران خلال السنوات الأخيرة، من بينها: رينو، وبيجو، وبومباردييه، وبوينغ، وسافران. 

وتحوّل المغرب في غضون سنوات قليلة لمنصة صناعية إقليمية محورية في مجال تصنيع السيارات، مما انعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد المحلي وتوفير فرص الشغل ضمن إستراتيجية وضعت نصب عينيها إنتاج مليون سيارة بحلول العام 2020.

صناعة السيارات

وشهدت صناعة السيارات نموا متسارعا مع استقرار شركات عالمية في البلاد مثل "رونو" و"بوجو" الفرنسيتين وشركة "بي واي دي" الصينية لصناعة السيارات الكهربائية.

وتعززت إستراتيجية المغرب الخاصة في القطاع بإطلاق 26 استثمارا صناعيا في السيارات عام 2017، في حفل ترأسه الملك محمد السادس بكلفة مالية فاقت قيمتها 13.78 مليار درهم (حوالي 1.5 مليار دولار) حيث من المقرر أن تخلق المشاريع الجديدة أكثر من 11 ألف منصب شغل مباشر.

وحافظ قطاع السيارات على مكانته كأول قطاع مصدر بالمغرب بحصة 24.4% من مجموع الصادرات خلال العام 2016، مما يعادل 54.6 مليار درهم (نحو 5.8 مليارات دولار)، متقدما على صادرات القطاعات التقليدية مثل الفلاحة والفوسفات.

وبعد السياحة، تأتي صناعة السيارات ضمن القطاعات التي تجلب العملة الصعبة للبلاد، وبلغ المغرب القدرة على إنتاج 650 ألف وحدة عبر مصنعي "رونو" و"بي أس أي"، تصدر قائمة الدول المصدرة لمنتجات السيارات في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

وانعكست الدينامية التي يشهدها القطاع بشكل إيجابي على مؤشر فرص العمل بحيث بلغ متوسط معدل النمو السنوي لفرص العمل في قطاع صناعة السيارات 11% ما بين عامي 2008 و2016، أي ما يقارب 92 ألفا و500 فرصة.

وتمثل صناعة وتركيب أسلاك السيارات 50% من قطاع السيارات في المغرب، والنسبة المتبقية تمثلها صناعة قطع السيارات الداخلية وتجميعها.

لكن رؤوس الأموال، في خضم بحثها عن تنافسية أكبر تتجه لخفض الكلفة والبحث عن يد عاملة مدربة ورخيصة، وأحيانا ومع ضغط نسب البطالة يسود التوظيف خارج القانون، مما يطرح السؤال عن ضمانات العمالة وحقوقها وسلامتها في ظل الاستثمار الأجنبي.

سلاح ذو حدين

وفي السياق، قال الخبير الاقتصادي، المهدي فقير: إن "الاستثمار الأجنبي مطلوب في بلد بسعى إلى تطوير اقتصاده، لكن مع التجربة ثبت أنه سلاح ذو حدين، إذ يعمق التبعية للاقتصاديات الكبرى، خصوصا إذا تعلق الأمر باستثمار محدود في الزمان والمكان، وأيضا في عدد القطاعات، وبالتالي فهو يحرك بشكل وقتي العجلة الاقتصادية".

وشدد فقير، في حديث مع صحيفة "الاستقلال" على أن "الاستثمار الأجنبي بحاجة إلى ضخ العملة الصعبة، بشرط تطوير النسيج الاقتصادي عن طريق نقل الخبرات وتوطين هذه الاستثمارات، على المستوى البعيد في قطاعات واعدة، مثل الطاقات المتجددة والمدن الذكية والصناعات ذات القيمة المضافة العالية".

ورأى أن "المغرب غيّر نظرته للاستثمار الأجنبي بحثا عن استثمارات ذات مردودية عالية، حيث تميز باستقرار نادر وفريد ويتوفر على كل المقومات التي تمكنه، في سباق إقليمي دقيق، من النهوض بالاقتصاد الوطني.

وأوضح فقير أن "المستثمر الأجنبي ينظر بمنطق الربح ومصلحته العامة والعليا، فيما يستفيد المغرب بشكل كبير من نقل الخبرات التقنية والبشرية، وهو ما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني، وأعتقد أننا عندما نصل إلى توافقات تخدم مصالح الطرفين، فإننا نستفيد من منطق رابح-رابح".

وعن التأثير السلبي لهذه الاستثمارات على الصناعات المحلية، خاصة في ظل التسهيلات التي تمنح لكثير من المستثمرين الأجانب، وسط معاناة المغاربة وعدم قدرتهم على مجاراة رأس المال الضخم للمستثمر الأجنبي، قال الخبير الاقتصادي: إن هذا الحكم هو "حكم قيمة غير دقيق".

وبيّن أن الامتيازات "هي نفسها سواء تعلق الأمر برأس مال مغربي أو أجنبي"، مؤكدا أن "هذه الامتيازات متوفرة في قطاعات لا يرغب الرأس المال الوطني في الاستثمار فيها، وبالتالي فإن هذا الرأي يعتمد على منطق المظلومية"، وفق تعبير فقير.

وجزم الخبير الاقتصادي، بعدم ثبوت وجود استثمارات وطنية لم تستفد من الامتيازات، وخصّ بالحديث مجال السيارات، موضحا أنه مجال إستراتيجي قد لا يؤمن به أغلب المستثمرين المحليين، ويرجحون الاستيراد من الخارج، كاشفا أن "الاختباء وراء الريع الجمركي هو ما يشجعهم على ذلك".

واستدرك قائلا: "المصلحة العليا والإستراتيجية للبلاد واضحة، وقد أثبتت النتائج أن المغرب راهن بالفعل باختياراته على حصان رابح"، موضحا أنه "في ما عدا قطاع النسيج -الذي قامت الحكومة بالفعل بتحركات لحمايته من المنافسة الأجنبية- فإن على المستثمر المحلي مواكبة المنافسة". 

وختم الخبير الاقتصادي فقير تصريحاته بالقول إن "رأس المال الوطني مدعو ومطالب بالانخراط في هذه الدينامية، والقبول بمخاطر الاستثمار".