سلفيو موريتانيا مستعدون للاندماج في المجتمع.. هل يستجيب ولد الغزواني؟

12

طباعة

مشاركة

من داخل السجن، وجه سلفيو موريتانيا رسالة إلى رئيس الجمهورية، محمد ولد الشيخ الغزواني، أكدوا من خلالها رغبتهم للاندماج في المجتمع من جديد بعد تقييم "ما اعتنقوا من أفكار"، وخرجوا "بيقين عميق" أنهم كانوا "على خطأ في ذلك المنهج".

هذه الرسالة لم تكن الوحيدة في غضون شهرين فقط، ففي سبتمبر/ أيلول 2020، طالب السجناء السلفيون بحوار جديد مع نظام الرئيس ولد الغزواني بما يضمن لهم "إدماجا في المجتمع، ويمنحهم فرصة جديدة".

السجناء السلفيون اشتكوا من "قسوة الأحكام الصادرة بحقهم"، مستغربين مما أسموه "حرمانهم التام من أي عفو رئاسي".

في أبريل/ نيسان 2020، ومع بداية انتشار فيروس كورونا طالب عدد من علماء وفقهاء موريتانيا الحكومة بالإفراج عن السجناء "غير المتورطين في الدماء".

العلماء اعتبروا أن المرحلة تتطلب "تسامحا وحرصا على عدم نقل عدوى الفيروس إلى السجون"، لكن كل هذه الدعوات لم تلق حتى الآن أي تجاوب من طرف النظام الجديد في موريتانيا، فهل يرفض ولد الغزواني المصالحة مع السلفيين أم يقبلها؟.

صفحة جديدة

في 2015 أعلن السجناء السلفيون في موريتانيا رغبتهم في فتح حوار جديد مع الحكومة يشمل الجميع، وأكدوا التزامهم بخط الحوار ومنهجه والقبول بنتائجه، باعتباره الوسيلة لإنهاء "الأزمة وحلها" والقضاء على أسبابها.

الرسالة كانت الثانية من نوعها، وسبقتها أخرى في 2010 وجهتها المجموعة إلى العلماء المشاركين في ندوة دولية في نواكشوط ناقشت دور ثقافة السلم في التصدي للإرهاب، حيث اعتبر السجناء السلفيون هؤلاء العلماء هم الوسيط الدائم في الحوار بينهم وبين النظام.

في السنة نفسها قضت محكمة موريتانية بالإعدام على الخديم ولد السمان، وسيدي ولد سيدينا، ومعروف ولد الهيبة، في محاكمة طالب فيها الادعاء بإعدام7 متهمين على خلفية ما يعرف بـ"مواجهة سانتر أمتير"، وهي مواجهة دامية بين عناصر من تنظيم "أنصار الله المرابطون" بقيادة ولد السمان، ووحدات من الأمن والجيش قتل فيها ضابط من الشرطة وعنصران من التنظيم.

وأيدت محكمة الاستئناف في العاصمة الموريتانية نواكشوط عام 2014 أحكاما بالإعدام والسجن المؤبد صادرة قبل سنوات على 5 من قادة التيار السلفي.

ومن أبرز المحكوم عليهم في هذه القضايا الخـديم ولد السمان، زعيم ما يعرف بتنظيم أنصار الله في بلاد المرابطين، المحسوب على تنظيم القاعدة، وسيدي ولد سِيدينا المدان في قضية قتل السياح الفرنسيين.

في 2010 تم الإفراج عن عشرات السجناء السلفيين بموجب عفو رئاسي خاص، بعد حوار داخل السجن برعاية شخصيات علمية أفضى إلى رجوع عدد من السجناء عن "الفكر المتشدد"، فيما بقيت أعداد أخرى متهمة بتنفيذ عمليات إرهابية قتل فيها جنود موريتانيون وأجانب.

"السجن المدني"

مطلع شهر يناير/ كانون الثاني 2015 اندلعت أحداث شغب داخل السجن المدني بنواكشوط، بعد سيطرة السجناء السلفيين على جناح في السجن، واحتجاز عنصرين من الحرس مطالبين بالإفراج عن سجناء انتهت مدة محكوميتهم، واستجابت السلطات للمطالب وأفرجت بالفعل عن 4 سجناء.

وفور انتهاء أحداث السجن المدني نقلت السلطات الموريتانية 3 سجناء من قادة السجناء إلى مكان مجهول، وهم الخديم ولد السمان المتهم الرئيسي بالتخطيط والإشراف على تمرد السجن المدني، إضافة إلى محمد ولد خالد ومحمد ولد الشبيه.

وكانت السلطات الموريتانية قد نقلت بعض السجناء الذين تصفهم بـ"الخطرين" من سجن سري يعتقد أنه في قاعدة عين الصفرة شمالي البلاد، إلى السجن المدني بنواكشوط عام 2014، تحت ضغط المنظمات الحقوقية وأهالي المعتقلين.

في 2016 شكا السجناء السلفيون في السجن المدني في نواكشوط من سوء المعاملة، خاصة بعد أحداث الشغب، ومن ضعف الرعاية الطبية وتعقيد إجراءات زيارة ذويهم.

واعترفت منظمات حقوقية أن السجناء السلفيين يعيشون ظروفا سيئة للغاية، بسبب التضييق المستمر والظروف غير الملائمة، وتردي الرعاية الصحية رغم الملاحظات التي قدمتها المنظمات للجهات المعنية.

وفي ظل نظام الحكم الجديد، ناشد أهالي السجناء السلفيين الرئيس الغزواني، بالإفراج عنهم على غرار ما حصل في عدد من دول القارة مع سجناء أمضوا فترات طويلة في السجن.

تنظيم القاعدة

يصل عدد السجناء السلفيين 33 سجينا، كلهم محبوسون بالسجن المدني بنواكشوط إلا واحدا يوجد بسجن دار النعيم (شرق العاصمة).

الباحث في التاريخ والفكر الإسلامي، محمد حافظ الغابد، قال: موريتانيا عرفت أول تصعيد خطير للحركة السلفية عندما بايعت مجموعة من الشباب الموريتاني تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، وانضمت لمعسكرات الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية وتدربت معها في معسكراتها عام 2003 بعد الحرب الأميركية على العراق".

وفي 4 مايو/أيار 2003 اعتقل أمن النظام الموريتاني بقيادة الرئيس معاوية آنذاك عشرات الأئمة والدعاة من التيار الإسلامي بشكل عام، سلفيين وغيرهم.

ومنذ 2003، بحسب حديث الغابد مع "الاستقلال": "تواصلت حملات الاعتقال التي استهدفت النشطاء الإسلاميين سواء كانوا سلفيين أو إخوانا فاعتقل العشرات منهم وأغلقت جمعياتهم".

وفي 24 يونيو/حزيران 2005، تعرضت "حامية لمغيطي" العسكرية لهجوم شنته الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، وقتل فيه 17 جنديا وجرح 39 آخرون.

وبعد حوالي شهرين، سقط نظام الرئيس ولد الطائع في انقلاب عسكري قاده رئيس الحرس الرئاسي وقائد المكتب الثاني بالقوات المسلحة على التوالي الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز والرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، وبعد الانقلاب سمح لتيار الإخوان بالعمل السياسي بينما واصلت السلطة استهداف السلفيين بشكل خاص.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2007، قام 3 شبان يشتبه في انتمائهم للقاعدة من بينهم أصحاب سوابق بقتل 3 سياح فرنسيين وسط البلاد في سابقة هي الأولى من نوعها، وترتبت على العملية توسعة دائرة الاعتقالات، فاعتقل العشرات مجددا.

"حوار 2010"

الغابد، يرى أن حوار 2010 الذي أشرف عليه العلماء وفي مقدمتهم العلامة الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي "نجح في تحقيق تراجع أكثر من 70 من الشباب وقادتهم عن الفكر التكفيري للدولة والمجتمع، فأفرج عن مجموعة منهم ومنحتهم الحكومة مبالغ مالية لتنظيم العودة الطبيعية للحياة الاجتماعية بعيدا عن مسار الحركات المتطرفة".

ونجحت التجربة فعليا، يقول الباحث المتخصص: "حيث حدت من انتشار الفكر السلفي الذي أخذ في التقوقع والتراجع مع بداية الربيع العربي، وانضم بعض هؤلاء لجهود العمل الخيري الأهلي، وتركوا التنظيمات المسلحة باستثناء أشخاص معدودين سجل رجوعهم للمعسكرات".

موقف النظام

حاول المعتقلون السلفيون السابقون تأسيس حزب سياسي غير أن السلطات رفضت ترخيصه بشكل قاطع رغم أنهم ضموا معهم شخصيات معروفة بانتمائها لتيارات أخرى وشخصيات أمنية إلا أن الحزب منع حتى من عقد نشاط للتعليق على أسباب رفضه.

الغابد أكد أنه "لا توجد لدى السلفيين خبرة كافية لإطلاق حزب سياسي ناجح، ولا يقودهم نشطاء مؤثرون في واقع الحياة السياسية والاقتصادية بل ولا حتى الدعوية والعملية كما هو متوفر لنظرائهم في بلدان عربية أخرى".

وأشار إلى أن "مواقفهم سلبية في الغالب من الحراك الثقافي والحقوقي في المجتمع، وبالتالي فنشاطهم يقتصر على بعض الجمعيات والمساجد والمعاهد التعليمية التي تركز على التعليم الديني".

وعن تجاهل النظام لرسائل السلفيين، يُرجع الغابد السبب إلى "تجاوز زخم القضية، كما أن عددهم القليل يجعل صوتهم ضعيفا، والسلطة تفرج أحيانا عمن انتهت محكومياتهم، خصوصا من المجموعات التي لم تكن ضالعة في التورط بعمليات العنف التي استهدفت الجهات الأمنية".

وتوقع المتخصص في الجماعات الإسلامية أن "الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد يتجه فعلا للإفراج عن مجموعة جديدة خصوصا ممن لم يكن لهم ضلوع مباشر في أحداث العنف الموجه للدولة وأجهزتها الأمنية".

مضيفا: "ذلك لتعزيز نجاح المقاربة الموريتانية في مكافحة التطرف العنيف التي أقرت منذ العام 2010، ونجحت فعلا في نزع فتيل هذه الظاهرة لأنها نجحت في توظيف الشخصيات السلفية التي اقتنعت بالمراجعات".

ولفت باحث الفكر الإسلامي إلى أن أن العشرات من السجناء السلفيين أنفسهم، باتوا مقتنعين بأن السجن والكفاح المسلح ليس هو الطريق الأسلم لإصلاح المجتمعات واستئناف الحياة الإسلامية من جديد. واكتشفوا أن ذلك يتطلب وسائل أخرى ربما أكثر اتساقا مع الواقع والممكن ومنطق التكليف الإسلامي بالمستطاع شرعا {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}".