جدار لبناني بين المتظاهرين والدولة.. هكذا يمكن استعادة الثقة

قالت صحيفة إيطالية، إن المشاركة الكبيرة في احتجاجات الأشهر الماضية في لبنان، شجعت على لحظات من الحوار والتفكير العام حول العديد من القضايا، حيث تشمل أولويات ذلك البلد، التغلب على أزمة الشرعية السياسية وصياغة عقد اجتماعي جديد.
وتشلكت حكومة حسان دياب في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، حيث تولت السلطة بعد فترة من الاضطرابات بدأت مع الاحتجاجات في نهاية عام 2019 واستقبلت هذه الحكومة بالاحتجاج أيضا.
وأوضحت صحيفة إلكافي جيبوليتيكو أن "الثورة اللبنانية التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 فريدة من نوعها في تاريخ البلاد من جوانب عديدة، خاصة بالنظر إلى حجم المشاركة الشعبية"، مبينة أن العناصر الأساسية التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة هي أزمة الشرعية الواضحة، وثانيا الصراع الطبقي الواضح الذي يعارضه المتظاهرون.
وذكرت الصحيفة أنه بعد حوالي شهر من تعيين حسان دياب كرئيس للوزراء وبالتالي عدم اليقين التام من الناحية السياسية، جرى تشكيل الحكومة، موضحة أن الوزراء الـ 20 الذين تم اختيارهم لم يلبوا الإرادة الشعبية، مما تسبب في مظاهرات واحتجاج أمام البرلمان.
غضب متصاعد
تبعت المظاهرات، اشتباكات وانتفاضات في جميع أنحاء البلاد، مع إغلاق الشوارع المتاخمة للبرلمان، والمقر الحكومي وسوق بيروت. وعقب تشكيل الحكومة، أطلق المتظاهرون "أسبوع الغضب"، والذي تجلى فيه غضب السكان من خلال تدمير أجهزة الصراف الآلي والبنوك.
ولتجنب الإفلاس شبه المحتوم، فرضت البنوك قيودا متواصلة على عمليات السحب، إذا كان الحد ما بين 200 و300 دولار أسبوعيا في بداية نوفمبر/تشرين الثاني، فيمكن الآن سحب نفس المبلغ لكن كل أسبوعين. وفي الوقت نفسه، أصبحت عمليات تحويل الأموال وسحبها في الخارج مستحيلة.
الاضطرابات التي شملت الاعتداء على البنوك وإشعال النيران في وسط مدينة بيروت، لم يتأخر رد قوات الجيش عليها، حيث حدث ما يشبه حرب عصابات مدنية في العاصمة. وأكدت الصحيفة أن الانتقال من الاحتجاج السلمي إلى العنيف لم يكن مفاجئا.
وتابعت في السياق: "لقد تغيرت الكثافة في الواقع من شهر أكتوبر/تشرين الأول إلى اليوم، سواء من خلال حجم المشاركة والطريقة، كان الانتقال من شكل غير عنيف إلى بعد عدواني تدريجيا".
وتسببت الأزمة الاقتصادية الحادة في جميع أنحاء البلاد في الركود إلى جانب الجمود السياسي الناجم عن غياب الحكومة وبالتالي الجهد المؤسسي لسد الفجوات الواضحة، وهذا أثر بثقل على نفاد الصبر الشعبي، مما أدى إلى تفاقم الغضب والنفور من الطبقة الحاكمة.
لكن يبدو أن المصادمات والمظاهرات العنيفة كانت مفيدة، حيث أظهرت مدى ضرورة وجود حكومة قوية ومستقرة قادرة على استعادة النظام والهدوء في بلد يشهد مشاركة المتسللين في حرب العصابات التي اتسمت بها الأسابيع الأخيرة من شهر يناير/كانون الثاني الماضي.
ونوهت الصحيفة أن الطابع الشامل للثورة ترك مساحة واسعة أمام السكان لفتح النقاشات، كما أن لحظات الحوار حفزت هذه المناسبات التي حضيت بمساحة كبيرة وخاصة في الأسابيع الأولى على مشاركة إيجابية وطموحة، وبالتالي اتباع نهج للمشاركة السياسية التي تهدف إلى تلبية الاحتياجات المشتركة.
وساهم ذلك في تشكل ضمير مشترك، لكنها لم تسفر عن "اقتراح بديل" مؤسسي محتمل قادر على تحدي القوى السياسية التقليدية. ربما تكمن الصعوبة في ذلك، وفق الصحيفة، في مفهوم القيادة والغياب التام لممثلين عن الثورة اللبنانية في الوقت الحالي. وقالت: إن "التحول العنيف من جانب المتظاهرين كان سببه الافتقار إلى قيادة قوية ومستقرة".
إقامة جدار
في الأوقات التي يبدو فيها أن إقامة الجدران تميل إلى خلق كسور، وزيادة الانفصال وتسليط الضوء على الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية والعرقية، أقامت السلطات اللبنانية جدارا حقيقيا بين بيازا ديلي ستيل وشوارعها المحيطة. لتجنب مداهمة المحتجين مقرات المؤسسات الوطنية.
تقول الصحيفة: "إذا كانت الساحة في 17 أكتوبر/تشرين الأول، قد فرضت فجوة اجتماعية بين السكان والطبقة السياسية من خلال إظهار نفاد الصبر وخيبة الأمل، فإن حكومة دياب الجديدة تؤكد من جديد الانفصال، عبر جدار مادي مع التعهد بالتغيير".
واليوم، من الناحية المادية، يتم تقسيم وسط بيروت مرة أخرى، لكن هذه المرة تعكس التباين بين الطبقات الاجتماعية؛ من ناحية السكان ومن ناحية أخرى الطبقة السياسية التي أكدت على أهمية الجدار، "فالانقسام الوطني لا يتعلق فقط بالقضايا الاقتصادية، بل بالأزمة الحقيقية للميثاق الاجتماعي".
وعلى الرغم من الاحتجاجات التي تظهر الافتقار التام للثقة الشعبية في حكومة دياب الجديدة، فقد أيد البرلمان اختيار رئيس الوزراء، والموافقة على السلطة التنفيذية مما أفسح المجال لاستمرار المظاهرات المعارضة.
وتوضح أن لبنان يحتاج إلى إصلاحات اقتصادية فورية لتجنب الإفلاس، والتصدي للفقر المتزايد وتحسين مستويات المعيشة التي تتراجع حاليا.
من ناحية أخرى، فإن الأولوية المطلقة والأساسية هي التغلب على أزمة الشرعية السياسية من خلال إعادة صياغة عقد اجتماعي جديد يأخذ في الاعتبار آثار الثورة ويشفي الكسر الذي نشأ بالفعل قبل الحرب الأهلية.
وتختم: "يعد هدم الجدران المادية وغير المادية، الذي تم بناؤها مع مرور الوقت، خطوة أساسية لاستعادة الثقة الأساسية بين السكان والمؤسسات على أساس ميثاق اجتماعي جديد".