كيف يدعم الأرشيف العثماني حق الفلسطينيين في أراضيهم المسروقة؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثارت الخطوة التركية منح السلطة الفلسطينية الأرشيف العثماني، الذي يدعم أحقية الفلسطينيين في إثبات ملكية أراضيهم، ردود أفعال غاضبة داخل المجتمع السياسي والقضائي الإسرائيلي، وفي المقابل، كانت مثار سعادة للفلسطينين، الذين وجدوا أخيرا أوراق أو طابو، تثبت أنهم أصحاب الديار.

ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية في 2 يناير/كانون الأول الجاري، أن تركيا قدمت للسلطة الفلسطينية، نسخة من الأرشيف العثماني الذي يضم عشرات الآلاف من وثائق التسجيل العقاري، في أراضي الإمبراطورية العثمانية، التي حكمت فلسطين في الأعوام  ما بين 1516- 1917.

وفي آذار/ مارس الماضي، جرى نقل جزء من الأرشيف إلى بيت لحم، جنوب الضفة الغربية المحتلة، وفق المصدر ذاته. وبينت الصحيفة أن وزير الأوقاف الفلسطيني يوسف ادعيس هو من أشرف على مراسم استلام الأرشيف في بيت لحم، حيث تسلم الملفات المتعلقة بأصول الوقف في بيت لحم والقدس.

وتعاملت إسرائيل مع الخطوة التركية بحذر وترقب، ولم تنظر إليها في إطار إثبات ملكية الأراضي الفلسطينية، وإنما من جانب عودة الوجود التركي مرة أخرى إلى المشهد الفلسطيني، بما يضر بالمصالح الإسرائيلية، واعتبرتها خطوة جديدة في سلسلة العلاقات المتردية بين الجانبين منذ استقرت الأمور للنظام التركي برئاسة رجب طيب أردوغان.

المختصون الذين تابعوا الخطوة التركية، قدموا إجابات للعديد من التساؤلات حول أهميتها وفاعليتها، وهل يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي في عدم تغيير الوضع الديموغرافي لتركيبة السكان في القدس القديمة والضفة الغربية، وكل الأراضي الفلسطينية الواقعة داخل حدود 1948.

قلق إسرائيلي

الصحافة الإسرائيلية التي أثارت الموضوع وجهت اتهامات لحكومة بنيامين نتنياهو وأجهزته الأمنية، بأنهم فشلوا في منع وصول هذا الأرشيف للمسؤولين في السلطة الفلسطينية، وأن الخلافات السياسية بين الأحزاب المتصارعة على الحكم، لم تنظر للتحركات التركية الجديدة في الملف الفلسطيني.

وحسب صحيفة "يسرائيل هيوم" التي أثارت الموضوع منذ بدايته، فإن تركيا بقيادة أردوغان تساعد الفلسطينيين في إثبات أحقيتهم بأراض تحتلها إسرائيل لاسيما بالقدس والضفة الغربية من خلال تزويدهم بالأرشيف العثماني.

وعلق كاتب الموضوع في الصحيفة الإسرائيلية "نداف شرغاي"، بأن التدخل التركي في إسرائيل بدأ في التوسع، مؤكدا أن الأرشيف العثماني الذي سلمته الحكومة التركية للسلطة الفلسطينية، يضم عشرات الآلاف من وثائق التسجيل العقاري، في أراضي الإمبراطورية العثمانية، التي حكمت فلسطين خلال الفترة من 1516 إلى 1917.

وأبدى "شرغاي" تعجبه من رد الفعل الرسمي للحكومة الإسرائيلية قائلا: "على الرغم من تزويد تركيا للفلسطينيين بآلية يمكن أن تزعزع سوق العقارات في إسرائيل، إلا أن هذه القصة مرت من تحت الرادار ولم تحدث أية ضجة".

لكنه عاد وأكد أن الموضوع لن يحدث تغييرا حقيقيا في وضع الأراضي التي انتزعتها إسرائيل من الفلسطينيين مثل "حي المغاربة"، في القدس الشريف، ولكنه سيكون سببا في حرب دعائية شرسة، وهو ما يمثل حرجا دوليا لإسرائيل، كما أنه سيكون سببا في نزاعات قانونية وصدامات قضائية، حول العقارات وقطع الأراضي التي يتصارع عليها اليهود والعرب في المدينة القديمة للقدس.

ووفقا لمركز مائير أميت للاستخبارات والإرهاب (ITIC)، يعتبر الفلسطينيون الوثائق أداة لإثبات ملكية الأراضي التي تحاول إسرائيل السيطرة عليها ومنع نقلها إلى غير الفلسطينيين، وقال المركز: "تعتبر الوثائق أيضا أداة يمكن استخدامها في الدعاوى المرفوعة ضد إسرائيل في المحاكم الدولية، مما يثبت حق الفلسطينيين في الأراضي".

وبالعودة للصحيفة الإسرائيلية فإن المحامين التابعين للسلطة الفلسطينية يستخدمون مواد الأرشيف العثماني، في المعارك القانونية للطعن في امتلاك إسرائيل للأراضي في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في القدس والضفة الغربية المحتلتين. 

المقاومة القانونية

ويهدف مشروع "الوثائق الفلسطينية في الأرشيف العثماني"، إلى تقديم العون للفلسطينيين سواء الذين ما زالوا موجودين داخل الأراضي المحتلة، أو الذي هجرتهم إسرائيل قبل تاريخ 1948 وبعده، في إثبات ملكيتهم للأراضي التي استولت عليها العصابات الصهيونية قديما والحكومة الإسرائيلية حديثا.

ويدعم المشروع عدد من المنظمات التركية غير الحكومية، التي تعمل منذ عام 2015، على إعداد خريطة للمناطق التي احتلتها إسرائيل منذ إنشائها، بهدف تحضير وثائق يمكن للشعب الفلسطيني الاعتماد عليها للمطالبة بحقوقه أمام المجتمع الدولي. 

وفي إطار المشروع الذي دعمته الحكومة التركية، درس أكثر من 25 أكاديميا من جامعتي “مرمرة” و”معمار سنان” التركيتين، جميع الوثائق المتعلقة بملكية الأراضي وحركة الأشخاص في المنطقة الذين طردت إسرائيل أهلها الفلسطينيين منها، والأراضي التي استولت عليها منذ إنشائها.

وأعد فريق العمل دليلا بأسماء الأماكن في فلسطين، ودرس حوالي 100 ألف وثيقة متعلقة بالموضوع وتصنيفها، كما أعد 50 مجلدا من تلك الوثائق، وفحصها من الناحية التاريخية والقانونية، وترجمها للغتين العربية والإنجليزية، في إطار حملة موسعة للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني بشكل قانوني.

وتشير تقارير فلسطينية إلى أن الأرشيف العثماني الذي أصبح بحوزة وزارة الأوقاف الفلسطينية، يضم ملفات الطابو والأملاك العمومية لفلسطين، ومن بينها وثائق ملكية القرى المغتصبة وأهمها تلك الواقعة في نطاق مدينة لواء عكا.

وأبرز هذه القرى: "أبو سنان، وعمقا، وعرابة، والبصة، والبروة، والبقيعة، والدامون، ودير الأسد، ودير حنا، ودير القاسي، وفسوطة، وشيخ دنون، وحانيتا، وسحماتا، وخربة جدين، وكفر اعنان، ونهارية، ونحف، والسميرية، والرويس، والزيب، وترشيحا، زام الفرج، وكلها استولت عليها العصابات الصهيونية.

فرحة فلسطينية

الفلسطينيون من جانبهم اعتبروا الأرشيف العثماني كنزا كبيرا، لأنه لا يساعدهم فقط في استعادة ملكية أراضيهم التي اغتصبها اليهود، وإنما يحافظ أيضا على التركيبة الديمغرافية والسكانية في الأراضي التي تحاول إسرائيل طمس هويتها بكل الطرق.

بالإضافة إلى أهميته في التاريخ الفلسطيني، حيث يحتوي الأرشيف الإلكتروني، أدق التفاصيل حول فلسطين لأكثر من 400 عام، وليس الأمر معنيا فقط بالأراضي وملكيتها، وإنما هو تاريخ الفلسطينيين أنفسهم، كما صرح بذلك رئيس المركز الفلسطيني للتراث والبحث الإسلامي (METHAQ).

وتشير دراسة أصدرها "مركز أبحاث العولمة" ومقره مدينة مونتريال الكندية، إلى أن سجلات أعمال القدس الموجودة في الأرشيف العثماني، تؤكد أن فلسطين تنتمي إلى الفلسطينيين، خاصة وأن السجلات تشمل 171306 صك مسجلة في 46 سجلا باسم سجلات القدس، منها 133365 وثيقة لملكيات خاصة و37671 تنتمي إلى المؤسسات، بالإضافة إلى ذلك، فإن الأرشيف يحتوي على سجلات القدس بين عامي 950 و1917.

وحسب دراسة المركز، فإن إسرائيل لا تريد التعامل مع هذه الصكوك، ولم تطلبها من الدولة التركية، في الوقت الذي كانت العلاقات بينهما قوية، لأنها ببساطة ستثبت أن فلسطين ملك للفلسطينيين، ولو تعاملت إسرائيل مع هذه السجلات، فإنها ستعترف رسميا بأنها تحتل فلسطين.

ويعتبر مختصون بالشأن الفلسطيني أن الأرشيف العثماني سيساعد في وقف عمليات التطهير العرقي التي تنفذها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وخاصة سكان الضفة الغربية وشرق القدس.

عمليات التطهير

وحسب تحليل موسع نشره الباحث المختص بالصراع العربي الإسرائيلي "بن وايت" في موقع ميدل إيست آي، فإن إسرائيل تمارس سياسية التطهير العرقي ضد السكان الفلسطينيين بشكل منظم، حيث لم يعد الأمر مجرد احتلال لأراضيهم، وإنما الهدف محوهم من الوجود.

وقال "بن وايت": إن الهدف من عمليات التطهير العرقي، هو إحداث "تغيير للهيكل الديموغرافي" للمناطق الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، حيث تجبر الحكومة الإسرائيلية بشكل شبه يومي، العائلات الفلسطينية في الضفة الغربية على إخلاء منازلهم، من خلال العديد من التدابير الإدارية، والإجراءات العقابية الأخرى.

وبناء على ما سبق فإن الخبير الفلسطيني في القانون الدولي، حنا عيسى، يرى أن الأرشيف العثماني، مهم جدا بالنسبة للفلسطينيين، لإثبات ملكيتهم للأراضي التي تحتلها إسرائيل، لأنها فترة زمنية كبيرة، جلس فيها العثمانيون بفلسطين منذ 1517 حتى 1917 (حوالي 400 سنة)، وكان الفلسطينيون جزءا لا يتجزأ من الإمبراطورية العثمانية، ولهذا السبب كل الأمور كانت مدونة لديهم.

وأضاف عيسى في تصريحات لموقع "دنيا الوطن" القريب من السلطة الفلسطينية، أن هذه الوثائق، ستجعل فلسطين قادرة على محاكمة إسرائيل بالمحاكم الدولية، وحتى بالمحاكم الإسرائيلية، وإثبات أنها أراض تعود لمواطنين فلسطينيين، وليست أراضي دولة، كما تدعي إسرائيل، وتستولي عليها بحجج واهية.

وحسب الخبير القانوني الفلسطيني فإن "فترة العثمانيين شهدت إطلاق قوانين عديدة، منها قانون الأراضي 1858، الطابو سنة 1861، بالإضافة إلى قانون امتلاك الأجانب سنة 1869، لهذا السبب، دونت جميع أراضي فلسطين في خانات محددة، والتمييز بين هذه القطعة، وتلك".

وأشار إلى أن الأراضي الفلسطينية في تلك الحقبة، كانت تنقسم إلى خمسة أقسام، فهناك أراضي (موات)، التي كانت تُعطى للمواطنين للاستثمار فيها أو للمقابر أو المزابل، وهناك أراض مملوكة وأراض متروكة، وأخرى أوقاف مقسمة بين المسلمين والمسيحيين، كل ذلك كان منصوصا عليه بخمس فئات سنة 1858، "وكل تلك الأرشيفات، مهمة لنا كفلسطينيين، لمعرفة الأراضي، التي تعود للدولة، وتلك التي يمتلكها المواطنون".

إجراءات مضادة

ربط البعض بين خطوة تسليم الأرشيف العثماني للسلطة الفلسطينية، وبين التحركات الأخيرة التي تجريها إسرائيل من أجل الحصول على تعويضات للأسر اليهودية التي تقول إنه جرى تهجيرها قسرا من الدول العربية.

وحسب تحليل نشرته صحيفة "ميدل إيست مونتور"، فإن الحكومة الإسرائيلية بدأت في اتخاذ الإجراءات القانونية نيابة عن 856 ألف يهودي، تقول إنهم فروا أو طُردوا من 10 دول عربية خلال النكبة الفلسطينية عام 1948.

وقدرت صحيفة "يسرائيل هيوم"، قيمة التعويضات بأكثر من 250 مليار دولار، مؤكدة أن الحكومة بدأت في هذا المشروع منذ عام 2002، ودعمته بالقانون الذي أقره الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) عام 2010، كشرط للتوصل إلى اتفاق سلام إقليمي.

ويؤكد التحليل المنشور في "ميدل إيست مونتور" بأن التعويضات تشمل أصول كانت مملوكة لليهود في العراق وإيران وسوريا واليمن ومصر والمغرب وتونس وليبيا.


المصادر