لماذا بكى السوريون مرسي؟ 

خالد أبو صلاح | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بين السوريين بصور الرئيس محمد مرسي، وتكاد لا تجد صفحة تخلو من صورة أو تعليق على الخبر المفجع برحيله في سجون النظام المصري. لم تندمل بعدُ جراح السوريين ولم تجف دموعهم، على فقدان حارس الثورة ومنشدها عبدالباسط الساروت على جبهات القتال في ريف حماة الشمالي، ورغم جراحهم المشرعة منذ ما يزيد على ثمان سنوات إلا أنهم بكوا بحرقة اغتيال رئيس مصر الشرعي الدكتور محمد مرسي.

يقف المرأ محتارا أمام سؤال يطرح نفسه بقوة، ما الذي يدفع السوريين للتعاطف بهذا الشكل مع الخبر القادم من بلاد الكنانة، رغم كل آلامهم؟ ولعلّ الجواب رغم كل تعقيدات المشهد يختصر بجملة واحدة هي الشعور بالظلم ووحدة آلام المظلومين ضد الجلّاد. وإن أردنا الخوض أكثر في التفاصيل فلا بدّ من الوقوف مع عدة محطات تبيّن هذا الترابط المعنوي والتماهي في الألم مع المصريين الحالمين بالحرية والخلاص من حكم العسكر والديكتاتورية.

فالثورة المصرية منذ اليوم الأول لانطلاقتها في 25 يناير/ كانون الثاني، حازت على اهتمام السوريين بمختلف مشاربهم الفكرية وأوقدت الأمل داخلهم؛ فإن نهضة مصر وثورتها ستنعكس على المنطقة العربية برمتها وعلى سوريا بشكل خاص، فما فتئ التاريخ يخبرنا بهذا الترابط العميق بين الشام ومصر، منذ فجر التاريخ وحتى العصور الحديثة، عندما تم إعلان الوحدة بين سوريا ومصر عام ١٩٥٨ رغم قصر مدتها وما جرى بعدها من مصادرة للحريات في البلدين والتحول إلى دولة بوليسية.  

عندما انطلقت "ثورة يناير" هزت أركان النظام السوري وانعكس ذلك على سلوكه في مختلف القطاعات الحكومية والشعبية، ودب الخوف في أوصاله، وتأكد بأن الثورة قادمة إليه لا محالة وهو ما جرى فعلا فالربيع العربي بعد مصر ليس كما قبله.

انتشرت ثورات الربيع العربي بعد الثورة المصرية كانتشار النار في الهشيم ومع انتصارها وعزل الرئيس المخلوع مبارك، زادت جرعة الأمل بين شعوب المنطقة، وبنجاح أوّل انتخابات ديمقراطية في مصر، تفاءلت الشعوب بأن طريق الديمقراطية بات لاحبا واضحا، ستسلكه شعوب المنطقة وستنتهي مأساتها المتراكمة لعشرات السنين.

لا يستطيع السوريون نسيان موقف القيادة المصرية في عهد الرئيس الشهيد من الثورة السورية، ووقوفه الصارم معها، ولعلّ أوضح محطاتها كانت في 25 حزيران/يونيو ٢٠١٣ في مؤتمر ”الأمّة المصرية لدعم الثورة السورية“، الذي حضره الرئيس مرسي شخصيا وقال فيه البيت الذي تناقله السوريون بيوم استشهاده: "لمصر أم لربوع الشام تنتسب.. هنا العلا وهناك المجد والحسبُ".

لم يكن موقف الرئيس المصري مواربا في دعم ثورة السوريين، ولم يكن مهادنا لنظام القتل والإجرام الأسدي، بل وقف وقفة عزّ وكرامة انسحبت على أحوال السوريين في مصر، التي هاجر إليها آلاف السوريين الذي هُجّروا من بلدهم بفعل إجرام النظام السوري. وبعد انقلاب السيسي تمّ إجهاض حلم المصرريين، ومن ورائه بدأت ملامح الثورات المضادة تتبلور ضد الربيع العربي برمته، وانعكست آثار هذا الانقلاب على كل المنطقة، من ليبيا وحتى سوريا، مرورا بكل حركات التحرر العربية.

لقد كان موقف الإنقلابيين واضحا من الثورة السورية، وكان اصطفافهم إلى جانب الأسد أكثر وضوحا، سياسيا وعسكريا، وصلت بهم الأمور لإرسال صواريخ كتب عليها "صنع في مصر" لقتل السوريين وإجهاض ثورتهم، ما زاد في ألمهم ومعاناتهم، وتمسكهم بالنظام الشرعي المنتخب في مصر.  

لا يتسع المقام هنا للكثير، ولأن الآلام واحدة بكى السوريون الشهيد محمد مرسي، ونعوه على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وأعلنت عدد من المناطق المحررة في الشمال السوري صلاة الغائب على روحه، بكاه الإسلامي والعلماني وحتى اليساري، على الرغم من كل الملاحظات والمعارضات لنهج الإخوان المسلمين، إلا أن الموقف أكبر من الأيديولجيا ها هنا، فهو إعدام واضح لشرعية صناديق الانتخابات، وشرعية الديمقراطية الوليدة، وشرعية أول رئيس عربي منتخب في العصر الحديث.

في الختام ليس السيسي وحده من قتل محمد مرسي، وإنما هو المجتمع الدولي الذي يريد لشعوبنا أن تترك طريق الديمقراطية والحرية، ولا تؤمن أنها طريق الخلاص، يحاولون دفع شبابنا إلى الصراعات الدامية دفعا، يريدون لهم الموت وهم يحملون البنادق في صراع غير متكافئ مع طغمة عسكرية مدججة بالسلاح. 

كانوا ولا يزالون يحاولون خنق حلمنا، وقتل روح الوعي في شعوبنا، ولن ينجحوا.. رحم الله الشهيد محمد مرسي وأعان مصر وشبابها على هول الفاجعة.