السعودية والكويت.. تاريخ من الخلافات قد يفجر أزمة جديدة

مهدي محمد | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم ما يبدو على ظاهر العلاقات بين السعودية والكويت من متانة، بحكم موقعهما الجغرافي وإرثهما التاريخي والحضاري والديني المشترك، غير أن حقيقة الأمر تنطوي على جذور عميقة من الخلافات، تفوح رائحتها بين الحين والآخر.

المنطقة المحايدة أو الحقول النفطية المشتركة بين البلدين، جددتها الاتفاقية التي تسعى الكويت لإبرامها مع العراق من أجل استئناف الإنتاج من حقول النفط المشتركة والواقعة على الحدود بين البلدين.

ويبدو سعي الكويت لهذه الاتفاقية محاولة لتعويض خسائرها الناجمة عن توقف الإنتاج من حقلي الخفجي والوفرة المشتركين مع السعودية قبل نحو 4 سنوات، لتعيد إلى الأذهان معضلة ترسيم الحدود إبان الاحتلال البريطاني أوائل القرن العشرين.

"فتنة النفط"

بين شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول الماضيين، استبشر كثيرون بالمفاوضات الجارية والأنباء التي تناقلتها الصحف ووسائل الإعلام في كلا البلدين بشأن استئناف الإنتاج من الحقول المشتركة مطلع 2019، إلا أن ربع العام يكاد ينقضي دون جديد.

في 2007 اكتشفت الكويت، أن الأرض التي خططت لبناء مصفاة نفط بها قد تم منحها بالفعل لشركة "شيفرون" من السعودية، ثم قررت الرياض من جانب واحد أيضا تجديد امتياز الشركة للعمل في حقل "الوفرة" المشترك عام 2009.

تدريجيا جعلت الكويت الأمور صعبة على "شيفرون" لدرجة أن التشغيل في "الوفرة" أصبح شبه مستحيل، بسبب عجز شركة "شيفرون" عن الحصول على الإمدادات والتصاريح المناسبة من الحكومة الكويتية.

وعلى الرغم من أن الكويت تحججت بالصيانة كسبب لإغلاق حقل النفط في مايو/أيار 2015، إلا أن الحقيقة كانت رسالة احتجاج على الخطوات السعودية أحادية الأجانب بشأن امتياز شركة "شيفرون".

قبل هذا التاريخ الأخير بنحو عام واحد، أغلقت السعودية حقل النفط البحري المشترك "الخفجي"، بزعم أن العمليات هناك لا تلتزم بالمعايير البيئية، ليضيع البلدان فرصة الاتفاق على استغلال المنطقة المشتركة التي يصل إنتاجها لنحو نصف مليون برميل يوميا.

وكان إنتاج المنطقة المحايدة البرية "الوفرة" والبحرية "الخفجي" قد تراوح بين 500 و600 ألف برميل نفط يوميا، مناصفة بين الدولتين، وتبلغ الطاقة الإنتاجية لحقل الوفرة نحو 220 ألف برميل يوميا وتديره شركة "شيفرون" الأمريكية بالتعاون مع شركة نفط الخليج الكويتية، فيما تبلغ طاقة حقل الخفجي نحو 300 ألف برميل يوميا وتديره شركة "أرامكو" لأعمال الخليج مناصفة مع شركة نفط الخليج.

وكانت السعودية والكويت قد اتفقتا في عام 1964 على تقسيم المنطقة المشتركة عند منطقة النويصيب، ومنذ ذلك الحين أصبح الجنوب تحت الإدارة للسعودية والشمال بإدارة الكويت.

تحت ضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" من أجل زيادة الإنتاج، استأنف البلدان النقاش حول إعادة الإنتاج، نظرا لكونه البديل الوحيد لدى حكومة الكويت استجابة للضغط الأمريكي.

حينها سيطر التفاؤل على الجانبين، إلى حد دفع ببعض المسؤولين للتصريح بأن بداية عام 2019 قد تشهد استئناف الإنتاج، في حقلي المنطقة المحايدة التي لم تشملها اتفاقية "العقير" لترسيم الحدود بين البلدين عام 1922.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، فشلت زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الكويت ولقائه أميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في حلحلة الموقف، رغم التقارير التي وضعت مسألة استنئاف الإنتاج المشترك للنفط على رأس جدول أعمال الزيارة.

لكن الزيارة لم تستغرق سوى ساعات، على وقع تصريحات كويتية تؤكد أن أي صفقة قد يتم الاتفاق عليها لن تشمل السماح لشركة "شيفرون" بالعمل وفق شروط سعودية.

وفي ديسمبر/أيلول خاض وزير النفط الكويتي نفاوضات في الرياض لم تسفر عن شيء، وفي فبراير/شباط الماضي، أعرب وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، عن أمله في أن يشهد العام الجاري 2019 التوصل لاتفاق بين البلدين، وذلك في أعقاب لقائه أمير الكويت.

"استقلال القرار"

ويبدو أن النفط ليس المتهم الوحيد بتعكير صفو العلاقات بين البلدين الخليجيين، إذ يرى مراقبون أن الكويت تصارع منذ عقود من أجل استقلال قرارها ومقاومة الهيمنة السعودية على الخليج، واتخاذ قرارات ومواقف تختلف عن تلك التي تتخذها السعودية ومعها الإمارات والبحرين، بطبيعة الحال.

هذا الصراع دفع الكويت خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة إلى إعادة تأكيد التزامها بفكرة الدولة الفلسطينية ومعارضتها للاحتلال الإسرائيلي، في وقت تتسابق فيه دول الخليج إلى التقارب مع إسرئيل سرا وعلانية.

ليس في مجلس الأمن فقط، بل ربما تعبر مفارقة رمزية وقعت قبل أيام شديدة الدلالة على هذا التوجه الكويتي مقابل السعودي، فبينما اعترض رئيس مجلس الشورى السعودي عبد الله آل الشيخ، على توصية لمؤتمر الاتحاد البرلماني العربي ترفض التطبيع مع إسرائيل، اعتبر نظيره الكويتي مرزوق الغانم بالمناسبة ذاتها هذا التطبيع "في خانة الحرام السياسي".

العلاقات مع إيران تبقى أيضا من معضلات الأزمة السعودية الكويتية، ففي حين تتخذ الرياض منها موقفا متشددا وصل إلى حد التهديد بحرب على أراضيها، تتبع الكويت موقفا محايدا، حيث تتعاون معها اقتصاديا.

في مارس/آذار 2018 أطلق نائب رئيس الوزراء، وزير الدفاع الكويتي، ناصر صباح الأحمد الصباح تصريحات قال فيها إن "التعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضروري باعتبارها جارا ذا حضارة عريقة".

وأصر الوزير على إقحام السعودية في الأمر عند الحديث عن الإجراءات التي يقودها ولي العهد السعودي بكلمات تضمنت اتهامات ضمنية لابن سلمان بالانفراد بالقرار والديكتاتورية، حيث قال: "لدي احترام وتقدير كبيرين لصاحب السمو الأمير محمد بن سلمان، لكننا نختلف تماما.. نحن دولة لها دستور والطريقة التي تتعامل فيها بالنظام الدستوري والبرلمان، أصعب بكثير من اتخاذ قرار من الحكومة وتفعل ما تشاء فرديا دون الرجوع للبرلمان".

اللافت أن تلك الأزمة جاءت بعد أقل من شهرين على أزمة أخرى كادت تتطور دبلوماسيا بسبب تغريدة للمستشار في الديوان الملكي السعودي ورئيس هيئة الشباب والرياضة السابق رئيس هيئة الترفيه الحالي تركي آل الشيخ.

المسؤول السعودي المثير للجدل، وصف في تغريدة على "تويتر" وزير التجارة والصناعة والدولة للشباب الكويتي خالد الروضان بـ"المرتزق" بعد أن عبر الوزير الكويتي عن تقديره لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لما قدمه من أجل رفع الإيقاف عن الرياضة الكويتية خلال زيارة رسمية قاد فيها وفدا كويتيا إلى الدوحة.

وقال خالد الجار الله نائب وزير الخارجية الكويتي، في تصريحات صحفية، إنه في إطار تلك العلاقات الأخوية "عبرنا عن الأسف والعتب للإساءة التي وجهت للفاضل الوزير خالد الروضان الذي يحظى بثقة تامة وتقدير بالغ من الجميع".

ورأى أن تلك الإساءة "تمس العلاقات الأخوية الحميمة والمتميزة بين البلدين الشقيقين"، معربا عن ثقته بأن "الأشقاء في المملكة لن يقلوا عنا حرصا على علاقاتنا الأخوية والبعد بها عن كل ما من شأنه المساس والإساءة لها".

لكن هؤلاء الأشقاء خيبوا ظن المسؤول الكويتي، فقد اعتبرت الرياض تعليق آل الشيخ "لا يتجاوز المألوف"، كونها صدرت منه بصفته رئيس اللجنة الأولمبية وهو منصب لا صفة سياسية له.

الأزمة الخليجية

منذ دخول الأزمة الخليجية، أبدت الكويت موقف الحياد من حصار قطر، لكن الأزمة امتدت لتشمل اتهامات بميل كويتي تجاه قطر، فيما يفترض أنها تلعب دور الوسيط في الأزمة.

اتهامات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للكويت بعدم الحياد في الأزمة الخليجية، وبأنها تتخذ موقفا محابيا لقطر، يعد الشاهد الأكثر تصعيدا في الأزمة بين البلدين بشأن حصار قطر.

ففي أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2017، نشر حساب "العهد الجديد" على تويتر، ما قال إنها تفاصيل ما جرى بين العاهل السعودي وأمير الكويت خلال زيارة الأخير إلى الرياض، منتصف الشهر ذاته لبحث تداعيات الأزمة الخليجية.

وقال الحساب الذي يعرف نفسه بأنه قريب من مراكز صنع القرار في السعودية، إن أمير الكويت "شعر بأنه لا يوجد حل للأزمة المتواصلة منذ شهور، وأن الدور قادم على الكويت".

الملك سلمان، اتهم الكويت صراحة بعدم الحياد وبأنها تتخذ موقفا محابيا لقطر، رغم أنها تقود جهو الوساطة بين رباعي الحصار وقطر منذ اندلاع الأزمة في يونيو/أيار 2017، وبحسب التغريدات، قال الملك للأمير: "إحنا نعرف موقفكم مع قطر وليس محايد"، فرد عليه: "يا طويل العمر، ما شفت كلمتي في المؤتمر الصحفي مع ترامب"، قال: "شفتها، وهي مع قطر".

وأشار حساب "العهد الجديد" إلى أنه عقب محادثاتهما، جلس أمير الكويت على مأدبة الغداء وهو ضيق الصدر ولم يأكل، ليوصل إلى السعوديين رسالة احتجاج.

وفي هذا السياق لا يمكن نسيان الأزمة التي سببتها تصريحات أمير الكويت، بنجاح بلاده في منع عمل عسكري ضد قطر من جانب دول الحصار، وفي المقابل، أصدرت دول حصار قطر بيانا مشتركا قالت فيه إنها "تأسف على ما قاله أمير الكويت عن نجاح الوساطة بوقف التدخل العسكري"، مؤكدة أن "الخيار العسكري لم ولن يكون مطروحا بأي حال، وأن الأزمة مع قطر ليست خلافا خليجيا فحسب، لكنها مع عديد من الدول العربية والإسلامية".

"جذور دموية للصراع"

بدأت جذور العلاقات السعودية الكويتية مطلع القرن العشرين، حين لجأ مؤسس الدولة السعودية الحديثة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود إلى الكويت، بعد سقوط عاصمة أجداده الرياض بيد دولة آل رشيد القوية في شمال السعودية، فحصل على حق اللجوء قبل العودة واستعادة الرياض من سلطة الرشيد.

قرر الملك عبد العزيز بعد أن استتب له الأمر في الرياض توسيع حكمه إلى المدى الذي دفعه للصراع مع الحكومة الكويتية آنذاك، وانتهى الصراع بإجبار الكويت على التنازل عن ثلثي أراضيها الجنوبية لمصلحة السعودية في اتفاقية العقير عام 1922، في عهد الشيخ سالم المبارك الصباح.

ورغم أن سلطنة نجد كانت جارة للكويت منذ سيطرة آل سعود على الأحساء (شرق السعودية الآن) عام 1913 وإبعادهم الحامية العثمانية من هناك، أثار الملك عبد العزيز آل سعود، عام 1920، مشكلة خلافات حدودية.

وبحسب بعض المؤرخين، فإن افتعال مشكلة حدودية مع الكويت، بعد سبع سنوات من التعايش السلمي، كان الغرض منه إيجاد ذريعة لتبرير هجوم سعودي على الكويت.

في ذلك الوقت، كان القوة الضاربة في جيش آل سعود هي ما يسمى "قوات الإخوان" بقيادة فيصل الدويش، أرسلهم الملك عبدالعزيز للتحرش بالقبائل القاطنة على الحدود الكويتية، فواجههم سالم الصباح في موقعة حمض في الأول من يونيو/حزيران 1920، لكن الكويتيين هُزموا وقُتل منهم المئات.

في تلك الأثناء، زحفت قوات فيصل الدويش إلى الكويت وبدأت بقرية الجهراء التي سُمّيت على اسمها معركة وقعت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 1920، فخرج الشيخ سالم الصباح من مدينة الكويت بقوة لم تصمد أمام الدويش، ما اضطره إلى الهرب واللجوء إلى القصر الأحمر، معقل حكمه، حيث حوصر.

ولولا استبسال القوة الكويتية الصغيرة التي تحمي القصر، إضافة إلى القوة الشمرية بقيادة الشيخ ضاري بن طوالة، لكانت الكويت قد أصبحت جزءا من المملكة العربية السعودية لاحقا.

وبدأت الخلافات الاقتصادية بين البلدين في الظهور بعد اتفاقية العقير، حين فرض الملك عبد العزيز حصارا اقتصاديا بريا خانقا على الكويت انتهى عام 1940 بعد توقيعها تنازلات اقتصادية عدة لمصلحة السعودية برعاية بريطانية.

بعد الاستقلال عام 1961، تبنت الكويت سياسة مفتوحة في الشرق الأوسط، تمثلت في دعم غير محدود للقوى القومية والعربية في فلسطين ومصر، وهو ما أدى إلى فتور في العلاقات السياسية بين البلدين.

عادت العلاقات إلى التوتر في ثمانينيات القرن الماضي، عقب تورط عدد من الكويتيين في تفجيرات الحرم المكي (1979) وتدخل الحكومة الكويتية للإفراج عن بعض منهم، ووصل التوتر إلى ذروته عقب قيام الكويت بوضع فرس حرب لدولة آل رشيد كتعويذة لبطولة كأس الخليج لكرة القدم المقامة في الكويت عام 1990، ما أدى لانسحاب المنتخب السعودي من البطولة التي أقيمت قبل الغزو العراقي للبلاد بأشهر قليلة.

أدى قرار السعودية إلقاء ثقلها العسكري والدبلوماسي والسياسي ومن خلفها مجلس دول التعاون الخليجي إبان احتلال نظام الرئيس الراحل صدام حسين للكويت عام 1990 إلى تخفيف التوترات الحدودية والسياسية بين البلدين، وظلت الكويت تشعر على الدوام بالامتنان للموقف السعودي والخليجي لنصرتها.

لكن الكويت نأت بنفسها في الأزمات العربية التي أعقبت حرب تحريرها عام 1991، مكتفية بسياسة الانزواء، كذلك نأت بنفسها أيضا في الخلافات الخليجية ــ الخليجية، واكتفت بلعب دور الوساطة بين البلدان ومحاولة الحفاظ على منظومة دول مجلس التعاون.لكن التوترات بين البلدين عادت من جديد عقب قرار السعودية إغلاق الحقول النفطية المشتركة مع الكويت عام 2015، ما تسبب بخسائر مالية ضخمة للكويت.