"فخ كبير".. موقع إيطالي: هذه الدول قطعت طريق الحرير الصيني

ما زال مشروع الصين باستعادة طريق التجارة التاريخي والمعروف بـ"طريق الحرير" في القرون الوسطى، مثار جدل برغم عقد بكين اتفاقيات مع نحو 140 دولة، إذ تحاول الدعاية الأميركية في التأثير على خطوات المشروع.
في تقرير له رصد موقع إيطالي إستراتيجية الصين وأهدافها من ابتكار مبادرة "طريق الحرير"، ناقلا آراء وانتقادات مختلف الأطراف والقوى العالمية والإقليمية ومخاوفها من هذا المشروع.
موقع "تراكاني" شرح دوافع انضمام بعض الدول إلى المشروع الصيني، مؤكدا أن بعضها قرر ذلك لأسباب اقتصادية، وأخرى لقناعة سياسية أو دونها.
ولفت إلى اضطرار بعض البلدان للمشاركة لأسباب مختلفة، موضحا أن هناك أخرى لديها دوافع خفية من قبول المبادرة؛ والتي على الجانب الآخر انسحبت منها دول، ووضعت غيرها شروطا قبل الانضمام.
تقرير الموقع ذكر أيضا أطرافا تنتقد بعض جوانب المبادرة، ملمحا إلى أخرى اعتبرتها عملية احتيال، مبينا أن هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك باعتقاده أنها تشكل "كارثة جيوسياسية".
شركاء الحرير
"140 دولة انضمت رسميا لمبادرة (الحزام والطريق)، فيما تساعد الكيفية التي قسمت بها الصين جغرافيا هذه الدول على فهم اختلاف الرؤية الصينية للعالم، عن رؤية بقية الدول من وجهة نظر جغرافية"، وفق الموقع.
تضم القائمة 40 دولة إفريقية بجنوب الصحراء الكبرى، و17 بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، و34 بآسيا الوسطى وأوروبا، و24 من شرق آسيا والمحيط الهادئ، و6 بجنوب شرق آسيا، و19 من أميركا اللاتينية.
الموقع الإيطالي لفت إلى أنه "باستثناء الأميركتين، تظهر جميع الدول على أنها امتدادات آسيوية؛ بينما ينظر المشاركون إلى المبادرة كل على طريقته الخاصة، وبناء على رؤيته الإستراتيجية".
في البداية، تحمس إلى المشروع الصيني من وصفهم الموقع الإيطالي بـ"المنبوذين" دوليا، مثل "إيران وفنزويلا، موضحا أنهما تعتبران "كل علاقة دبلوماسية ثمينة، خاصة إذا ارتبطت باستثمارات كبيرة".
"للأسباب نفسها، أبدت كوريا الشمالية، أيضا اهتماما بالمشاركة، لكن لم تتخذ أي خطوات ملموسة في هذا الاتجاه حتى الآن"، وفق "تراكاني".
وأشار إلى أن "معظم الدول الآسيوية مدرجة في مبادرة الحزام والطريق على غرار فيتنام وإندونيسيا".
إلا أن الملفت للانتباه وفق التقرير أن "حلفاء الأميركيين التقليديين أيضا، مثل الفلبين، عبروا عن استعدادهم لتعزيز العلاقات مع بكين على الرغم من محاولتهم الحفاظ على موقف أكثر توازنا".
وأكد أنه "في نفس منطقة الشرق الأقصى، نفت كوريا الجنوبية بشكل مفاجئ على لسان وزير خارجيتها فرضية المشاركة، كما لا ينوي العملاقان الآسيويان الآخران، اليابان والهند، الانضمام".
وعن روسيا كقوة كبرى يعتقد الموقع أنها استثناء خاص وأنها "لم تنضم فحسب، وإنما تشارك بـ150 مشروعا للبنية التحتية، خاصة بقطاع الطاقة، وفيما يسمى (طريق الحرير القطبي) الذي تعرض لانتقادات لتأثيراته البيئية".
وقال "تراكاني": "روسيا تتعاون مع الصين للاستفادة، لكنها لا تنوي التخلي عن السيادة والنفوذ في المنطقة، ولهذا أدرجت مشاريع المبادرة باتفاقية أوسع بين الصين والاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي، الذي تقوده موسكو".
التقرير أوضح أيضا أن "الخطة الصينية لم تتبناها فقط دول مشكوك في ديمقراطيتها فحسب، وإنما ضمت قائمة الشركاء جنوب إفريقيا والعديد من الديمقراطيات الإفريقية الأخرى".
"إلى جانب البرازيل والعديد من أعضاء الاتحاد الأوروبي، أعلنت تقريبا جميع دول أوروبا الشرقية والبلقان واليونان وقبرص وخاصة إيطاليا عام 2019 مشاركتها، ما عرضها لانتقادات الشركاء القاريين"، وفق الموقع.
ولفت إلى أن "الأطراف الأخرى ذات الثقل في الاتحاد الأوروبي تقف بين الشك والعداء الصريح للمشروع الصيني، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا".
وأضاف: "يفترض أن تكون الأخيرة من الناحية النظرية نقطة وصول الممر الرئيس العابر للقارات الذي يتخيله الصينيون، ولكن أمام تردد برلين في الانضمام، وجد المشروع بديلا في بولندا المجاورة".
انتقادات للطريق
عن الانتقادات التي تطال المشروع الصيني رغم مشاركة نحو 140 دولة من العالم القديم، يرصد تقرير الموقع الإيطالي بالقول: "بالإضافة إلى الهند واليابان والدول الرئيسة في الاتحاد الأوروبي، تأتي أبرز الانتقادات لمبادرة الحزام والطريق من أميركا".
"هناك انتقادات أيضا من دول اختارت في البداية أن تكون جزءا من المشروع قبل أن تنسحب بعد اكتشافها لحقيقته من الداخل مثل أستراليا"، وفق تعبير الموقع.
وفي تحليله للنقاط التي تثيرها الشكوك والانتقادات التي طالت المشروع الصيني، ألمح الموقع إلى أن دوافع واشنطن وجودية واقتصادية.
وأكد أن أميركا "تعتبر المبادرة الصينية بمثابة خطة إستراتيجية لانتزاع تفوقها في التمويل الخارجي وبالتالي بالعلاقات العالمية".
بعض المحللين، يرون أن "رد واشنطن يجب أن يركز على اقتراح البديل الإستراتيجي الخاص بدلا من انتقاد بكين"، وفق رصد التقرير.
وأشار إلى أنه "في المقابل، يعتقد معظم المحللين الأميركيين أن اقتراح البديل ليس ممكنا ولا ضروريا، لأن مبادرة الحزام والطريق تستند إلى افتراضات خاطئة وتمثل في الواقع عملية احتيال مالية".
تقرير الموقع الإيطالي لخص "الاتهام الرئيس للدول الغربية ضد المبادرة بأنها فخ لجذب مشاركين بمشاريع مآلها الفشل، لإثقال كاهلهم بالديون ثم إجبارهم على السداد بالتنازل عن الموارد والأراضي والأصول للصين".
وقال: لكن "على جانب آخر، حاول العديد من المراقبين المستقلين التحقق من هذه المزاعم وتوصلوا إلى أنه لا يوجد دليل مؤكد لهذا الغرض".
الموقع الإيطالي أكد أن "مخاطر المشاركة بالمبادرة عالية، لكن شروط التمويل ليست أسوأ من التي تفرضها مجموعات خاصة تتفوق على الصين وحكومات غربية في نسبة القروض الممنوحة لإفريقيا والدول المهتمة بالمبادرة الصينية".
الموقع في حديثه أشار أيضا إلى الانتقادات الأخرى للمشروع الصيني خاصة الأوروبية منها والمرتكزة على الجوانب الاجتماعية والبيئية.
ولفت إلى أن "الأولى تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، واستغلال العمال في مشاريع البنية التحتية، بينما تركز الثانية على الدور الحاسم الذي يلعبه الفحم في الخطة الصينية".
"93 بالمئة من استثمارات الطاقة بمبادرة الحزام والطريق مخصصة للموارد الأحفورية، وتتعلق نحو نصف الاستثمارات الأجنبية الصينية بمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم"، وفقا لمنظمة بيئية ألمانية معروفة.
وجزم الموقع بأن "الصين خفضت بشكل كبير استثماراتها في الخارج على مدى السنوات الـ4 الماضية، بعد تسجيل نجاح أولي مثير للإعجاب"، لافتا إلى أن السبب يرجع "إلى الآثار الاقتصادية المرتبطة بوباء (كورونا).
التقرير ختم بالقول: "لكن الانتقادات المذكورة أعلاه لعبت بالتأكيد دورا حاسما، ولا سيما المتعلقة بفخ الديون، ما دفع بلدان تقليص مشاركتها أو سحبها، ما قلص طموحات مبادرة الحزام والطريق".