عبر دعم مناطق المعارضة.. لماذا "انقلب" ابن سلمان على النظام السوري؟

"السعودية قادت خلال الأشهر الأخيرة جهودا لتحقيق شروط التطبيع العربي مع النظام السوري"
في منتصف طريقها للانفتاح على النظام السوري المنطلق منذ مطلع 2023، عادت السعودية لدعم مناطق المعارضة في مؤشر جديد على فشل النظام في تلبية المبادرات العربية لتدوير عجلة الحل السياسي.
فمع حالة الجمود التي تعيشها "لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا" التي تشكلت عقب إعادة نظام بشار الأسد للجامعة العربية في مايو/أيار 2023، لجأت الرياض إلى إعادة مياه العلاقة مع المعارضة السورية إلى مجاريها.
استدارة سعودية
فقد جرى هذا الاتجاه الجديد من السعودية منذ إعلان تطبيعها للعلاقة مع نظام الأسد في مارس 2023، عبر دعم مناطق الشمال السوري الخارج عن سيطرة الأسد في مجال الخدمات والرعاية الصحية.
ووقع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، في 9 مايو 2024 اتفاقية لترميم منازل الأسر المتضررة من زلزال فبراير/ شباط 2023 في مدينة الباب بريف حلب الخاضعة للمعارضة السورية.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية أن هذا المشروع يهدف بالتعاون مع إحدى مؤسسات المجتمع المدني في سوريا ـلم يسمهاـ إلى ترميم 743 منزلا ليستفيد منه أكثر من 4500 شخص. وستشمل التجديدات توفير خزانات مياه جديدة وأنظمة تهوية.
ووقع الاتفاقية مساعد المشرف العام للعمليات والبرامج في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية أحمد بن علي البيز في مقر المركز بالرياض.
وعقب ذلك، بيومين، وقع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية اتفاقية تعاون مع الجمعية الدولية لحماية ضحايا الحروب والكوارث (IRVD) لتشغيل برنامج الرعاية الصحية في المناطق المتضررة من الزلزال شمال غربي سوريا الخارجة عن سيطرة قوات الأسد، ليستفيد منه 251 ألفا و307 من الأفراد.
وأوضح مدير إدارة المساعدة الصحية والبيئية بمركز الملك سلمان للإغاثة، عبد الله المعلم، أنه بموجب الاتفاقية سيتم تقديم خدمات الرعاية الصحية التكاملية والميدانية والدعم النفسي والاجتماعي والغذائي للمستفيدين.
ويتضمن البرنامج أيضا حملات تطعيم روتينية، وتقديم الخدمات الصحية التشخيصية والعلاجية، وإجراء العمليات الجراحية، وتوفير الأدوية والمستهلكات الطبية وغير الطبية.
وأيضا، تعزيز الخدمات الصحية الأولية والثانوية والثالثية؛ وتوزيع حليب الأطفال للتخفيف من معاناة المتضررين من الزلزال من خلال الاستجابة الطبية الفعالة في عدة مناطق سورية.
وفي أبريل/ نيسان 2024 توجه وفد طبي سعودي ضمن "منظمة الأمين للمساندة الإنسانية" إلى الشمال السوري بمهمة تتمثل بزراعة القوقعة الإلكترونية لـ30 طفلا سوريًا فاقدي السمع.
وقام الوفد الطبي بإدخال هؤلاء الأطفال الذين يعيشون في مناطق خارجة عن سيطرة النظام السوري، إلى ولاية هاتاي التركية خلال الأسبوع الأخير من شهر أبريل ونجحوا في إجراء العمليات.
وتصل تكلفة العملية الواحدة إلى 15 ألف دولار أميركي، وتشمل زراعة أحدث الأجهزة الخاصة بالسمع حول العالم، وقد تمت بدعم من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.
ووصف العديد من ذوي الأطفال إجراء تلك العمليات بـ"الحلم" لتكلفتها المرتفعة التي أدت لاستبعادها من المنظمات الإغاثية سابقا، ولنقص التجهيزات الطبية والطواقم المختصة اللازمة لإجرائها في الداخل السوري الخارج عن سيطرة الأسد.
اللافت أن توجيه الرياض دعما لمناطق المعارضة السورية تزامن مع تعثر الجهود السياسية العربية مع نظام الأسد لدفعه للبدء بعملية سياسية جادة.
وقد كشف إعلام النظام السوري عن تأجيل اجتماعات لجنة الاتصال العربية، المزمع عقدها في العاصمة العراقية بغداد في مايو 2024، إلى موعد آخر غير محدد.
وأفادت صحيفة "الوطن" الموالية أنه "على الرغم من توجيه الدعوة للأطراف المشاركة باللجنة، ومنها جامعة الدول العربية، غير أن انعقاد الاجتماع تأجل بناء على طلب أحد أطراف اللجنة".
ويبدو أن الأردن التي تعاني من تصاعد عمليات تهريب المخدرات إليها انطلاقا من جنوب سوريا، هي من وقفت وراء تأجيل اجتماع لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا.
إذ نقلت صحيفة "المدن" عن مصدر دون أن تسميه أن اقتراح التأجيل لقي استجابة فورية من المملكة العربية السعودية بشكل خاص.
وقالت المصادر إن لجنة الاتصال العربية "ممتعضة من النظام السوري لعدم استجابته للمتطلبات المقترحة من الجانب الأردني".
وأوضح المصدر أن الاقتراح الأردني ينص على مناقشة المطالب العربية من النظام السوري خلال اجتماعات اللجان الفنية ووزراء الخارجية العرب، قبيل القمة العربية المقرر عقدها في العاصمة البحرينية المنامة على مستوى القمة في دورته العادية الثالثة والثلاثين في 16 مايو 2024 والتي دعي إليها رئيس النظام السوري بشار الأسد.
مرحلة اختبار
وبدا واضحا أن السعودية قادت خلال الأشهر الماضية جهودا لتحقيق شروط التطبيع العربي مع النظام السوري، وقد أعادت المملكة افتتاح سفارة نظام الأسد في الرياض في أكتوبر 2023 بعد أكثر من عقد على إغلاقها.
إلا أن الرياض لم تفتح سفارتها في العاصمة دمشق، في مؤشر على رغبة السعودية في قياس مدى استجابة الأسد للمبادرات العربية.
وضمن هذا السياق أكد مدير موقع "اقتصادي"، الباحث السوري يونس الكريم، لـ"الاستقلال"، أن "السعودية قدمت للنظام السوري رؤية سياسية في مارس 2024 تتمحور حول رؤية الرياض الشاملة للحل السوري لأجل طرحها في اجتماعات لجنة الاتصال العربي مع سوريا والتي تشمل نقاطا عدة".
أولا، اعتماد خارطة طريق خطوة مقابل خطوة، وفق رؤى إستراتيجية تساعد على الوصول لتحقيق تسوية سياسية شاملة لحل سياسي بين النظام السوري والمعارضة السورية.
واتخاذ خطوات أكثر جدية لتحقيق المصالحة الوطنية من أجل إنهاء كل التداعيات والحفاظ على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها، ومنع انهيار الدول المجاورة لسورية أيضا.
وكذلك استضافة السعودية لاجتماعات اللجنة الدستورية كبديل لجنيف، بحيث تكون الضامنة التوصل إلى صياغة دستور جديد لسوريا ودفع بالعملية السياسية للتوصل إلى حل سياسي قابل للاستدامة.
وباتت العملية السياسية مختزلة باللجنة الدستورية والتي انطلقت برعاية أممية أواخر عام 2019 ولم تنجز مادة دستورية واحدة.
وقد اعترف المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في إحاطاته الصحفية بتعطيل نظام الأسد لتلك العملية عبر اتباع "سياسة المماطلة".
كما تضمنت رؤية الرياض، "العمل على الإفراج عن المعتقلين والمختفين قسرا، الذين مازالوا داخل السجون".
وكذلك تشكيل لجنة عربية منبثقة عن لجنة الاتصال العربية، من أجل الإشراف على عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لاستقرار الأوضاع في سوريا عبر إصلاحات إدارية وأمنية جدية.
وأيضا، إنشاء صندوق دعم مالي عربي يمكن الحكومة السورية من تنفيذ الآلية التعافي المبكر و إطلاق مشاريع إعادة الإعمار بأقصى فترة زمنية، لتنظيم عمليات العودة الطوعية والآمنة للاجئين وإنهاء معاناتهم، وتسهيل عودتهم إلى سوريا.
وهنا يشير الكريم إلى أن "النظام السوري رفض هذه المبادرة السعودية ورفض أن تكون اجتماعات اللجنة الدستورية خارج دمشق وأصر على أن يكون صندوق الدعم المالي العربي يحوي مبلغ ستة مليارات دولار تقدم كمنح لمدة عشرة أعوام لأجل إعادة الإعمار على افتراض أنهم هم مسببو الدمار بسبب دعمهم للثورة مقابل البدء بمكافحة تجارة المخدرات نحو الخليج والأردن وإعادة بعض اللاجئين حسب توصيف لهم، كما أصر على إزالة العقوبات الاقتصادية عليه عبر النفوذ الخليجي".
ونوه الباحث السوري إلى أن "النظام السوري لم يطرح مسألة التواجد الإيراني في سوريا إلا في حدود الابتعاد عن الشريط الحدودي مع الأردن لمسافة مئة كيلومتر".
"غدر الأسد"
كما "رفض الأسد إطلاق الحل السياسي مع المعارضة كليا وفق مبدأ جنيف والخطوة بخطوة وأراد التطبيع العربي الكامل معه"، وفق الكريم.
ومضى الكريم يقول:"هذا الأمر قاد إلى توترات كبيرة مع لجنة الاتصال العربي لدرجة التهديد بإعادة السيطرة على الجنوب السوري وإطلاق تجارة المخدرات، خاصة أن مليشيات إيرانية أجنبية توجهت إلى الجنوب السوري مما أخاف دول الخليج من حدوث توتر عند الحدود الأردنية".
وفي ملف تهريب الكبتاغون المتضرر الأكبر منه الأردن ثم السعودية، فإن إيران وحزب الله اللبناني هما من يمسكان بالنسبة الأكبر لهذه التجارة عبر سوريا، حيث توجد مليشيات إيرانية تديرها عند الحدود مع الأردن.
ويبدو أن النظام السوري لم يقدم أي معلومات للدول العربية تصب في صالح منع تهريب المخدرات، ولا سيما أن الجيش الأردني ما يزال يصادر شحنات مخدرات مهربة عند حدوده الشمالية ويعتقل ويقتل مهربين.
وذهب الكريم للقول: "السعودية شعرت بأن النظام السوري غدر بها الذي لم يلتزم بالمبادرات العربية التي هي أساس بوادر التطبيع العربي معه لتأتي بعدها مبادرة من دولة البحرين حول الحل في سوريا".

واستدرك قائلا: "من هنا يمكن أن يفسر عودة الدعم السعودي لمناطق المعارضة السورية عبر عدد من المشاريع الخدمية والطبية كي تكون مقبولة من طرف المعارضة السورية في حال حدوث الحل السياسي بعد شعور السوريين أن الرياض باتت أقرب لنظام الأسد".
وزاد الكريم بالقول "السعودية اقتنعت أن الحل في سوريا بات قريبا ولها تحركات مع الحكومة المؤقتة المعارضة لوضع حل في سوريا رغم رفض النظام لها ما يعني أن الرياض لم تعد متشجعة تجاه النظام السوري لكنها لم تقطع شعرة معاوية معه وقد تطلب الرياض من الصين الضغط على النظام لامتلاكها أوراقا ضاغطة".
وتابع قائلا: "السعودية هي من أوقفت القانون الأميركي مناهضة التطبيع مع الأسد الأميركية، وهي من دعت الإدارة الأميركية للتريث للسماح للمبادرة العربية في السعي للحل بسوريا".
واعترض البيت الأبيض على إدراج مشروع قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري ضمن حزمة داعمة مكملة من القوانين التي أقرها الكونغرس ووقع عليها الرئيس جو بايدن نهاية أبريل 2024
وكان أقر مجلس النواب الأميركي منتصف فبراير/ شباط 2024 مشروع "قانون مناهضة التطبيع مع نظام بشار الأسد"، بتأييد كبير من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
ويقضي مشروع القانون بأن "سياسة الولايات المتحدة تحظر أي إجراء رسمي للاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة سورية يقودها بشار الأسد".
والتشريع يحمل نظام الأسد مسؤولية دعم الإرهاب والقتل الجماعي للشعب السوري، ويؤكد أن الولايات المتحدة مستعدة لفرض تكاليف على الحكومات التي تسعى إلى التطبيع أو إبرام اتفاقيات تجارية معه.
ورأى الكريم أن "الرياض استخدمت ثلاث أوراق تجاه الأسد وهي عبر تعديل مبادرتها من خلال مبادرة البحرين للحل بسوريا وانسحبت من واجهة التطبيع المباشر، ومحاولة دفع النظام السوري لتسليم الصحفي الأميركي أوستن تايس إضافة إلى تسعة أشخاص محتجزين لديه، كما أن السعودية ستستخدم علاقتها مع الصين لإيجاد حل في سوريا".
ويرى الكريم أنه "في حال أفشل النظام السوري هذه المبادرات الثلاث فإن الرياض ستعيد استخدام علاقتها للضغط على الأسد وفرض مزيد من العزلة عليه".