بين أوباما وبايدن.. كيف وصلت صورة أميركا بالشرق الأوسط إلى الحضيض؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في وقت وصلت فيه صورة الولايات المتحدة الأميركية إلى الحضيض بالشرق الأوسط، تتساءل صحيفة فرنسية عن دور الرئيس السابق باراك أوباما (2008 - 2016) في الوضع الراهن.

وللإجابة على هذا السؤال، أجرت صحيفة "أتلانتيكو" حوارا مع نيكولاس تينزر، رئيس مركز الدراسات والتفكير في العمل السياسي (CERAP)، الباحث البارز في مركز تحليل السياسات الأوروبية (CEPA).

سنوات عابرة

وعادت الصحيفة بالتاريخ إلى الوراء، وتحديدا إلى عام 2009، حين ألقى الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما خطابا للعالم الإسلامي من العاصمة المصرية القاهرة، بعنوان "بداية جديدة". 

وهنا تتساءل الصحيفة: "هل يمكن القول إن سياسة أوباما تجاه الشرق الأوسط جعلت من جماعة الإخوان المسلمين لاعبا أساسيا في المنطقة؟".

وإجابة على هذا السؤال، بدأ تينزر بالإشارة إلى أنه "في ذلك الوقت، صرح أوباما نفسه بأنه سيكون قادرا على العمل مع الحركات الإسلامية المعتدلة نسبيا". 

لافتا إلى أن جماعة "الإخوان المسلمين" أكثر اعتدالا إذا ما قورنت بتنظيمي "الدولة" و"القاعدة".  كما أوضح أن أوباما كان يقع على عاتقه التعامل مع هذا الواقع. 

وأضاف: "حيث كان من الضروري التحالف مع حركات إسلامية حسنة المظهر، حتى وإن كانت لا تتماشى تماما مع المعايير الغربية:". 

وفي ذلك الوقت، بحسب ما نقلته الصحيفة عن الباحث السياسي، كان الدبلوماسيون الأميركيون -قبل فترة طويلة من أوباما- يعتقدون أن "ذلك أفضل من وجود أنظمة علمانية ظاهريا تتصرف مثل الإرهابيين". 

وفي رأيهم، كان دعم الأنظمة الدكتاتورية المعادية للحركات الإسلامية بمثابة لعبة حمقاء وخطرة، لأن هذه السياسة لن تؤدي إلا لتأليب الناس ضد أنصارهم.

وذكر تينزر: "سرعان ما أدرك الأميركيون أن أساس خطاب أوباما الذي أسس لـ (بداية جديدة) لا يتضمن في الواقع أي سياسة ملموسة واقعية، وكان ينبغي أن يتطلب جهدا لم يكن الأميركيون مستعدين لبذله". 

ونتيجة لذلك، تراجعت هذه السياسية في خريف 2013، وفقا للمقال.

ففي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2013، يشير تينزر إلى أن مستشارة الأمن القومي لباراك أوباما، سوزان رايس، "دفنت طموحات خطاب القاهرة". 

وتابع: "ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، لم يعد هناك أي وجود للسياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط باستثناء مشاركتها في سياسة مكافحة الإرهاب، كجزء من التحالف المناهض لـ (داعش)". 

ويلفت الباحث إلى أنه منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عادت أميركا إلى القضية الإسرائيلية تحديدا.

لكن بعيدا عن هذه القضية، يقول تينزر إنه "لا يرى أي سياسة جديدة ناشئة في الشرق الأوسط". لكنه أعرب عن تفاؤله عندما تناولت مجلة  "فورين أفيرز" الأميركية مقالا بعنوان "عودة الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط".

جرائم بلا حدود

في أغسطس/ آب عام 2013، تذكر "أتلانتيكو" أن باراك أوباما كان قد قرر عدم المشاركة في الضربات المخطط لها ضد نظام بشار الأسد السوري في أعقاب الهجمات الكيميائية على الشعب السوري . 

وبهذا الشأن، تسأل الصحيفة: "هل كان هذا القرار خطأ من الرئيس الديمقراطي؟ وماذا كانت العواقب؟". 

يعتقد الباحث السياسي أن ذلك القرار كان "خطأ كبيرا"، حيث إنه "قاد إلى نقطة تحول تدفع الولايات المتحدة ثمنها إلى اليوم".

وأوضح أن "عدم التدخل الأميركي بعد الهجمات الكيميائية على الغوطة عام 2013، ثم أثناء حصار حلب في 2015-2016، أدى إلى سقوط مئات الآلاف من الضحايا، لا سيما بعدما صعد نظام الأسد، بدعم من إيران وروسيا، من قمعه على نطاق واسع". 

ورأى تينزر أن "هذا القرار أعطى إشارات واضحة جدا لروسيا".

حيث يعتقد أن "الهجوم الذي وقع في أوكرانيا عام 2014 مرتبط بشكل مباشر برفض الولايات المتحدة التدخل".

ورغم تصريح أوباما بأن "استخدام الأسلحة الكيميائية خط أحمر"، إلا أن بوتين رأى أن "عدم التدخل الأميركي يعد شيكا على بياض لارتكاب المزيد من الجرائم". 

وهنا، يذكرنا تينزر أن "روسيا وحدها، دون الحديث عن نظام الأسد، قتلت مدنيين سوريين أكثر مما قتله تنظيم داعش". 

كما يسترجع الباحث حقيقة أن "الهجمات الروسية -وكما كرر وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر حينها- استهدفت معارضين سوريين وليس تنظيم الدولة الإسلامية". 

وعلى أية حال، يؤكد تينزر أن "بداية نهاية القوة الأميركية في المنطقة كانت منذ اتخذ أوباما هذا القرار"، لافتا إلى أنه "أضر بمصداقية الولايات المتحدة الدولية".

النفوذ الإيراني

تشير الصحيفة الفرنسية إلى أنه في عام 2015، تم التوصل إلى اتفاق، وُصف بـ"التاريخي"، مع الإيرانيين بشأن الطاقة النووية. كما كان من المقرر أن تكون هذه وسيلة لتجنب سباق التسلح والحروب الجديدة في الشرق الأوسط. 

وفي هذا السياق، وجهت "أتلانتيكو" سؤالا إلى تينزر: "هل نجح الاتفاق في رهانه على التباحث والتهدئة مع النظام الإيراني؟ وبالنظر إلى الوضع الذي نشهده اليوم، هل يمكن أن نقول إن هذا الاتفاق كان فاشلا؟".

يجيب الباحث السياسي موضحا في البداية إن "هذه المناقشات حدثت في إطار مجموعة عمل حول الاتفاق النووي، ضمت دولا أخرى مثل فرنسا وروسيا والمملكة المتحدة". 

ورأى الزعماء، ومن بينهم أوباما، أن "منع إيران من امتلاك قنبلة نووية هو أولويتهم الأولى". ويؤكد تينزر أنهم "ضحوا بسياسة الشرق الأوسط من أجل هذا الهدف الوحيد".

ونتيجة لذلك، رأى الكثيرون أنه "إذا لم يكن أوباما يريد التدخل في سوريا حيث لا تزال القوات الإيرانية متواجدة بشكل كبير، فإن ذلك كان بسبب هذا الاتفاق إلى حد كبير". 

ومن ناحية أخرى، ينوه تينزر أن "هذه السياسة أضعفت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كذلك". 

وفي رأيه، "أجبر ذلك الولايات المتحدة، مثل غيرها من القوى الأوروبية الكبرى، على غض الطرف عن الزيادة الكبيرة في نفوذ إيران في المنطقة. ولا سيما في لبنان حيث يسيطر حزب الله إلى حد كبير على البلاد، وهو مرتبط بشكل مباشر بإيران". 

وأضاف: "وهذا هو الحال أيضا في العراق واليمن، حيث تشكل إيران عاملا مزعزعا للاستقرار".

الصين وروسيا

بعد عدة سنوات من تولي باراك أوباما لرئاسة الولايات المتحدة، تتساءل "أتلانتيكو" حول "سجل أوباما في الشرق الأوسط، وهل أضعف الموقف الأميركي في الشرق الأوسط؟ خصوصا لمصلحة الصين؟".

يقول تينزر إن "الولايات المتحدة لم تعد هي صانعة الملوك ولم تعد الإدارة لديهم". مستدلا على ذلك بـ "عدم تدخلهم بشكل جدي في مسألة إعادة انضمام سوريا إلى جامعة الدول العربية". 

وأشار تينزر إلى أن السياسيين لديهم انطباع بأن "الإدارة الأميركية ترفض حتى محاولة التأثير على قرارات السياسة الخارجية لدول الخليج". 

وبالمجيء إلى الشق الثاني من السؤال، يوضح الباحث السياسي أنه "على الرغم من محاولة الصين تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط وفي أفريقيا وأماكن أخرى، إلا أنها لم تحل محل الولايات المتحدة التي تظل حتى -من حيث توفير الأمن- الفاعل الأساسي والرئيس في المنطقة".

ورغم ذلك، يذهب تينزر إلى أن "غياب السياسة الأميركية فيما يتعلق باليمن ولبنان وسوريا والعراق وإيران، ناهيك عن عهد ترامب الذي ضعفت فيه السياسة الأميركية أكثر، لا يساهم في التعزيز من قدرة الأميركيين على استخدام نفوذهم". 

وأضاف أن "هذه السياسات أدت إلى تعزيز قوة روسيا في المنطقة، وهي تعد عدة دول رئيسة في المنطقة شريكا نشطا بالنسبة لها، مثل مصر والإمارات، ناهيك عن سوريا والجزائر". 

وشدد على أن "واشنطن لم تنجح -أو ربما حتى لم تسعَ- في مواجهة الأنشطة الضارة المتزايدة للروس في المنطقة".