برلماني موريتاني: على ولد الغزواني تطهير نظامه ونرفض أن نكون معتقلا للاجئي أوروبا (خاص)

عمرو حبيب | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

أعلنت لجنة الانتخابات في موريتانيا مطلع يوليو/ تموز 2024، فوز الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد الغزواني بفترة رئاسية ثانية بعد حصوله على 56.12 بالمئة من الأصوات.

وبحسب النتائج التي نشرتها اللجنة بعد اكتمال فرز الأصوات، حل ثانيا وبفارق كبير المرشح بيرام الداه ولد اعبيد بحصوله على 22 بالمئة من الأصوات، وحل ثالثا مرشح حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الإسلامي حمادي ولد سيدي المختار بحصوله على نحو 13 بالمئة.

وقال محمد الأمين سيدي مولود رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان الموريتاني، إن نتائج الانتخابات كانت أمرا متوقعا بالنسبة إليه، مرجعا ذلك إلى الخلل البنيوي السياسي في موريتانيا وضعف الوعي الشعبي.

وأضاف في حوار مع “الاستقلال” أن الرئيس ولد الغزواني عليه مسؤوليات جسيمة بخصوص الفساد المتفشي في النظام ويجب أن يفي بوعوده للشعب الموريتاني بالتطهير والتنمية الاقتصادية.

ومحمد الأمين سيدي مولود (خمسون عاماً) هو رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان الموريتاني، وعضو البرلمان العربي. انتخب نائبا في الجمعية الوطنية منذ 2018، ومقررا لميزانية الدولة لمدة عامين، ثم أعيد انتخابه في 2023 نائبا عن دائرة نواكشوط الشمالية.

نتائج متوقعة

  • كيف ترى نتائج الانتخابات الرئاسية وادعاءات وجود تزوير؟

نتائج الانتخابات لم تكن مفاجئة لي، وكنت أتوقع ذلك، والنتيجة إفراز طبيعي للخلل البنيوي السياسي في موريتانيا، وكذلك بسبب ضعف الوعي، فهناك من يصوت للحزب الحاكم تحت ضغط القبلية والقرابة والرشا والوعود الانتخابية بشكل عام. 

فضلا عن ضعف المعارضة من حيث الإمكانات المادية والتنسيق والرقابة، خصوصا أن رأس المال في موريتانيا يمول السلطة ولا يمول المعارضة نتيجة الخوف من السلطة وضعف القانون.

بالإضافة إلى اللجنة المستقلة للانتخابات التي يشوب عملها العديد من السلبيات، وهناك العديد من الملاحظات عليها. 

ولذلك لم تكن النتائج مفاجئة حتى إن الترتيب الذي نتج عن الانتخابات كان متوقعاً، وإن كان بعض المرشحين قد حقق نتائج أقل مما كنت أتوقع مثل المرشح المحامي العيد محمدن وبعض المرشحين حققوا نسبا أعلى مما كان متوقعا. 

لكن بشكل عام فوز الرئيس بفترة رئاسة جديدة كان شيئا متوقعا. 

على مستوى ردود الأفعال من الطبيعي أن تتحفظ المعارضة في ظل بعض الشوائب التي تشوب الانتخابات لكن هي في النهاية تخضع للواقع وتسعى لتطوير أو تحسين المنظومة الانتخابية وكذلك الواقع السياسي.

وبالمناسبة المعارضة في موريتانيا هي معارضة مدنية سلمية قانونية تبذل جهدا كبيرا وتستحق المكافأة من المجتمع والسلطة وليس التضييق والمحاربة.

  • في أثناء الانتخابات صرح المدير العام لحملة الرئيس بأنه لا يمكن تسليم الوطن لأشخاص عديمي الخبرة، هل ترى التصريح كان تمهيدا لاستبعاد شخصيات بعينها؟  

هذا التصريح كان في سياقه فقط ولا أراه يعكس خطة ممنهجة لاستبعاد أشخاص بأنفسهم، وقد تجاوزت الأحداث هذا التصريح.

وهذا أمر معروف في الحملات الانتخابية أن تصدر تصريحات عن أشخاص مسؤولين أو غير مسؤولين ثم نكتشف فيما بعد أن هذه التصريحات كانت للاستهلاك الوقتي فقط أو رد فعل على مواقف بعينها ليس أكثر. 

وعموما تمت إدانة هذا التصريح في وقته ولا أظن أنه كان منهجيا على الإطلاق. 

  • هل تتوقع أي تغير في أداء ونمط حكم الرئيس ولد الغزواني بعد نجاحه في الانتخابات؟ وما الملفات التي ينبغي الاعتناء بها أكثر في الفترة القادمة؟

في توقعي هناك مساران قد يسير الرئيس الغزواني في أحدهما، الأول أن يغير الرجل نمط حكمه فيتخلص من أهم أركان نظامه خلال فترة حكمه الأولى، وخاصة الرموز العشرية ومن حكموا مع نظام الحزب الجمهوري قبل العشرية، أي الأجيال التي جُربت وفشلت.

وأن يأتي بطواقم جديدة من الصف الثاني والثالث وحتى أن يأتي بحكومة موسعة تشمل ألوانا سياسية متنوعة فيلتقي ذلك مع وعوده الانتخابية من حيث محاربة الفساد ومن حيث التغيير وإشراك الجميع. 

والمسار الثاني أن تكون الفترة الثانية للرئيس أسوأ من الفترة الأولى وخاصة فيما يرتبط بقضايا الفساد والحكم الرشيد وضعف المؤسسات.

فالغزواني يميل إلى الحكم بالحلم لا بالعقوبة وهذا ما جرأ الكثير من المفسدين على المال العام بجشع وشراسة في الفترة الأولى، إذ غاب العقاب وتعطلت أجهزة الرقابة تقريبا. 

وقد منحهم الرئيس الفرصة لكنهم كانوا مفسدين وقد أمنوا العقاب في ظل فترة الحكم الأولى.

 أما الملفات التي هي أولى بأن يهتم بها الرئيس في فترته الجديدة فهي كثيرة جدا، أولها ملف الفساد، فالفساد يعطّل التنمية الجدية، فإذا نجح في قطع يد الفساد فسوف يتوفر المال وإذا توفر المال يمكنه الانطلاق في المشروعات المفيدة.

وأرى أن عليه أن يبدأ بملف الزراعة لأن الاهتمام بالزراعة تكون نتائجه سريعة وحينها يمكننا تحقيق الاكتفاء الذاتي. 

كذلك من الملفات المهمة التعليم، ثم ملف "صناعة طبقة وسطى" من خلال مضاعفة رواتب جميع الموظفين بكل فئاتهم، وبتحسين ظروف المتقاعدين تحسينا مضاعفا، حتى يخلق بذلك طبقة وسطى وبالتالي قوى شرائية واسعة. 

ثم يأتي ملف ضبط الأسعار، وملف مراجعة اتفاقيات الصيد والمعادن وملف تجديد البنى التحتية، وكذلك على المستوى الداخلي أيضاً عليه الاهتمام بتوفير تأمين حقيقي ضد الحوادث، ثم ملف الأمن والانتماء والمؤسسات الدستورية. 

ولا ننسى طبعا ملف الإرث الاجتماعي الذي يمثل إشكالا ليس بالهين وهو ملف مخلفات العبودية، كما أرى أن الرئيس يجب أن يهتم بملف "إيجاد أقطاب تنموية بالداخل" بهدف تخفيف الضغط عن العاصمة.

لأن الحياة الموريتانية اليوم تكاد تكون مختصرة في العاصمة. فإذا فعل ذلك واهتم بهذه الملفات فإنه يكون قد وضعنا على الطريق قبل أن تنقضي مدته الثانية.

  • ما الخيارات المتاحة أمام المعارضة بعد تولي ولد الغزواني مرحلة جديدة من الحكم؟

بحكم أن المعارضة هي الوجه الآخر للمجتمع، ذلك يفرض عليها العديد من المهام، إذ من المفترض بها أن تعكس حاجة المجتمع إلى التغيير وأن تبرز نقاط إخفاق السلطة وتنتقد الجوانب السلبية وتقدم البديل.

نعم المعارضة تعاني ولم تأخذ مساحتها الطبيعية في العمل داخل الدولة بسبب تدخل الدولة ورأس المال وخصوصا المال العام، وتورط رجال الأعمال في العمل داخل صف النظام بسبب غياب القانون واستفادة كثير منهم من صفقات فاسدة واستخدام البنية الاجتماعية من قبل النظام في مواجهة المعارضة مثل القبلية.

كل هذا يُضعف دور المعارضة، ورغم غياب الخدمات وتردي الحالة العامة للمواطن العادي فإن كثيرين ممن يعانون من كل هذا يذهبون لإعطاء أصواتهم للسلطات نتيجة ضغط القرابة والقبيلة والرشا والنفوذ، وغير ذلك من الضغوط.

فضلا عن تحييد نحو 90 بالمئة من الجالية الموريتانية في الخارج والتي تبلغ نحو 10 بالمئة من السكان ولا يتوفر لهم مكاتب للتصويت في الخارج إلا في ثماني دول فقط. 

ومن المعروف أن الجاليات بحكم الاستقلالية المادية وزيادة الوعي يميلون أكثر إلى التغيير وبالتالي هم في صف المعارضة أكثر. 

كل هذا يشكل ضغوطا قوية على المعارضة في الحقيقة، لكن على كل حال اليوم تتشكل معارضة جديدة.

إذ تغيب المعارضة التقليدية شيئا فشيئا بسبب الخطاب التقليدي وعدم القدرة على تجديد الخطاب السياسي وتغيير القيادات في الوقت المناسب.

فذبلت المعارضة التقليدية وبعضها التحق بالسلطة، فظهرت معارضة جديدة بديلة بعضها خلفيته حقوقية وبعضها مدني سياسي وبعضها أيديولوجي، لكن كلها تحتاج إلى المزيد من التنظيم والمزيد من التنسيق وتحتاج إلى السند من الشعب الذي يعاني ويدرك أنه يعاني.

تلك هي العوائق التي تعترض عمل المعارضة الموريتانية والأمور التي تحتاج إليها المعارضة التي تمثلت في التجديد والسند الشعبي والتنسيق والتنظيم.

 

مشاكل محلية

  • ما رؤيتك حيال طرق مواجهة الفساد في موريتانيا؟ 

من الطبيعي أن يؤرقنا جميعا الفساد المنتشر في بلادنا، لأن الفساد ينعكس على المجتمع فيفسد ويتفكك ويتحلل، لأن الفساد يضعف الدولة ويدمر مواردها.

فالطبقة الفاسدة التي هي نتاج للفساد تكون قدوة للآخرين ليفسدوا أيضا، لأنهم يرون أن هذا هو الطريق الذي يحققون من خلاله أهدافهم. والفساد يمنع حدوث أي تنمية.

وفيما يخص محاربة الفساد فإنها تحتاج إلى عدة أمور، أولها صناعة المسؤولين النموذج، وذلك بتعيين أشخاص معروفين بزهدهم في المادة وعدم ميولهم إلى الترف والدعة والنهب والتبذير.

ثم من خلال مراقبتهم بإحياء مؤسسات الرقابة والتفتيش وتفعيلها مثل البرلمان ومحكمة الحسابات ومفتشية الدولة والمفتشيات القطاعية. وقد تعهد الرئيس ضمن حملته للفترة الجديدة بأن يفعل ذلك ونرجو أن ينفذ وعوده. 

ومن الأمور المهمة في هذا المسار تنحية وتعطيل كل من تورط في الفساد أو طالته شبهات الفساد، وإن كان من الصعب سجن كل هؤلاء نتيجة قوة شبكاتهم السياسية وعلاقاتهم وتملقهم للأنظمة فإنه من السهل عزلهم عن المناصب القيادية في البلد. 

وأظن أن هذا المسار وهذه الإجراءات إذا تم تنفيذها قد يتراجع الفساد بقوة إلى الحد الأدنى وقد يُقضى عليه بشكل نهائي. للأسف الفساد الآن هو الأصل في موريتانيا وليس الاستثناء. 

  • كيف ترى أثر خطابات العنصرية والإثنية الآخذة في الانتشار حاليا في موريتانيا وعلاقتها بنتائج الانتخابات؟

العنصرية والإثنية تزداد مع ضعف الدولة ويحدث ذلك عند غياب القانون وانشغال السلطة بأطر ضيقة، فمثلا من يعين الموظفين والمسؤولين على أساس قبلي فإنه يشجع الخطابات الإثنية والقبلية.

لأن الطبقية عندها تكون هي المعيار، فتلجأ الطبقات المهمشة في المجتمع والتي تمثل أسفل الهرم في البناء القبلي إلى الطرح الإثني لتعوض عن كونها في أسفل الإطار القبلي.

ولتعوض نفسها أيضا عن إطار الدولة الهش والضعيف الذي أصبحت هي غائبة عنه بحكم وجودها في أسفل الهرم القبلي. وهذا خيط مهم يجب أن نلتقطه.

الخطاب الإثني والفئوي يتوسع عندما تضعف الدولة وهو خطأ وخطر يخلق العديد من الأزمات أكثر ما يقدم من حلول. 

والدولة هي المسؤول الأول عن السماح بكل هذا نتيجة الظلم وغياب العدالة الاجتماعية وغياب المشاريع التنموية والتعليم الحقيقي الجدي.

فضلا عن التشجيع الضمني الذي تمارسه الدولة لصالح القبائل والطرح القبلي، ففي مقابل القبيلة من الطبيعي أن يلجأ أصحاب الطبقات المهمشة إلى فئاتهم والعرق والإثنية حتى يحصلوا على الحماية مثل غيرهم من أصحاب الترتيب القبلي، وفي خضم كل ذلك تضعف الدولة شيئا فشيئا ثم تضمحل.

تحديات دولية

  • في مارس 2024 وقعت الحكومة الموريتانية اتفاقا مع الاتحاد الأوروبي لاستقبال المهاجرين.. كيف تقيّم هذه الخطوة؟

الحقيقة هذه نية لجعل موريتانيا معتقلا للمهاجرين، وهو أمر يدعو للدهشة، وقد أدنّا ذلك في المعارضة، فبلدنا هش بالأساس وليست لدينا قدرة اجتماعية ولا أمنية ولا اقتصادية ولا تعليمية لتحمل المزيد من المشكلات من خلال هذا الأمر.

خاصة أن الموريتانيين أصلا يهاجرون من بلدهم، لذلك هذا الاتفاق يضر البلد كثيرا، وعلى الأوروبيين أن يدركوا أنهم أقوى على كل المستويات: اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا.

ومع ذلك يوكلون هذه المهمة إلى دول أخرى مثل موريتانيا، إذا كانوا لا يستوعبون المهاجرين فهل يمكن لدول أضعف منهم أن تستوعبهم؟! هذا أمر عجيب. لذلك على السلطات أن ترفض هذا الأمر وتتجنبه. 

  • ما تقييمك لتفاعل موريتانيا مع الأزمات التي تحيط بها إقليميا؟ وماذا تحتاج موريتانيا على المستوى الأمني في ظل هذه الأزمات؟

كل الأزمات التي تحيط بموريتانيا تمثل خطرا على المستوى الإستراتيجي والأمني والاجتماعي ولدول منطقة غرب إفريقيا كلها وفي المغرب العربي.

ففي مالي والنيجر وبوركينا فاسو وغيرها من الدول هناك مشكلات وهي دول جوار لنا معها علاقات اجتماعية وتاريخية متشابكة، خاصة دولة مالي التي تمتد الحدود بينها وموريتانيا إلى 2035 كيلو مترا وبيننا تداخل اجتماعي قوي جدا.

والوضع هناك صعب جدا على المستوى الأمني والأحداث هناك يروح ضمن ضحاياها مواطنون موريتانيون آخرها قبل أيام مع الأسف.

 والآن نشهد موجة لجوء واسعة من مالي إلى موريتانيا ففي ولاية واحدة وهي ولاية الحوض الشرقي يوجد اليوم بها ما يقارب 130 ألف لاجئ من مالي، فضلا عن اللاجئين الذين ذهبوا إلى ولايات أخرى وإلى العاصمة نواكشوط. 

وهو ما يسبب ضغطا كبيرا على البلاد. لذا أقول إن الحكومة لدينا يجب أن يتوسع نشاطها وتفاعلها مع هذه المشكلات وأن تكون أكثر دبلوماسية. 

فدور السلطات الآن أن تجنب البلاد انعكاسات هذه الأزمات عليها وأن تسعى في حل مشكلات البلدان المجاورة أيضا بدافع الأخوة والجيرة وبدافع الحفاظ على نفسها واستقرارها الأمني والاقتصادي. 

وفي هذا الإطار يجب أن تتجنب الحكومة أن تقع بلدنا في نفس ما وقعت فيه البلدان من حولنا بسبب الظلم وغياب العدالة والفساد. يجب أن ننظر إلى البلدان من حولنا ونُجنب أنفسنا أن نقع في مثل ما وقعت فيه من أزمات بسبب الظلم أو الاستبداد.