الأسيرة المحررة فادية البرغوثي: إسرائيل تسرق الحياة من الفلسطينيين والعالم يتفرج (خاص)

عمرو حبيب | منذ ٩ أيام

12

طباعة

مشاركة

قالت الأسيرة المحررة فادية البرغوثي: إن قضية الأسرى الفلسطينيين بسجون الاحتلال لم تنل حقها من الاهتمام على المستوى الرسمي الفلسطيني أو الشعبي. 

وذكرت البرغوثي في حوار مع “الاستقلال” أن الاحتلال يسعى إلى إذلال الأسيرات، فيعرضهن لإهانات قذرة وتفتيش عار وعزل لأيام، ويضع كاميرات في الحمامات ويصادر ملابس الصلاة والمستلزمات النسائية الخاصة.

كما تناولت الأسيرة المحررة أثر حرب الإبادة الجماعية في غزة على الأجيال القادمة من حيث التعليم بحكم تخصصها الأساسي كمعلمة.

وأوضحت أن الاحتلال يوظف الحرب توظيفا إجراميا في مسألة التعليم، فيسعى لحرمان الأطفال منه ليجردهم من الوعي المطلوب بقضيتهم وحقوقهم.

والبرغوثي ( 51 عاماً) هي زوجة الأسير محمود البرغوثي ووالدة الأسير باسل البرغوثي، تعمل بالأصل معلمة للغة الإنجليزية واعتقلت في فبراير/ شباط 2024 اعتقالا إداريا وأطلق سراحها في مايو/ أيار من العام نفسه. 

كما أنها مرشحة سابقة لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في شمال غرب رام الله.

حال الأسرى

  • كصاحبة تجربة.. كيف تنعكس أجواء السجن على المرأة الأسيرة نفسيا؟ هل تتغير شخصيتها؟

الحرمان من الحرية أمر بشع للغاية يهدف إلى تكبيل الجسد والروح وينتزع من الإنسان حقه في التحرك، أضف إلى ذلك الحرمان من العائلة والأحباب في ظل عزلة شبه كاملة ما بعد السابع من أكتوبر.

فلم يكن لدى الاحتلال رغبة في أن نكون مطلعين على الأحداث خارج السجن، أرادوا لنا العزلة التامة بهدف تحطيم المعنويات وإيهامنا بأننا لن نغادر السجن أبدا.

لا توجد تجربة يمر فيها الإنسان إلا وتحمل آثارا على الإنسان، فما بالك بالاعتقال في ظل ظروف قاسية! 

شخصيا اكتشفت أني أقوى مما كنت أتصور كما أني أستطيع التأقلم في ظروف لم أتصور قدرتي على التأقلم فيها، أكدت لي التجربة بشاعة هذا المحتل وتجرده من صفات الإنسانية كافة.

  • كيف يتعامل الاحتلال مع المرأة الفلسطينية الأسيرة على وجه الخصوص؟ هل هناك تصرفات معينة خاصة مرتبطة بكونك امرأة؟

الاحتلال تجاوز الخطوط الحمراء كافة في تعامله مع الفلسطينيين والنساء لم يستثنين كذلك من اعتقال وتنكيل وضرب وعزل وحرمان من معظم الحقوق التي كفلتها القوانين الدولية. 

الأسيرات يتعرضن للإهانات القذرة والتفتيش العاري والعزل لأيام بوجود كاميرات طوال الوقت كما تمت مصادرة ملابس الصلاة والمستلزمات النسائية الخاصة.

هل يعرف العالم أن الاحتلال يضع كاميرات في الحمام الملاصق لمكان الاحتجاز (الزنزانة أصلا عبارة عن حمام) ويتابع من خلالها الأسيرات؟! 

هل يعلم العالم أن التهديد بالاغتصاب أمر اعتيادي عند الاحتلال المجرم؟! نعم تعامُل الاحتلال مع الأسرى جميعا مهين ويسعى للإذلال، لكن مع المرأة يكون الأمر أكثر تأثيرا وقسوة على النفس.

لكن والحمد لله كوننا صاحبات قضية ونعلم أن استرداد الحقوق يستوجب التضحية كل هذا يجعلنا في حالة رضا تغيظ المحتل.

  • هل ينعكس الاعتقال على طبيعة العلاقة بين الأسيرة وأفراد أسرتها: زوج وأبناء وبنات وأحفاد؟

الاعتقال يزيد من متانة العلاقة ومجتمعنا الفلسطيني يقدر النضال والمناضلين ويتطلع بعين الرحمة لمن تعرض لأذى الاحتلال. 

الفراق على الرغم من قسوته إلا أنه حالة تزيد من الترابط بين أفراد الأسرة كونه فراقاً قسرياً لا طوعياً، أنا زوجة لمعتقل وأم لمعتقل أيضا، وتجربة الاعتقال جعلتنا أكثر ترابطا رغم الألم بداخلنا.

قبل اعتقالي كنت كثيرا ما أفكر أنني معرضة لهذا الشيء بسبب خبرتي في تعامل الاحتلال مع المعتقلين والأجواء التي كانت تسيطر علينا كلما حاصر الاحتلال بيتنا من أجل القبض على زوجي أو ابني. 

نحن كعائلة من بداية ارتباطي بزوجي تكرر اعتقاله أكثر من مرة هو حاليا في السنة العاشرة اعتقالاً، منها ثماني سنوات تحت بند الاعتقال الإداري، وكذلك ابني عمرو اعتقل وهو طالب بالجامعة، والآن ابني باسل معتقل لدى الاحتلال منذ بداية الحرب.

نحن نتكلم عن 30 سنة تقريبا من الاعتقال المستمر. كل هذا جعل العلاقة بيننا أكثر متانة وقوة وتوثيقاً، نحن أسرة اختار الله لها التضحية في هذا الجانب.

  • من خلال تجربتك الخاصة.. هل تمر الأسيرة بلحظات ضعف داخل السجن ربما تجعلها تندم على دفاعها عن قضيتها؟

النفس البشرية تضعف لا شك، لكن الإيمان بالله وبعدالة قضيتنا يساعد الإنسان على مقاومة هذا الضعف. 

واستذكار معاناة الغير وتذكر أجر الصابرين عند رب العالمين يدفع كل شعور سلبي ويقوي العزيمة، حتى إن سيطر علينا في وقت من الأوقات أي ضجر أو حزن سرعان ما نعود لإدراكنا الأساسي أن هذه القضية عظيمة وتستوجب الصبر خصوصا أن الله يرينا قدر المذلة التي تسكن داخل المحتل وعلمه بأننا على حق ويظهر ذلك في مواقف عديدة.

لذلك نحن نضعف نعم، لكننا نتصبر ونصبر على ذلك. خاصة أنني أرى من هم في ابتلاء أشد بكثير مما نحن فيه من إخوتنا في غزة وفي غيرها من أراضينا المحتلة.

دروس وإبداعات داخل السجن

  • ما أهم الدروس التي خرجتِ بها من الاعتقال؟

درس مهم جدا وهو أن الأسر ليس عيبا، المرأة الفلسطينية حينما تُأسر فهذا أمر متوقع ووارد في حياتها.

والدرس الثاني أن الأسر مسؤولية، الناس بالخارج ينتظرون من الأسيرة المحررة أن تكون على قدر المسؤولية بأن تطمئنهم على باقي الأسيرات بالداخل حيث تستمر فترة طويلة توضح للأهالي ظروف الاعتقال ووضع بناتهن بالداخل فتكون بمثابة سفيرة للأسيرات بالداخل عند أهاليهن.

والدرس الأكثر أهمية أيضا أن المفاهيم لا ولن تتبدل؛ إذ يظل الاحتلال احتلالا مهما كسب تعاونا من أي جهة ويظل أصحاب القضية هم أصحابها والزمن لا يغير من هذه الوقائع. 

ودرس آخر أن الأسر قد يستخرج من داخلك قدرات كانت كامنة في نفسك وطبعا قد يكون منها مواهب.

فأنا كان لدي ميول للكتابة الأدبية وعندما خرجت من الاعتقال وجدت أنه من الصعب أن أتواصل مع أهالي كل الأسيرات لأطمئنهم على بناتهن.

فقررت الكتابة عن كل أسيرة وعندما كان الأهالي يقرؤون هذا المنتج الأدبي كانوا يطمئنون لدرجة أن بعض الأهالي قالوا إن ما كتبته يمثل لهم زيارة كاملة لأبنائهن. 

قررت الكتابة عن وضع الأسيرات وسلطت الضوء على الصورة المشرقة لنفسيات الأسيرات ولقدراتهن الإبداعية. 

كتبت عن غرف الاعتقال بالترتيب وسلطت الضوء على شخصية كل أسيرة في كل غرفة، فهذه مبدعة في التفصيل والأخرى تملك نفسية صامدة تعصى على الكسر وترفض العلاج على يد المحتل.

كنت أقضي كل يوم من أيام اعتقالي في غرفة من غرف الأسيرات أقضي حوالي 23 ساعة من يومي في الغرفة أتعرف عليهن وعلى عاداتهن ونفسياتهن حتى كتبت عن 70 أسيرة خلال الثلاثة أشهر التي قبعتها في السجن. 

  • هلا تصفين لنا أجواء التحقيق مع الأسيرة في سجون الاحتلال وهل تختلف عنها حال التحقيق مع الرجال؟

لقد مررت بتجربة استجواب عادية كوني خضعت للاعتقال الإداري وهو مختلف عن الاعتقال على خلفية قضايا تحتاج تحقيق.

لكن هناك غيري من تعرضن لوسائل استجواب قاسية، طبعا العالم كله يسمع عنها ولا يحرك ساكنا.

  • كيف تعاملتم داخل السجن مع أدوات الاحتلال لكسر الإرادة من تجويع وتهديد باعتقال الأبناء أو الأزواج أو حرق البيوت؟

 هناك حالة تعاون وتعاضد داخل السجن تخفف على النفس القهر والجوع والبرد، كلما تأكدنا أن الاحتلال يسعى لكسر إرادتنا ازددنا صمودا وتحديا، وذلك من خلال تعاوننا معا وتوصية بعضنا بعضا بالصبر.

رغم أن الأسيرة المرأة في الاعتقال يختلف وضعها نفسيا عن الرجال إلا أن رغبتهم في كسر إرادتنا كانت تستخرج منا أقوى ما فينا من ثبات.

  • وكيف كان رد فعل إدارة السجون عند صدور الأوامر بإطلاق سراحكن؟

لقد أطلق سراحي في الصباح الباكر وتعمد الاحتلال أن يحرمني من توديع الأسيرات أو السلام عليهن ومخاطبتهن، وظللت محتجزة في زنزانة أخرى لعدة ساعات قبل خروجي من السجن وذلك في محاولة للانتقاص من الفرحة بنيل الحرية.

طوفان الأقصى

  • هل اختلفت الأوضاع داخل السجون بعد عملية طوفان الأقصى عن قبلها؟

طبعا.. كنا من قبل نستطيع الاطمئنان على بعضنا البعض أنا وزوجي من خلال وسائل عديدة، لكن بعد طوفان الأقصى حالوا بيننا وبين ذلك وانقطع التواصل نهائيا بيننا، وبعدها اعتقلوا ابني بطريقة شرسة جدا، من ضرب أثناء التكبيل وغير ذلك من وسائل التنكيل. 

بالإضافة إلى تغير أجواء الأسر نفسها؛ حيث ظللت أربعين يوما لا أعلم شيئا عن زوجي وابني هل هما على قيد الحياة أم لا. 

أيضا بعد طوفان الأقصى وقعت حالات استشهاد لبعض الأسرى واتبع الاحتلال سياسة التجويع ومصادرة الأغطية وكل الوسائل التي تعيننا على الحياة.

لم يكن الأمر هكذا قبل السابع من أكتوبر. الأسر في النهاية هو أسر لكن تصعيب الحياة والقتل البطيء يزيد الأمر كآبة وشعورا بالظلم وقد صرحت من قبل بأن اليوم في الأسر بعد السابع من أكتوبر يساوي سنة فيما كان قبله.

  • مجال عملك الأصلي هو التعليم.. كيف ترين تأثير حرب الإبادة في غزة على الأجيال القادمة؟ فهناك الفلسطينيون محرومون من التعليم منذ عام وأكثر.

لا شك أن تدمير المؤسسات التربوية كافة وتعطيل العملية التربوية سيكون له أثر على الطلاب من مختلف المراحل، والتجارب النفسية التي مر بها الأطفال ستترك آثارا لا يستهان بها.

نعم هذا ثمن يُدفع ضمن الأثمان الباهظة التي نقدمها كشعب اغتصبت أرضه ومقدراته، لكن العدو يعلم جيدا أن التعليم مساهم قوي في تكوين شخصية الإنسان الفلسطيني.

لذلك هو يوظف الحرب توظيفا إجراميا في هذه المسألة، فيسعى لحرمان الأطفال من التعليم ليجردهم من الوعي المطلوب بقضيتهم وحقوقهم ويخرج إلى المجتمع شخصية بلا مهارات في الحياة وبلا سلاح يضمن لصاحبها التقدم في حياته وتحقيق أحلامه. 

المشكلة للأسف أصبحت أكبر من ذلك، الطفل الفلسطيني لا يُحرم فقط من التعليم بل يُحرم من الأب والأم والإخوة بل من الحياة نفسها. 

نعم سيظهر تأثير غياب التعليم على الأجيال كلها في لاحق الأيام لكن للأسف الحياة نفسها تسرق من الأجيال والعالم يتفرج.

  • هل ترين أن قضية الأسرى تأخذ مساحتها المستحقة في اهتمامات الحكومة الفلسطينية حاليا؟

هناك تقصير فيما يتعلق بقضية الأسرى من مختلف الجهات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية والشعبية.

فقضية ما يقارب العشرة آلاف أسير في ظروف قاسية وانتهاكات غير مسبوقة لا تحتل مساحة كافية ولا تلقى الاهتمام الملائم لها، رغم أنها ورقة قوية في مواجهة المحتل والمجتمع الدولي أيضا.

فنحن كأصحاب قضية لسنا فقط نريد استرداد أرضنا من المحتل بل نريد الحرية لأسرانا من أبنائنا وبناتنا.

  • ما رسالتك إلى الأسيرات اللواتي مازلن تحت الاعتقال؟ وما رسالتكم إلى المقاومة وأهل غزة؟

لا يملك المرء إلا الدعاء لمن يقبع في الأسر بالصبر والثبات والفرج العاجل، هذا من جانب، أما المقاومة فأي شعب محتل من حقه أن يقاوم لاسترداد حقه. ولا نملك لأهل غزة سوى الدعاء بالنصر والتوصية بالصبر.