بعد العدوان على غزة.. ما مستقبل العلاقات الإفريقية الإسرائيلية؟

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

اتسمت العلاقات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ودول القارة الإفريقية على مر السنين بالصعود تارة والهبوط تارة أخرى، لكن السياق الحالي يصعب التنبؤ بمستقبلها.

ففي الوقت الحالي، يرى معهد بحثي إيطالي أن عدم الاستقرار في كل من الشرق الأوسط (أي العدوان الإسرائيلي على غزة) وكذلك في إفريقيا يجعل التنبؤ بمستقبل العلاقات بين تل أبيب والقارة السمراء، صعبا.

 ويؤكد "معهد تحليل العلاقات الدولية" أن هذه العلاقات المتراجعة حاليا ستزيد من عزلة الاحتلال الإسرائيلي في حال توسع الصراع إلى لبنان.

ما بعد الاستقلال 

وحاولت إسرائيل التقرب دبلوماسيا من الدول الإفريقية الناشئة من حقبة الاستعمار لفك عزلتها في الشرق الأوسط، فاعترفت في البداية باستقلال غانا عام 1957.

واستمرت في ذلك إلى أن بلغ عدد سفرائها المعتمدين في القارة السمراء قبل عام 1967 واندلاع حرب الأيام الستة، 33 سفيرا. 

لكن في أعقاب احتلالها قطاع غزة ومرتفعات الجولان والضفة الغربية وسيناء، انتشرت صورة لإسرائيل كقوة استعمارية في الدول التي حصلت أخيرا على استقلالها بعد استعمار طويل من قبل الدول الأوروبية. 

وبعد ست سنوات أي مع اندلاع حرب 6 أكتوبر 1973، تمكنت دول شمال إفريقيا، لا سيما ليبيا والجزائر، من إقناع بقية أعضاء منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا) بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الاحتلال.

وخلال السبعينيات والثمانينيات، أبقى التعاون آنذاك بين إسرائيل وجنوب إفريقيا على قنوات الاتصال بين المحتل والقارة. 

وفي منتصف السبعينيات، بدأ الطرفان تعاونا عسكريا سريا انتهى بتطوير القنبلة الذرية في الدولة الإفريقية وتسلح الجيش الإسرائيلي بأسلحة مصنوعة في بريتوريا. 

أردف المعهد البحثي الإيطالي أن العلاقات بين إسرائيل وإفريقيا تحسنت بشكل واضح بعد اتفاقيات أوسلو (بين منظمة التحرير الفلسطينية وتل أبيب عام 1993).

 وفي عام 2016، حل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعدة دول إفريقية ضمن جولة استهلها بأوغندا واختتمها بأثيوبيا آنذاك وشملت كينيا ورواندا

أوضح المعهد أن النفوذ الإسرائيلي في القارة يشمل عدة مجالات، مبينا أن "التفوق الإسرائيلي في قطاعي الزراعة والألماس يشكل عامل جذب قوي للدول الإفريقية من الناحية الاقتصادية".

نفوذ متعدد 

وأخيرا، وفر العديد من الدول الإفريقية العمالة للقطاع الزراعي الإسرائيلي على أثر استدعاء جنود الاحتياط عام 2023 للمشاركة في العدوان على قطاع غزة. 

يذكر المعهد الإيطالي كذلك أن الشركات الإسرائيلية العاملة في الصناعة بسطت سيطرتها على العديد من مناجم الماس في جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل غير قانوني، مما أدى إلى زعزعة استقرار المنطقة.

ويشير هنا إلى فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على رجل الأعمال الإسرائيلي دان غيرتلر وأكثر من 30 من شركاته في ديسمبر/كانون الأول 2017 ويونيو/حزيران 2018 بعد أن وجهت له اتهامات بالاستفادة من صداقته مع رئيس الكونغو السابق جوزيف كابيلا للفوز بصفقات تعدين مربحة.

وفي المجال الدبلوماسي، عرج المعهد على تأثيرات اتفاقيات التطبيع داخل القارة، مشيرا إلى الاتفاق المعلن مع السودان عام 2020 لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة.

وأشار إلى برقية التهنئة التي كان قد بعث بها عام 2022، قائد الجيش السوداني عبد الفتاح الرهان لنتنياهو عقب إعادة انتخابه رئيسا للوزراء. 

إلا أن اندلاع الحرب الأهلية في الخرطوم في أبريل/نيسان 2023 أدى إلى تعقيد الوضع وأثار مخاوف إسرائيلية من مصير اتفاق التطبيع لا سيما أنه يظل هشا وفق آراء محللين ومراقبين.

وإلى جانب اتفاقيات التطبيع، افتتح الاحتلال كذلك سفارة له في رواندا عام 2019 في حين افتتحت ملاوي سفارة لها داخل الأراضي المحتلة. بينما جرى الاتفاق في عام 2023 بين نيجيريا وإسرائيل على تشغيل رحلات مباشرة منتظمة. 

وفي الاتحاد الإفريقي، حصلت إسرائيل على صفة مراقب عام 2021، إلا أن ضغوط جنوب إفريقيا والجزائر تسببت في سحب هذه الصفة منها. 

ويزعم المعهد أن اتفاقيات التطبيع ستصمد "أمام الضغوط التي يفرضها العدوان على قطاع غزة وستوفر أساسا لاستمرار التقارب بين الدول الإفريقية وإسرائيل". 

في هذا الصدد، يذكر تدخل الرئيس التونسي قيس سعيد لوقف إصدار قانون تجريم التطبيع المثير للجدل في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

وكان رئيس البرلمان التونسي، إبراهيم بودربالة قد كشف أن سعيّد قد أعلمه أن القانون سيمسّ بأمن تونس وأنه محل مزايدات انتخابية.

وقال في جلسة أمام النواب إن رئيس الجمهورية يرفض التطبيع انطلاقا من مبادئ أخلاقية وسياسية، أي دون حاجة إلى إصدار قانون.

نحو العزلة؟

ولفت المعهد الإيطالي إلى أن امتداد الصراع الحالي بين المقاومة الفلسطينية في غزة والاحتلال إلى لبنان، وهو احتمال لا يبدو بعيدا جدا، قد يغير الوضع.

وأشار إلى تركيز محللين على تأثير العدوان الإسرائيلي في غزة على الاقتصادات الإفريقية مع التمييز بين الدول المنتجة للذهب، مثل جنوب إفريقيا وغانا وتنزانيا، والتي تستفيد من اندلاع صراعات جديدة، في حين يلحق ارتفاع أسعار النفط الضرر بدول مثل كينيا وموزمبيق. 

فضلا عن ذلك، يزعم أن "الحفاظ على الحياد الدبلوماسي في الحرب الروسية الأوكرانية سيكون أمرا معقدا على نحو متزايد بالنسبة للدول التي تدين العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مثل جنوب إفريقيا". 

إلى ذلك، أكد المعهد أن جنوب إفريقيا "تظل نقطة الأساس في العلاقة بين إسرائيل والقارة سواء لأهمية دورها داخل الاتحاد الإفريقي أو للدور الأخلاقي الذي اضطلعت به البلاد منذ نهاية الفصل العنصري".

 وهو ما يفسر جزئيا، بحسب تحليله، رفعها لدعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل تتهمها فيها بارتكاب إبادة جماعية في غزة. 

كما أكد أن مناطق أخرى من القارة ستكون محل اهتمام، في إشارة إلى "ظهور كتلة الساحل المناهضة للغرب وهو ما من شأنه أن يعيق العمل الدبلوماسي الإسرائيلي". 

وشدد مجددا على أن امتداد الصراع في الشرق الأوسط إلى لبنان سيؤدي بشكل شبه مؤكد إلى عزلة أكبر لإسرائيل. 

واستدرك بالقول إن "اعتماد البلدان الإفريقية على المساعدات الدولية، إلى جانب تعرضها لتغير المناخ، يجعل التكنولوجيات الإسرائيلية جذابة بشكل متزايد خاصة في قطاع الأغذية الزراعية".