آخرها سائحة إسبانية.. كيف أصبحت الهند "ديمقراطية اغتصاب النساء"؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

دأب الزوجان الإسبانيان فيسنتي وفرناندا على زيارة البلدان والتعرف على الحضارات المختلفة وتسجيل تفاصيل جولاتهما العالمية من بلد إلى بلد، ومن قارة إلى أخرى. 

وفي رحلتهما الأخيرة، زارا كثيرا من بلدان آسيا كأفغانستان ومنها إلى باكستان وميانمار وصولا إلى بنغلاديش في جولة كانت آمنة مطمئنة حتى ساقتهما أقدارهما إلى الهند. 

ففي 2 مارس/آذار 2024، وبينما كان فيسنتي وفرناندا يقطعان منطقة "دومكا" في ولاية "جهارخاند" الهندية على متن دراجة نارية قادمين من ولاية البنغال الغربية إلى نيبال المجاورة، لم يجدا "فندقا" قريبا للمبيت، وفضلا التخييم وسط الأجواء الطبيعية في "دومكا". 

لم يمض وقت طويل حتى تفاجأ فيسنتي وفرناندا بمجموعة من الرجال الهنود يباغتونهما، ويبرحون الزوج ضربا، قبل أن تبدأ مرحلة اغتصاب الزوجة "فرناندا" على مدار ساعتين من قبل 7 رجال.

بعد الحادثة مباشرة، نشر الزوجان على حسابهما في "إنستغرام"، وقائع ما جرى لهما، وذكرا أنهما جرى تهديدهما بـ"سكاكين على رقبتيهما" خلال الهجوم في الهند. 

وأضافا أن الزوجة تعرضت للاغتصاب ونقلت إلى المستشفى لإجراء اختبار الحمض النووي، وكان يبدو عليهما آثار الضرب المبرح والاعتداء. 

وأظهرت المرأة كدمات على وجهها، قائلة: "هذا هو شكل وجهي، لكنه ليس أكثر ما يؤلمني، ظننت أنني سأموت".

وصم الهند

وفي فيديو آخر، قال الزوج: "فمي تحطم، لكن زوجتي عانت بشكل أسوأ مني. ضربوني بالخوذة عدة مرات، بحجر على رأسي".

ويتابع كل من فيسنتي وزوجته أكثر من 250 ألف مشاهد على موقع "إنستغرام" وقطعا بدراجتيهما الناريتين أكثر من 170 ألف كم في 66 دولة أبرزها السعودية وإيران وألمانيا وبلغاريا وأفغانستان وعمان والإمارات وتركيا والعراق، وغيرها.

الشرطة الهندية قبضت في وقت لاحق على الـ 7 متهمين، وصرفت تعويضا بخسا للزوجين قدره 10 آلاف روبية هندية (120 دولارا أميركيا).

​​​​​​​
 

لكن الحادثة مازال صداها يتردد داخل الهند وخارجه، وأثارت غضبا عارما، خاصة أن البلد الأكبر من حيث عدد السكان العالم، ويوصف بأنه حامل أكبر ديمقراطية في العالم، يشهد منذ سنوات ظاهرة اغتصاب النساء والاعتداء عليهن.

فكيف تعيش النساء في الهند في ظل تلك الظروف؟ وما طبيعة وقائع الاعتداء على النساء هناك؟ ولماذا لا تأخذ حكومة رئيس الوزراء ناريندارا مودي خطوات حقيقية لوقف تلك الظاهرة التي أصبحت تصم الهند عالميا؟ 

أرقام صادمة 

وتزعم حكومة حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكمة أنها تكافح منذ سنوات لمعالجة معدلات العنف المرتفعة ضد المرأة، مع وجود عدد كبير من حالات الاغتصاب البارزة التي تعرض لها حتى الزوار الأجانب، ما جذب الاهتمام الدولي لهذه القضية.

ففي عام 2018، تعرضت امرأة بريطانية للاغتصاب أثناء سيرها إلى فندقها في ولاية جوا الغربية، وهي مقصد سياحي شهير.

قبلها بعامين في 2016 تعرضت امرأة أميركية للتخدير ثم الاغتصاب على يد مجموعة من الرجال في غرفتها في فندق خمس نجوم في العاصمة نيودلهي.

وفي عام 2013، حكم على 6 رجال بالسجن مدى الحياة بتهمة الاغتصاب الجماعي لسائحة سويسرية.

ووفقا للمكتب الوطني لسجلات الجرائم في الهند، جرى تسجيل أكثر من 31 ألف حالة اغتصاب عام 2022، أي بمتوسط ​​86 حالة يوميا، وسط تنبيهات من أن عدد الحالات المسجلة ليس سوى جزء صغير مما قد يكون عليه العدد الحقيقي.

وفي 10 يناير/كانون الثاني 2020 نشر موقع "دويتشه فيله" الألماني تقريرا عن تلك الحوادث، قال فيه إن "الهند من أسوأ الأماكن بالنسبة للنساء، وتترسخ تلك القاعدة مجددا مع بيانات حكومية تفيد بتعرض امرأة للاغتصاب كل 15 دقيقة". 

وأورد التقرير السنوي للجرائم في الهند الصادر عن وزارة الداخلية عام 2022، أنه تم الإبلاغ عن 34 ألف حالة اغتصاب تقريبا.

وبين التقرير أن حوالي 85 بالمئة من هذه القضايا انتهت بتوجيه اتهامات، و27 بالمئة منها فقط بإدانات. 

واقعة 2012

وتعد واقعة الاغتصاب الجماعي لامرأة هندية وقتلها في حافلة بالعاصمة نيودلهي عام 2012 من أشرس وأكثر الحوادث التي وقعت في السنوات الأخيرة.

وأثارت الحادثة غضبا خرج معه مئات الآلاف إلى الشوارع في أنحاء الهند للاحتجاج والاستنكار. 

ودفعت الواقعة المأساوية نجوما سينمائيين وسياسيين للمطالبة باتخاذ إجراءات أكثر صرامة، ما أدى إلى تشديد العقوبات وإنشاء محاكم جديدة لسرعة البت في القضايا الخاصة بالعنف ضد النساء، وعلى رأسها الاغتصاب، لكن كل هذا لم يخفف من الظاهرة.

فبعد ذلك أثارت واقعة أخرى ضجة كبيرة، خلال العام 2017 عندما اغتصبت فتاة قاصر على يد كولديب سينغ سنجار، النائب السابق عن حزب بهاراتيا جاناتا، وحاولت الفتاة الانتحار بعدما اتهمت الشرطة بالتقاعس. والأسوأ أن النائب عن الحزب الحاكم حاول قتل الفتاة.

فقبل خمسة أشهر من إدانة سنجار في ديسمبر/كانون الأول 2017، تم توفير حماية لأسرة الفتاة بعد أن صدمت شاحنة سيارة كانت تقلها مما أدى إلى إصابتها ومقتل اثنين من أقاربها.

ومن أسباب ارتفاع هذه الظاهرة في الهند، ما أوردته ناشطات حقوقيات هنديات لشبكة "سي إن إن" الأميركية في 4 مارس 2024، بأن السلطات تأخذ الجرائم التي تمارس ضد النساء بقدر أقل من الجدية، هذا بالإضافة إلى معظم القضاة هم من الرجال، ولا يوجد سوى عدد قليل من مختبرات الطب الشرعي في البلاد.

وذكرت الوكالة "يبدو أن المحاكم السريعة التي أنشئت كرد فعل على حادثة 2012 لم تغير الكثير، فقد كشفت دراسة أجراها مركز بحوث القانون والسياسة في بنجالورو عام 2015 أن المحاكم السريعة تنظر القضايا على نحو أسرع بالفعل لكنها لم تتعامل مع عدد كبير من القضايا".

ونقلت سي إن إن عن دراسة أجريت عام 2016 أن هذه المحاكم تستغرق أكثر من 8 أشهر في المتوسط للبت في كل قضية، أي ما يزيد أربع مرات عن الفترة الموصى بها.

 وفي هذا السياق يعزو البعض أحد أسباب هذا التأخر إلى قلة القضاة في هذه المحاكم.

وأشارت إلى أن الإحصاءات الحكومية لا تشمل كل حالات الاغتصاب، إذ مازال الإبلاغ عن الاغتصاب من المحظورات في بعض أجزاء الهند، ولأن جرائم الاغتصاب التي تنتهي بالقتل تحتسب جرائم قتل فحسب.

فضيحة "جوجارات" 

وفي 28 أغسطس/ آب 2022، انفجرت مظاهرات عارمة في أنحاء الهند بسبب قرار الحكومة الهندية الإفراج عن 11 شخصا هندوسيا، أدينوا بالسجن مدى الحياة بتهمة الاغتصاب الجماعي لسيدة مسلمة تدعى بلقيس بانو.

وكانت تلك المرأة قد جرى اغتصابها، ثم قتل 14 من أقاربها في خضم أعمال شغب وقعت بين الهندوس والمسلمين في ولاية جوجارات عام 2002.

الضحية بلقيس بانو كانت حاملا في الشهر الثالث عندما اغتصبها هؤلاء الرجال وقتلوا أفراد عائلتها منهم ابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات.

وذلك خلال أعمال الشغب التي اجتاحت الولاية وأسفرت بعد ذلك عن مقتل ما يربو على ألف شخص، معظمهم من المسلمين.

اللافت أن رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، كان يشغل وقت وقوع الجريمة، منصب رئيس وزراء ولاية جوجارات، وكان حزبه بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي لا يزال يحكم الولاية.

وتسبب الإفراج عن مرتكبي فضيحة "جوجارات" في غضب كثير من نشطاء المجتمع الهندي، منهم شبانة عزمي، نجمة السينما الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة.

وصرحت عزمي وقتها لوكالة الأنباء الفرنسية: "لا يمكننا الوقوف (صامتين) ومشاهدة ما حدث مع بلقيس بانو وعائلتها.. لهذا السبب سنأتي جميعا ونرفع أصواتنا".

وأضافت: "لقد نمت الكراهية ضد النساء وكذلك النظام الأبوي بشكل كبير، وأصبح الاغتصاب الآن أمرا طبيعيا للناس".

فيما كتب أكثر من 100 موظف مدني متقاعد إلى كبير القضاة في الهند، بصورة منفصلة، ليقولوا إن إطلاق سراح المغتصبين سيكون له تأثير مخيف على سلامة جميع النساء.

وفي 14 ديسمبر 2022، نشر موقع "يورو نيوز" التابع للاتحاد الأوروبي تقريرا عن حالات اغتصاب النساء في الهند، ووصف الأمر بـ "الكابوس" وأطلق على السنوات الأخيرة "عقد الاغتصاب الجماعي للنساء الهنديات".