تهاوي الريال اليمني.. كيف قدمت الحكومة الشرعية للحوثيين "خدمة مجانية"؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تغول الدولار الأميركي على العملة المحلية، أزمة تضاعف من أزمات الشعب اليمني الذي يعاني منذ سنوات من ويلات الحرب، إلا أن نجاح جماعة الحوثي في حل تلك المشكلة أصاب اليمنيين في مناطق الشرعية بأزمة ثقة حادة مع حكومتهم الشرعية.

وتواصل العملة اليمنية تدهورها مقابل الدولار الأميركي في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، إذ كسر الدولار الواحد حاجز الألف ريال يمني بزيادة قدرها نحو 25 بالمئة في عدة أيام.

التدهور الكبير في العملة اليمنية أثار غضب المواطنين الذين أكدوا أن ذلك يزيد من أعبائهم، خصوصا مع تفاقم الأزمة الاقتصادية منذ اندلاع الحرب في اليمن يونيو/ حزيران 2015.

يمنيون، حملوا رئيس الوزراء معين عبدالملك، والحكومة الشرعية مسؤولية ذلك التدهور، جراء تأخرها في اتخاذ معالجات حقيقية تحول دون تدهور العملة المحلية وتحفظ استقرارها النسبي.

عبدالملك، في أول تصريح تلفزيوني له في يناير/ كانون الثاني 2019، عقب تعيينه رئيسا للوزراء، قال: إنه لن ينشغل بالسياسة وسيتفرغ  للجانب الاقتصادي.

ذلك التصريح أثار حينها سخرية اليمنيين، ليقينهم بأنه لا يوجد رئيس وزراء لا ينشغل بالسياسة.

إلا أن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي وتهاوي العملة أغضبهم أكثر من معين، الذي لم ينشغل بالسياسة ولا حتى بالاقتصاد، وفق رؤيتهم.

يمنيون، دشنوا تظاهرة إلكترونية تحت هاشتاغ "#الدولار_بألف" عبر "فيسبوك"، عبروا فيه عن غضبهم واستيائهم من الحكومة الشرعية ووقوفها عاجزة عن إيجاد حلول لإيقاف تدهور العملة المحلية.

الدولار الأميركي كان يساوي 250 ريالا يمنيا عند اندلاع الأزمة عقب انقلاب جماعة الحوثي في أيلول/ سبتمبر 2014.

ومنذ ذلك الحين والريال اليمني في تهاو مستمر، إذ فقد نحو 300 بالمئة من قيمته ومازال في تراجع مستمر.

خدمة مجانية

المفارقة أنه في مقابل بلوغ سعر الدولار ألف ريال يمني في مناطق سيطرة حكومة الشرعية، فإنه في مناطق سيطرة الحوثيين ثابت على 600 ريال منذ عدة سنوات، مقتربا من نصف سعر الدولار في مناطق سيطرة الشرعية حاليا.

ثبات سعر الدولار في مناطق سيطرة الحوثي واستمرار تدهوره في مناطق سيطرة الشرعية انعكس بشكل إيجابي لصالح الحوثي ومنحه خدمة مجانية من قبل الشرعية، وفق مراقبين.

يمنيون، يرون أن قدرة الحوثي على التحكم بسعر الدولار وتثبيت قيمته في مناطق سيطرته وبالتالي استقرار أسعار المواد الاستهلاكية نسبيا يمنحهم أفضلية على الحكومة الشرعية.

ويعتقدون أنها أفضلية تمنحهم المشروعية الشعبية في مقابل الشرعية السياسية التي تتمسك بها حكومة معين عبدالملك المعترف بها دوليا.

تلك الهوة، بين فارق الصرف في مناطق الحوثيين ومناطق الشرعية أضافت مشكلة أخرى مع تدني قيمة العملة المحلية.

إذ يجري احتساب الألف الريال في مناطق سيطرة الشرعية بنحو 600 ريال في مناطق سيطرة الحوثي، ما يعني خسارة الريال اليمني نحو 40 بالمئة من قيمته أثناء تحويله عبر مراكز الصرافة، وفق خبراء اقتصاد.

ذلك الوضع تعمق آثاره الاقتصادية عدم سماح جماعة الحوثي بنقل العملة الورقية من مناطق سيطرة الشرعية إلى مناطقها إلا على نحو محدود، وذلك للحفاظ على ثبات العملة في مناطق وجودهم.

أسباب التدهور

الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر، يقول: إن "الحرب السبب الرئيس لتدهور العملة اليمنية".

ويضيف لـ"الاستقلال": إنه "تدهور ناتج عن مجموعة من التراكمات المرتبطة بشحة الإيرادات من العملة الصعبة، وفقدان الحكومة للعديد من مواردها الذاتية، لا سيما النفط والغاز وتحويلات المغتربين".

نصر، يوضح أن "التدهور الأخير مرتبط بسببين، أحدهما سياسي مفاده تأزم الوضع في عدن، في ظل وجود حالة مضاربة في السوق على الدولار والريال السعودي، تحسبا لحالة عدم الاستقرار في العاصمة المؤقتة".

ويلفت إلى أن السبب الاقتصادي "مرتبط بالمضاربة الحاصلة في العملة، خصوصا بعد إنزال الحكومة كميات من النقود المطبوعة حديثا بشكلها القديم".

يتابع الخبير الاقتصادي: "طباعة الأموال، دفع جماعة الحوثي لاتخاذ إجراءات لمواجهة انتقال العملة الجديدة إلى مناطق سيطرتها، وقصر انتقال العملة على الدولار والريال السعودي، ما تسبب بتراجع سعر الريال اليمني".

نقاط قوة

وعن سبب عدم تراجع العملة في مناطق سيطرة الحوثيين، يقول نصر: "اتخذ الحوثيون قرارا بتثبيت العملة عند سعر محدد، وفرضوا سعرا معينا بالقوة معتمدين على ما يمتلكونه من سيطرة واسعة على القطاع المصرفي،".

ويبين أن "ثبات الدولار كان خاضعا لقرارهم بالتثبيت، وليس خاضعا للعرض والطلب، لهذا لم يجرؤ أحد على تغيير السعر".

ويضيف: "علاوة على ذلك فإن ما يمتلكه البنك المركزي في صنعاء من كوادر وإمكانات جعلته يتحكم بالسوق إلى حد كبير، خصوصا أن مناطق الحوثي مغلقة أكثر من مناطق الشرعية التي تمتلك منافذ برية".

نصر، أعرب عن أسفه للآثار الاقتصادية الناشئة عن تفاوت سعر العملة بين مناطق الشرعية ومناطق الحوثيين.

 ويوضح أن "لهذا التفاوت أثرا سلبيا للغاية، إذ تفقد العملة في مناطق سيطرة الشرعية أكثر من نصف قيمتها عند تحويلها إلى مناطق سيطرة الحوثيين، حتى وصلت إلى أرقام قياسية بلغت 65 بالمئة في بعض الفترات".

ويؤكد أن "تفاوت سعر العملة يحد من التبادل التجاري بين المنطقتين"، ووفقا لدراسة حديثة نفذها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.

 "حجم التبادل التجاري بين مناطق الشرعية والحوثيين تراجع إلى 40 بالمئة، وهذا مؤشر على حالة الانقسام التي حصلت على المستوى الاقتصادي"، وفق نصر.

يذكر أن الحكومة الشرعية نقلت البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في سبتمبر/ أيلول 2016، لسحب البساط من تحت أقدام جماعة الحوثي وإنقاذ المنظومة المالية والحد من تدهور العملة إلا أن ذلك الإجراء لم يكن فاعلا.

تدابير ملحة

وعن التدابير الممكنة لإيقاف تدهور العملة،  يعتقد نصر أنه "يجب وقف عملية المضاربة بتفعيل أدوات البنك المركزي وأدوات الحكومة في السيطرة عليها".

ويضيف: "وقصر عملية التحويل وتبادل العملات على البنوك وشركات الصرافة المعتمدة، ثم تفعيل الرقابة الشاملة على هذا الأمر، وتفعيل مبدأ العقاب على هذا الجانب".

نصر يواصل روشتة حل الأزمة ويقول: "يجب أيضا عقد لقاءات مع تجار المشتقات النفطية وتجار المواد الأساسية الذين يستهلكون كميات كبيرة من العملة الصعبة".

ويشدد على ضرورة، "التباحث معهم بشأن الكيفية التي يمكن من خلالها تهدئة الطلب على الدولار في السوق".

ويتابع: "يجب على الحكومة الشرعية وقف ضخ المزيد من النقد المحلي في السوق، ووقف استيراد السلع الكمالية وغير الضرورية".

"كما ينبغي عليها تفعيل الإيرادات المحلية وتصدير النفط والغاز، كي تحصل الحكومة على العملة الصعبة لتعويض النقص الحاد لديها وتعزيز الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي".

الخبير الاقتصادي، يشير إلى أن الحكومة الشرعية "ضعيفة وغير قادرة على هذه الإجراءات، لأنها مقيدة ولا تمتلك الموارد، وغير قادرة على استخدام مواردها الذاتية، ولا يوجد لديها احتياطي نقدي".

ويلفت إلى أنها "تسحب على المكشوف، أو تقوم بعمليات الإنفاق من مصادر تضخمية عبر إنزال كميات من النقود المحلية للسوق كمرتبات وغيره، وهذا يضاعف من مشكلة أزمة تدهور العملة".

ويختم بالتأكيد على ضرورة "الدعم العاجل والمباشر" من التحالف الذي تقوده السعودية، لا سيما الرياض لوقف "التدهور وتعزيز السوق بالعملة الصعبة".

وحذر من أنه إن "لم يجر ذلك الدعم فإن الدولار سيظل في تصاعد مستمر، في مقابل مزيد من التراجع للعملة المحلية".