"المفتاح في تل أبيب".. هل يستجير السيسي بإسرائيل لحل أزمة سد النهضة؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مسارات متعثرة تخوضها مصر في معركتها الدبلوماسية الأهم، المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي، مع إعلان أديس أبابا انتهاء الملء الثاني للخزان في 19 يوليو/تموز 2021، ووصول المفاوضات والوساطات الدولية والإفريقية إلى "طريق مغلق لا حل فيه".

وأمام "هذا العجز" تمخضت فكرة لدى الدبلوماسي المصري مصطفى الفقي، بشأن "محاولة الاستعانة بإسرائيل، كمفتاح لحل الأزمة"، تحت دعوى أنها تملك تأثيرات قوية على إثيوبيا، وعلى القوى العالمية مثل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. 

دعوة الدبلوماسي المصري ينطبق عليها المثل العربي "كالمستجير من الرمضاء بالنار"، ويطلق على من يستعين بشخص ليخفف مصيبته، فيزيده مصيبة على مصيبته.

فالفقي "تغافل" في طرحه عن الدور الإسرائيلي الداعم لإثيوبيا في بناء السد، وإمدادها أديس أبابا بأسلحة ودعم عسكري لحمايته، كما غض الطرف عن مصالح تل أبيب من السد، وحصار مصر ووضعها تحت ضغط دائم، أمام تهديد بعجز مائي يمس حياة أكثر من 100 مليون من مواطنيها. 

أطروحة الفقي

خلال أسبوع واحد وفي لقائين متتاليين، دعا الدبلوماسي، ورئيس مكتبة الإسكندرية، الفقي، نظام بلاده إلى ضرورة الاستعانة بإسرائيل في أزمة ملف سد النهضة الإثيوبي.

ففي 7 يوليو/ تموز 2021، خلال برنامج "يحدث في مصر" على فضائية "MBC"، قال الفقي: "أطالب مصر بحشد كل قواها وكروتها (أوراقها) في المنطقة لهذا الملف، هناك دول غير عربية قادرة على الضغط بشدة على إثيوبيا".

وذكر أن "بعض الكروت لم تستخدمها مصر من أجل الضغط على إثيوبيا، بينها الحديث مع إسرائيل".

وأشار الفقي إلى أن "اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل لم تخرقها القاهرة أبدا رغم استفزازات تل أبيب"، ثم تساءل: "كيف تساعد إسرائيل دولة تعمل على الإضرار بمصر، ونحن نتفق على أنه لا ضرر ولا ضرار؟!".

وأضاف: "الفترة الحالية من أصعب الفترات على القارة الإفريقية والعالم العربي، وأن أزمة السد الإثيوبي لن تنتهي بسرعة وستستمر لسنوات".

لم يقف الفقي عند هذه التصريحات، فعلى نفس القناة وخلال نفس البرنامج في 13 يوليو/ تموز 2021، أعاد الدبلوماسي نفس الفكرة، وشدد عليها، وأعلن أن مصر تجرد نفسها من أدواتها بسبب "المثاليات"، في حين أن السياسة لا تعرف "المثاليات"، حسب رؤيته. 

وطلب رئيس مكتبة الإسكندرية من النظام بشكل صريح، ضرورة إقناع إسرائيل بمساعدته في حل أزمة سد النهضة، لما تملك من تأثير كبير على جميع الأطراف.

وقال الفقي: "إسرائيل لديها تأثير قوي على إثيوبيا، وكذلك الولايات المتحدة وروسيا، الأمر الذي يمكنها من حل الأزمة"، وأشار إلى "رغبتها القديمة في أن تكون إحدى دول المصب بنهر النيل". 

وأوضح أن "مصر عليها الاعتماد في حل الأزمة على الحلول غير التقليدية والاتصالات مع الدول صاحبة التأثير الحقيقي". 

كلمات الفقي (77 عاما) لا تأتي اعتباطية، لأنه شخص غير عادي، عمل لسنوات طويلة في أرفع درجات السلك الدبلوماسي، وله علاقات نافذة بصناع القرار، حيث كان سكرتيرا للمعلومات للرئيس الأسبق حسني مبارك بين 1985 و1992، وكان عضوا بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في عهد مبارك، ثم استقال إثر قيام ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

كما عمل سفيرا لمصر في النمسا، وسفيرا غير مقيم بجمهوريتي سلوفاكيا وسلوفينيا، وعمل مندوبا لمصر بالمنظمات الدولية في فيينا، ثم مندوبا لمصر لدى جامعة الدول العربية وشغل منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية.

وشغل الفقي منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية والأمن القومي بمجلس الشعب، ثم رئيسا للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشورى، وقد أهله ذلك ليصبح نائبا لرئيس البرلمان العربي، ثم يعمل أخير مديرا لمكتبة الإسكندرية. 

النيل لإسرائيل

تصريحات الفقي، دفعت إلى تساؤلات عن سبب تغافله للدور الإسرائيلي في أزمة السد، مع وجود قرائن تؤكد أن مصر تتعرض لحصار مائي من دولة المنبع إثيوبيا، بدعم رئيس بالمعدات والخبرات والأسلحة الدفاعية من إسرائيل، وذلك بهدف الضغط على مصر لتوصيل المياه للأراضي المحتلة، عبر ترعتي "السلام" و"سرابيوم". 

وذلك ما كشف عنه الفنان ورجل الأعمال المصري محمد علي، في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ضمن تسريباته الصادمة، إذ تحدث عن هذه الجزئية عندما قال: "النظام المصري قام بتشييد أنفاق سرية تحت قناة السويس، بغرض منح المياه لطرف أجنبي (إسرائيل)، في وقت يواجه فيه الشعب خطر شح المياه وجفاف نهر النيل، بسبب مشروع سد النهضة الإثيوبي".

وأضاف في تصريحاته التي أدلى بها لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني: "إذا كانت المياه ذاهبة إلى سيناء، فلماذا لم يشرعوا في إنشاء محطات لمعالجة المياه؟، هذا يعني أن المياه ليست ذاهبة لسيناء، إنها ذاهبة لمكان آخر".

وأكد على أن "بعض معارفه من المهندسين الذين عملوا في تشييد هذه الأنفاق، أخبروه بأن هذا المشروع كلف مليارات الدولارات".

يذكر أنه بعد 40 عاما من توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل التي أنشئت بعدها ترعة السلام، بهدف توصيل مياه النيل إلى القدس، أعلنت السلطات المصرية فجأة عن توصيل المياه إلى شمال سيناء، في ظل العلاقات الحالية بين مصر وإسرائيل، والتي تعتبر "الأوثق تاريخيا".

وفي 2019، نشر البرلماني السابق أحمد طنطاوي، تسجيلا مصورا له، أكد فيه سوء إدارة ملف النيل، وألمح إلى هذه المخاوف، وطالب بـ"ضرورة نهوض كافة مؤسسات الدولة بأدوارها قبل فوات الأوان، والتصدي لأي محاولات لنقل المياه إلى خارج مصر وتحديدا إلى الكيان الصهيوني". 

وفي 22 مايو/أيار 2021، نشر "مركز الجزيرة للدراسات"، ورقة بحثية بعنوان "المنافع السياسية والاقتصادية لإسرائيل من أزمة سد النهضة"، للباحث المصري شادي إبراهيم، بمركز "سيجا" بجامعة صباح الدين زعيم التركية، حيث أورد أنه: "شهدت فترة ما قبل بناء السد، وجود عدد كبير من المهندسين الإسرائيليين، وزيارات متكررة، أدت لاستقرار بعثة منهم هناك". 

وأضاف: "توجد تصريحات عدد من الخبراء الإسرائيليين من بينهم (المحاضر السياسي البارز في جامعة تل أبيب، يجباني كلاوبر، والخبير العسكري، شاؤول شاي) إلى أن انطلاق مشروع السد سيكون له إضافات نوعية تساهم في تصاعد الدور الإسرائيلي في المنطقة".

ولفت إبراهيم إلى أن "إسرائيل ساهمت في الإشراف على تطوير الزراعة الإثيوبية، واشترطت توفير حصة أكبر من المياه للاستمرار في تعاونها، وهو الشرط الذي ساهم بتعجيل بناء سد النهضة، للوقوف على الحاجات المائية وتوفير الطاقة التي يشار إلى أن شركات إسرائيلية تقف وراءها، بينها شركة الكهرباء الحكومية".

حماية كاملة

يذكر أنه في 4 يونيو/حزيران 2013، قال السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر، تسابي ميزال: "على القاهرة عدم التعامل بأن النيل ملك لها، وعليها أن تتقبل وجود السد الإثيوبي، وأن على إثيوبيا أن تعمل على عقد تفاهمات تحفظ حقوقها في مياه النيل". 

الدعم الإسرائيلي لإثيوبيا تجاوز التكنولوجيا، إلى الحماية الكاملة، إذ حصلت أديس أبابا على أنظمة "سبايدر" الإسرائيلية للدفاع الجوي؛ لتحصين سد النهضة ضد أي هجمات.

وحسب مجلة "ميليتري ووتش" الأميركية المتخصصة في الأبحاث العسكرية، فإن "سبايدر"، هو النظام الوحيد المعروف بإمكانية إطلاق نوعين مختلفين من الصواريخ في آن واحد.

صاروخ "بايثون" بمدى يبلغ 5 كيلومترات، وصاروخ "ديربي" بمدى يصل إلى 50 كيلومترا، الصاروخان في الأصل (جو –جو) لكن تم تعديلهما ليصبحا (أرض –جو).

وفي 27 سبتمبر/ أيلول 2020، أصدر معهد "دراسات الأمن القومي" العبري، دراسة توصي الحكومة الإسرائيلية بضرورة الحياد وعدم الانحياز لمصر في أزمة سد النهضة.

الدراسة التي جاءت بعنوان "مصر وإثيوبيا على مسار تصادمي: أين إسرائيل؟"، اعتبرت أن "التورط في نزاع خلال هذه الفترة الحساسة قد يضر إسرائيل أكثر مما ينفع، وبالتالي من الأفضل لتل أبيب اتخاذ موقف محايد".

وأضافت: "من ناحية أخرى، وإذا ما تم التوصل إلى اتفاقات بين مصر وإثيوبيا والسودان، ستكون إسرائيل قادرة على المساهمة في تطوير النظام الإقليمي في حوض النيل". 

ولفتت إلى أن "إثيوبيا دولة رئيسة في الساحة الإفريقية، وخاصة في منطقة القرن الإفريقي قرب البحر الأحمر، فهي تشهد عمليات تنموية متسارعة، ومن هنا أهميتها بالنسبة لإسرائيل التي تسعى إلى توسيع روابطها السياسية والاقتصادية في القارة". 

الدراسة الإسرائيلية أوردت كذلك أنه في عام 2018، طلبت مصر من إسرائيل "استخدام نفوذها لدى إثيوبيا في قضية السد لصالحها". 

ومن ناحية أخرى، أكدت "ما نشر عام 2019، عن قيام تل أبيب بإنشاء نظام دفاع جوي حول السد الإثيوبي، وهو الأمر الذي تسبب في عاصفة غضب بالقاهرة".