قرار جائر.. لماذا حجز الحوثيون على أرصدة بنك التضامن الإسلامي باليمن؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

موازاة مع الأزمة السياسية في اليمن، تتفاقم أزمة اقتصادية أخرى جراء الخطوات التي تتخذها جماعة "الحوثي" وتتسبب بمزيد من التدهور للبلد الذي يعاني صدمات متوالية منذ أكثر من 6 سنوات.

فمطلع يوليو/تموز 2021، حجزت وصادرت جماعة "الحوثي" التي تسيطر على العاصمة صنعاء، كافة أرصدة وأموال وودائع "بنك التضامن الإسلامي"، أكبر البنوك التجارية الخاصة في اليمن.

وفي مذكرة عاجلة، وجه البنك المركزي اليمني الخاضع لسيطرة "الحوثي" جميع الجهات المالية وشركات الصرافة والبنوك التجارية بالحجز على أموال بنك التضامن وتوريد جميع الأموال والأرصدة التابعة له إلى البنك المركزي.

وبحسب البنك المركزي، فإن ذلك التوجيه "جاء بناء على مذكرة من قبل رئيس النيابة الجزائية المتخصصة (التابعة للحوثي)، عبد الله زهرة".

لم يكن هذا الإجراء هو الأول تجاه بنك التضامن، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قامت  عناصر حوثية باقتحام البنك وطالبت بإيقاف العمل فيه، بحجة ممارسته أنشطة تضر اقتصاد اليمن.

وأوضح بيان صادر عن البنك حينها أن عناصر استخباراتية حضرت إلى مقر البنك في صنعاء، وطالبت بإيقاف العمل بجميع فروعه، بناء على توجيهات قالت إنها صادرة عن البنك المركزي.

الجدير بالإشارة أن بنك التضامن الإسلامي تأسس عام 1996، وفقا لقانون المصارف الإسلامية، وتعود ملكيته لمجموعة "هائل سعيد أنعم"، أكبر المجموعات الاقتصادية في اليمن.

ويعد "التضامن" من أكبر البنوك اليمنية الأهلية من حيث الودائع، ويمتلك قاعدة عملاء هي الأوسع في البلاد، ويبلغ رأس ماله نحو 80 مليون دولار، ويدير أصولا بقيمة 2 مليار دولار، و يعمل من خلال 37 فرعا موزعة على جميع المحافظات.

كما يمتلك البنك عددا من الشركات المحلية والإقليمية، بينها "تضامن كابيتال" في البحرين، و"برنامج التضامن للتمويل الأصغر"، وشركة "التضامن العقارية".

رفض التنفيذ

لم تشر المذكرة إلى  الأسباب التي تم حجز ومصادرة أرصدة البنك بموجبها، لكن ذلك أتى بعد رفض بنك التضامن تنفيذ قرار المحكمة الذي قضى بمصادرة أرصدة الرئيس عبدربه منصور هادي المودعة في "التضامن" وتوريدها إلى البنك المركزي اليمني الخاضع لسيطرة "الحوثي".

وكانت المحكمة الجزائية المتخصصة قد أصدرت مذكرة في 27 يونيو/حزيران 2021 وجهت فيها البنك المركزي اليمني بمصادرة أرصدة الرئيس عبدربه منصور هادي المودعة في بنك التضامن ونقلها إلى البنك المركزي اليمني.

وكشفت الوثيقة امتلاك الرئيس هادي 31 مليار ريال يمني ونحو 290 مليون ريال (الدولار يعادل نحو 600 ريال) في محفظة بنكية لدى "التضامن"، بالإضافة إلى حساب جاري يبلغ نحو 907 مليار ريال، و722 مليون ريال، بالإضافة إلى مبلغ 636 مليار ريال سعودي و221 مليون ريال سعودي.

وبحسب المذكرة، فإن تلك المصادرة "أتت بناء على التهم الموجهة لمنصور هادي ومنها المساس باستقلال الجمهورية، وإعانة العدو، والتخابر مع العدوان، والتي صدر فيها حكم قضائي عام 2019 حكمت فيها جماعة الحوثي بالإعدام تعزيرا على الرئيس هادي ومصادرة جميع أمواله".

وردا على إجراء بحجز ومصادرة أرصدة هادي، وجهت إدارة بنك التضامن مذكرة إلى محافظ البنك المركزي، قالت فيها إن "لجنة العقوبات الدولية سبق وأن حذرت البنوك اليمنية من مغبة التعامل مع قرارات النيابة الجزائية والحارس القضائي في صنعاء"، موضحة أن تنفيذ هذه القرارات بحسب لجنة العقوبات "تندرج تحت بند غسيل الأموال وتمويل الإرهاب".

ودعا بنك التضامن إلى إبقاء النظام المصرفي "بعيدا عن أية عقوبات تضاعف من مصاعبه وتزيد مما يمكن أن يتعرض له الاقتصاد والمواطن من صعوبات ستطول قوت يومه، فضلا عن احتياجاته الأساسية التي بدونها لا تستقيم الحياة”، مؤكدا أنه يمارس أعماله المصرفية والاستثمارية المختلفة "حسب الأعراف والقواعد المتعارف عليها طبقا للقوانين النافذة".

وبحسب مسؤول سابق في بنك التضامن الإسلامي، طلب عدم ذكر اسمه، فإن البنك رفض تنفيذ الحكم الذي قضى بتوريد أرصدة الرئيس هادي إلى البنك المركزي، خشية فرض عقوبات دولية عليه بحجة دعم الحوثي، خصوصا أن هناك شخصيات حوثية مدرجة ضمن قائمة العقوبات الأميركية، بالإضافة إلى ذلك فإن بنك التضامن متواجد في مناطق الشرعية، وهو ما يعني عدم قدرة البنك على تنفيذ التوجيه.

وأضاف المصدر لـ"الاستقلال" أن "بنك التضامن رد على جماعة الحوثي بالقول: اقتطعوا ما للرئيس هادي من أموال البنك المركزي الذي صادرتموها عند دخولكم صنعاء، وهو الأمر الذي دفع الحوثيين لإصدار توجيه بالحجز الفوري على كافة أرصدة وودائع بنك التضامن"

شرعنة الاستيلاء

وعادة ما تستخدم "الحوثي"، المؤسسات القضائية الخاضعة لها كأدوات لشرعنة إجراءاتها بمصادرة الممتلكات الخاصة والعامة، كما تسعى لممارسة الضغط والابتزاز لهذه المؤسسات المالية.

وفي 19 يوليو/تموز 2020، عينت جماعة "الحوثي"، إبراهيم الحوثي رئيسا لمجلس إدارة بنك التسليف التعاوني الزراعي، أكبر البنوك الحكومية، وفق قرار وصفته بـ"الجمهوري"، وقامت في ديسمبر/كانون الأول 2017 بالاستيلاء على وثائق وأرشيف البنك ونقلها إلى مكان مجهول.

وفيما يبدو فإن "الجماعة" تسعى لإغلاق السوق المصرفية اليمنية وإجبار المؤسسات المالية الخارجية والمنظمات الدولية على التعامل مع شركات الصرافة الحوثية بشكل حصري، وفق مراقبين.

جدير بالذكر أن إجراء مصادرة أرصدة "بنك التضامن"، جاء بعد نحو أسبوعين من صدور عقوبات اقتصادية أميركية على شركات صرافة تابعة لـ"الحوثي"، والتي ترتبط عادة بشركات مصرفية إيرانية، أو شركات مالية تسهل أنشطة الجماعة.

ولم تقتصر جماعة الحوثي على مصادرة المؤسسات المالية اليمنية، بل تعدتها للمؤسسات التعليمية والتجارية الكبرى، ففي يناير/كانون الثاني 2020 استولت على جامعة العلوم والتكنولوجيا، أكبر جامعة أهلية في اليمن، بموجب قرار من "الحارس القضائي" التابع للجماعة، واعتقلت رئيس الجامعة حميد عقلان، وتنصيب القيادي الحوثي عادل المتوكل بدلا عنه.

من جانبها، اعتبرت الحكومة اليمنية قرار جماعة الحوثي حجز كافة أموال وأرصدة أكبر البنوك، امتدادا لنهجها القائم على استهداف القطاع المصرفي، ونهب رجال المال والأعمال، وتدمير العملة والاقتصاد الوطني.

محكمة غير قانونية

منظمة "سام" للحقوق والحريات (مقرها جنيف السويسرية) أدانت القرار الذي أصدرته جماعة الحوثي والذي قضى بمصادرة وحجز كافة أرصدة وأموال وودائع بنك التضامن، وقالت في 2 يوليو/تموز 2021، إنه "قرار جائر  وسلوكا مشين يهدد ما تبقي من هامش اقتصادي متردي في اليمن".

واعتبرت المنظمة المهتمة بالملف اليمني، في بيان لها، أن هذا الإجراء "سلوكا غير قانوني كونه صادرا عن محكمة غير مختصة بالمنازعات التجارية، وتخضع لسلطة انقلابية غير شرعية، تنفذ سلسلة إجراءات إقصائية ضد القطاع المصرفي ومنه بنك التضامن وفروعه منذ أشهر قريبة".

وأضافت أن "صدور هذا القرار تزامن مع سلسلة بيانات الرفض المتعلقة بالعملة الوطنية الصادرة في ذات الأسبوع عن مركزي صنعاء المتمرد على الشرعية (على خلفية ضخ البنك المركزي التابع للحكومة المعترف بها أموالا جديدة)، يجعل من ذلك القرار مجرد ردة فعل موجهة ضد عدد من الأهداف في مناطق سيطرتها، ومراكز المال التي لا تنتمي لمشروعها".

وشددت "سام" على مراقبتها لـ"سلوك سلطات مليشيا الحوثي في صنعاء، فيما يتعلق بالحقوق والممتلكات والقضايا الاقتصادية المتعلقة بمصير الشعب، بدءا بالأسواق السوداء للمشتقات النفطية والغازية والعملة الوطنية والجبايات، مرورا بشبكات غسيل الأموال ودعم الإرهاب وتهريب المحرمات دوليا".