قواعد جديدة.. هل ينجح أردوغان في جذب حزب "السعادة" لتحالف الشعب؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حالة تقارب واستقطاب تشهدها الساحة السياسية التركية، خصوصا بين حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، وقواعد حزب "السعادة"؛ انطلاقا من التاريخ المشترك بينهما، رغم التباعد الحاصل سابقا.

وفي سلسلة تغريدات مطولة عبر "تويتر"، دعا رئيس المجلس الاستشاري الأعلى لحزب السعادة، والأب الروحي لحركة "مللي غوروش"، أوغوزهان أصيل ترك، قيادة الحزب إلى عقد مؤتمر استثنائي؛ لتصحيح عدد من الأخطاء التي ارتكبت خلال الفترة الماضية، وأثرت على قواعد الحزب ورؤيته الإيديولوجية.

ووجه أصيل ترك في تغريداته جملة من الانتقادات لطريقة إدارة حزب "السعادة" والخطاب الذي يستخدمه قادة الحزب، قائلا إن "الدعم الشعبي لحزب السعادة نزل إلى أدنى مستوياته بسبب هذا الخطاب"، داعيا الأعضاء إلى عدم فقدان الأمل والعمل في الإطار الذي رسمه مؤسس حركة "مللي غوروش"، نجم الدين أربكان.

وشهدت الفترة الأخيرة منذ عام 2018 تحولا فارقا في حركية حزب السعادة، تحت رئاسة "تمل قره ملا أوغلو"، الذي انضم إلى تحالف "الأمة" المعارض المكون من أحزاب "الشعب الجمهوري"، و"الجيد"، ذات التركيبة العلمانية والقومية.

التحالف شكل صدمة لقواعد حزب السعادة التي رأت أنه مخالف للمسار الأصيل لحركتهم منذ البداية، ولنهج الراحل أربكان، وبدأ التململ يتصاعد والاختلافات تضرب أركان "السعادة"، مع صعود أصوات قيادية تنادي بالتقارب مع حزب العدالة والتنمية، وأردوغان باعتباره الأقرب فكريا وتاريخيا لتوجهات الحزب.

بالإضافة إلى أن الرئيس التركي نسج خيوط التقارب مع زعماء الحركة الداعمين لذلك التوجه على رأسهم أوغوزهان أصيل ترك. 

خلفيات تاريخية

بالعودة سنوات إلى الوراء وتحديدا 28 فبراير/شباط 1997، كانت دبابات ومدرعات الجيش، تجوب شوارع البلاد بإمرة رئيس الأركان العامة (آنذاك) الجنرال "جويك بير"، معلنة الانقلاب الذي عرف تاريخيا بـ"انقلاب ما بعد الحداثة" أو "عملية 28 فبراير".

الانقلاب أسقط الحكومة المنتخبة بقيادة الزعيم الإسلامي أربكان، صاحب التاريخ النضالي الطويل ضد الحكم العسكري، والأب الروحي للحركة الإسلامية التركية. 

وفي 16 يناير/كانون الثاني 1998، قضت المحكمة الدستورية بإغلاق حزب "الرفاه"، وفرض حظر سياسي لمدة 5 سنوات على أربكان، وعدد من قيادات الحزب. 

وقال حينها قادة الانقلاب المتمثلون في مجلس الأمن القومي: إن "التأثيرات الواقعة على الحياة السياسية التركية ستستمر لألف عام إذا لزم الأمر". 

ولكن ما هي إلا سنوات قليلة وانتفض "التيار الإصلاحي" محاولا استعادة زمام الأمور، وخرج من رحم الضربة السابقة، حزب ذو تركيبة محافظة فرض سطوته على الحياة التركية وحكم البلاد أكثر من عقدين من الزمن، وهو حزب "العدالة والتنمية" بقيادة الرئيس أردوغان.

بالإضافة أيضا إلى حزب السعادة الذي اعتمد رسميا في 22 فبراير/شباط 2002، وانطلق بنفس التوجه، من صلب الزعيم الراحل أربكان، وطبيعة أفكاره الإسلامية الإصلاحية، بإشراف منه، وبقيادة تلاميذه نعمان كورتولموش، ومحمد رجائي قوطان، حيث كان يهدف في الأساس إلى استمرار مسيرة حزب "الرفاه" الذي حله الانقلاب العسكري عام 1997. 

وكان الحزب قد دخل في صدام عميق لسنوات طويلة مع حزب العدالة والتنمية (الحاكم) بقيادة الفرع الآخر من أبناء أربكان في الحركة الإسلامية، على رأسهم أردوغان وعبد الله غل، إذ اعتبروا أنهم انشقوا عن مسيرة أربكان وطريقته.

واستمرت الخلافات متصاعدة بين التيارين، وسط معارك استقطابات حادة معروفة بها الحياة السياسية التركية، وكان الحسم دائما لصالح الحزب الحاكم، باعتباره قائد التجربة ومؤسس حقبة النهضة الشاملة التي تشهدها الدولة. 

على الجانب الآخر، انزوى حزب السعادة في جميع الاستحقاقات الانتخابية، وشهد حضورا طفيفا لا يكاد يذكر في البلديات والبرلمان، في ظل كتلة تصويتية قليلة لا تكاد تتجاوز 3 بالمئة على أقصى تقدير، بحسب الموقع الرسمي للحكومة. 

صدمة إسطنبول 

عندما انضم حزب "السعادة" إلى تحالف "الأمة" الانتخابي المعارض، تحت مظلة حزبي "الشعب الجمهوري" و"الجيد"، البعيدين عنه أيديولوجيا وفكريا، لم يعر أردوغان وحزبه لذلك اهتماما كبيرا لأسباب عدة، أهمها عدم تمتع السعادة بحاضنة جماهيرية واسعة، وعدم تأثيره في الأوساط العامة بالدرجة التي تمكنه من إحداث فارق جوهري في العملية السياسية. 

لكن تبين خطأ رؤية العدالة والتنمية، بعد "الصدمة" التي مني بها في انتخابات المحليات عام 2019، عندما خسر البلديات الكبرى، على رأسها إسطنبول، التي يحكمها منذ عام 1994، وذهبت إلى ممثل حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو.

هذه النتائج، دفعت الرئيس التركي إلى البحث عن آليات وخطوات تهدف لإعادة بلدية إسطنبول الكبرى، وتصحيح المسار بشكل عام، خاصة أن كثيرا من السياسيين الأتراك يقولون إن نسبة 5 بالمئة هي التي عادة ما تحسم الانتخابات التركية، باعتبار أن 95 بالمئة من الأصوات تعتبر محسومة سلفا بسبب الانحيازات الإيديولوجية الثابتة للأحزاب والاتجاهات.

وهو ما تبين في معركة انتخابات البلديات داخل إسطنبول، إذ خسر العدالة والتنمية البلدية الأهم في عموم تركيا، بفارق 18 ألف صوت فقط، لصالح حزب الشعب الجمهوري.  

ومع هذه سعى أردوغان إلى جذب قواعد جديدة، ومغازلة حزب "السعادة"، واستدعاء التاريخ المشترك بينها.

ومطلع يناير/كانون الثاني 2021، قام أردوغان بخطوتين مفصليتين، الأولى عندما زار قبر رئيس الوزراء الأسبق أربكان في مدينة إسطنبول، والثانية لرئيس المجلس الاستشاري الأعلى لحزب السعادة، أوغوزهان أصيل ترك، في منزله بالعاصمة أنقرة.

وأخيرا جاءت دعوة الرئيس التركي الخاصة لأوغوزهان إلى القصر الرئاسي، للإفطار معا في شهر رمضان، لتعضد أن العلاقة بين الرجلين وصلت إلى درجة قوية واتفاق واضح، وترجمت أن جهود أردوغان تجاه حزب السعادة وقواعده تحقق تقدما ملحوظا.

لم يقف الوضع عند هذه النقطة، ففي فبراير/شباط 2021، رشح الرئيس أردوغان، "عثمان نوري كاباكتيبي"، ليكون رئيسا لحزب العدالة والتنمية في إسطنبول، وهو أحد صقور "ميللي غوروش" التي أسسها الراحل أربكان.

و"ميللي غوروش"، حركة سياسية دينية ومجموعة من الأحزاب الإسلامية التركية، توصف بأنها أكبر منظمة إسلامية تعمل في الغرب، وكانت الأحزاب المحافظة ومنها السعادة جزءا منها.

وتعيين "كاباكتيبي" حقق رضا جزئيا داخل قواعد حزب السعادة، وأظهر مدى القوة في الطلب داخل الأحزاب المحافظة عموما، مثل العدالة والتنمية والسعادة، للعودة إلى الجذور مرة أخرى.

تململات السعادة

من جهة أخرى، لم يكن الدفع نحو التقارب قادما من الرئيس التركي وحده، بل من قيادات وأقطاب "السعادة" أيضا، لأسباب اعتبارية متعلقة بإستراتيجية الحزب ورؤيته التأسيسية، بالإضافة إلى المحور الأهم وهو الحفاظ على القواعد من الانفلات. 

فمع قرار رئيس السعادة، تمل كاراملا أوغلو الانضمام إلى "تحالف الشعب" (العدالة والتنمية والحركة القومية) في برلمانيات 2018، دخل "السعادة" إلى مرحلة جديدة في السياسية التركية، حيث نجح في إيصال نائبين من حزبه إلى البرلمان لأول مرة منذ تسلم العدالة والتنمية الحكم.

إلا أن ثمن هذا الوصول كان في الوقوف إلى جانب العدو التقليدي للحركة الإسلامية في تركيا، حزب الشعب الجمهوري.

لم يرق خيار المشاركة في الانتخابات إلى جانب الشعب الجمهوري كثيرا لأعضاء الحزب وجمهوره، فغالب قيادات الحركة ذاقت السجن أو منعت من السياسة في القرن الماضي بسبب توجهات "حزب أتاتورك" وعقليته المعادية لكل ما هو إسلامي، كما أن أحد النواب الذين وصلوا إلى البرلمان من حزب السعادة، أعلن استقالته من الحزب بعد فترة قصيرة.

ولا شك أن وجود "السعادة" في نفس الحلف مع الشعب الجمهوري العلماني، كان له تأثير واضح على مسار الحزب وخطابه وكوادره الجديدة، وقد تجلى هذا التأثير في جانبين مهمين.

الأول، ابتعاد حزب السعادة عن أي خطاب إسلامي بحت، واقتصار نقده للحكومة على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بعيدا عن أي تصريحات "راديكالية" قد تؤثر سلبا على العلاقات مع الحلفاء. 

الثاني، قيام رئيس السعادة بتجديد كوادر الحزب، حيث استبدل أعضاء القيادة القديمة التقليدية بشباب جدد، أقل ارتباطا بالميراث التقليدي لحركة "المللي غوروش"، وهذه الخطوة أشعلت خلافات كبيرة داخل الحزب.

وبرزت هذه الخلافات إلى الإعلام حين قرر رئيس الحزب تغيير رئيس إسطنبول عبدالله سفيم، فرفض سفيم، قائلا إنه أتى إلى منصبه بتنسيب من أوغوزهان أصيل ترك، ولم يرض أن يترك منصبه إلا بعد تدخل وسطاء من الكبار داخل الحزب. 

هذه السياسة التي اتبعها حزب السعادة لاقت ردة فعل عكسية لدى الجماهير، كما أن جمعية الأناضول للشباب، والتي كانت تعتبر الجناح الشبابي للحزب، صارت تتحرك بشكل منفصل، تحت قيادة أصيل ترك، بعيدا عن قرارات الحزب، وعكسها أحيانا، مما أدى إلى نشوب خلافات تطورت بعضها وظهرت في وسائل الإعلام. 

وأبرز هذه الخلافات كانت في قضية جامعة "بوغازجي"، حيث أقدم طلاب معارضون لتعيين عميد جديد للجامعة، بعرض صورة مسيئة للكعبة، حيث لاقت ردة فعل عنيفة داخل مختلف مكونات الشعب، وقامت حينها جمعية الأناضول للشباب بتنظيم مظاهرة تشجب الإساءة للكعبة المشرفة.

ورغم موقف الشعب التركي الموحد ضد هذه الإساءة، لكن القيادي في حزب السعادة حينها علي أكتاش، أدلى بتصريحات قال فيها إن "الصورة هي من باب التعبير عن الرأي، ولا تمثل إساءة للكعبة!"

هذه التصريحات جعلت أصيل ترك يتدخل شخصيا لإبعاد هذا القيادي عن الحزب، في رسالة اعتراض واضحة على الكوادر الجديدة في السعادة.

انتفاضة "أصيل ترك" 

في 15 يونيو/حزيران 2021، انتفض أصيل ترك، بـ53 تغريدة متتابعة، عبر حسابه الشخصي بموقع "تويتر" انتقد فيها رئيس حزب السعادة كاراملا أوغلو، بسبب تحالفه مع أحزاب المعارضة.

تغريدات أصيل تورك، صاغت بوضوح رؤية حركة "ميللي غوروش" أو قواعد المؤسس أربكان.

بدأ أصيل تورك تغريداته بالقول: "هدفنا خلق عالم يمكننا أن نعيش فيه بسلام"، وتحدث عن "الأخوة بعيدا عن تأثيرات السياسة السلبية، والتسامح مستشهدا في ذلك بآيات قرآنية وبعض الأحاديث والأقوال المأثورة". 

ثم انتقد بشدة موقف حزبه القائم على المعارضة المتواصلة للحكومة التي يشكلها العدالة والتنمية، ما أدى حسب وصفه إلى تراجع المؤيدين لـ"السعادة" بشكل كبير، قائلا: "بسبب تقلص هذا الدعم، لم نتمكن من الحصول على مقاعد في البرلمان أو ممثلين من المدن التي حصلنا على أصوات كافية فيها رغم عدم تطبيق العتبة الانتخابية نتيجة التحالف الانتخابي".

وأردف أصيل تورك : "لكي ينجح حزب سياسي، يجب أن يخدم الحقائق التي يؤمن بها، وعليه يجب أن يكون هدفنا الأساسي هو محاولة توجيه المجتمع إلى القيم الأخلاقية والروحية".

وأضاف: "سنأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات المادية للمجتمع، ولكن يجب التجنب من جعل الحزب يبدو وكأنه حزب يحاول فقط إشباع المجتمع"، واستطرد أن "أهم ما يميز ميللي غوروش عن الحركات الأخرى أنها تولي الاهتمام للالتزام بالقيم الأخلاقية والدينية".

وشدد أصيل تورك: "إذا لم ننتبه كما يقول معلمنا أربكان، فسنصبح مثل الأحزاب الأخرى، ثم نختفي، يجب ألا ننسى أن أولئك الذين يصوتون لنا ليسوا أولئك الذين يأتون إلينا للحصول على فرص مادية، بل الذين يحترمون معتقداتنا".

ولمح إلى المتغيرات القادمة داخل الحزب، عندما قال: "بالقرارات التي سنتخذها في المؤتمر العام القادم، سيصبح حزب السعادة قادرا على الدفاع عن قيمه التي تأسس عليها".

مراقبون أتراك اعتبروا أن أصيل تورك امتص حالة الغضب داخل قواعد حزبه وحركته، الذين أزعجهم الوجود في صف واحد مع الشعب الجمهوري، والشعب الديمقراطي. 

فيما قالت الإعلامية التركية هاندا فرات، في مقال على صحيفة "حرييت" المحلية، إن "هناك وجهة نظر داخل حزب السعادة ترى أن الفرصة قد حانت للانضمام لتحالف الجمهور (العدالة والتنمية - الحركة القومية) للحفاظ على الحزب من جهة، وعدم الضياع بين أحزاب جديدة صاعدة من جهة أخرى". 

سيناريوهات المستقبل

في إطار هذه التطورات المتسارعة، تظهر سيناريوهات المستقبل متمثلة في حجم التحدي الذي يواجه هذا الطرف من أبناء الحركة الإسلامية التركية، التي تقف اليوم على مفترق طرق، وفي صراع داخلي حول العلاقة مع حزب العدالة والتنمية بين تيارين أساسيين.

تيار بقيادة كاراملا أوغلو، الذي يرى أن العدالة والتنمية وأردوغان يضران تركيا كثيرا، ويبرر لنفسه الوقوف مع أي طرف آخر حتى لو كان أقصى اليسار العلماني، في سبيل إسقاط الرئيس، وعدم السماح له بالفوز في انتخابات 2023. 

وتيار بقيادة أوغوزهان أصيل ترك، يرى أن الرئيس التركي بسياساته الأخيرة المتمثلة في فتح مسجد آيا صوفيا، ومواجهته للغرب وأميركا، يقف في إطار رؤية حركة "مللي غوروش"، لذا ينبغي العمل معه ومساندته في هذه المرحلة الصعبة داخليا وخارجيا من أجل تركيا، خصوصا وأن أردوغان يمد يده لمثل هذا التعاون، وهي سابقة تاريخية لم تحصل من قبل بين هذين الطرفين. 

ولو انزوى حزب السعادة إلى تحالف الشعب مع أردوغان، فإن التحالف بحساب الأصوات، سيحصل على دعم شريحة انتخابية محدودة، لكنها منضبطة. 

وستكون فارقة بسبب اشتداد المنافسة بين التكتلات القائمة، حيث إن كل صوت انتخابي بات له قيمة مضاعفة في الحياة السياسية التركية، خاصة بعدما حسمت آخر انتخابات في البلاد بنسب لا تزيد عن 2 بالمئة من أصوات الناخبين. 

وفي انتخابات عام 2018 حصل حزب السعادة على قرابة 700 ألف صوت أي 1.34 بالمئة من أصوات الناخبين.