فرض رسوما وضيق عليهم.. الخليج يتحول إلى بيئة طاردة للمصريين

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

هربا من ضيق العيش والعوز والحاجة في مصر، لم يعد السفر إلى دول الخليج حلما يراود المصريين كما كان قبل عشرات السنين، أغلب هذه الدول تحولت إلى أماكن وبيئات طاردة للعمالة الأجنبية عموما والمصرية خصوصا.

إهانات، ازدراء، قلة احترام وإذلال، فرض ضرائب ورسوم وعمليات نصب وسوء معاملة من الكفيل، ارتفاع تكاليف المعيشة مقارنة بالدخل وسحب جوازات والخوف من الترحيل وبطش السلطات، كلها ضغوط يتعرض لها المصريون العاملون في الخليج منذ سنوات، زاد على ما سبق أن الأوضاع السياسية والاقتصادية بدول الخليج نفسها تغيرت ولم تعد كما كانت من قبل.

دوافع الغربة

بالبحث وراء الأسباب التي قد تدفع المصريين إلى الغربة والسفر، تبين أن سياسة التقشف التي يتبعها النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، مع الشعب من رفع الأسعار وخفض الدعم قد تدفعهم إلى ذلك، لاسيما فرض الضرائب وزيادة أسعار السلع الحيوية والوقود والخدمات (كهرباء ومياه ومواصلات) وما يتبعها من ارتفاع - معتاد - لكافة الأسعار في البلاد.

في موازنة العام المالي الجديد (2019-2020)، خفضت الحكومة الدعم عن الوقود من 89 مليار جنيه إلى 52.8 مليار جنيه، والدعم عن الكهرباء من 16 مليار جنيه إلى 10 مليارات جنيه كما تشهد أسعار الخضروات والفاكهة زيادات متواصلة.

ويترقب الجميع في مصر موجة غلاء جديدة تزامناً مع خفض الدعم عن الوقود والكهرباء، اعتباراً من أول يوليو/ تموز 2019، ما يمهد لارتفاعات متتالية على أسعار جميع السلع.

وفي ظل بحث الشباب عن بدائل مع تزايد معدلات الفقر والبطالة، يقابلها السيسي وحكومته بمزيد من التضييقات والتصريحات المستفزة، فمؤخرا نصح الشعب بألا يشتري أي سلعة يرتفع ثمنها، مرجعا سبب البطالة إلى النمو السكاني مطالبا المجتمع بأن يساهم في حلها.

مؤشرات البطالة والفقر

عدد المعطلين عن العمل في مصر وصل إلى 2.9 مليون شخص من إجمالي قوة العمل البالغة 29.215 مليون فرد، بعدما ارتفعت البطالة إلى 10 بالمائة من إجمالي قوة العمل في الربع الثالث من 2018، في مقابل 9.9 بالمائة في الربع السابق له.

وسجلت نسبة البطالة لدى الشباب (15 - 29 عاما) 78.1 بالمائة من إجمالي العاطلين من العمل في الربع الثالث، بحسب بيان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء "الحكومي" الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

مراقبون يشككون في أرقام الجهاز ويتهمونه بالتبعية إلى سلطات الدولة وإعلان أرقام غير دقيقة لتحسين صورة البلاد في ظل الحكم العسكري، خاصة بعد أن أعلن الجهاز تراجع معدل البطالة إلى 8.9% بنهاية العام الماضي 2018، وهي الأرقام التي أفاد مراقبون بأنها تصدر بأوامر عسكرية كنوع من إعلان وجود إصلاحات اقتصادية تمكن السلطة من الحصول على قروض من الخارج.

خطط الحكومة المصرية المستقبلية تهدد بتسريح نحو 1.9 مليون موظف من القطاع الحكومي بتفاقم أزمة البطالة في الدولة التي تواجه صعوبات معيشية، ما ينذر بانفجار اجتماعي، وفق خبراء اقتصاد، لا سيما في ظل مؤشرات على عدم قدرة القطاع الخاص على التشغيل، والذي تتصاعد الضغوط عليه مع انحسار أنشطته.

معدلات الفقر في مصر ارتفعت خلال السنوات الـ 15 الماضية لتصل إلى 27.8% في عام 2015، حسب تقديرات اليونيسف والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري.

وأظهرت تلك الإحصائيات أن 30 مليون مصري على الأقل يرزحون تحت خط الفقر المدقع، إضافة إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى 3.5 مليون مواطن، حسبما أعلن تقرير الأمم المتحدة عام 2017.

تقنين "السعودة"

المملكة العربية السعودية التي كانت تعد من أبرز الدول الخليجية استقداما للعمالة المصرية، باتت الآن تمارس كل أنواع التضييق على العمالة الأجنبية بشكل عام ومن بينها المصرية من فرض رسوم مبالغ فيها لتقنين "السعودة" التي تتجه المملكة لتطبيقها منذ 3 سنوات بهدف إحلال العمالة الأجنبية بعمالة محلية.

وتعد الجالية المصرية واحدة من أكبر الجاليات التي تعيش في السعودية، وحسب إحصاء السكان الصادر من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري 2018 فإن المصريين المقيمين في السعودية يبلغ عددهم أكثر من 2.9 مليون مصري.

منذ يوليو/تموز 2017 بدأت وزارة المالية السعودية تحصيل مقابل مالي شهري على العاملين الوافدين والمرافقين لهم، يتراوح بين 100 إلى 800 ريال شهريا لكل فرد، حيث فرضت على المقيمين المرافقين للعمالة الوافدة في القطاع الخاص رسوم بقيمة 100 ريال شهريا، وخلال العام الماضي تم رفعها إلى 200 ريال شهريا.

أما العام الجاري، فقد فرضت رسوما على العمالة الموجودة بالمنشآت التي يزيد عدد العمال الأجانب بها عن عدد العمال السعوديين، مقدرة بـ600 ريال شهريا، على أن تصل إلى 800 ريال في 2020.

كما فرضت 500 ريال شهريا رسوما على العمالة الموجودة بالمنشآت التي يقل عدد العمال الأجانب بها عن عدد العمال السعوديين خلال 2019 على أن تصل إلى 700 ريال في 2020، أما المرافقين، فقد فرضت عليهم رسوما مقدرة بـ 300 ريال شهريا في 2019، على أن تصل 400 ريال في 2020.

تلك الرسوم فرضتها المملكة كمصدر من مصادر الدخل غير النفطية، ضمن الموازنة السعودية لعام 2017 ومازالت تطبق حتى الآن على أن تأخذ زيادة تصاعديا كل عام، وكجزء من رؤية 2030 التي ترسم ملامح اقتصاد المملكة لمرحلة ما بعد النفط.

الأسباب التي دفعت المملكة إلى فرض تلك الرسوم، هو معاناتها من البطالة والتي تبلغ قرابة ال13%، فضلا عن انخفاض الإيرادات وزيادة المصروفات منذ حرب اليمن التي تخوضها المملكة منذ مارس 2015.

الأجانب يغادرون

وزارة المالية السعودية قالت إنها تستهدف إيرادات من المقابل المالي على الوافدين نحو 56.4 مليار ريال في عام 2019، مقابل 28 مليار ريال في عام 2018، بارتفاع يتجاوز 101.4%.

وأضافت الوزارة، في بيان ميزانية 2019، أن الإيرادات المتوقعة تشمل 7 مليارات ريال إيرادات مباشرة، يقابلها نفس المبلغ على جانب النفقات.

وأشارت الوزارة إلى أن حصيلتها من رسوم الوافدين خلال العام 2018، البالغة 28 مليار ريال، ارتفعت بنسبة 2.6% عن المُقدر في ميزانية العام.

وأظهرت شركة "جدوى للاستثمار" السعودية، في تقرير صدر الثلاثاء 16 أبريل/ نيسان الجاري، إن إجمالي عدد الأجانب الذين غادروا سوق العمل السعودية خلال العامين الماضيين بلغ 1.6 مليون عامل، بعد زيادة الرسوم، وقد غادر حوالي مليون أجنبي السوق في العام الماضي وحده، بينما أفادت تقارير أخرى بأن أغلب المغادرين كانوا مصريين وسودانيين.

وتشير أرقام شبه رسمية إلى أن عام 2018 هو أسوأ الأعوام التي مرت على العمالة المصرية بالخارج، حيث توقع حمدي إمام، رئيس شعبة شركات إلحاق العمالة بالخارج بغرفة القاهرة التجارية، أن يكون قد غادر ما بين 200 إلى 250 ألف مصري السعودية خلال العام الماضي منذ تطبيق قرارات التوطين، فضلًا عن قرار فرض رسوم على المرافقين للعمالة الوافدة للسعودية.

وقال "إمام" إن توطين الوظائف في 12 مهنة، تتعلق كلها بمهن خاصة بالمبيعات، وتؤثر على كل العمالة الوافدة في السعودية وليس العمالة المصرية فقط، مشيرا إلى انحسار الطلب على العمالة المصرية من الدول الخليجية خلال الفترة الأخيرة، موضحًا أن عدد العمالة المصرية التي سافرت للسعودية خلال العام الماضي يتراوح ما بين 100 إلى 120 ألف عامل، وهو عدد قليل جدًا مقارنة بالفترات السابقة.

مقر السفارة

أما في الكويت فتحتل الجالية المصرية المركز الثاني المسجلة في القوى العاملة بدولة الكويت  بنحو 445 ألفا و798 عاملا، وذلك بعد الجالية الهندية التي تتصدر المركز الأول، إلا أنها تعاني من عدة مشاكل من بينها ضيق مقر القنصلية المصرية والذي تم نقله مؤخراً إلى مكان آخر انتقلت معه شكاوى السكان المجاورين للمقر الجديد الذين سارعوا بالتعبير عن مخاوفهم من إرباك حركة السير في المنطقة.

الشكوى من نقل السفارة تبناها 9 نواب في مجلس الأمة الكويتي عبر تقديمهم كتابا إلى نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح خالد الحمد الصباح اعترضوا فيه على انتقال القنصلية لمقرها الجديد، كما يتعرض المصريين لإهانات بين الحين والآخر.

تمييز عنصري

النائبة الكويتية صفاء الهاشم التي اعتادت مهاجمة الوافدين خاصة المصريين، دوما ما تتسبب تصريحاتها فى إثارة غضب الجالية المصرية، حيث تقدمت بمذكرة لوزير الخارجية، تتضمن رفضها لنقل القنصلية المصرية من منطقة السلام إلى جنوب السرة، وطالبت بوجود مكان مخصص لجميع السفارات والقنصليات بالكويت زاعمة أن ذلك سيحدث "فوضى".

"الهاشم" هاجمت أيضا العمالة المصرية، في اجتماع مجلس الأمة الكويتي في أبريل/نيسان 2017، مطالبة بعدم اعتماد الكويت على العمالة المصرية، واتهمتهم في تصريحات لها بأنهم السبب في ارتفاع معدلات البطالة في بلادها، وطالبت بزيادة الرسوم على الوافدين مقابل الطرق التي يمشون عليها، كما دخلت في سجالات مع وزير القوى العامة المصري ووزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج.  

تسريح المصريين

لم تكن النائبة الكويتية وحدها هي التي تقف بوجه العمالة المصرية، فالحكومة نفسها تتبع إستراتيجية غير واضحة المعالم في التعامل مع الوافدين بشكل عام والعمالة المصرية بشكل خاص، حيث بدأت تسريح الوافدين المصريين، كما فرضت رسوما إضافية عليهم، في محاولة منها لدعم الميزانية، حسب تصريحات وزير المالية نايف الحجرف مطلع فبراير/ شباط الماضي.

كما صدر قرار وزاري بتعديل قيمة مراجعة الحوادث والمستشفيات للوافدين المشمولين بنظام الضمان الصحي بالزيادة إلى 10 دنانير كويتية (نحو 33 دولارا) بدلا من 5 دنانير (16.5 دولارا) التي كانت مقررة عام 2017.

وضمن سياسة الإحلال الوظيفي، استبعدت وزارة التربية الكويتية، المصريين، من التعاقدات الخارجية، للعام الدراسي 2019/ 2020، معلنة عن حاجتها إلى معلمين ومعلمات من فلسطين وتونس والأردن، للعمل في الهيئة التعليمية من حملة المؤهلات الجامعية للعام الدراسي 2019/ 2020.

متاجرة بالتأشيرات

الكويت ظهرت بها شبكات متخصصة في المتاجرة بالتأشيرات وبيعها العمالة المصرية ويصل سعر التأشيرة إلى 1500 دينار لمدة 3 سنوات.

كما سجلت الكويت عشرات الشكاوى العمالية لا سيما من العمالة الجدد القادمين على تأشيرات المشاريع الصغيرة، ممن يفاجؤون بعدم توفّر عمل حقيقي أو دفع رواتب، واكتفاء الكفلاء بتوجيههم لتغيير نوع الإقامة أو اختيار عمل آخر ضمن بنود المشاريع الصغيرة، أوقف المكتب العمالى المصري بالكويت منذ أسبوعين تقريبا استقدام العمالة المصرية إلى الكويت لأصحاب المشاريع الصغيرة على تأشيرات مشاريعهم.

(ر.ح) مصري يعمل بالكويت، قال لـ"الاستقلال": "السيسي منذ أن استولى على الرئاسة بالقوة والمصريين مهانين في كل دول الخليج وعلى رأسهم الكويت. أنا أعمل بالتدريس والطلبة والمدرسين لا يحترمون المصريين، وينظرون إليهم على أنهم منتفعين ويبحثون عن مصلحتهم فقط، وهم يمنّون علينا بخيرهم ومساعدات حكامهم لبلادنا، هذا بخلاف النائبة (صفاء الهاشم) التي تخرج لتسبنا كل فترة وتهين فينا، وحاليا هناك قرار بتسريحنا من العمل".

(ر.ر) مصرية تعمل بالكويت تقول لـ"الاستقلال" إن "الحكومة المصرية متخاذلة في حماية حقوق المصريين في الخارج وتتخلى عن واجبها تجاه مواطنيها، السفارة المصرية بالكويت سعت إلى حشد المواطنين للتصويت بالموافقة على التعديلات الدستورية وتحول دورها من تقديم خدمات للمصريين بالخارج إلى حشد الأصوات لصالح ترسيخ أقدام النظام بالداخل والمتضرر الوحيد هو المواطن المصري".

(ح.ش) رفض أن يتحدث عما يتعرض له بالسعودية، واكتفى بالقول لـ"الاستقلال": "المصريون اكتووا بنار الغربة دون أن يجدوا خلفهم دولة تقوم بواجباتها تجاه رعاياها، الذين اضطرتهم بفشلها في توفير فرص عمل لهم بالداخل إلى السعي وراء لقمة العيش في دول لا تحترم آدمية أهلها، ولا توفر لهم قدرا كافيا من الحياة الكريمة وترتفع فيها نسب الفقر والبطالة وتحكم أبنائها بالحديد والنار".

(ي.س) مصري مقيم في السعودية منذ 10 سنوات تحدث لـ"الاستقلال" قائلاً: "معاناتي بدأت من 3 سنين.. الحكومة السعودية رفعت رسوم الاستقدام بدأتها بـ 200 ريال شهرياً واصبحت الآن 2000 ريال على الأسرة كاملة".

وأضاف: "اضطريت أن أمنع أسرتي من القدوم ولم أراهم من حينها.. المعيشة هنا أصبحت مرتفعة ومتطلبات الحياة في مصر أيضا مرتفعة، فإما أن أبقي على راتبي هنا لإرساله لهم هناك حتى يتمكنوا من العيش وسداد مصروفات المدارس والجامعات، وإما أن أستقدمهم إلى هنا ونصبح بلا تعليم ولا طموحات".

الكلمات المفتاحية