اجتماعات سرية لعسكريين سودانيين.. هل الخرطوم مهددة بانقلاب جديد؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتداعى على المشهد السياسي في السودان "سيناريوهات مخيفة"، في خضم مرحلة انتقالية يديرها مجلس سيادي مشترك بين المدنيين والعسكريين، وسط "تململ" و"قرارات صادمة" أصدرتها القيادة العليا للقوات المسلحة، التي أطاحت -بشكل غير مباشر- بجزء من الشق المدني في المجلس.

إذ أظهر تقرير "الرأي العام العسكري الأسبوعي للجيش"، الذي تناقله ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، ما يشير إلى "حالة من السخط العارم تعتري جنود وضباط القوات المسلحة"، حسب توصيفه.

فيما تداولت وسائل إعلام محلية أخبارا على "نفس النسق" تلمح لـ"انقلاب قادم"، وتؤكد "انزعاج" ضباط الجيش من الوضع العام للبلد الذي يمر بمرحلة انتقالية حرجة تحت قيادة المجلس السيادي بقيادة عبدالفتاح البرهان الذي يمثل الشق العسكري، ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك الذي يمثل الشق المدني.

وتاريخيا، شهد السودان 10 انقلابات عسكرية، 4 منها نجحت في إسقاط السلطة، فيما فشلت 6 محاولات أخرى، فيما شهدت معظم الانقلابات "دماء غزيرة" سالت على ضفاف النيل بالخرطوم، في جمهورية حكمها العسكر منذ تأسيسها منتصف القرن الماضي، بداية من إسماعيل الأزهري (سقط عام 1969) إلى عهد عمر البشير (سقط عام 2019).

قرارات صادمة 

وتصاعدت الخلافات داخل أروقة مراكز الحكم يالسودان، مع قرار "لجنة مبادرة القوى السياسية للإصلاح" التابعة لقوى الحرية والتغيير، وهي الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، في 21 مايو/ أيار 2021، بتغيير كل المكون المدني في المجلس السيادي، وتجميد المجلس المركزي للحرية والتغيير إلى حين انعقاد مؤتمر تأسيسي بعد 14 يوما.

تلك القرارات التي اتُخذت ليلا في اجتماع عقد بمقر حزب الأمة بمدينة أم درمان، قابلها في نهار اليوم التالي بيان رافض ومضاد، أصدره المجلس المركزي لـ"قوى الحرية والتغيير"، قال فيه، إن "ما تم في دار حزب الأمة القومي لا يمثل الحرية والتغيير، كما نؤكد بأن المجلس المركزي لم يقم بتشكيل لجنة تحت هذا الاسم".

وأضاف: "ما صدر بالأمس لا يساعد على عملية الإصلاح الجارية بل يعقد الموقف ويضاعف من تحديات الانتقال ويخدم الخط الرامي لإضعاف الحرية والتغيير، وإجهاض الفترة الانتقالية، ومعلوم من يقف وراءه". 

الضربة الأخرى التي وجهت للشق المدني في مجلس السيادة، جاءت على يد العضو بالمجلس عائشة موسى، في 22 مايو/أيار 2021، عندما ذرفت دموعها وهي تعقد مؤتمرها الصحفي بمقر وكالة السودان للأنباء (رسمية)، والذي قدمت فيه استقالتها. 

وخلال المؤتمر، هاجمت موسى، الحكومة الانتقالية بضراوة ووصفتها بـ"العشوائية" وطالبت بحل مجلس شركاء الفترة الانتقالية وهيكلة الأجهزة الأمنية.

وقالت "أصبح المكون المدني في مجلس السيادة مجرد جهاز تنفيذي لا يشارك في صنع القرار، وأصبح المكون المدني هو المتهم الأول بضعف المؤسسات المدنية والعدلية وتنمر القوات النظامية على صلاحيات (المؤسسات) المدنية". 

وقبل تلك التطورات، كان القائد العام للقوات المسلحة البرهان، دعا في 19 مايو/ أيار 2021، قادة الوحدات العسكرية المختلفة في العاصمة (من رتبة عميد وحتى مقدم)، لاجتماع عاجل دون إعلان محدد لأجندة الاجتماع.

صحيفة "مونتي كاروو" السودانية، كشفت أن "تقرير الرأي العام العسكري الأسبوعي أشار إلى حالة السخط العارم التي تعتري جنود وضباط القوات المسلحة".

غضب بالجيش

من جهته، أعرب المستشار الإعلامي للبرهان، العميد الطاهر أبوهاجة، عن مدى "الغضب والضيق" في صفوف القوات المسلحة.

وكتب أبوهاجة في 20 مايو/ أيار 2021، مقالة تداولتها وسائل الإعلام السودانية، تحت عنوان "خطة الشيطنة المستمرة تصطدم بالصخرة العصية".

وقال أبوهاجة: "لماذا الإصرار عى تثبيت هذه الصورة الدرامية التي تصور وتنسج  قصص اعتداءات القوات المسلحة على المسيرات وتصور جنودنا وكأنهم قتلة؟! وتقطع بعض القنوات بثها لتذيع أسماء الجنود قبل اكتمال التحقيقات، وتحاول إثبات الجريمة عليهم قبل التحري وكأنه شيء مسلم به قد وقع".

وأضاف "في هذا الزمان الأغبر يقترب البعض منا ومن مقرات قياداتنا، وليس هذا فحسب، وإنما يسيؤون ويلعنون من يحرسون الأرض والعرض، وكأنهم ضد الوطن وضد الحرية". 

واختتم مقاله قائلا: "من يسعون وراء تفكيك الجيش، هدفهم ليس حماية الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي، هدفهم هو تنفيذ الأجندات المرسومة لتفتيت السودان، والانزلاق نحو الفوضى الخلاقة". 

كانت ديباجة السطر الأخير من رسائل أبوهاجة، "فضفاضة غير محددة الوجهة"، وإن كانت معلومة المقصد، في ظل حالة الغضب الشعبي عقب أحداث 11 مايو/ أيار 2021، عندما عمدت قوات من الجيش إلى إطلاق الأعيرة النارية لتفريق جموع المحتجين، عقب اقترابهم من ثكنات عسكرية، في إطار إحياء الآلاف لذكرى "فض اعتصام القيادة".

وأسفر إطلاق النار عن مقتل شابين وإصابة العشرات على يد الجنود، في واقعة أعادت للأذهان يوم "المذبحة الكبرى" في 3 يونيو/حزيران 2019، التي قتل وفقد فيها قرابة ألف مواطن.

هذا التطور أجبر  رئيس الوزراء حمدوك، إلى عقد اجتماع عاجل مع وزراء الدفاع والداخلية والعدل، والنائب العام ومدير جهاز المخابرات العامة؛ لبحث تطورات الأحداث.

عقب الاجتماع، خرج حمدوك متوعدا بملاحقة "الجناة المتورطين" في فض اعتصام القيادة العامة وتقديمهم للعدالة، مشددا على أن عملية فض المعتصمين "تمت بوحشية مفرطة"، في إشارة إلى القوات التي أقدمت على الفعلة، وبالأخص الدعم السريع المتهم الأول في الجريمة. 

سيناريوهات مخيفة

وفي تعليقه على التطورات المتعاقبة، قال الصحفي محمد نصر لـ"الاستقلال": إن "السودان يعيش أزمة مؤسسات حقيقية، وتماسك الدولة ككيان في خطر".

وأضاف: "عندما ننظر إلى الوضع القائم، سنجد إشكاليات عميقة بين المكون المدني والعسكري، فيما يخص المرحلة الانتقالية وإدارة الحكومة، والملفات الشائكة مثل فض الاعتصام، والنزاعات الأهلية والقبلية، بالإضافة إلى السؤال الأهم من الذي سيحكم بعد انتهاء تلك المرحلة؟". 

وتابع: "إذا تناولنا كل جزء على حدة، سنجد أن الجانب العسكري ليسوا على قلب رجل واحد، في ظل الندية القائمة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وكذلك الحركات المسلحة التي يمكن أن تنضم للجيش، وبالنظر إلى الجانب المدني سنجد أيضا اختلافات وانشقاقات مستمرة داخل قوى الحرية والتغيير، وبين الأحزاب والحركات بمختلف توجهاتها وتطلعاتها".

واعتبر نصر أن "بعض السياسيين السودانيين الفاعلين في المشهد حاليا، يتغافلون عن أن الخرطوم لم يحكمها إلا عسكري، وسط تاريخ مليء بالانقلابات وإسقاط الحكام والحكومات، والوضع الراهن يسمح بشدة بإعادة تكرار نموذج الحكم العسكري، كما الحال في دول الشرق الأوسط". 

ولفت إلى أن "البرهان وكبار قادة الجيش يعملون على ترسيخ وضع القوات المسلحة بعد الاهتزاز الناجم عن الثورة (2018-2019)، ولم يمنعهم من تولي السلطة بشكل كامل إلا الاختلافات الداخلية أولا، والعلاقات الخارجية مع الولايات المتحدة وأوروبا ثانيا، خاصة وأن السودان لازال في عنق الزجاجة، ولتوه خرج من السخط الدولي وقائمة العقوبات".

وأكد الصحفي السوداني أن "أي عملية عسكرية انقلابية ستكون عواقبها غير محسوبة، وهم يدركون ذلك".

واستطرد: "سيظل النموذج الأقرب للتنفيذ والذي تمهد له وسائل الإعلام، هو استثارة الشعب للخروج على غرار ما حدث في الانقلاب العسكري في مصر، ومن ثم يتدخل الجيش لضبط الأوضاع، لكن المخيف في هذا السيناريو وجود سيولة للسلاح، قد تتسبب في مذبحة كبرى".

وشدد نصر في ختام تصريحه على أن "الحل الوحيد لمن يريد الإصلاح في البلاد هو التعجيل بالانتخابات، وتشكيل حكومة منتخبة حقيقية، يبدأ معها بناء المؤسسات وتحقق توافقا مجتمعيا، ينقذ البلد من كل السيناريوهات المخيفة البادية للعيان".

ومنذ 21 أغسطس/ آب 2019، يعيش السودان مرحلة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الخرطوم اتفاقا لإحلال السلام، في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020.