فلسطين وسد النهضة.. كيف دفعا بايدن لتغيير إستراتيجيته بالشرق الأوسط؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كان واضحا منذ تولى الرئيس الأميركي جو بايدن 20 يناير/كانون الأول 2021 أن اهتمام إدارته سيكون منصبا بشكل جوهري على الأوضاع الداخلية شبه المنهارة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.

وأن أي ملف في السياسة الخارجية، لا ترى هذه الإدارة أنه يصب بشكل مباشر في صالح أحد الملفات الداخلية، لن يشكل أولوية لها على الأقل في عامها الأول.

أكد هذا التوجه وثيقة الأمن القومي الأميركية التي أصدرتها إدارة بايدن بعد تولي الحكم بـ45 يوما، واعتبرت "القضايا التي تشكل تهديدا للولايات المتحدة"، هي "فيروس كورونا، وتغير المناخ، وصعود القوى المنافسة لواشنطن مثل الصين وروسيا".

لكن مع تدحرج الكرة المشتعلة في فلسطين، استيقظت إدارة بايدن التي تضم أغلبية يهودية (11 مسؤولا) بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 22 يناير/ كانون الثاني 2021، وحاولت التدخل.

سبب آخر لخروج إدارة بايدن من سباتها هو أزمة سد النهضة وما قد يترتب عليها من حرب قد تشعل المنطقة كلها لو استمرت إثيوبيا في خططها للملء الثاني للسد بعد شهرين.

تجاهل الشرق الأوسط

في 3 مارس/آذار 2021، أصدرت إدارة بايدن وثيقة "التوجيه الإستراتيجي المؤقت لإستراتيجية الأمن القومي"، التي أظهرت اهتماما أكبر بالتحديات العالمية والداخلية وتراجع أولويات قضايا أخرى.

انعكس هذا على تراجع أولوية منطقة الشرق الأوسط في أجندتها الخارجية، والتركيز على قضايا محلية (كورونا وتحسين الاقتصاد).

حصار نفوذ الصين وروسيا، جاء أيضا من زوايا تأثير الدولتين على القضايا الأميركية الداخلية (المنافسة الاقتصادية والتدخل في الانتخابات)، بحسب الوثيقة.

دفع هذا إدارة بايدن للتركيز في الأشهر الخمسة الأولى، على الصراع الاقتصادي والتقني مع الصين وروسيا، وأزمات داخلية مثل وباء كورونا، مع إعطاء اهتماما هامشيا بقضايا الشرق الأوسط.

فيما يخص الشرق الأوسط، تعهدت وثيقة دليل الأمن القومي الأميركي "بحماية أمن إسرائيل والسعي إلى تعزيز علاقاتها مع جيرانها، واستئناف دور أميركا كداعم لحل الدولتين بصيغة واقعية قابلة للتطبيق". 

وهو ما انعكس على تصريحات بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن عقب تفجر هبة القدس، وتصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، 17 مايو/ أيار 2021 "إن هدف إدارة بايدن دعم حل الدولتين ووقف الأعمال العدائية".

وبحسب الوثيقة، تسعى إدارة بايدن "إلى أن يصبح وجودها العسكري في المستوى المطلوب لتدمير الشبكات الإرهابية الدولية، وردع الاعتداء الإيراني، وحماية المصالح الحيوية الأميركية الأخرى"، كما أوصت بضرورة نقل الولايات المتحدة لمحور اهتمامها (عسكريا) من الشرق الأوسط إلى منطقة المحيط الهندي والهادي.

هذا التجاهل للشرق الأوسط في سياسة بايدن كان وليد عدة تطورات؛ أبرزها: عودة الأنظمة القمعية بعد الثورات المضادة وفشل سياسات أكثر من رئيس أميركي لـ "دمقراطة" الأنظمة العربية كما فعل جورج بوش وبيل كلينتون وباراك أوباما.

وتلبية أنظمة الثورة المضادة لمصالح أميركا بصورة أتوماتيكية دون حاجة لضغط سوى الرضا الأميركي عنها، فضلا عن تطبيعها مع "إسرائيل" دون شروط.

سبب التجاهل أيضا انتهاء أهمية حقبة النفط في الخليج العربي، مع تعدد مصادر الوقود وتربع واشنطن على عرش الوقود الصخري.

وجاء التركيز على "الديمقراطية" في الوثيقة من منظور أميركي بالتشديد على استعادة الديمقراطية الأميركية التي تعرضت لأزمات تهدد مصداقيتها خلال إدارة دونالد ترامب بعد رفضه نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

أحداث فلسطين

جذبت هبة القدس، واندلاع حرب داخلية بين الفلسطينيين واليهود، وحرب خارجية بين جنود الاحتلال وبين مقاومة غزة، أعضاء إدارة بايدن ليعودوا للاهتمام بقضية فلسطين بعدما أهملوها. 

ربما يرجع تجاهلهم لفلسطين، لأن إدارة ترامب حسمت الأمر واعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت سفارتها لها، ومن ثم لم يعد هناك حل للدولتين.

عبر عن هذا وزير الخارجية بلينكن مطلع مارس/ آذار 2021 حين قال إن "العنف الحالي يجعل حل الدولتين أكثر صعوبة" رغم دعم واشنطن له.

مجلة فورين بوليسي الأميركية لخصت في 14 مايو/ أيار 2021، أزمته بالقول: إن "بايدن يريد المساعدة في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لكن "دون دفع الثمن".

تساءلت: "هل يمكن لبايدن أن يتحول إلى آسيا (وفق الوثيقة) بينما تحترق إسرائيل وغزة؟، مؤكدة أن "العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين أدى إلى جر واشنطن مرة أخرى إلى صراع كانت تأمل تجنبه في الشرق الأوسط".

وأكدت أن "الحريق الذي أشعله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أملا في البقاء في منصبه، شكل عنصر مفاجأة لإدارة بايدن التي عزمت التجاهل التام للقضية الأساسية في قلب صراعات الشرق الأوسط، وهو الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني".

الارتباك الأميركي انعكس على مطالبة واشنطن، لأول مرة، حكومات المنطقة التدخل لتهدئة الأمور دون أن تتدخل هي، كأن نفوذها التقليدي في الشرق الأوسط انتهى!.

ما اضطر بايدن للتدخل السريع أيضا هو أن الصراع في فلسطين، جلب صراعا داخليا في الكونغرس وداخل الإدارة نفسها وجدلا حول فشله في أول اختبار خارجي.

مسلمو أميركا انتقدوا بايدن أيضا، ووجهوا له رسالة واضحة عن غضبهم من موقفه المؤيد لإسرائيل بمقاطعة احتفال البيت الأبيض بعيد الفطر 16 مايو/ أيار 2021.

رئيس مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية نهاد عوض  قال إن هذا "بسبب موقفه من مذابح نظام الفصل العنصري الإسرائيلي الذي يبيد الأبرياء في غزة وباقي فلسطين المحتلة، إذا لم يتغير موقفه فإنه سيخسر علاقته بالمسلمين الأميركيين وأنصار العدالة".

موقع تلفزيون سي إن إن أكد 16 مايو/ أيار 2021 أن بيان مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية، "حذر بايدن من أنه يخاطر بالإضرار بعلاقته مع المسلمين الأميركيين".

وحدثت أزمة حين تحدث "بايدن" عن حرب غزة، وتدخله جاء بآثار عكسية داخل حزبه الديمقراطي، وبدأ يواجه أزمة داخلية بسبب موقفه الداعم لنتنياهو.

الأزمة تحديدا مع الجناح التقدمي في حزبه، الذي كان سببا رئيسا في فوزه بالانتخابات الرئاسية، وأيضا مع العديد من الديمقراطيين اليهود المعارضين لنتنياهو. 

عضو مجلس الشيوخ الحالي بيرني ساندرز قال في تغريدة عبر تويتر: إن "الولايات المتحدة تدعم حكومة إسرائيلية يمينية، وإن دورها الحقيقي يجب أن يكون التقريب بين شعوب المنطقة، وليس ما تفعله الآن".

واتهم إدارة بايدن باتباع "موقف منحاز تجاه الحرب في غزة"، داعيا الرئيس إلى التفكير في اختيار سفير أميركي في إسرائيل يمكنه التعامل مع الفلسطينيين أيضا وليس الإسرائيليين فقط، في إشارة للسفير الحالي ديفيد فريدمان حليف نتنياهو.

صحيفة "وول ستريت جورنال"، قالت 15 مايو/ أيار 2021: إن ما يزيد الأمر صعوبة أن الديمقراطيين (حزب بايدن) منقسمون بشأن إسرائيل، وكيفية إنهاء الصراع الدائر بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وأضافت أن جناحا يمثل أعضاء الكونغرس المحسوبين على التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، يرغبون أن يضغط البيت الأبيض على إسرائيل بملف المساعدات العسكرية لإنهاء التصعيد.

هاجمت عضو الكونغرس الأميركي إلهان عمر 17 مايو/ أيار 2021 صفقة أسلحة أبرمتها بلادها مع إسرائيل بقيمة 735 مليون دولار محذرة من تداعياتها، واعتبرت أنها ستكون ضوءا أخضر للتصعيد من قبل تل أبيب.

وقالت النائبة المسلمة من أصول صومالية: "يجب على الولايات المتحدة ألا تقف مكتوفة الأيدي بينما ترتكب جرائم ضد الإنسانية بدعم منا".

أرسل 20 عضوا من الديمقراطيين في مجلس النواب رسالة لوزير الخارجية بلينكن طالبوه فيها باستخدام الدبلوماسية للضغط على إسرائيل من أجل منع تهجير الفلسطينيين من شرق القدس.

في المقابل، أيد إسرائيل كبار قادة الديمقراطيين، بمن فيهم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بوب مينينديز، وزعيم الأغلبية في مجلس النواب ستيني هوير.

أزمة سد النهضة 

منذ مطالبة سفير مصر لإدارة بايدن رسميا بالتدخل في أزمة سد النهضة، وتحذيره أن عدم تدخلها سيضر بمصالح واشنطن نفسها، وهناك اهتمام أميركي نسبي.

في مقالة في مجلة "فورين بوليسي" 29 أبريل/ نيسان 2021، بعنوان "وحدها واشنطن تستطيع إنقاذ مفاوضات سد النهضة الآن"، ربط سفير مصر بين عدم تدخل أميركا و"اضطرابات في المنطقة ستستغلها قوى التطرف والإرهاب".

تحدث عن حماية أميركا "مصالحها الإستراتيجية مع ثلاثة حلفاء إقليميين مهمين" هم مصر والسودان وإثيوبيا، وحذرهم من فيضان هجرة غير شرعية للغرب، وانتشار الإرهاب لو لم يتدخلوا.

جاء التحذير المصري بعدما نفضت إدارة بايدن يدها من أزمة السد، وقال سامويل وربيرج، المتحدث الإقليمي لوزارة الخارجية الأمريكية، لقناة «المحور» 13 فبراير/ شباط 2021 أن "على الدول الثلاث حل أمورها بنفسها، وأميركا يمكنها أن تتدخل بالمساعدات التقنية".

حين استجابت القاهرة لطلب واشنطن التدخل للوساطة لإبرام هدنة جديدة بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وإسرائيل، دعت الخارجية الأميركية 14 مايو/ أيار 2021 أطراف أزمة سد النهضة إلى "ضرورة استئناف محادثات سد النهضة على وجه السرعة".

رغم ربط لجان إلكترونية حكومية على مواقع التواصل بين التحرك الأميركي وطلب واشنطن تدخل مصر في غزة، لم يحدث جديد في موقع الولايات المتحدة وظلت ترفض التدخل.

بيان الخارجية الأميركية قال: إن القرن الإفريقي يمر بـ"نقطة انعطاف" قد يكون لها تداعيات كبيرة على شعوب المنطقة، لكنه دعا لعودة التفاوض بدون واشنطن!.

وقال: إن دور المبعوث الأميركي الخاص للقرن الإفريقي، جيفري فيلتمان، هو "التوفيق بين مخاوف مصر والسودان بشأن الأمن المائي وسلامة وتشغيل السد مع احتياجات التنمية في إثيوبيا".

دفع هذا الموقف الأميركي الذي تحرك على استحياء، خبراء مصريين ودبلوماسيين لوصفه بـ "التراخي"، وأنه ليست هناك نية للعب واشنطن دور الوساطة.

وقالوا إن الولايات المتحدة اتخذت تلك الخطوة لتقديم نفسها كوسيط محايد في عملية المفاوضات، لكنهم قللوا من تأثير تلك الخطوة على تغيير الموقف الإثيوبي.

"الموقف الأميركي فيه نوع من التراخي، وسيحدث نوعا من عدم الاستقرار في المستقبل إما عاجلا أو آجلا"، بحسب "هاني رسلان" مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية لـ "المصري اليوم" 21 فبراير/ شباط 2021.

يتابع: "المباحثات التي رعتها أميركا سابقا اتفق الأطراف الثلاث فيها على 90 بالمئة من النقاط، وهناك 10 بالمئة تم صياغتها بواسطة واشنطن والبنك الدولي، ورغم ذلك انسحبت إثيوبيا من الاتفاق لأسباب واهية، وضربت بالمفاوضات عرض الحائط".

"الولايات المتحدة كانت داعمة إثيوبيا منذ البداية في ملف سد النهضة، وهي من صنعت مخطط السدود في أديس أبابا منذ 1964، وبالتالي الموقف الأميركي ليس بجديد"، كما يقول وزير الري الأسبق الدكتور محمد نصر الدين علام.