اعترفت بالمشاركة في حرب تيغراي.. هل تسحب إريتريا قواتها من إثيوبيا؟

عبدالقادر محمد علي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مثلت رسالة سفيرة إريتريا في الأمم المتحدة السيدة صوفيا تسفاماريام إلى رئاسة مجلس الأمن في 16 أبريل/نيسان 2021، أول اعتراف رسمي بوجود قوات بلادها في إثيوبيا، حيث تراوحت المواقف الإريترية في السابق بين نفي المشاركة والصمت.

استخدمت السفيرة صيغة غير مباشرة في إثبات الوجود العسكري الإريتري من خلال تأكيدها الاتفاق مع الحكومة الإثيوبية على انسحاب قوات بلادها إلى الحدود الدولية "اتفقت إريتريا وإثيوبيا، على أعلى المستويات، على الشروع في انسحاب القوات الإريترية وإعادة الانتشار المتزامن للوحدات الإثيوبية على طول الحدود الدولية".

أثارت هذه التأكيدات بالانسحاب الإريتري عاصفة من الأسئلة تمحورت حول الوجود العسكري لأسمرة في أديس أبابا، وجدية تطبيق الانسحاب المعلن على أرض الواقع.

https://cdn.pr.trt.com.tr/thumbnails/10761645_c162c10c-645c-4501-8d59-68f7210165ba_720.jpeg

ثأر قديم

الدكتور عمر زرآي قال لـ"الاستقلال" موضحا سبب مشاركة الجيش الإريتري في المعركة الإثيوبية قائلا: "كان للرئيس الإريتري أسياس أفورقي ثأر مع الجبهة الشعبية الحاكمة في تيغراي منذ الحرب الدموية بين الطرفين (1998-2000)".

مضيفا: "رغم أن الطرفين دخلا بعد تلك الحرب في حالة اللا حرب واللا سلم، فإن الاشتباك استمر في حرب بالوكالة في الصومال 2006، واستمرت فيما بعد في التناقضات الصومالية".

واستطرد الباحث في "مركز دراسات القرن الإفريقي" أن الرئيس الإريتري بذل جهدا كبيرا في لملمة المعارضة الإثيوبية ضد الحكومة بقيادة التيغراي في فترة ما قبل 2018، كما كان له كذلك دور بارز في إدخال المعارضة الإثيوبية في السلام مع آبي أحمد، الذي تلا التيغراي في رئاسة وزارة بلاده، بعد أن ضمن أنه سيتوافق معه ضد التيغراي.

وختم زرآي بأن "الرئيس الإريتري لا يعترف بالحلول الوسط، وكان يرى ضرورة إنهاء جبهة تحرير تيغراي من الوجود، وهو ما خطط له مع الدكتور آبي أحمد، وعلى هذا الأساس أدخل جيشه إلى إثيوبيا".

وخاضت إريتريا وإثيوبيا حربا حدودية دامية من 3 جولات بين عامي 1998 و2000، انتهت بتوقيع اتفاق الجزائر عام 2000، وإصدار محكمة دولية أحكامها فيما يتعلق بترسيم الحدود بين البلدين وهو ما لم يتم تنفيذه حتى الآن.

https://cdn.pr.trt.com.tr/thumbnails/10478881_fc8ab5ea-2776-4c06-a9eb-2c02df441967_720.jpeg

التحكيم الدولي

وعن الدور الذي تقوم به القوات الإريترية في إثيوبيا صرح الكاتب والمحلل السياسي الإثيوبي موسى شيخو بأنه تمت الإشارة في البداية إلى وجود هذه القوات في أراضيها المقررة لها وفق التحكيم الدولي، والتي ظلت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تمانع في إعادتها إلى السيادة الإريترية.

مضيفا لـ"الاستقلال" أن هذه القوات في الحقيقة دخلت إلى عمق الإقليم، وسجلت حضورا قويا جدا في عاصمته مقلي.

وأوضح شيخو أن الدور الذي تقوم به القوات الإريترية هو الوقوف إلى جانب الجيش الإثيوبي، ردا على استهداف جبهة تحرير تيغراي العاصمة الإريترية أسمرة ومدنا أخرى بالصواريخ، وبالتالي فإن الإريتريين يقومون بالدفاع عن النفس نظرا لاشتراك الإقليم في حدود طويلة مع إريتريا.

في حين يرى الصحفي الإريتري شفا عمر أن تدخل أسمرة كان في البداية مساندة لرئيس الوزراء آبي أحمد، اعتقادا من الطرفين أن الجيش الإثيوبي لا يستطيع حسم المعركة في هذه الجبال، وأن الجيش الإريتري أكثر دراية بالتكتيكات الحربية للتيغراي نتيجة التجربة النضالية الطويلة التي جمعت الطرفين سابقا.

ويضيف مدير تحرير موقع جريدة السلام لـ"الاستقلال": "لكن الأوضاع تغيرت الآن فالجيش الإريتري يدافع عن نفسه وعن حكومته، إذ لم توافق نتائج الحرب توقعات أسمرة وأديس أبابا، والكثير من التقارير الآن تشير إلى أن المعركة ما عادت تقتصر على الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي فقط، بل تحول أبناء الإقليم إلى مقاومة شعبية".

واستطرد شفا قائلا: "إن زادت قوة التيغراي واستطاعت التغلب على الجيش الإثيوبي فإنها ستلتفت بعدها إلى الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، لذلك أصبحت الحرب الآن بالنسبة إلى الأخير  مستنقعا خطرا".

وخلال السنوات الماضية تصاعد الخلاف بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي حكمت إثيوبيا لعقدين تقريبا، وخليفتها الدكتور آبي أحمد علي رئيس الوزراء الحالي، انتهى بعدم اعتراف كل طرف بشرعية الآخر واندلاع نزاع مسلح بينهما في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

https://cdn.pr.trt.com.tr/thumbnails/10593388_1530ed62-6687-4106-8fa4-97e686bdd761_720.jpeg

ضغوط الانسحاب

شهدت الشهور المنصرمة مطالبات ملحة، لا سيما من واشنطن والاتحاد الأوروبي، بسحب أسمرة قواتها من الأراضي الإثيوبية، وهو ما يفسره الدكتور عمر زرآي بحرص المجتمع الدولي على استقرار المنطقة، وعلى عدم تفجيرها من جديد بعد أن شهدت إثيوبيا استقرارا نوعيا في العقود الثلاثة الماضية.

ويضيف زرآي لـ"الاستقلال" أن "الحرب بدخول الإريتريين أصبحت حرب ثأر، قد ترتكب فيها إبادة جماعية وقتل للمدنيين، حيث إن النظام الإريتري سجل أعلى معدلات انتهاك حقوق الإنسان في بلاده وبالتالي لن يتورع عن استخدام العنف ضد المدنيين أيضا في تيغراي، ومن هنا يسعى المجتمع الدولي لحماية المدنيين بشكل أكبر في المعركة الدائرة بالإقليم".

ويوضح زرآي بعدا آخر للمطالبات الدولية مرتبطا بأن خروج الجيش الإريتري من المعادلة في تيغراي سيزيد فرص جلوس الدكتور آبي أحمد للتفاوض مع حكومة الإقليم السابقة، وبالتالي يحل الصراع سلميا، وهو ما يتعذر مع وجود الجيش الإريتري في الإقليم لرفض الرئيس الإريتري للحلول والمبادرات السلمية، وفق تعبير زرآي.

وصدرت في الشهرين الأخيرين العديد من التقارير الدولية عن منظمات حقوقية مرموقة تتهم القوات الإريترية بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين في تيغراي، داعية إلى التحقيق وتقديم الجناة إلى العدالة. 

كان من اللافت منذ مطلع الحرب في تيغراي إنكار كل من أديس أبابا وأسمرة لمشاركة الأخيرة التي لم يعلن عنها إلا مؤخرا تحت ضغط دولي، وهو ما يفسره شفا عمر بأن الاعتراف بالمشاركة سيستدعي المطالبة بالانسحاب، وهو ما ستكون له آثار وخيمة جدا على مسار الصراع هناك، إذ سيؤدي إلى تقوية شوكة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي مباشرة.

ويوضح ذلك بأن "المعلومات الواردة من إثيوبيا تؤكد أن الجيش الإريتري هو من يحارب ويتحرك ضمن الإقليم، حيث يقع الجيش الإثيوبي بين نيران متعددة، بين التوتر الحدودي مع السودان والدفاع عن سد النهضة، وكذلك انفجار الصراعات في مواضع مختلفة من البلاد بين الأمهرة والأورومو، وفي بني شنقول حيث سيطر المسلحون على مدينة عدد سكانها أكثر من 25 ألف نسمة".

ووفقا لشفا "فالأوضاع تتفاقم بشكل كبير وآبي أحمد يفقد السيطرة. وبعض المعلومات غير المؤكدة تشير إلى أن الأخير يطالب بالمزيد من القوات الإريترية لتهدئة الأوضاع على البلاد".

ورغم موافقة موسى شيخو على كارثية الانسحاب الإريتري وأثره المباشر في تقوية التيغراي، فإنه يفسره بمنحى آخر، مبينا أن "جبهة تحرير تيغراي طيلة حكمها لإثيوبيا (1991-2018) جعلت الإقليم في قبضتها ولم تتح لأبناء القوميات الأخرى في إثيوبيا فرصة لشغل منصب يمكنهم من الإلمام بهذه الأراضي ومعرفتها".

مضيفا أن "الجزء الأكبر من الهيكل التنظيمي للجيش الوطني الإثيوبي كان منحازا للمنحدرين من هذا الإقليم، ومع استمرار الحال هكذا لسنوات طويلة حدث تغيير مفاجئ في إثيوبيا بإزاحة التيغراي عن السلطة، وحينها رأى الجيش الإثيوبي أنه ليس له إلمام بهذه المناطق وتفاصيلها، ومن هنا بدا أن القوات الإريترية تعرف المواقع والمناطق الوعرة، وهذا ما يجعل الاستغناء عنها صعبا جدا".

شعبية منهارة

يرى مدير تحرير موقع جريدة السلام أن مضاعفات الانسحاب ستكون وخيمة على رئيس الوزراء الإثيوبي، مضيفا أن موقف أحمد الآن "صعب جدا حيث أفقدته الصراعات الداخلية الشعبية الكبيرة التي كان يتمتع بها في مطلع حكمه كرجل سلام".

ويضيف الصحفي شفا عمر أن "قاعدة أحمد الأساسية كانت تتركز في "الوجهات المقربة من الوحدويين (دعاة المركزية) المتمثلة في النخب الأمهرية والقاعدة الأمهرية والنخب المتأثرة بها".

وتابع: "لكن حاليا يبدو أن أحمد فقد حتى قاعدته الأساسية في إقليم الأمهرة، فالحزب القومي الأمهري سحب البساط من تحت حزب الرفاه الأمهري التابع لأحمد، والمظاهرات المتواصلة تتحدى أحمد وأفكاره وتتهمه بالتحيز إلى قومية الأورومو".

كان أحد محاور الخلاف بين التيغراي وأحمد يتركز في النظام السياسي الملائم لحكم البلاد، حيث تتبنى الأولى الفيدرالية الإثنية، في حين ذهب أحمد إلى تبني نوع من المركزية يقيد من الصلاحيات الموسعة المعطاة للأقاليم وفق المنهج الأول، ويعد الأمهرة أكبر الداعمين لرئيس الوزراء الإثيوبي في دعوته.

ويرى شفا أن كل هذا سينعكس على الانتخابات التي اقترب موعدها "حيث لم تسر الأمور كما كان متوقعا، وهو مؤشر على أن الأمور ليست في صالح أحمد".

في حين يرى موسى شيخو أن الانسحاب سيرفع في البداية من أسهم رئيس الوزراء الإثيوبي، لكن سيترتب عليه تجمع قوات جبهة تحرير تيغراي، وربما إعادة الانتشار والسيطرة على عاصمة الإقليم وفي هذا مخاطر كبيرة.

وفيما يتعلق بأسمرة فيرجح شفا عمر أن الانسحاب سيكون قرارا صعبا جدا على الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، حيث "أصبحت حرب تيغراي مسألة حياة أو موت بالنسبة إليه، لأنه كلما قويت شوكة التيغراي ازداد احتمال انتقامهم من أفورقي، إما بشكل مباشر وإما من خلال تشكيل كيانات موالية لهم يوفرون لها المساندة والأراضي للانطلاق نحو الأراضي الإريترية". 

مؤشرات خطيرة

اختصرت تغريدة ليندا توماس جرينفيلد سفيرة واشنطن في مجلس الأمن، في 22 أبريل/نيسان الحالي، "مواصفات" الانسحاب المطلوب من أسمرة بأنه يجب أن يكون "سريعا، وغير مشروط، ويمكن التحقق منه".

وفي هذا السياق يرى شفا عمر أنه لا يمكن التأكد من الانسحاب، موضحا ذلك بأنه "لا يمكن الاعتماد على الحكومتين الإريترية والإثيوبية لأنهما لا تتمتعان بأي مصداقية بعد الكذبة التي حاولتا خداع العالم بها والمتمثلة في إنكار المشاركة الإريترية لشهور طويلة".

ويضيف أن ذلك يزداد صعوبة في ظل أنه "لا توجد جهات خارجية محايدة".

وهو ما يخالفه فيه موسى شيخو الذي يرى أن التحقق ممكن "عبر الجهات الدولية الموجودة في تلك المناطق والمتابعة لما يجري على الأرض".

واستطرد قائلا: "التقارير التي تتحدث عن استبدال الجيش الإريتري زيه الرسمي بزي الجيش الإثيوبي تحمل مؤشرات خطيرة للغاية وتصعب التأكد من جدية الانسحاب، ولذا فالجهات الدولية هي التي تستطيع متابعة هذا الملف والتحقق منه".