"خطاب متشنج".. لماذا يرفض رئيس تونس جميع مبادرات حل الأزمة؟

آمنة سالمي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم ما تمر به تونس من أزمات متعددة الأبعاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وصحيا، يواصل الرئيس قيس سعيد رفضه لكل المبادرات التي تقترحها الأطراف السياسية والاجتماعية لحلحلة الأوضاع وإنهاء حالة التعثر التي تشهدها البلاد على عدة مستويات.

سعيد الذي اختار القطيعة مع الحكومة والبرلمان، بعد ما بات يعرف بـ"أزمة التعديل الوزاري" في حكومة هشام المشيشي، والذي عبر سعيد عن رفضه له، ما زال يصمت عن تفعيل مبادرة "الحوار الوطني" التي اقترحها الاتحاد العام التونسي للشغل منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول 2020.

كما أن رئيس الجمهورية إلى اليوم لم يرد على مبادرة لحل الأزمة السياسية التي تقدم بها رئيس البرلمان راشد الغنوشي منذ 20 فبراير/شباط 2021.

ولم يكتف سعيد برفض كل المبادرات لإجراء "حوار وطني" يجمع كل الفرقاء على طاولة واحدة للبحث عن حلول لإخراج البلاد من وضع صعب جراء جائحة "كورونا"، بل ذهب إلى أبعد من ذلك في علاقته بالبرلمان، إذ رفض، قبل أسبوع، المصادقة على مشروع تعديل قانون المحكمة الدستورية مبررا ذلك بأن آجال تأسيس المحكمة قد انقضت.

مماطلة للاتحاد

صمت سعيد عن تفعيل مبادرة الحوار الوطني التي اقترحها عليه "اتحاد الشغل"، أغضب قيادات الاتحاد تجاه تصرف رئيس الدولة.

وفي هذا الصدد، انتقد الأمين العام المساعد في اتحاد الشغل، سامي الطاهري في تصريحات إعلامية، يوم 25 مارس/آذار 2021، ما وصفه بـ"مماطلة سعيد للمنظمة الشغيلة وعدم تعامله بجدية وإيجابية مع مبادرة الاتحاد". 

و"الحوار الوطني"، مبادرة أطلقها اتحاد الشغل (أكبر وأعرق منظمة نقابية في تونس)، مطلع ديسمبر/كانون الأول 2020، وأعلن سعيد قبوله بإجرائه، دون أن يتم بعد تحديد موعده.

وقال الطاهري: "سمعنا عبر وسائل الإعلام عن حوار أعلنت عنه الرئاسة ولم يتم الاتصال بنا أو الإشارة لنا أو التنسيق معنا، ما فعله رئيس الدولة لا احترام فيه للشركاء الاجتماعيين".

وفي 24 مارس/آذار 2021، أعلنت الرئاسة التونسية، في بيان، أن هذا الحوار لن يكون كسابقيه وأنه سيأتي لتصحيح مسار الثورة وسيعمل على إشراك الشباب وأن من أهدافه عدم التحاور مع "الفاسدين"، حسب تعبيرها.

وأشار الطاهري إلى أن "الرئيس أعلن تبنيه للمبادرة الخاصة بالاتحاد ثم تراجع عن ذلك".

وأردف قائلا: "عشنا سباتا لأشهر بعد إعلان سعيد قبوله لمبادرة الاتحاد، لكن المبادرة التي أعلن عنها الرئيس لا علم لنا بها وتفاجأنا بها مثل الجميع".

مبادرة الغنوشي

ولم تكن مبادرة اتحاد الشغل الوحيدة التي رفضها سعيد، فلم يجب البتة على مبادرة تقدم بها الغنوشي، في 20 فبراير/شباط 2021، ضمنها في رسالة توجه بها إلى سعيد، ونشرتها رئاسة البرلمان.

وتهدف مبادرة الغنوشي إلى حل الأزمة السياسية المستمرة بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وتجميع الفرقاء لإيجاد مخرج ومجموعة من الحلول عبر تغليب الحوار وتبادل الرأي والمشورة حول أوضاع الـبلاد ومـا تقتضيه من قرارات، بالتزامن مع ما تعيشه البلاد من أزمات مركبة، اقتصاديـة واجتماعية وصحية.

ودعا الغنوشي سعيد إلى ضرورة بعث رسالة إيجابية للشعب ودول العالم تبرز أنه رغم اختلاف التونسيين وتنامي خطابات التحريض، إلا أن لتونس دولة ومؤسسات جديرة بالثقة، وأن البلاد في حاجة لتأمين الدواء والغذاء والشغل والأمن، وكذلك للتهدئة وتنمية روح التضامن وتوسيع دائرة المشترك الوطني.

كما اقترح رئيس البرلمان، على سعيد عقد لقاء يجمع رئيـس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الجمهورية "في أقرب الآجال"، غير أن سعيد لم يبد أي رد فعل إزاء هذه المبادرة ما أثار انتقادات واسعة ضده من قيادات حركة "النهضة".

وفي هذا الإطار، قال المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة، رياض الشعيبي، لـ"الاستقلال"، "لسنا راضين عن مواقف رئيس الجمهورية الرافضة لمبادرات الحوار الوطني والتعديل الوزاري ورفضه المصادقة على قانون المحكمة الدستورية".

ومنذ 16 يناير/كانون الثاني الماضي، تشهد تونس خلافا بين سعيد والمشيشي، عقب إعلان الأخير تعديلا حكوميا جزئيا، لكن سعيد لم يدع الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه حتى اليوم، معتبرا أن التعديل "يتضمن جملة من التجاوزات".

ووصف الشعيبي مواقف سعيد بـ"المتوترة" التي "لن تزيد إلا في إعاقة إجراء الحوار السياسي وهز الثقة بين رئيس الدولة وبقية المؤسسات".

ودعا الشعيبي الرئيس سعيد إلى "الابتعاد عن التصريحات المتوترة والقبول بالحوار السياسي ووضع مصالح البلاد العليا فوق كل اعتبار آخر".

رفض القوانين

ولم يقتصر الرئيس التونسي على رفض مبادرات الحوار المقترحة وقطع قنوات التواصل مع مؤسستي الحكومة والبرلمان، فقد رفض قبل أسبوع المصادقة على قانون المحكمة الدستورية على اعتبار أن القوانين التي يصادق عليها البرلمان لا تدخل حيز التنفيذ إلا إذا صادقت عليها الرئاسة. 

ويأتي رفض سعيد المصادقة على قانون المحكمة، بعد أيام من تعديلات أجراها البرلمان على القانون، تشمل تخفيض الأغلبية المطلوبة لانتخاب أعضائها من 145 إلى 131 نائبا، وذلك بهدف التسريع في تأسيس المحكمة.

والمحكمة، هيئة قضائية وقع إقرارها بموجب دستور 2014، وتضم 12 عضوا، 4 منهم ينتخبهم البرلمان و4 يختارهم "المجلس الأعلى للقضاء" (مؤسسة دستورية مستقلة)، و4 يعينهم رئيس الجمهورية.

وشدد الرئيس التونسي، في وقت سابق، "على ضرورة احترام كل أحكام الدستور فيما يتعلق بالآجال الدستورية لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية"، مبررا رده للقانون، "بالفقرة الخامسة من الفصل 148 بالدستور، التي تنص على اختيار أعضاء المحكمة في أجل أقصاه سنة بعد الانتخابات التشريعية (أجريت في أكتوبر/تشرين الأول 2014)".

وفي 6 أبريل/نيسان 2021، قال سعيد في كلمة ألقاها بمناسبة إشرافه على فعالية لإحياء الذكرى الـ21 لوفاة الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة (1903-2000)، إنه لن "يقبل أبدا بأن توضع النصوص القانونية على مقاس الحكام لتصفية الحسابات"، مبررا بذلك رفضه التعديل البرلماني لقانون المحكمة الدستورية.

وتعليقا على موقف سعيد، قال الشعيبي: "على سعيد أن يتحمل مسؤوليته كاملة في التوقيع على القانون إذا أعيد اعتماده داخل البرلمان، ولكن إذا رفض ذلك من جديد فسيتحمل مسؤولية سياسية وأخلاقية تتعلق باختراق الدستور".

خطاب متشنج

وبالتوازي مع انتقاد مواقفه الرافضة لكل المبادرات، يصف منتقدون خطاب سعيد بـ"المتشنج" لا سيما الكلمة التي ألقاها من جامع الزيتونة في 12 أبريل/نيسان 2021، قبل يوم من حلول شهر رمضان.

وقال سعيد: "رمضان ليس شهر صيام عن الأكل والشرب وليس من الطقوس التي في ظاهرها عبادة وباطنها حسابات سياسية أرقامها من وضع الأباليس"، داعيا في كلمته إلى "الصوم عن الكذب والتجني".

وفسر مراقبون كلمة سعيد بأنها موجهة إلى خصومه السياسيين و"تحديدا حركة النهضة والمشيشي".

وفي هذا السياق، علق القيادي بحركة النهضة رفيق عبد السلام، في تدوينة عبر "فيسبوك": "السلطة ابتلاء والثرثرة والسب والشتيمة في فاتحة شهر الصيام وفي جامع الزيتونة المعمور، هي أكثر ابتلاء، وفقدان الرشد والصواب هما الابتلاء الأعظم والأشد الذي لا يعوض بمال ولا سلطة ولا جاه".

وأضاف ''كل رؤساء الدول الإسلامية بادروا بتهنئة شعوبهم بدخول شهر رمضان المعظم وبثوا رسائل البهجة والتفاؤل والدعوة للتحابب وصفاء القلوب إلا قيس سعيد أصر على إشاعة وبث الكراهية والحقد".

من جانبه، انتقد لطفي المرايحي الأمين العام للاتحاد الشعبي الجمهوري، والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية 2019، في تدوينة عبر "فيسبوك"، خطاب سعيد، معتبرا أنه "لم يكن الزمان أو المكان اللذان اختارهما للتوجه للشعب التونسي ملائمين للرسائل المشفرة التي اعتدناها".

وعن البديل الذي يطرحه سعيد بعد رفضه كل المبادرات التي عرضت عليه، يرى المحلل السياسي رياض جراد، أن "سعيد لا يرفض الحوار من حيث المبدأ، لكنه لا يريد تسويات سياسية وتوزيعا للسلطة بين مختلف الفرقاء السياسيين فهذا لن يخدم الشعب ولن يحل الأزمة"، حسب قوله.

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "سعيد يريد حوارا بصيغ جديدة ويطرح مضامين حقيقية منها تعديل الدستور والقانون الانتخابي وتغيير النظام السياسي"، معتبرا أن "النظام السياسي لدستور 2014 نظام هجين أوصل تونس لهذه الأزمات والهزات".

وشدد جراد، المعروف في تونس بمواقفه المؤيدة لرئيس الجمهورية، على أن "سعيد استجاب من حيث المبدأ لدعوة الاتحاد العام التونسي للشغل للحوار الوطني، إلا أنه لا يريد حوارات وهمية على مقاس بعض الأطراف (لم يسمها)".