بعد أشهر من إنكاره.. لماذا اعترف آبي أحمد بتدخل قوات إريترية في تيغراي؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لأول مرة منذ اندلاع الحرب في إقليم تيغراي، يعترف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بأن قوات إريترية شاركت في القتال إلى جانب القوات الإثيوبية ضد الجبهة الشعبية في الإقليم الملتهب شمالي البلاد.

وقال آبي أحمد في بيان صادر عن مكتبه في 26 مارس/آذار  2021، إن إريتريا وافقت على سحب قواتها في إقليم تيغراي، مقرا بأن حكومته أثارت مؤخرا اتهامات بارتكاب الجنود الإريتريين لأعمال نهب واسعة وانتهاكات حقوقية في الأقليم، مضيفا أن الحكومة الإريترية نددت بشدة وتوعدت الجنود المتورطين بالمحاسبة، حد قوله.

اعترافات متأخرة

جاءت هذه الاعترافات بعد تصريحات عدة نفى فيها رئيس الوزراء الإثيوبي مشاركة قوات إريترية في القتال الذي اندلع في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 شمالي البلاد بين القوات الحكومية والجبهة الشعبية لتحرير تيغري التي تسيطر على الإقليم منذ نحو 3 عقود.

وكانت ضغوط هائلة قد مارستها أطراف ومنظمات دولية على أديس أبابا، متهمة القوات الإريترية بارتكاب مجازر وجرائم ضد الإنسانية تراوحت بين الاغتصاب والقتل العمد والتهجير القسري.

وكانت الولايات المتحدة قد طالبت في 28 يناير/كانون الثاني 2021 جميع القوات الإريترية مغادرة مغادرة إقليم تيغراي المحاصر في إثيوبيا بشكل فوري.

 وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس إن هناك أدلة على قيام جنود إريتريين بإعادة لاجئي أسمرة قسرا من تيغراي إلى بلادهم، بالإضافة إلى تقارير موثوقة عن وقوع أعمال نهب وعنف جنسي واعتداءات في مخيمات اللاجئين بالإقليم وانتهاكات متعددة لحقوق الإنسان.

وهو الأمر الذي نقلته وكالة اسوشيتد برس في تحقيقات صحفية في يناير/كانون الثاني 2021 عن شهود فروا من الإقليم أن الجنود الإريتريين أقدموا على نهب المنازل وقتل الشبان ويعملون كسلطات محلية.

وقد ضاعفت الأمم المتحدة تلك الضغوط، حيث اتهمت في 4 مارس/آذار 2021، القوات الإريترية بالعمل في مختلف أنحاء إقليم تيغراي.

وقالت الأمم المتحدة إنه بات من الواضح وفق تقارير مؤكدة أن القوات الإريترية مسؤولة عن ارتكاب فظائع، وطالب مسؤول المساعدات بالمنظمة مارك لوكوك بضرورة مغادرة قوات الدفاع الإريترية إثيوبيا، والعمل على عدم تمكينها بمواصلة حملتها للتدمير، حد قوله.

من جانبه دعا المتحدث ستيفان دوغاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش القوات الإريترية إلى مغادرة إقليم تيغراي بشكل فوري.

وكان الصراع في إقليم تيغراي الذي يبلغ عدد سكانه نحو 6 ملايين نسمة قد بدأ في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عندما أرسل رئيس الوزراء آبي أحمد قوات حكومية إلى المنطقة، عقب هجوم شنه زعماء تيغراي على منشآت عسكرية فيدرالية.

وقد اتهم آبي زعماء المنطقة المحاصرة في الإقليم بقرع "طبول الحرب"، في وقت كانت الحكومة الإثيوبية منشغلة بمواجهة تحديات انتشار وباء كوفيد 19، وانتشار كثيف للجراد، قائلا: إن ذلك كان في غير محله، وغير مناسب لأوانه".

ومنذ نحو 3 عقود تهيمن الجبهة الشعبية لتحرير تيغري على الإقليم الذي يعد موطنا لقومية تيغري البالغ نسبتها نحو 7.3 بالمئة، قبل أن يأتي آبي أحمد وهو أول رئيس من قومية الأرومو ويكبح نفوذ الجبهة ويحد من نفوذها السياسي منذ توليه السلطة في 2018.

تبرئة وتبرير

كان رئيس الوزراء آبي أحمد قد أقر بمشاركة قوات إريتيرية في الإقليم، لكنه ألقى باللائمة على زعماء الإقليم الذي قال إنهم أول من بدأ الصراع، وذلك عندما أطلقوا صواريخ على العاصمة الإيترية، وهو الأمر الذي ينفيه شهود عيان، حيث قالوا لصحيفة اسوشيتد برس إن تورط الجنود الإريتريين قد بدأ في الإقليم منذ بداية القتال.

وفي 23 مارس/آذار 2021 ظهر آبي أحمد كما لو أنه يبرر للقوات الإريترية تدخلها، حيث قال أمام البرلمان الإثيوبي إنها دخلت مناطق إثيوبية على امتداد الحدود، وذلك لقلقها من التعرض لهجمات من قوات تيغراي، مضيفا أن الإريتريين وعدوا بالمغادرة عندما يتمكن الجيش الإثيوبي من السيطرة على الحدود. 

ونقلت وكالة رويترز عن آبي أحمد أن أسمرة خاطبت أديس أبابا بالقول إنها سيطرت على المناطق الحدودية لأن لديها مخاوف بشأن أمنها القومي، وأنها مستعدة للمغادرة في اليوم التالي إذا تمكنت القوات الأثيوبية من السيطرة على تلك الحدود وتأمينها، مضيفا أن إريتريا وافقت على سحب قواتها من الإقليم. 

 ولا يبدو أن آبي أحمد يرغب بإلقاء اللوم على إريتريا الذي كان يعلم بتدخل قواتها، كما أن تحميل أسمرة مسؤولية تدخل قواتها يتطلب منه رد فعل يتناسب مع هذا الانتهاك، وهو الأمر الذي لا ينسجم مع موقفه الموالي لإيتريا في هذا الملف.

 لذلك فقد آثر أن يبرر تدخلها بحماية أمنها القومي، وفي نفس الوقت نقل عن السلطات الإريترية قولها إنها ستحاسب الجنود الذين تورطوا بارتكاب جرائم ضد المواطنين في الإقليم، محاولا إغلاق ملف الانتهاك بهذا الشكل.

وهو الأمر الذي أشار إليه الصحفي والكاتب عبدالقادر محمد علي في حديث لـ"الاستقلال"، قائلا "بالطبع فإن رئيس الوزراء الإثيوبي في موفق حرج، بعد سماحه بتدخل قوات أجنبية في نزاع داخلي".

كما أن هذا التدخل تم دون موافقة أو حتى اطلاع برلمان إثيوبيا عليه، وهذا راجع لأن بعض الاتفاقات بين أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي تتسم بطابع شخصي وتكتنفها السرية الشديدة، "ولولا الضغوط الدولية ولا سيما الأمريكية المطالبة بسحب القوات الإريترية لم يكن ليعترف وقد دأب على إنكار تدخلها سابقا".

يضيف الكاتب المتخصص بشؤون القرن الإفريقي:" ذلك الأمر يطرح السؤال البدهي: إذا كان تدخلا إريتريا ناتجا عن قصفها بالصواريخ من قبل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، كما يبرر أحمد الآن، فلماذا أنكره وإدارته منذ البداية؟ وهو ما يعني وجود أجندة خفية أخرى اضطرته الضغوط الدولية إلى كشف جانب منها".

فلسفة جديدة

كان تدخل قوات إريترية في الإقليم الأثيوبي قد أثار استفهام لدى كثيرين، إذ رأوا أن القوات الحكومية الإثيوبية قادرة على التعامل مع الجبهة الشعبية بشكل منفصل.

 وإزاء هذا التساؤل يقول علي : "كان التدخل نتيجة سببين أساسيين: وجود أراض إرترية محتلة من قبل الجبهة الشعبية الحاكمة في إقليم تيغراي".

والثاني وهو الأهم رغبة الرئيس الإرتري في التخلص من الجبهة المذكورة التي كانت تمثل العائق الرئيس أمام طموحات أفورقي في القيام بدور محوري في القرن الإفريقي منذ 1998 على الأقل.

يضيف علي: "ذلك مثل رغبة تلاقت مع طموحات رئيس الوزراء الإثيوبي في التخلص من الجبهة الشعبية الحاكمة في إقليم تيغراي والتي مثلت أيضا أهم قوى المعارضة أمام طموحه بحكم إثيوبيا من خلال فلسفة جديدة تحل محل السياسة القائمة على الفيدرالية العرقية التي أوجدتها ودافعت عنها الجبهة الشعبية إبان فترة سيطرتها على البلاد 1991-2018".

على أرضية هذه الطموحات والرؤى التقى الرئيس الإرتري ورئيس الوزراء الإثيوبي في تشكيل تحالف كانت مهمته الأساسية التخلص من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، والاستعدادات لذلك بدأت مبكرا.

 وكان الجانب الإثيوبي بحاجة إلى الإرتريين لإطباق الكماشة على الإقليم، ولعدم قدرته منفردا على مواجهة القوة العسكرية للجبهة التي عد مقاتلوها بمئات الآلاف، بدليل أنه استعان بمليشيات إقليم أمهرة أيضا في الحرب على الجبهة، يقول الكاتب علي.

وعن انعكاسات الانسحاب، فيما لو تم، على مسار المعركة في الإقليم يقول محمد: "في تقديري أن الضغوط المطالبة بسحب القوات الإرترية وقوات إقليم أمهرة من تيغراي تأتي في سياق إستراتيجية تستهدف خلق بيئة مناسبة للتفاوض على تسوية سياسية في إثيوبيا".

 وهو مطلب لأركان الإدارة الديمقراطية الأمريكية حتى قبل 21 يناير/كانون الثاني، فانسحاب الجيش الإرتري والقوات الأمهرية سيخلق فراغا أمنيا لن يستطيع الجيش الإثيوبي وحده ملأه.

بالإضافة إلى ذلك فإن الانسحاب، لو تم، فسيسمح في نفس الوقت بتنشيط عمليات مقاتلي التيغراي الذين يتمركزون في الأرياف الآن، وهو ما سيؤدي في النتيجة إلى نوع من التوازن بين الطرفين يجبر الحكومة على القبول بالجلوس إلى طاولة تفاوض بوساطات دولية على حل سياسي يخرج بكل الأطراف من الأزمة.

وهذا المسار، وفق الصحفي، إن تم فلن يكون نبأ سارا لأحمد الذي وضع كل ثقله السياسي في محاربة التيغراي، ولا لأسمرة التي يرى الرئيس أفورقي أن الصراع بينه وبين التيغراي هو صراع صفري وأن استمرار أحد الطرفين هو تهديد وجودي للطرف الآخر.