"كانتونات شيعية".. لماذا فتح النظام السوري دمشق للزوار الإيرانيين؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يرى السوريون المناهضون لحكم بشار الأسد "حسن نية" في قرارات حكومته، المتعلقة بالتسهيلات المفاجئة الممنوحة للشيعة لدخول سوريا، عبر "بوابة السياحة".

فمنذ عام 2011، ونظام بشار يسمح لأتباع إيران بخلق "كانتونات شيعية"، داخل العاصمة دمشق، بأوامر مباشرة من طهران، لقاء الدعم العسكري المقدم منها لإخماد الثورة السورية.

طقوس دخيلة

آخر تلك القرارات، موافقة وزارة السياحة في حكومة الأسد، في 23 فبراير/ شباط 2021، على عودة السياحة الدينية للشيعة العراقيين، مشيرة أنه في حال نجاح التجربة يتم السماح لرحلات من دول أخرى، وفق ما نقلت وكالة "سانا" التابعة للنظام.

ووفق شبكة "صوت العاصمة" المعارضة، فإن النظام السوري، فرض مبالغ مالية كبيرة على الزائرين، تبدأ من الحصول على التأشيرة، وتنتهي بفحص PCR الخاص بفيروس كورونا، مرورا بتذاكر الطيران والحجر الصحي الإلزامي والإقامة الفندقية.

كما حصر النظام، الرحلات الجوية إلى سوريا، بشركات "السورية للطيران"، و"أجنحة الشام" و"فلاي بغداد"، على أن يخضع كل القادمين، لفحص PCR، فور وصولهم لسوريا، إضافة لفرض الحجر الصحي الإلزامي لمدة 24 ساعة في فندق "إيبلا الشام" بدمشق، لحين ظهور نتيجة الفحص.

وأكدت الشبكة أن النظام السوري، حدد قيمة فحص PCR، بـ 105 دولارات تدفع أثناء حجز التذاكر، شاملة فحص الدخول وآخر قبل مغادرة سوريا.

وأشارت "صوت العاصمة"، إلى أن قرار وزارة السياحة يسمح باستقبال 500 شخص يوميا بصفة "سائح ديني"، لافتة إلى أن كل منهم يحصل على وثيقة تأمين صحي "مؤقتة" فور وصوله مطار دمشق الدولي، تتيح لحاملها التجول في أماكن "المزارات الشيعية".

وحسب الشبكة، فإن العديد من شركات "السياحة الدينية"، أطلقت برامجها لعام 2021، بتكاليف تتراوح بين 650 إلى 800 دولار، تتضمن قيمة التذاكر والإقامة الفندقية وجولات الزيارة داخل الأراضي السورية، لمدة 7 ليال فقط، مؤكدة أنها لا تشمل تكاليف فحص PCR والحجر الصحي الإلزامي في حال الإصابة بكورونا.

غطاء مليشياوي

وعن مدى تعويل النظام السوري على العائدات المالية، التي يجنيها من الزوار الشيعة، يؤكد أيمن الدسوقي، الباحث السوري في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، أن "قطاع السياحة في سوريا تضرر عقب اندلاع الثورة وتجاوزت خسائره منذ عام 2011 ولغاية عام 2019 حاجز الـ 50 مليار دولار".

مضيفا في تصريح لـ "الاستقلال" أنه رغم مواصلة السياحة الدينية نشاطها في سوريا، إلا أن الأرباح الناجمة عنها تباينت بين عام وآخر.

وفصل الباحث ذلك التباين بالأرقام، بقوله: "عائدات السياحة الدينية للنظام السوري، بلغت عام 2018 حوالي 300 ألف دولار، وأكثر من 700 ألف دولار في 2019".

وأردف الدسوقي: "بلغ متوسط عدد القادمين من دول الهند وباكستان وإيران والعراق والبحرين بغرض السياحة الدينية بين عامي 2018 و2019 حوالي 200 ألف سائح من الشيعة، لكن ومع تفشي فيروس كورونا اضطر النظام إلى تعليق هذه السياحة في مارس/آذار 2020، ما أدى لانخفاض إيرادات السياحة بنسبة 80 بالمئة".

واعتبر الباحث في مركز عمران، أن "عائدات السياحة الدينية مصدر مهم لتنشيط اقتصاد النظام السوري، خاصة في المدن التي يتمركز بها موالو إيران كالسيدة زينب بدمشق، والذين يمتلكون مصالح وشركات وأعمال تجارية، تشكل مصدرا مهما للعملة الصعبة".

لكن الدسوقي، لفت في حديثه، إلى أهمية دور السياحة الدينية، "في جعلها غطاء لدخول مجموعات مليشاوية إلى سوريا، وعامل لتفعيل المعابر البرية والجوية لسوريا".

وتبدو مظاهر طقوس الشيعة غريبة على أهالي العاصمة دمشق، والتي لم تك مألوفة قبل اندلاع الثورة في مارس/ آذار 2011.

إذ تجوب مواكب الشيعة منطقة "السيدة زينب" جنوب دمشق، وبجوار الجامع الأموي الشهير في المدينة القديمة، رافعين أعلام ورايات مكتوب عليها شعارات ذات طابع طائفي وحتى سياسي، ومرددين أهازيج شيعية بأصوات مرتفعة.

نفوذ ثقافي

ولمزيد من التشجيع، سمح النظام السوري، في 5 مارس/ آذار 2018، بترخيص شركات حراسة أمنية خاصة لحماية الحجاج الشيعة، تشرف عليها وزارة السياحة بالتنسيق مع وزارة الداخلية التابعة للنظام.

ويسمح لشركة الحراسة، تجنيد من 300 إلى 500 حارس، مع تحديد الأسلحة المسموح للشركة اقتناؤها، وهي المسدس، والبارودة كلاشينكوف، أما أجهزة الاتصال التي يمكن للشركة اقتنائها فهي جهاز لاسلكي.

كما يسمح لهذه الشركات باستخدام، سيارات مصفحة، وسيارات دفع رباعي، بالإضافة إلى السيارات السياحية، والحافلات الصغيرة.

ولعل أهمية هذه السياحة الدينية لإيران، ترجع كما يشير الدسوقي، إلى "تأكيد طهران لروايتها بأن تدخلها بسوريا لحماية المراقد الشيعية، وهي الآن آمنة، ويمكن زيارتها، فضلا عن استغلال رمزيتها في حملات تعبئة الشيعة للقتال والاستثمار في سوريا، وإظهار نفوذها الثقافي المتنامي هناك".

وفق خبراء، فإن أهداف النظام السوري، في فتح البلاد، أمام الزوار الشيعة، لا يصب في إرضاء حليفته إيران ومنقذته من السقوط عبر التدخل العسكري منذ أواخر عام 2011، فحسب بل لها مؤشرات أخرى.

الباحث في مركز عمران، أشار إلى هذه الجزئية الهامة، المتعقلة بحجم تخوف أهالي العاصمة من تزايد نشاط الشيعة،  بقوله: "النظام السوري، إلى جانب الاستفادة المادية من السياح الشيعة، يستفيد من نشاطاتهم في بعض الأحياء لإحداث تغيير ديموغرافي محدود".

مضيفا: "لكن بشكل نوعي يوظفه في معادلات السياسة الداخلية، كما يستخدم النظام التمدد الشيعي لتخويف بقية مكونات المجتمع، وخاصة سنة دمشق، عبر تصوير نفسه بالضامن لأمنها من هذا التمدد الشيعي".

هوية دمشق

بدأت أصوات السوريين تتعالى في وجه محاولة النظام تغيير هوية دمشق، ذات الغالبية السنية، وتغيير نسيجها السكاني عبر جعلها امتدادا مذهبيا لإيران.

وهذا ما دلل عليه السوري علاء تباب، الحاصل على الدكتوراه في الإعلام والتسويق السياسي والاجتماعي، والذي ألمح إلى أن "فتح السياحة الدينية أمام شيعة العراق وإيران لا يهدف إلى جلب المال، وإنما لقرصنة الثقافة الإسلامية الشامية لدمشق الحضارة".

وقال تباب لـ"الاستقلال": "نظام الأسد يرى في الوجود الشيعي دعما للوجود العلوي على الصعيد الثقافي، لمواجهة الامتداد والثقل والبعد الثقافي الديني لدمشق المحتلة، لذا كان الوجود الشيعي الثقافي ضروريا للنظام السوري بغية تعويض حالة النقص الثقافي والفكري والديني والاجتماعي التي تفتقر لها الشريحة العلوية في سوريا".

وأكد تباب، أن "ظاهرة تنقيب الشيعة عن القبور المزعومة في دمشق وتحويلها لمقامات ومراكز دينية، خطة سياسية ممنهجة تهدف لتكريس الوجود الإيراني طويل الأمد".

توطين الشيعة

أثبتت الوقائع، أن النظام السوري يسير باتجاه، تحويل دمشق إلى عاصمة سياحة دينية للشيعة، بعد سماحه للمليشيات الإيرانية باحتلال أحياء كاملة وبنائها والإشراف عليها وحمايتها، كحي السيدة زينب، الذي يوجد فيه مقام ويقصده الشيعة.

مما أثار الشكوك، بهذا الصدد، هو تزامن قرار عودة "السياحة الدينية"، مع إقرار برلمان النظام، في 18 فبراير/شباط 2021، تعديلات على قانون رقم "11" لعام 2011، والخاص بتملك العقارات لغير السوريين.

النص الجديد في القانون أتاح تعديل أو نقل أي حق عيني عقاري في أراضي سوريا لاسم أو لمنفعة شخص غير سوري، طبيعيا كان أم اعتباريا.

وفسر عضو "هيئة القانونيين السوريين"(معارضة)، المحامي عبد الناصر حوشان، هذا القرار بأنه "يأتي في سياق ضبط توطين الشيعة في سوريا".

وقال حوشان لـ "الاستقلال": "النظام منح هذه الميزة للمليشيات الطائفية التي قاتلت إلى جانبه فقط ولم يمنحها للشيعة على وجه العموم".

وأشار المحامي إلى أن النظام السوري فتح باب التوطين للشيعة العراقيين حيث سمحت محاكم النظام لهم برفع دعاوى تثبيت البيوع العقارية لأنهم كانوا ممنوعين من التملك بحسب قانون تملك الأجانب رقم 189 لعام 1952.

ولفت حوشان إلى أن "النظام وتحت ضغط الحكومتين الإيرانية والعراقية ألغى القانون 189، وأصدر قانونا جديدا يسمح لتملك الأجانب برقم 11 لعام 2008، والذي تم تعديله عام 2011، ثم عام 2021".

وفي دراسة لمركز "حرمون"، صدرت بتاريخ 29 نيسان/أبريل 2018، تحت عنوان "مؤسسات النفوذ الإيراني في سوريا وأساليب التشييع"، أكدت أن النظام السوري، منح الجنسية لعشرات الألوف من الإيرانيين.

وهذا ما دفع السوريين، لربط تجنيس المليشيات الشيعية، مع جملة هزت الأوساط السورية، وحتى العالمية، قالها رأس النظام بشار الأسد، أواخر أغسطس/آب 2017، أمام حشد من مؤيديه: "سوريا كسبت مجتمعا أكثر تجانسا"، وذلك خلال معرض حديثه عن حجم الدعم المقدم لنظامه من قبل إيران وحزب الله وروسيا.

الأمر الذي دفع السوريين وقتها، للتهكم من بشار الأسد، معتبرين أنه استبدل تلك المليشيات "المتجانسة"، بنحو 5 ملايين نازح سوري، على الحدود التركية، ومثلهم لاجؤون في تركيا وعدد من الدول الأوروبية.