مركز دراسات تركي يرصد أسباب نقص الخبز بسوريا ومستقبل الأزمة في 2021

12

طباعة

مشاركة

رأى مركز دراسات تركي أن الأزمة الاقتصادية التي تمثلت في ارتفاع أسعار الدقيق وانعدام الأمن الغذائي كانت أحد أهم التطورات المؤلمة التي شهدتها سوريا في 2020. 

وقال مركز دراسات الشرق الأوسط "أورسام" التركي: "يمثل كل من سوء الإدارة وازدياد التضخم وانخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار بنسبة 120 بالمئة منذ بداية 2020، والعقوبات المالية والانهيار المالي في لبنان، الأسباب الرئيسة لانعدام الأمن الغذائي". 

وضع متأزم

واعتبرت الكاتبة والباحثة إشينصو أجار في مقال لها بالمركز أن انقطاع الدعم الروسي بعد تفشي فيروس كورونا والجفاف، أثرا على إمدادات القمح وإنتاجه بشكل كبير. 

كما انعكس توتر العلاقات بين النظام ووحدات حماية الشعب الكردية في مطلع عام 2021 على شراء القمح بشكل سلبي.

ونتيجة للعقوبات الجديدة المفروضة على النظام السوري والجهات الداعمة له في نطاق قانون قيصر الأميركي، بدأ تطبيق نظام البطاقات في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في سبتمبر/أيلول 2020. كما بدأ تقديم الدقيق المدعوم للمخابز العامة في الوقت نفسه، وفقا للكاتبة.

وتابعت: ففي أكتوبر/تشرين الأول 2020، وضعت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية قيودا على كمية الخبز التي يمكن لكل أسرة شراؤها بعد أن ضاعفت تكلفة ربطة الخبز المدعومة لـ 100 ليرة سورية أو 1.4 دولار.

وأصبح بإمكان عائلة مكونة من 7 أفراد شراء 4 ربطات من الخبز يوميا فيما يمكن لعائلة مكونة من شخصين شراء ربطة واحدة في اليوم بحسب هذا التعديل. وأصبح توزيع الخبز في دمشق وريفها واللاذقية يتم من خلال نظام البطاقة الذكية.

وتستمر الطوابير الطويلة التي تصطف أمام المخابز وتنتظر حتى 6 ساعات منذ بداية عام 2021. وذكر ناشط في السويد أن حاملي السلاح يلجؤون في كثير من الأحيان إلى المسدس لتجاوز الطابور. 

كما أفادت الأنباء بمقتل شخصين بعد مشاجرة حدثت أثناء انتظارهما في الطابور في اللاذقية وحماة، بحسب الكاتبة التركية.

وأردفت: كما أثارت صور المنتظرين في الأقفاص الحديدية لدخول طابور الخبز في دمشق ردود فعل كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لتزيل بعدها المحافظة الأقفاص وتضع علامات على الأرض بناء على ردود الفعل هذه. 

أما الأطفال فلا يمكنهم حضور دروسهم في المدرسة لانتظارهم في طوابير الخبز، وفق ما تقول الباحثة.

وأضافت: سكان مخيم الركبان لا يمكنهم الحصول على الخبز إلا عن طريق المهربين، وهم بالفعل لم يحصلوا عليه منذ أسبوع؛ وذلك لعدم السماح بإدخال المساعدات الإنسانية.

 كما يعاني شمال شرق سوريا الذي ينتج ما يقرب من 70 بالمئة من القمح الذي تحتاجه سوريا سنويا، صعوبات في ضمان الأمن الغذائي منذ الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني 2021).

وقد أسفرت الأزمة التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2020 عندما احتجت المخابز الخاصة على سعر الدقيق، عن موافقة النظام على توفير الدقيق بأسعار مخفضة وبدعم أسبوعي بالإضافة إلى توتر "بارد" في أواخر يناير/كانون الثاني 2020.

وتكشف بيانات برنامج الغذاء العالمي لعام 2020 أن هناك 9.3 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي في سوريا. 

ينطوي انعدام الأمن الغذائي على مخاطر مثل ظهور العيوب الخلقية وفقر الدم وسوء التغذية والمشاكل الإدراكية والعدوانية والقلق على المدى الطويل. كما لا يقتصر الأمر على الطحين والخبز، بل يشمل أيضا الأطعمة الأساسية مثل السكر والأرز.

وتذكر الكاتبة أنه يمكن للعائلة الواحدة شراء كيلوغرامين فقط من السكر وكيلوغرام واحد من الأرز و200 غرام من الشاي من خلال البطاقة الذكية. وبسبب انخفاض جودة هذه المنتجات فإن العائلات تتجه إلى صنع الخبز الذي يحتل مكانة مهمة في الثقافة الغذائية السورية.

إستراتيجية جديدة

وتتابع قائلة: يعيش أكثر من 80 بالمئة من السكان في سوريا تحت خط الفقر، حيث يبلغ متوسط ​​الدخل الشهري في البلاد حوالي 150 ألف ليرة سورية (ما يعادل 64.6 دولار). 

وقد تم تخصيص 700 مليار ليرة فقط للغذاء والخبز في موازنة 2021. وهذا مبلغ غير كاف؛ في ظل وجود احتمال تفاقم الأزمة الاقتصادية وتفشي كورونا.

وتستطرد أجار: هذا هو الجانب المرئي من الأزمة، لكن هناك شبكة متنامية من الأسواق السوداء آخذة في الظهور على الجانب غير المرئي من جبل الجليد. 

فانخفاض حصة الأرباح في المخابز المدعومة من النظام يدفع الخبازين إلى بيع قمحهم في السوق السوداء. فيما يسهل ارتفاع سعر الخبز في السوق السوداء على الخبازين دفع رواتب موظفيهم. 

ومع ذلك، تبيع المخابز العامة والسوق السوداء خبزا أقل جودة من المخابز الخاصة، تقول الكاتبة.

ولفتت إلى أن المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان روبرت كولفيل طرح بعدا مهما آخر في قضية الخبز. 

وسلط كولفيل الضوء على تتابع الضربات الجوية للنظام على المخابز والطوابير أمامها، وقال إن الهجمات كانت إستراتيجية لمعاقبة المدنيين الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

كما أن هناك نقاشات حول أن نظام بشار الأسد، الذي عرف بارتكابه لجرائم الحرب مثل الهجوم على المنشآت الطبية ومنع دخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة المعارضة، يستخدم الخبز كسلاح للسيطرة على الفقراء الجائعين وتخويفهم.

مع ذلك، ليست قوات النظام من تستغل الخبز وحدها، بل تقوم وحدات حماية الشعب الكردية والقوات الروسية بفعل ذلك أيضا. 

واستهدفت الغارات الجوية الروسية سابقا مخابز عدة في مناطق حلب وحماة وحمص وإدلب، وتسببت في هدم أو تدمير المخابز التي تقدم الخبز لآلاف الأشخاص يوميا، تنوه الكاتبة.

وتضيف: أما الهجمات التي كانت تستهدف أفران الخبز في إدلب، فقد توقفت بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا (مارس/آذار 2020).

ومع أن روسيا تبذل جهودا صغيرة لإعادة بناء المخابز بعد استهدافها، إلا أنه يتم تفسير هذه الجهود على أنها دعاية لتعزيز شرعية النظام في سوريا وتحسين صورة موسكو على الساحة الدولية.

وتختتم أجار مقالها بالإشارة إلى أن الهجمات على المخابز ستستمر في عام 2021، خاصة وأنه وقد وقع انفجارا في مطلع يناير/كانون الثاني قرب مخبز في جنديرس التابعة لعفرين. كما تم تفجير سيارة مفخخة قرب مخبز في عفرين في الأشهر الأخيرة من عام 2020.

وبالنظر إلى الأهمية الرمزية للخبز في ثورات الربيع العربي، يلاحظ أن النضال والكفاح الذي تم على مدى السنوات العشر الماضية لا يزال مستمرا تحت ظروف أكثر صعوبة. 

وتشير حقيقة عدم موافقة النظام على الحل السياسي في سوريا، إلى أن العام القادم سيكون أكثر صعوبة من حيث التوقعات الاقتصادية واستعادة الكرامة الإنسانية، وفقا لما تراه الكاتبة.