معهد عبري: التطبيع بين إسرائيل وبوتان "رد هندي" على سياسات الصين

12

طباعة

مشاركة

يرى مركز أبحاث عبري أن توثيق العلاقات بين إسرائيل وجيران الهند، يعتبر بمثابة رد من نيودلهي على السياسة الصينية في آسيا.

وتطرق معهد "القدس للإستراتيجية والأمن" العبري، في مقال للباحث في السياسة الخارجية والأمنية للهند الدكتور أوشريت بيرودكار، إلى توقيع إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2020 اتفاقا لإقامة علاقات دبلوماسية مع بوتان.

وبوتان مملكة بوذية صغيرة نائية تقع على مساحة 38.8 كم مربعا عند الطرف الشرقي لجبال الهيمالايا على الحدود مع الهند ومنطقة التبت ذاتية الحكم بالصين، ولا يتجاوز عدد سكانها 750 ألف نسمة.

علاقتها مع إسرائيل

وأشار المعهد إلى أن قرار حكومة بوتان يتماشى مع سياستها الجديدة المتمثلة في الانفتاح على العالم وتنويع اقتصادها والأهم من ذلك الحفاظ على سيادتها.

وعلى عكس اتفاقيات التطبيع الموقّعة مع دول عربية خلال 2020، فإن الاتفاقية مع بوتان هي تذكير بالصراع الكبير الدائر في آسيا بين الهند والصين ومكانة إسرائيل المعقدة في هذه المعادلة. 

ووفق ما نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية في ديسمبر/كانون الأول 2020، ليس للاتفاق مع بوتان أي علاقة باتفاقات التطبيع التي تم التوصل إليها خلال الأشهر الأربعة الأخيرة بوساطة أميركية بين إسرائيل و4 دول عربية، هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.

وأوضحت أنه لا توجد عداوة بين بوتان وإسرائيل، لكن الأولى تتبع سياسة انعزالية مع دول العالم؛ من أجل تجنب التأثيرات الخارجية. فتلك المملكة لا تقيم علاقات دبلوماسية رسمية سوى مع 53 دولة فقط، ولا يشمل ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا. 

كما لا ترتبط حاليا بعلاقات مع الصين بعد أن أغلقت حدودها مع بكين إثر غزو الأخيرة للتبت عام 1959.

وسارع الإعلام الإسرائيلي إلى تسويق الإمكانات الاقتصادية للدولة، لا سيما في مجال السياحة والصناعة التجارية، لكن المساهمة الإسرائيلية محدودة في هذين المجالين. 

ونوّه المعهد العبري إلى أن بوتان تشتهر بموقفها المحافظ في الحد من التأثيرات الخارجية، لذلك فهي تحد بشدة من حصة السياحة في البلاد.

 وفيما يتعلق بالبيانات الديموغرافية وعدد السكان القليل، فإن الإمكانات التجارية لإسرائيل محدودة وحتى في مجال الزراعة، حيث تشتهر تل أبيب بخبرتها.

 تتلقى بوتان المساعدة حتى قبل إقامة علاقات مع إسرائيل من خلال وكالة المعونة الوطنية (ماشاف) في وزارة الخارجية الإسرائيلية، وبالتالي فإن الأمر لا يتعلق بتغيير الترتيبات بل تعميق العلاقات من خلال إزالة الحواجز البيروقراطية مثل تسهيل التمويل للمشاريع الزراعية والاتفاق المتبادل لحماية الاستثمار.

وعملت الهند كوسيط بين إسرائيل وبوتان بسبب دورها المهم في مفهوم الأمن وتنبع أهمية المنطقة بشكل أساسي من موقعها الجغرافي فهي تقع في جبال الهيمالايا، وازدادت أهمية المملكة بعد ضم التبت إلى الصين.

ويقول المعهد: "هناك نزاع حدودي مع الصين له تداعيات مباشرة على أمن الهند فإذا وقعت (تلك المنطقة) في أيدي الصين فسيكون بإمكانها الوصول إلى شريط ضيق يربط شمال غرب الهند ببقية البلاد".

ولفت المعهد إلى أنه في أغسطس/آب 1947، اختارت بوتان سياسة خارجية موالية للهند ووافقت على وجود عسكري هندي للمساعدة في الأمن القومي. وعلى مر السنين، أصبحت المملكة شريكا مهما لنيودلهي في أنشطتها ضد حرب العصابات المسلحة التي تتحدى سيادتها مثل جبهة تحرير آسام المتحدة (ULFA) وجبهة بودولاند الوطنية الديمقراطية (NDFB).

وفي عام 2003، شنّت الهند وبوتان نضالا مشتركا ضد هذه المنظمات، وتمكنا من تعطيل أنشطتها بشكل كبير.

وأشار المعهد إلى أنه ليس لبوتان منفذ إلى البحر وتعتمد على الهند لمرور البضائع والأشخاص ويرتبط الاقتصاد البوتاني بطبيعته بنظيره الهندي ويتم نقل البضائع إلى وجهات مثل بنغلاديش أيضا عبر الأراضي الهندية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن صادرات الكهرباء عبر المياه هي واحدة من أبرز الصناعات في بوتان وتمثل 40 بالمئة من عائداتها، و25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي موجهة في الغالب إلى السوق الهندية.

لكن هناك عددا من العوامل التي تقضي الآن على مزايا الهند في المنطقة. فداخليا، أدت تحركات بوتان لتقليل الاعتماد على نيودلهي في عام 2007 إلى تعديل "معاهدة الصداقة" التي وقعتها في أغسطس/آب 1949.

تغيّر الديناميكيات

وأشار الباحث في السياسة الخارجية والأمنية للهند الدكتور أوشريت بيرودكار إلى أنه كجزء من التعديل تم إلغاء التزام بوتان بالاسترشاد بالهند في إدارة سياستها الخارجية والحصول على موافقة نيودلهي في مجال صفقات الأسلحة وغيّرت المعاهدة المجدّدة الديناميكيات بين الدول.

ومن الممكن صياغة سياسة غير ملزمة بالإملاءات الهندية، كما أن الدولتان ملزمتان اليوم "بعدم السماح باستخدام أراضيهما في أنشطة قد تعرض المصالح القومية للطرف الآخر للخطر"، وفق المعهد العبري.

ويقول: "تخضع الخطوات نحو انفتاح بوتان على العالم للتدقيق من قبل الحكومة الهندية وذلك أساسا للخوف من أن الصين قد تستغل هذه التطلعات لمصالحها الخاصة".

وتعرضت العلاقة المتفرعة بين الهند وبوتان للتحدي أكثر من مرة من قبل الصين، التي تسعى إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع المملكة الصغيرة. ففي عام 1996 اقترحت بكين حل النزاع الإقليمي بين البلدين.

وتابع الباحث: "عرضت الصين على البوتانيين التخلي عن السيطرة على هضبة دوكالام وفي المقابل سيتنازل الصينيون عن مطالبهم في واديي يكورلونج وباسمونج في شمال غرب بوتان".

وربما تكون مثل هذه الصفقة قد أعطت المملكة الصغيرة حدودا واضحة ولكن نظرا للمخاوف الأمنية للهند، تم رفض الصفقة. ومنذ ذلك الحين استمر الضغط الصيني في منطقة دوكلام، التي ستضر سيطرتها بالميزة الإستراتيجية لنيودلهي.

ووصلت ذروة التوترات على مستوى دوكلام إلى أزمة استمرت 73 يوما في عام 2017، عندما اضطر الجيش الهندي لعبور الحدود ومساعدة بوتان في وقف بناء طرق الوصول الصينية في المنطقة.

وفي يونيو/حزيران 2020، أدى التصعيد في المنطقة إلى أسوأ حادث يُلاحظ منذ 45 عاما، قُتل خلاله عشرين جنديا هنديا.

مع ذلك، يبدو أن التحدي الأكبر لنيودلهي هو النشاط الصيني داخل بوتان. فعلى الرغم من أن الصينيين ليس لديهم حتى الآن علاقات رسمية مع المملكة، فإنهم يعملون في المملكة الصغيرة وهي قوة ناعمة تسحر بشكل رئيس الشباب في البلاد الذين يشكلون حوالي 60 بالمئة.

وتقدم الصين منحا دراسية للقوميين والرياضيين وهناك زيادة كبيرة في عدد السياح الصينيين الذين يزورون بوتان.

ولفت الباحث إلى أن شباب المملكة الصغيرة يهتمون اليوم بالوظائف في مجال التكنولوجيا ويسعون لتأسيس نظام اقتصادي جديد، ويصف البعض العلاقة بين بوتان والهند بأنها "استغلالية".

تطورات وتحديّات

في ضوء هذه التطورات والتحديات، ليس من المستغرب أن تصبح بوتان أول دولة يزورها ناريندرا مودي كرئيس لوزراء الهند عندما تولى السلطة في عام 2014.

وقد كانت خطوة صُممت لترمز إلى أن جيرانها المباشرين يمثلون في المفهوم الهندي أولوية في سياسة مودي الخارجية الجديدة.

من الناحية العملية، لم يحدث الكثير من جانب الهند بين جيرانها، حيث واصلت الصين العمل في جميع البلدان المجاورة، بما في ذلك بنغلاديش ونيبال وسريلانكا.

في الوقت نفسه، فإن السلوك المتغطرس من جانب كبار مسؤولي الحزب الحاكم في الهند تجاه جيرانها، مثل سلوك وزير الداخلية أميت شاه، الذي وصف المهاجرين غير الشرعيين من بنغلاديش في سبتمبر/أيلول 2018 بـ "النمل الأبيض"، لم يضف نقاطا إلى نيودلهي المتنافسة مع الصين.

ونوّه المعهد إلى أنه كان على إدارة مودي أيضا التعامل مع تغيير الحكومة في بوتان. ففي عام 2018، ذهبت تلك المملكة إلى الانتخابات الديمقراطية الثالثة في تاريخها، واختارت حزب Druk Nyamrup Tshogpa الذي تأسس عام 2013.

وركّز شعار الحزب على "تضييق الفجوة" والحد من عدم المساواة وتعزيز الخدمات الصحية وإعادة بناء الاقتصاد البوتاني وفاجأت نتائج الانتخابات إدارة مودي التي لها علاقات وثيقة مع الحكومة الشعبية الديمقراطية المنتهية ولايتها.

وأوضح المعهد العبري أن بوتان تسعى جاهدة للتغيير من حيث الشكل وعلاقاتها مع العالم.

أهمية الهند لبوتان دفعتها لاتخاذ خطوات فورية، من بينها إجراء زيارة لرئيس الوزراء  البوتاني المنتخب نيودلهي.

 وافقت الهند خلال الزيارة على مواصلة شراء الكهرباء من بوتان بمعدل أعلى مما دفعته حتى الآن, لكن هذه كانت فقط العلامات الأولى على التغيير المطلوب من جانب نيودلهي فيما يتعلق بالمملكة.

ويعتقد المعهد أن تحسين الصورة الهندية في المملكة والخطوات المهمة لتقليص نفوذ الصين في المنطقة هي خطوات ضرورية وقد تكون مفيدة، لدولة إسرائيل نظرا لموقعها الجغرافي بين العملاقين الآسيويين، حيث تجد المملكة الصغيرة نفسها تتعرض للهجوم من وقت لآخر من قبل القوات الصينية.

ومن الناحية الأمنية، يمكن لإسرائيل أن تقدم لمملكة الشرق المزيد من المساعدة التقنية والأمنية، بما في ذلك التدريب العسكري والتسليح، بمباركة الهند.

وخلص المعهد إلى القول: "في ضوء التوترات الداخلية في بوتان والرغبة في زيادة الاستقلال، مع وجود ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يجب على الهند الامتناع عن ممارسة الضغط الذي يمكن اعتباره متسلطا وتوطيد العلاقات بين جيرانها وحلفائها وخاصة إسرائيل، كرد هندي على السياسة الصينية في المنطقة".