في 4 فبراير/شباط 2021، برأ القضاء المغربي رجل الأعمال الموريتاني محمد ولد بوعماتو، من التهم التي وجهها إليه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، في ديسمبر/كانون الأول 2018.
واتهم الرئيس الموريتاني السابق، رجل الأعمال، بالوقوف خلف نشر ما قيل إنها جوازات سفر مغربية لولد عبد العزيز وأحد أفراد أسرته.
لكن مصادر قضائية أفادت لوسائل إعلام مغربية، بأن التهم التي وجهت إلى ولد بوعماتو كانت تهدف إلى "تشويه صورته"، وأن نظام ولد عبدالعزيز هو من كان يقف خلفها، كما أنها "لم تقم على حقائق وأدلة".
وذهبت هيئة الدفاع عن رجل الأعمال إلى القول، إن "ما حدث هو مكيدة، خُطط لها من أجل الإضرار برجل الأعمال المعارض".
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي عام 2018، صورا لجوازات سفر مزورة، قيل إنها للرئيس الموريتاني السابق وأحد أفراد عائلته.
جهات محسوبة على نظام ولد عبد العزيز وجهت أصابع الاتهام إلى ولد بوعماتو، الذي كان آنذاك في مقدمة معارضي النظام في الخارج.
وسبق أن برأ القضاء الموريتاني ولد بوعماتو من تهم وجهت له خلال حكم الرئيس السابق، ليعود إلى البلاد مطلع مارس/آذار 2020، بعد عشر سنوات في المنفى، ويكون بذلك من آخر المعارضين الذين عادوا.
انتهى صراع ولد بوعماتو مع النظام السابق بتنحي ولد عبد العزيز من الحكم والعودة إلى الوطن، لكنه لم ينته بالضرورة مع أتباعه، وهو ما جزم به باباه سيدي عبد الله المستشار الإعلامي لرجل الأعمال.
وهاجم الأمين العام المساعد للحكومة محمد إسحاق الكنتي ولد بوعماتو، وسط حديث متصاعد عن وجود فتور فى علاقات الرجل وبعض مراكز القرار بموريتانيا فى الوقت الراهن.
وقد سارع باباه سيدي عبد الله بالرد على الكنتي، متهما إياه بـ"تنفيذ أجندة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز".
وتزامن الحراك مع وصول رجل الأعمال من مدينة مراكش المغربية، بعد الظهور للعلن من قصره بالمدينة مع رجل الأعمال المصطفى ولد الإمام الشافعى، معلنين نهاية المطاردة المغربية للأول.
وتحدثت صحف محلية عن ارتياح واسع بين الأوساط السياسية الموريتانية بعد صدور قرار القضاء المغربي.
بدأت حكومة الرئيس الموريتاني، محمد الشيخ الغزواني، عند وصولها للسلطة في أغسطس/آب من عام 2019، خطوات نحو إعادة الاعتبار لرجل الأعمال الموريتاني، أكبر خصوم الرئيس السابق.
وقلّد رئيس الوزراء الموريتاني، إسماعيل الشيخ سيديا، بوعماتو وسام الاستحقاق الوطني تقديرا لجهوده الكبرى في تنمية موريتانيا وازدهار اقتصادها، وسحبت منظمات غير حكومية موجهة من طرف الرئيس السابق شكوى كانت قد تقدمت بتدبير من النظام السابق، ضد رجل الأعمال أمام المحاكم الفرنسية.
وكان رجل الأعمال قد وشح عام 2010 تقديرا لخدماته الجليلة لموريتانيا، لكنه غادر البلد عام 2013 ليقيم في المغرب ثم في بلجيكا معارضا شرسا للرئيس السابق، بعد أن تأثرت علاقات موريتانيا والمغرب بإقامته في مراكش.
ورفضت الشرطة الدولية مذكرة توقيف أصدرها القضاء الموريتاني في ظل العهد السابق ضد بوعماتو باعتبارها "مسيسة".
عاد رجل الأعمال الموريتاني ولد بوعماتو، في مارس/آذار 2020، إلى بلاده بعد 10 سنوات قضاها في المنفى، إثر خلافات سياسية مع ولد عبد العزيز واتهامه بالتهرب الضريبي.
"لم أستفد أبدا في حياتي من أي تجاوز للقانون، لذلك أتحدث بحرية"، يقول محمد ولد بوعماتو في حوار مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية في 2018.
ولد عبد العزيز وولد بوعماتو كانا حليفين قبل العداوة، فهما ينتميان إلى نفس القبيلة الكبيرة، أولاد بسبع، التي ينتمي إليها أيضا رئيس سابق مشهور آخر هو إعلي ولد محمد فال.
واتخذت العلاقة مع الرئيس عبد العزيز منعطفا سياسيا في عام 2005 عندما طلب تمويل حملة سيدي ولد عبد الله (أول رئيس مدني لموريتانيا) قبل الانقلاب في عام 2008.
وقد روّج رجل الأعمال للانقلاب في باريس، ونجح في الحصول على ثقة الإليزيه كما أنه موّل حملة ولد عبد العزيز للانتخابات الرئاسية لعام 2009.
ويبرّر أحد مقربي بوعمّاتو هذا الدعم بكون ولد عبد العزيز وعد بوعماتو بإرساء سيادة القانون وتحرير قطاع الأعمال وإقامة نظام اقتصادي مماثل لدبي الإماراتية.
وحسب المحيطين بالرئيس فإن بوعماتو نظم شبكات نفوذ لزعزعة استقرار النظام السابق في أفق انتخابات 2019.
لكنّ بوعماتو قال لصحيفة لوبينيون الفرنسية، قبيل الانتخابات: "لقد مولت العديد من الحملات الانتخابية في موريتانيا، وأنا أؤيد المعارضة الديمقراطية كقادة للمجتمع المدني".
قبل أن يزيد: "وأولئك الذين يتهمونني بالخيانة، كانوا يعتبرون تمويلي لحملتهم يوما ما عملا وطنيا، هل يتصورون أن تأييدهم حلال ودعم معارضتهم حرام".
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعلن ولد بوعماتو، أن دعمه للرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني هو "دعم كامل وثابت"، متهما جهات لم يكشف عنها بنشر "إشاعات كاذبة" الهدف منها "محاولة تقويض برنامج الإصلاح" الذي ينفذه ولد الغزواني.
ولد بوعماتو مولود في 3 ديسمبر/كانون الأول 1953 لعائلة متواضعة. والده تاجر كان يتنقل في شاحنة قديمة بين موريتانيا والمغرب توفي في يوليو/تموز 1973، وترك أرملة وعشرة أطفال في أسرة تواجه صعوبة في تلبية احتياجاتها.
وهو ما دفع بوعمّاتو للعمل في وظائف عديدة من بينها تقديم دروس الرياضيات ليلا بينما تعلم المحاسبة في دروس مسائية مع محاسب فرنسي قديم.
طرق باب شركة للإيراد والتصدير للحصول على وظيفة، "كان نظامنا اشتراكي جدا وتسود فيه الدولة"، كما يذكر، "لقد قمت بإعداد ملفات لرجال الأعمال لتمكينهم من الحصول على خطوط ائتمان من البنك المركزي".
وبعد ثلاث سنوات، أصبح المدير العام المساعد لـ"سونمكس" وهي شركة استيراد وتصدير. حيث قام بتطوير بعض الصناعات، بما في ذلك مصنع المعكرونة.
في عام 1982، بدأ التنفيذي الطموح عمله الخاص فأنشأ مخبزا تحول إلى شبكة مخابز وكانت تسير على ما يرام لكنه كان يسعى إلى أكثر فاشترى سيارات وشغلها بالأجرة.
ثم أنشأ مصنعا للحلوى، وذلك قبل أن يدخل سوق السجائر مع شركة فيليب موريس ويبدأ رحلة الصعود السريع في جميع أنحاء إفريقيا.
حصل بوعماتو على دعم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع وشقيقه أحمد، شريك بوعماتو في مجال الأعمال التجارية. في عام 1995، أنشأ بنكه الخاص. يقول "كنت بحاجة إلى أداة تمويل لتنمية أعمالي والمشاركة في التنمية الحاصلة في البلد، بما في ذلك عن طريق إنشاء خطوط ائتمان لإمدادات الطاقة".
ومع شقيقه أنشأ كذلك شركة للتأمين وأصبح رئيسا لأرباب العمل، ويقول إنه ساعد على "خلق أكثر من 30 ألف وظيفة واستحوذ على حصص في العديد من الشركات".
شارك عام 2000، في تأسيس "ماتال"، وهي أول شركة للهاتف النقال في موريتانيا، بالشراكة مع شركة تونس تليكوم، وبعد ست سنوات أطلق الخطوط الجوية الموريتانية مع الدولة وشريك تونسي.
وصف رجل الأعمال الموريتاني سنوات منفاه قائلا "يمكن القول إنها كانت المحنة الأكثر إيلاما في حياتي كإنسان"، وقال أيضا "لقد عانيتُ كثيرا جراء اقتلاعي من أديم وطني، وسوف أجانب الحقيقة إن قلت إن الأمر لم يكن مؤلما".
وتحدث ولد بوعماتو عن رحيل والدته خلال غيابه القسري، مبينا أن ذلك كان ألما مضاعفا "ففي نهاية عقد طويل من الغربة بعيدا عن الوطن الأم، صعدت إلى باريها روحُ أمي التي أنجبتني على هذه الأرض، دون أن يُتاح لي أن أرافق جثمانها الطاهر إلى مثواها الأخير". واسترسل "لذا، فإن خطواتي الأولى فوق هذه الأرض الغالية ستكون باتجاه مرقدها الأخير".
ووعد رجل الأعمال المعروف بالعمل والاستثمار في بلده بأنه "على الرغم من النفي القسري، كنت دائما أعمل، وإذا سمحتم لي سوف أستأنف العمل هنا وسيتجدد اتصالي بكم وبأرض أجدادنا التي افتقدتها كثيراً.. عليَّ استدراكُ الوقت الضائع، فخلال سنوات المنفى العشر الطوال لم أعثر على ترياق لمحبة موريتانيا الغالية التي تتملكني وأتملكها".