السيسي لم يستوعب درس 25 يناير.. كيف كسر المصريون حاجز الخوف؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"يا باشا خلاص، الشعب ركب" مقولة ضابط مصري مخاطبا أحد قادته مساء 25 يناير/ كانون الثاني 2011، لخصت انتصار ثورة الشعب، وتحطيمه حاجز الخوف بعد عقود طويلة من القهر والاستبداد.

أثبت المصريون أنهم قادرين على التغيير، وأن 30 سنة من القمع وبناء جدار عازل من الرهبة طيلة حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، لن يمنعهم من إسقاط النظام كما أرادوا، وكتابة تاريخ جديد.

وفي ذكراها العاشرة، تظل ثورة يناير شاهدة على أن أي سلطة غاشمة تحكم مواطنيها بالأجهزة الأمنية وقوة السلاح، ليست في مأمن من غضبة الشعب وثورته، وأن أولئك الذين انتصروا مرة، قادرين على أن يعيدوا الكرة وينتصروا مرات ومرات.

مشاهد راسخة

الشاعر تميم البرغوثي لخص مشهد الثوار يوم جمعة الغضب 28 يناير/ كانون الثاني 2011، قائلا: "ونهر ناس غامض المنابع.. صلوا أمام الجند والقواطع.. ففرقوا صفين بالمدافع.. ففوجئوا بثالث ورابع".

ثم أردف "والجسر بين حاسر ودارع.. ميزان رب خافض ورافع.. شماتة في كل ضار ضارع.. مسلح للأعزلين خاضع".

مشاهد "كر وفر" بين المتظاهرين وقوات الشرطة، المسيرات جابت ميدان التحرير، وانتشرت بشوارع القاهرة، مطاردات واشتباكات بين جنود الأمن المركزي (تابعة لوزارة الداخلية) والثوار.

دخول البلطجية (عناصر مثيرة للشغب غير نظامية، يستخدمها الأمن ضد المدنيين)، إلى ميدان التحرير لطرد المتظاهرين، مناوشات شارع محمد محمود (وسط القاهرة) ونقابة الصحفيين، هتاف موحد ردده المصريون "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"، "الشعب يريد إسقاط النظام".

المشهد الأبرز كان على كوبري قصر النيل قرب ميدان التحرير، عندما صوبت جحافل الشرطة والأمن المركزي، خراطيم المياه على المصلين أعلى الكوبري، قبل دهس عدد منهم بالمدرعات وضربهم بالخرطوش وقنابل الغاز، لكن الأمواج البشرية كانت أشد عزيمة على المضي إلى الميدان، والثبات فيه.

حاجز الخوف

تحدي النظام بلغ أوجه، رغم توجيه وزارة الداخلية بقيادة حبيب العادلي يوم 27 يناير/ كانون الثاني 2011، بيانا تحذيريا للمواطنين، بعدم الانسياق وراء دعوات التظاهر، لكن سبق السيف العذل، وكسرت الجماهير حاجز الخوف.

خلال الأيام الأولى للثورة، كان الغضب سيد الموقف حتى مع حصار الشرطة للمصلين في المساجد كما حدث في مسجد "الاستقامة" بميدان الجيزة (وسط)، الذي انطلقت منه المظاهرات بحضور ساسة وقادة أحزاب ونشطاء.

سجل التاريخ أن الشعب المصري نزل إلى الميادين في ثورة يناير، رغم انقطاع الإنترنت، وتوقف خطوط الاتصال بأوامر الجهات السيادية، لكنها لم توقف خروج الملايين في مسيرات ومظاهرات بمختلف محافظات الجمهورية.

يوم جمعة الغضب، هُزمت الشرطة هزيمة منكرة، وهزم معها النظام، ومع انسحابها الكامل، من شوارع العاصمة، ابتكر المصريون "اللجان الشعبية" التي حلت محل الشرطة في كل مكان.

انتشرت مدرعات الجيش وأقامت الحواجز العسكرية وقامت بتأمين المنشآت الحيوية، وكان مشهد نزول الجيش فريدا من نوعه لم تشهده القاهرة، منذ أواخر ثمانينات القرن المنصرم أثناء قمع انتفاضة الأمن المركزي.

كانت "موقعة الجمل" يوم 2 فبراير/ شباط 2011، هي أشد أيام الثورة وأخطرها، عندما عبرت الخيل والجمال حاملة البلطجية، لطرد الثوار من ميدان التحرير، وكان فشلهم إيذانا بنجاح الثورة وإسقاط النظام.

ومساء 11 فبراير/شباط 2011، ألقى اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية وقتها خطاب تنحي مبارك عن الحكم وإسناد الأمر للمجلس العسكري.

شبح الثورة

يوم 13 فبراير/ شباط 2011، كتب أستاذ العلوم السياسية عمرو حمزاوي، مقالة بجريدة "الشروق" المصرية، قال فيها: "أسقطت ثورة المواطنين، ثورة 25 يناير 2011، نظام مبارك السلطوي، وأنهت حقبة طويلة هى الأسوأ فى تاريخ مصر منذ أن قامت الجمهورية".

وأضاف: "يصعب علي فى الصباح التالى لسقوط مبارك ودخولنا فى مرحلة انتقالية تقودها مؤسسة مصر العسكرية أن أشرع فى التفكير المنظم فى تفاصيل وإجراءات وضمانات الانتقال دون أن أقدم خالص التحية والتقدير لشهداء الثورة المجيدة الذين جادوا بدمائهم الطاهرة فى سبيل بناء مصر جديدة ديمقراطية وعادلة لكل مواطنيها، ولشعب مصر العظيم العاشق لتراب هذا البلد والمحب له والفخور بتاريخه والمستبشر بحاضره ومستقبله". 

لكن بعد نحو 7 سنوات من ثورة يناير، اعتبرها رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، الذي جاء للحكم بانقلاب عسكري "مؤامرة"، وحذر المصريين من تكرارها.

السيسي عبر عن ذلك بوضوح عام 2018، عندما قال منفعلا: "مصر لن تعود لما قبل 7 أو 8 سنوات"، مكررا دعواته عقب انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013 بأنه قد يطلب "تفويضا" لمواجهة من سماهم "العابثين بأمن واستقرار البلاد".

وفي 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قال السيسي صراحة إن "ثورة 25 يناير كان هدفها تدمير الدولة وليس التغيير"، وسبق أن حملها مسئولية بناء سد النهضة الإثيوبي.

دوافع الغضب ما زالت قائمة ومتزايدة، ومنظومة الحكم الحالية تعرضت لكثير من الاختبارات لا سيما يوم 20 سبتمبر/ أيلول 2019، عندما انتفض ثلة من المصريين مرة أخرى، لكن نجح السيسي في قمعهم سريعا، ومع ذلك تظل الدعوات قائمة، وإمكانية الثورة محتملة.

الدوافع قائمة

الدكتور أستاذ علم الاجتماع محب عبد اللطيف، قال إن "الثورة في الأساس حركة تغيير واسعة ضد أنظمة حكم استبدادية وشمولية، تنتج أوضاعا اجتماعية واقتصادية قاسية على المواطنين، تستحيل معها حياتهم على النحو القائم، وتدفعهم إلى الانتفاضة ومحاولة التغيير، بكل طريقة ممكنة". 

وإسقاطا على ثورة 25 يناير، أكد عبد اللطيف لـ"الاستقلال": أن "نزول المواطنين إلى الشوارع، ومواجهة السلطة، كان نتاج خوف أكبر وهو الفقر والعوز، وهو ما يمكن أن يؤدي بصاحبه إلى المواجهة".

وأضاف: "في علم النفس يمكن أن يقود الخوف الإنسان إلى مغامرة وإلى مواجهة مخاطر أكبر، تحت وطأة الدوافع الأساسية، ونضرب بذلك مثلا عند الدخول إلى حرب، ففي دراسات علم النفس العسكري، الجندي يندفع إلى المواجهة في ساحات القتال بدافع الخوف على حياته وعلى وطنه".

وتابع أستاذ علم الاجتماع: "حركة الجماهير تنبع قوتها من كونها غير متوقعة، وغير محسوبة العواقب، وما حدث في ثورة 25 يناير، يؤكد ذلك، حيث بدأت الثورة باحتجاجات محدودة، لمجموعات تعبر عن غضبها، فإذا بالحدث يتحول إلى ثورة عارمة أسقطت السلطة".

وختم عبد اللطيف حديثه بالقول: "بذور الثورة داخل المجتمعات طبيعية، لكنها تحتاج إلى من يحركها، تماما مثل الثورة الفرنسية، والثورة البلشفية (روسيا)، وكلما كانت الأنظمة قادرة على استيعاب طبيعة المواطنين، كلما كانت قادرة على احتواء الثورة، وإخراج طاقة الغضب الكامنة، أما القسوة والقهر فهما كالمسكنات، تخفف الألم، ولا تمنع المرض من الفتك بالجسد حال تمكنه".