"قلوبهم شتى".. المصالحة الخليجية تخرج خلافات رباعي الحصار إلى العلن

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

جاء الاستقبال الحافل بين ولي عهد السعودية "محمد بن سلمان"، وأمير دولة قطر الشيخ "تميم بن حمد"، في مدينة "العلا" السعودية يوم 5 يناير/كانون الثاني 2021، ليسيطر على مشهد المصالحة العربية برعاية الكويت، بعد سنوات من المقاطعة والجفاء.

بدرجات أقل دخلت الإمارات ومصر والبحرين ضمن إطار المصالحة، ومع ذلك تظل التساؤلات عن مدى قناعة أبوظبي تحديدا بتلك الخطوة، في ظل أحاديث متكررة عن معارضتها عودة الأجواء الإيجابية مع قطر التي تعتبر بمثابة خصم أول لها في المنطقة. 

وكشفت أزمة الخليج عن خلافات ظاهرة بين تلك الأطراف، تمحورت في حرب اليمن والعلاقات الإيرانية وإمدادات النفط، وبالنسبة لمصر تحركت أيضا في ليبيا منفردة عن الإمارات، بعد تباين الرؤى هناك. 

هذا الأمر يرى البعض أنه يعضد ضعف قبضة الإمارات فيما يخص توجيه التحالف الرباعي الذي برز إبان حصار قطر في 5 يونيو/حزيران 2017، وأنه لم تعد هيمنتها كالسابق. 

مخرجات "العلا"

عودة المسارات بين الرياض والدوحة على أسس قمة "العلا"، لم يكن بمعزل عن عمق الخلافات بين الأطراف العربية الأخرى، خاصة وأن قادة كل من مصر والإمارات والبحرين، غابوا عن المشهد، وفضلوا إرسال مبعوثين عنهم في هذا الحدث التاريخي.

وأوفدت مصر وزير خارجيتها "سامح شكري"، بينما أوفدت الإمارات حاكم دبي الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم"، وغاب الرجل القوي والحاكم الفعلي "محمد بن زايد آل نهيان"، وأرسلت البحرين ولي عهد البلاد.  

غياب "بن زايد" عن المشهد له عدة دلالات، خاصة وأنه مع بداية الحديث عن المصالحة قبل أشهر، كان واضحا أن أبوظبي متحفظة على عودة علاقات طبيعية مع خصمها اللدود في الخليج "قطر".

اتضح هذا الأمر في 6 ديسمبر/كانون الأول 2020، عندما كتب "عبد الخالق عبد الله" أستاذ العلوم السياسية والمستشار السابق لولي عهد أبو ظبي، تدوينة عبر حسابه في "تويتر"، قال فيها: "لن يتحرك قطار المصالحة الخليجية مليمترا واحدا بدون علم وبدون موافقة ومباركة الإمارات المسبقة".

تلك "التغريدة" أثارت موجة غضب، في الأوساط السعودية، الذين استنبطوا أن حكام الإمارات يريدون العصف بقطار المصالحة الخليجية الذي بدأ يتحرك مع حديث عن خطف الريادة من الرياض. 

وهو ما عبر عنه بوضوح الأكاديمي السعودي "تركي الحمد"، المقرب من ولي العهد، حيث غرد عبر "تويتر"، ردا على موقف السياسي الإماراتي: "لو قلت أنه لا مصالحة إلا باتفاق الدول الأربع، لكان الأمر مقبولا ومنطقيا، أما أن تجعل الإمارات هي سيدة القرار بلا منازع، فهذا أمر ينفيه واقع الحال".

وفي 4 ديسمبر/كانون الأول 2020، كشفت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية عن تباين للرؤى بين الرياض وأبو ظبي، فيما يخص الأزمة الخليجية، حيث قالت إن "السعودية وقطر على مقربة من توقيع اتفاق مبدئي لإنهاء الخلاف المستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات، بوساطة أميركية وسط غياب تام لدور الإمارات". 

وذكرت أن "الإمارات كانت أكثر ترددا في إصلاح علاقاتها مع قطر، وفضلت بناء علاقاتها مع إسرائيل بدلا من إنهاء الأزمة الخليجية".

عمق الخلافات 

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، عن مصدر سعودي، وصفته بالمقرب من الحكومة، تصريحات أكد فيها أن "الإمارات العربية المتحدة تقاوم إيجاد حل للأزمة الخليجية"، وأضاف: أنه "لا يمكن السماح للغضب الإماراتي بإبقاء هذه النار مشتعلة". 

ليست "قطر" وحدها من يحمل أسباب الخلاف بين السعودية والإمارات، فهناك إشكاليات أعمق من الأزمة الخليجية.

وهو ما أكدته وكالة "رويترز" للأنباء، عندما نشرت في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2020، أن "الرياض تشعر بالإحباط من أبوظبي بسبب رفضها تخفيض إمدادات النفط، وهو ما أدى إلى تأجيل اجتماع المنظمة للبت في استراتيجية أوبك، وحلفائها أوبك بلس".

وقالت الوكالة إن "الإمارات خرجت من تحت جناح النفوذ السعودي في أوبك"، وأشارت إلى "أنه بسبب هذا الإحباط عرض وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان التنحي عن منصب نائب رئيس لجنة المراقبة الوزارية المشتركة في أوبك". 

أما النقطة المفصلية كانت في اليمن، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أكد موقع "الخليج أونلاين"، حصوله على معلومات تؤكد "رفع قيادة القوات السعودية المنضوية ضمن التحالف العربي في اليمن تقارير تدعو لإعادة ترتيب صلاحيات المراكز الاستخبارية التابعة للدول المشاركة في التحالف وبشكل رئيس مع دولة الإمارات".

وكشفت التقارير التي رفعت من قبل ضباط سعوديين، عن "خلافات واسعة وتضارب في التنسيق بين جهاز الاستخبارات السعودي ونظيره الإماراتي، أدى الى تراجع دقة العمليات العسكرية التي تستهدف ميليشيا الحوثيين في اليمن".

وذكر الموقع، أنه من بين تلك المعلومات "طلب العميد في الجيش السعودي، عبد الرحمن مسعودي، بشكل رسمي من قيادة وزارة الدفاع التي يرأسها ولي العهد محمد بن سلمان، ضرورة البدء بفصل النشاط الاستخباري السعودي عن نظيره الإماراتي".

وكذلك تظل العلاقات الإيرانية الإماراتية على قمة جبل الخلافات بين البلدين، حيث يوجد أكثر من نصف مليون إيراني مقيم داخل الإمارات، يمتلكون آلاف المؤسسات والشركات، ومليارات الدولارات من التجارة المتبادلة، واتصالات دبلوماسية رفيعة المستوى لم تنقطع، وقنوات تنسيق أمنية خلفية.

هذا كله مكّن الإمارات من تفادي صواريخ الحوثي وطائراته المسيرة، بحسب تقرير نشره موقع "الحرة" الأميركي في 5 ديسمبر/كانون الأول 2020. 

وفي ذات الوقت كانت السعودية، ودرة مؤسساتها "أرامكو" النفطية، عرضة لصواريخ الحوثي، واستهداف أمنها بشكل مباشر. 

لذلك وفقا لهذه الوقائع، يرى البعض أنه ليس مستغربا أن تتحرك السعودية وفقا لرؤيتها وأمنها الخاص في الملف القطري، والاستجابة للوساطة الكويتية بشكل منفصل عن الإمارات، التي ربما قبلت الانخراط جزئيا في قمة "العلا" على مضض.

التحركات المصرية

كما سعت "الإمارات" بقوة إلى عزل "قطر" ومحاصرتها، عملت كذلك على إشعال الوضع الليبي، بدعم الجنرال المتقاعد "خليفة حفتر"، في محاولته الانقلابية، للسيطرة المسلحة على طرابلس.

وكما تحركت السعودية لإنهاء الأزمة الخليجية بمعزل عن أبوظبي، تحركت كذلك القاهرة في ليبيا بمعزل عن الغمارات. 

ففي نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020، ذهب وفد مصري إلى طرابلس بعد قطيعة استمرت 6 سنوات كاملة، في زيارة حملت مؤشرات على بداية وضع جديد، تشهده ليبيا، خاصة وأن الجانب التركي الذي يدعم حكومة "الوفاق" الشرعية، أظهر مرونة وأطلقت وزارة خارجيته تصريحات إيجابية بشأن إمكانية تطوير العلاقات وإزاحة الخلافات مع "القاهرة". 

هذه التحركات المصرية التركية المتزامنة، أزعجت الإمارات الطرف الأكثر تشددا والداعي باستمرار إلى فكرة الحل العسكري والحسم من قبل قوات اللواء الانقلابي المتقاعد "خليفة حفتر"، الذي أطلق تصريحات تتوعد تركيا وخصومه في "الوفاق".

ومثلت الزيارة المصرية نقلة في الملف الليبي، حيث تسعى القاهرة إلى حلحلة الأزمة بعيدا عن التدخل العسكري، الذي ترجحه الإمارات، خاصة أن مصر بحسب تقارير إعلامية متواترة، كانت من أشد المعارضين للحملة العسكرية التي شنها "حفتر" للسيطرة على طرابلس.

اعتبار "المصلحة"

الأكاديمي المصري الدكتور "محمد غبور"، يرى أن "المصلحة" هي القاعدة الأساسية للتعامل بين الدول، وعليها تعقد الاتفاقيات والمعاهدات، وفي سبيلها تحدث النزاعات والخلافات، وذكر أنه لا حرب دائمة ولا خلاف مستمر في العلاقات بين الدول. 

وفي حديثه لـ"الاستقلال" قال الأكاديمي المصري إن "هناك مبالغة في تقدير دور الإمارات كمتحكمة ومحددة لمسار الصف العربي، خاصة في الجزء المتعلق بالأزمة الخليجية، ومقاطعة قطر".

وبين أن الخلافات بين "قطر والدول الأربع" قائمة قبل فترة طويلة من إجراءات المقاطعة، وكانت هناك خلافات بين "الدوحة والقاهرة" من ناحية، وبين الأولى وبين السعودية من ناحية".

وبالطبع مع الإمارات، وعند لحظة معينة توحدت إرادة تلك الدول وقرروا التصعيد ضد الدولة العربية والخليجية، وفق قوله.

وأردف: "ومع ذلك كان لهذا التصعيد ثمنه على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لم تدفع قطر لوحدها الثمن".

وبين أن "السعودية أيضا دفعت الثمن ومصر والإمارات خسرتا كثيرا، لذلك كان من الصعب للأزمة أن تستمر بالطريقة القديمة، خاصة في ظل المتغيرات العالمية التي تحدث، وتحديدا في ظل جائحة كورونا التي أتت على الأخضر واليابس".

وذكر غبور: "الإمارات نفسها تحركت في عدد من الملفات بشكل منفرد، ورجحت مصلحتها الخاصة، فمثلا علاقاتها مع إيران، خاصة الاقتصادية متميزة لأبعد درجة، وبمعزل عن السعودية التي هي من قررت في الأساس معاقبة قطر بسبب العلاقات الاقتصادية المتميزة بينها وبين طهران!".

وفي جزئية أخرى شدد الأكاديمي على أن: "مصر كدولة كبيرة ولها ثقل في المنطقة لا يمكن أن تخضع لإرادة أي دولة أخرى مهما كانت درجة العلاقات المتميز معها".

وواصل: "مصر تحركت في ليبيا بإرداة منفصلة ورأت ما يستلزم مصلحتها أولا وقبل كل شيء، خاصة أنه على صعيد آخر دعمت الإمارات إثيوبيا في ملف سد النهضة، وهو أخطر ملف تواجهه القاهرة في تاريخها".

فهل وضعت الإمارات اعتبار للقاهرة في هذا الملف، الإجابة "لا" وبالتالي لا ينتظر منها أن تفعل الأمر نفسه معها في ليبيا، التي تمتلك حدودا شاسعة مع مصر، وانفلات الأوضاع فيها سيؤثر بشكل كبير على استقرار الأقاليم المجاورة، بحسب "غبور".