رغم انتهاكات النظام السعودي.. لماذا تدعمه واشنطن في المجال السيبراني؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حملت الأيام الماضية استحداث عقود مريبة بين الاستخبارات العسكرية السعودية، وشركات أميركية متخصصة في الدعم السيبراني، وأنشطة الاستخبارات، وتصنيف وتحليل البيانات، وسط غض للطرف عن انتهاكات الرياض خاصة بعد اغتيال الصحفي "جمال خاشقجي" في قنصلية بلاده في إسطنبول.

وهو ما يظهر أن البيت الأبيض في آخر أيام "ترامب"، يواصل غض الطرف عن سلسلة طويلة من انتهاكات النظام السعودي بحق المعارضين، واستغلاله جهاز الاستخبارات، في الحصول على المعلومات المؤدية إلى تصيدهم والإيقاع بهم.

طبيعة التعاون

وقالت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات: إنه "وفقا لمعلوماتنا، يعتبر عقد المبيعات العسكرية الأجنبية، الذي تبلغ قيمته 36 مليون دولار، والذي استحوذت عليه شركة (أيه آي تي سي- فايف دومينز جوينت فينشر) في 30 نوفمبر/تشرين الثاني لصالح القوات المسلحة السعودية، صفقة إستراتيجية على نحو خاص". 

وأضافت يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 2020: أن "الشركة الأميركية ستدرّب أجهزة الاستخبارات السعودية على دمج المعلومات الاستخباراتية ذات الصلة بالعمليات العسكرية والأغراض الأخرى".

وسيعمل مدربو الشركة على تدريب ضباط الاستخبارات على معالجة وتصنيف وتحليل البيانات الاستخباراتية المجموعة من مصادر مختلفة، سواء كانت استخبارات بشرية أو استخبارات إشارات أو صور استخبارات جغرافية مكانية، أو بيانات استخبارات ومراقبة واستطلاع، وفق المجلة.

وأوردت أنه "لتغطية العقد، أطلقت "أيه آي تي سي"، التي يترأسها المخضرم في الجيش الأميركي "غابرييل رويز"، حملة توظيف كبيرة تستهدف ضباط الاستخبارات الأميركية السابقين، بمن في ذلك مخضرمون منحدرون من وكالة الاستخبارات المركزية، ووكالة الأمن القومي، ووكالة استخبارات الدفاع، وجميعهم أطلقوا بأنفسهم برامج "دمج بيانات" في السنوات الأخيرة.

ويكمن الفارق في أن الخبراء السعوديين لا ينطلقون من نفس مستوى المهارة الأساسية، وفق المجلة. 

ويذكر أن قطاع الأمن السيبراني، من أبرز المجالات التي قدَّمت فيها واشنطن دعما كبيرا للرياض، وتحديدا من خلال الشراكة الإستراتيجية بين "كلية الأمير محمد بن سلمان للأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة" وشركة "أيرون نت سايبر سكيورتي" الأميركية، والتي يترأسها مدير وكالة الأمن القومي السابق "كيث ألكسندر". 

ومن أهم المفارقات انضمام "ألكسندر" كذلك في سبتمبر/أيلول 2020، لمجلس إدارة شركة "أمازون"، التي اتَّهم رئيسها "جيف بيزوس" ولي العهد "محمد بن سلمان" بقرصنة هاتفه إبان اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي". 

 

"أيه  آي تي سي"

وبإعطاء نبذة عن شركة "أيه آي تي سي" التي تعاقدت معها الاستخبارات العسكرية السعودية، فقد تأسست عام 2006. من قبل متخصصين سابقين في تكنولوجيا المعلومات العسكرية بالجيش الأميركي.

وحدد هؤلاء العسكريون حاجتهم إلى حلول تكنولوجيا معلومات مبتكرة، وخاصة فيما يتعلق بالخدمات التي تقدمها الوكالات الحكومية الفيدرالية الأميركية للولايات المحلية، وذلك من خلال التكنولوجيا التي ترتكز على الاتصالات السلكية واللاسلكية وتكنولوجيا المعلومات، وإستراتيجيات الأداء، ووجهوا تلك الخدمات بعد ذلك لعملائهم داخليا وخارجيا.

وبعد سنوات من الدعم الحكومي أصبحت "أيه آي تي سي" شريكا مطلوبا في المشاريع الممولة من الحكومة، خاصة الكبرى ذات البعد الدولي.

وبالتالي أصبحت مستشارا موثوقا فيه على مستوى الدول والحكومات، وشريكا فعالا من حيث إستراتيجيات تكنولوجيا المعلومات الاستخباراتية وتدريب العناصر، التي تحتاجها الأنظمة والحكومات، وبالتحديد تلك التي تحظى بدعم من الإدارة الأميركية. 

وكتبت الشركة الأميركية في ملف التعريف الخاص بها على موقعها، "نحن نمثل أكثر من 1200 مصنع مختار لشبكة من العملاء المباشرين وغير المباشرين في الحكومة الفيدرالية، وحكومات الولايات، والحكومات المحلية، وكذلك في القطاع التجاري الخارجي".

وعن طبيعة الخدمات التي تقدمها الشركة، تتضمن التخطيط الإستراتيجي لتكنولوجيا تقييم المخاطر، وتصميم النظام وتنفيذه، وصيانة وخدمات الدعم، تطوير التدريب، والتدريب للعناصر الاستخباراتية، وكذلك تقديم الاستشارات لإدارة البرامج المتعلقة ببيانات الاستخبارات، بالإضافة إلى دعم موظفي "تكنولوجيا المعلومات"، مع إدارة خدمات "تكنولوجيا المعلومات".

ويأتي العقد الأخير بين الشركة الأميركية والاستخبارات السعودية، ليثير مجموعة من التساؤلات، وأسباب إنفاذ إدارة الرئيس المنتهية ولايته "دونالد ترامب" له، في ظل تخوفات متعلقة بسلوك السلطات السعودية تجاه المعارضين، والمنتقدين لسياسات ولي العهد "محمد بن سلمان".

تناقضات مريبة 

وفي 6 ديسمبر/كانون الأول 2019، دون الكاتب الأميركي "ديفيد اغناتيوس"، مقالا بصحيفة "واشنطن بوست" تحت عنوان "لماذا رفضت وزارة الخارجية خطة لتدريب المخابرات السعودية".

وقال فيه: إن "وزارة الخارجية الأميركية رفضت مؤخرا اقتراحا قدمته شركة (Dyn Corp) لتدريب جهاز المخابرات السعودية، بسبب مخاوف من أن المملكة ليس لديها حتى الآن ضمانات مناسبة لمنع العمليات السرية الخارجة عن القانون، مثل مقتل كاتب العمود الصحفي السعودي جمال خاشقجي". 

وأورد الصحفي الأميركي، أن "ما أزعج مسؤولي وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية، ودفعهم إلى المجادلة ضد الاقتراح، هو تقارير تفيد، بأن السعودية تواصل ممارساتها التعسفية، بما في ذلك محاولات إجبار المعارضين على العودة إلى المملكة، ومراقبة عائلة "خاشقجي" في الخارج، واعتقال ناشطي حقوق الإنسان".

وأضاف: "يشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق من أن "محمد بن سلمان" لم يدرك بعدُ أن مساءلة الاستخبارات والإصلاح ضروريان لتحقيق الاستقرار في العلاقات الأميركية السعودية".

وأوضح أن "المسؤولين مستاؤون، على سبيل المثال، من أن سعود القحطاني، المستشار المقرب من ولي العهد الذي عينته وزارة الخزانة باعتباره قائدا للعملية التي قتلت خاشقجي، لم يتم توجيه الاتهام إليه، ولا يزال يعمل من وراء الكواليس".

وكان أخطر ما ذكره "إغناتيوس" أن "من بين الانتهاكات التي أثارت قلق المسؤولين الأميركيين محاولة الاستخبارات السعودية، استدراج معارض سعودي شاب يعيش في الولايات المتحدة للعودة إلى المملكة"، حيث قال مسؤول أميركي: "إن مكتب التحقيقات الفيدرالي، خلص إلى أنه سيتم اعتقاله إذا عاد إلى المنزل وحذره من السفر".

وقال: إن "وزارة الخارجية الأميركية، تدرس بدائل قد توفر رقابة وضوابط أفضل على أنشطة الاستخبارات السعودية، كشرط لترخيص البرنامج التدريبي. فالهدف هو مساعدة المملكة، مع ضمان ألا يؤدي التدريب الأميركي عن غير قصد إلى تمكين لعمليات خارجة عن القانون، كما يبدو أنه حدث في مقتل خاشقجي".

ويذكر أن مشرعين في الكونغرس، قد أعلنوا عقب جريمة قتل "خاشقجي" أن العلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية تحتاج إلى إعادة ضبط، وأن الطريقة الوحيدة لإعادة بناء الثقة المحطمة هي نظام جديد للمساءلة والضوابط لمنع الانتهاكات. 

انتهاكات بالجملة 

التعاون الاستخباراتي السعودي الأميركي، يحمل في طياته تجاوز إدارة "ترامب" عن سجلات سوداء حافلة في الملف الحقوقي للمملكة، وآليات التجسس واستهداف المعارضين.

على سبيل المثال، في 23 يناير/كانون الثاني 2020، قالت صحيفة لوموند الفرنسية: إن "اختراق السعودية هاتف مؤسس أمازون ورئيسها جيف بيزوس، الذي يمتلك صحيفة واشنطن بوست، ستكون قصة تجسس مذهلة".

وحسب لوموند "أدى التسلل إلى جهاز بيزوس، إلى نشر صور حميمة لـ"لملياردير" مالك الصحيفة اليومية، التي كان يكتب فيها الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" المعروف بانتقاده للرياض".

وذكرت الصحيفة الفرنسية أن "استنتاجات التحليل الفني الذي أجري عام 2019. لجهاز آيفون الذي يملكه بيزوس، أظهرت تبادل ولي العهد ورئيس شركة "أمازون" أرقام هواتفهما الشهر السابق للتسلل الرقمي أول مايو/أيار 2018".

وفيما يخص تقنيات التجسس التي يستخدمها جهاز الاستخبارات السعودي، يعتمد على أكثر من جهة في استحداثها واستخدامها، وليست الولايات المتحدة فقط.

ففي 4 ديسمبر/كانون الأول 2018، رفع المعارض السعودي "عمر بن عبد العزيز"، المقيم في كندا دعوى ضد شركة إسرائيلية قال: "إنها ساعدت الحكومة السعودية في التنصت والتجسس عليه، ومراقبة الرسائل التي تبادلها مع خاشقجي الذي قُتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018".

وقال المعارض السعودي عبر تويتر: "دفعت السعودية أكثر من 55 مليون دولار لشركة إسرائيلية للتجسس علي وعلى ناشطين آخرين.. اليوم نقاضيها أمام المحاكم".

وقالت صحيفة نيويورك "تايمز" في تقرير لها: "إن هذه الدعوى تمثل خطوة إضافية ضد الشركة الإسرائيلية (NSO Group)، والحكومة الإسرائيلية التي منحت الشركة تراخيص لبيع برمجيات خبيثة تعرف باسم "بيغاسوس" إلى الحكومات الأجنبية".

وورد في التقرير أنه "قبل أشهر قليلة من شن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" حملة اعتقالات واسعة شملت المئات من الأمراء ورجال الأعمال، عرضت الشركة على المخابرات السعودية برامج لقرصنة الهواتف النقالة".