صحف أجنبية: عواقب أحداث الجزائر قد تتعدى حدودها

12

طباعة

مشاركة

لا ترى الصحافة الأجنبية في رحيل عبدالعزيز بوتفليقة نهاية للأزمة السياسية التي تؤثر على الجزائر منذ أكثر من شهر، فالناس يطالبون بتغيير جذري في النظام، وليس فقط استقالة الرئيس، فهل سيسمح الجيش لهذا الحراك بالاستمرار؟

سؤال حاولت صحيفة "كوريي أنترنسيونال" الفرنسية، الإجابة عليه من خلال استطلاعها لما كتبته الصحف الأجنبية المختلفة عن الأزمة التي تشهدها الجزائر وخاصة بعد تقديم الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، الثلاثاء الماضي، استقالته للمجلس الدستوري بعد وقت قليل من صدور بيان شديد اللهجة من قائد الجيش.

البداية كانت من  "واشنطن بوست"، التي علقت على استقالة بوتفليقة بالقول: "كان الإعلان متوقعًا لكنه يمثل مع ذلك انعكاسًا هائلاً للوضع"، فيما أشارت "الجارديان" إلى أن الرئيس الجزائري، الذي كان سيترك السلطة في 28 أبريل/ نيسان -تاريخ انتهاء فترة ولايته الرابعة-انحنى أمام الضغط الشعبي ووضع "نهاية مفاجئة" لعقدين من الزمن لوجوده في السلطة.

ووفق ما نشرته صحيفة "ذا ناشيونال" اليومية الإماراتية، أعلن رئيس الدولة، البالغ من العمر 82 عامًا، قراره في رسالة للمجلس الدستوري، والتي تعد "وسيلته الرئيسية للتواصل مع الشعب منذ أن أصيب بجلطة دماغية في عام 2013 واختفى من الحياة العامة".

من جهتها قالت "الباييس" الإسبانية "ستة أسابيع من المظاهرات السلمية في الجزائر كانت كافية لإجباره على الاستسلام". أما "لو سوار" البلجيكية فكتبت "الجزائريون حققوا انتصارا جديدا"، حيث أثار إعلان الاستقالة مشاهد من الفرح في البلاد، وهو نفس الأمر الذي لفت انتباه وكالة "بلومبرج" البريطانية فعنونت "احتفالات عفوية" في الجزائر.

هل سيسمح الجيش؟

وذكرت "كورييه إنترناسيونال" أنه بينما لعب الشارع دورًا كبيرا في إجبار الرئيس الجزائري على الاستقالة والرضوخ لمطالب المتظاهرين، إلا أن قرار بوتفليقة جاء أيضا تحت ضغط رئيس الأركان أحمد قايد صالح الذي أصدر بيانا وصفته "واشنطن بوست" بأنه "غير عادي"، إذ انضم هذا العسكري علانية إلى المتظاهرين، وطالب برحيل القائد قائلا: "القرار واضح ولا رجعة فيه. سوف ندعم الشعب حتى تتم تلبية مطالبهم بالكامل". 

أما صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج" فاختارت عنوان "الجيش يتخذ إجراءات للتعليق على موقف قادة الجيش من رحيل بوتفليقة"، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن رجال الأعمال وقلة بالقرب من سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الذي كان له دور مؤثر جدًا، قد أخذوا أيضًا مسافة من النظام في ظل استمرار المظاهرات، حيث ينزل مئات الآلاف أسبوعيا إلى الشوارع، مطالبين برحيل النظام بأكمله.

ماذا بعد؟

وفقًا للدستور الجزائري، سيتولى رئيس مجلس الأمة، عبدالقادر بن صالح إدارة هذه الفترة الانتقالية حتى إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن موقع "ميدل إيست آي" يتساءل من يستطيع أن يجزم أن "المواجهة قد انتهت؟".

هذا الأمر تطرق إليه أيضا موقع "واكات سيرا" حيث كتب الموقع البوركيني، "رحيل بوتفليقة.. متي يكون التطور القادم؟"، وأوضح أنه من المحتمل أن يكون الجيش قد شعر بخطر رؤية تدهور الوضع أكثر، ولا سيما انفجار لن ينجو منه، ولذلك أراد أن يمسك بزمام الأمور بسرعة".

وأشار إلى أنه بحسب تحاليل وسائل الإعلام الأفريقية "عجز الثقة يتزايد كل يوم أكثر، بين الناس الذين يتوقون إلى التغيير، وقادتهم الذين يتشبثون بسلطة تضمن لهم البقاء والحقوق، الصفاء لم يعد بعد إلى الجزائر التي ستضربها الفوضى إذا لم يحدث شيء". 

من جهتها ترى "لوسوار" أن الأشهر القليلة التي تسبق الانتخابات تشكل "إشعارا قصير جدًا من أجل إنشاء مؤسسات ديمقراطية على رماد كليبتوقراطية (نظام حكم اللصوص)"، وتبين الصحيفة البلجيكية أنه إذا انتصر الجيش يجب ألا يفاجئ المراقبون للشؤون السياسية الجزائرية؛ لأنه لعب دورًا رئيسيًا في السلطة منذ الاستقلال عام 1962.

حراك بدون قادة

واعتبرت الصحيفة أن الجزائريين "يعرفون أن معركتهم من أجل التحرر قد بدأت للتو؛ إنهم يريدون حريتهم وإقامة ديمقراطية في النهاية!". 

 ومع ذلك، تلاحظ "الباييس" الإسبانية أن الحراك الذي تشهده الجزائر، بدون قادة حقيقيين، كما بدأت تظهر علامات على الانقسام وقالت: "على الرغم من أن بعض قادة المجتمع المدني يشككون في قايد صلاح ويعتبرون هذه الصراعات بين العشائر بعيدة عن مصالح الشعب، آخرون يرحبون بمبادرته".

فيما أشار موقع "فوا" الأمريكي إلى أن عبدالعزيز هو خامس زعيم عربي يترك منصبه تحت ضغط شعبي منذ عام 2011، لينضم إلى نظرائه المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي والليبي معمر القذافي واليمني علي عبدالله صالح. 

وأكدت "بلومبرج" أن أوروبا تتابع عن كثب ما يحدث في أحد موردي الطاقة الرئيسيين لها، وهو بلد كان "حصنًا ضد المتطرفين والهجرة غير الشرعية"، وأضافت الوكالة: "ما تشهده الجزائر يمكن أن يكون له عواقب أبعد من حدودها".

فيما قال "واكات سيرا" من المفارقات أنه في ظل مناخ عدم اليقين هذا الذي تشهده الجزائر، سيتمكن عبد العزيز بوتفليقة من الاستمتاع "بتقاعده رسميا الآن لزراعة حديقته". 

رسالة ما بعد البيان

وقال الرئيس الجزائري، الثلاثاء، في نص الرسالة التي وجهها إلى رئيس المجلس الدستوري "يشرفني أن أعلمكم أنني قررت إنهاء عهدتي بصفتي رئيسا  للجمهورية، وذلك اعتبارا من تاريخ اليوم الثلاثاء 26 رجب 1440 هجري الموافق لـ2 أبريل/ نيسان 2019".

وأضاف "إن قصدي من اتخاذي هذا القرار إيمانا واحتسابا، هو الإسهام في تهدئة نفوس مواطني وعقولهم لكي يتأتى لهم الانتقال جماعيا بالجزائر إلى المستقبل الأفضل الذي يطمحون إليه طموحا مشروعا، أقدمت على هذا القرار، حرصا مني على تفادي ودرء المهاترات اللفظية التي تشوب، ويا للأسف، الوضع الراهن، واجتناب أن تتحول إلى انزلاقات وخيمة المغبة على ضمان حماية الأشخاص والممتلكات، الذي يظل من الاختصاصات الجوهرية للدولة".

وأكد بوتفليقة "لقد اتخذت، في هذا المنظور، الإجراءات المواتية، عملا بصلاحياتي الدستورية، وفق ما تقتضيه ديمومة الدولة وسلامة سير مؤسساتها أثناء الفترة الانتقالية التي ستفضي إلى انتخاب الرئيس، ويشهد الله جل جلاله على ما صدر مني من مبادرات وأعمال وجهود وتضحيات بذلتها لكي أكون في مستوى الثقة التي حباني بها أبناء وطني وبناته، إذ سعيت ما وسعني السعي من أجل تعزيز دعائم الوحدة الوطنية واستقلال وطننا المفدى وتنميته، وتحقيق المصالحة فيما بيننا ومع هويتنا وتاريخنا. أتمنى الخير، كل الخير، للشعب الجزائري الأبي".

وجاءت رسالة بوتفليقة بعد ساعات من بيان صدر عن وزارة الدفاع، دعا فيه رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح إلى "التطبيق الفوري للحل الدستوري" الذي يتيح عزل الرئيس. وأكد أن الجيش يسعى إلى حماية الشعب من "عصابة" استولت بغير وجه حق على إمكانياته، ولم يوضح البيان هوية هذه الجهات.

ونزل المتظاهرون على الفور إلى الشوارع التي امتلأت بأصوات أبواق السيارات ترحيبا باستقالة بوتفليقة، وأطلقت ألعاب نارية، بينما حمل المتظاهرون أعلاما جزائرية، مؤكدين تصميمهم على المضي في التظاهر على الرغم من الاستقالة التي تترك في رأيهم القرار في أيدي أطراف النظام إياه.

وبموجب الدستور الجزائري، يتولى رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح -77 عاما- رئاسة البلاد بالوكالة لمدة أقصاها 90 يوما تجري خلالها انتخابات رئاسية.