"تيران وصنافير".. كيف مهدت للتطبيع وحققت أحلام إسرائيل في المنطقة؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم مرور نحو 4 سنوات على أزمة "تيران وصنافير"، إلا أن النتائج السلبية للتنازل المصري عن الجزيرتين للسعودية، بدأت تتكشف مؤخرا مع موجة التطبيع العربي، خاصة الخليجي منها مع إسرائيل، وعقْد عشرات الاتفاقيات الاقتصادية التي تضر بمصر وتعتمد بعضها على جزيرة "تيران".

ما يحدث اليوم، سبق وحذر منه كثيرون إثر إصرار النظام العسكري الحاكم في مصر على توقيع اتفاقية "ترسيم الحدود البحرية مع السعودية"، في أبريل/ نيسان 2016، وما تلاها من تنازل القاهرة للرياض عن جزيرتي "تيران وصنافير" في البحر الأحمر.

الاتفاق نزع عن "مضيق تيران" صفة الممر الإقليمي التابع لمصر، ومنح "ميناء إيلات" الإسرائيلي (المنفذ الوحيد لها على البحر الأحمر) حرية الحركة عبر المضيق الذي تحول مع خليج العقبة إلى ممرات مائية دولية مفتوحة لكل الدول، بمن فيها إسرائيل.

مشروعات جديدة

الصحفي الإسرائيلي "إيدي كوهين" كتب عبر صفحته بـ"تويتر"، يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2020، عن مشروعين جديدين نتيجة للتطبيع الخليجي الإسرائيلي، أولهما: "قطار تجاري" يربط سلطنة عُمان والإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، بميناء حيفا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنه إلى السفن الأوروبية والأميركية والكندية.

وعن المشروع الثاني، أوضح أنه "جسر بري" يربط ميناء "أيلات" بجنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة بجزيرة "تيران" بمدخل خليج العقبة، ومنها إلى منطقة "نيوم" شمال غرب السعودية، مُنهيا تغريدته بالقول: إن ذلك سيحدث "قريبا جدا".

الحديث الإسرائيلي عن "قطار تجاري" للربط مع أوروبا، وأميركا من خلالها؛ يأتي إثر الإعلان في 4 سبتمبر/أيلول 2020، عن إنشاء إسرائيل والإمارات خط أنابيب لنقل النفط الخليجي إلى أوروبا عبر إسرائيل، ما يمثل تهديدا لمستقبل "قناة السويس".

مجلة "فورين بوليسي" أكدت في 4 سبتمبر/أيلول 2020، أن اتفاقية التطبيع التي أبرمتها الإمارات مع إسرائيل في 15 سبتمبر/أيلول 2020، تهدد وجود "قناة السويس" المصرية أهم القنوات والمضائق حول العالم، وأقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا، وأهم المصادر الرئيسة للعملة الصعبة لمصر.

وأوضحت المجلة الأميركية أن خط أنابيب النفط الصحراوي، الذي يربط بين "ميناء أيلات" ومحطة ناقلات النفط بعسقلان، سيكون المستفيد الرئيسي من الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي، وسيجعل "تل أبيب" تلعب دورا أكبر بكثير في تجارة الطاقة، وسياسات البترول، والأعمال الكبيرة، واستثمارات النفط بالمنطقة.

كما يأتي الحديث الإسرائيلي عن "قطار تجاري" للربط مع أوروبا، وأميركا أيضا، بعد قرار محرك البحث العالمي العملاق "غوغل" في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إنشاء خط ألياف ضوئية يربط أوروبا بالهند عبر السعودية وإسرائيل، بدلا من المرور بالمياه المصرية، ما يحجب ملايين الدولارات التي تدفعها "غوغل" لمصر.

مراقبون يرون أن هذه الاتفاقات الإسرائيلية الخليجية ليست مشاريع مالية تخسرها مصر، بل تقزيم صارخ لحجم القاهرة الإقليمي والدولي، وأن مصر أصبحت مهددة بالإزاحة عن مكانتها الاستراتيجية والتاريخية لدى القارة الأوروبية.

نشطاء مصريون أعلنوا أيضا، عن مخاوفهم من أن تتحول "قناة السويس" لمجرى مائي بلا حياة، مؤكدين أن بيع الأرض في إشارة لتنازل السيسي عن جزيرتي "تيران وصنافير"، إلى جانب تطبيع الخليج، قلّل من قيمة وحجم ودور مصر بالمنطقة.

وقال آخرون: إن هذا نتيجة ما فعله العسكر في مصر، فيما أشار البعض إلى أن "الدراسة والتخطيط من إسرائيل، والدعم والإنفاق من محميات البترول" في إشارة للإمارات والسعودية.

 وفي تعليقهم طرح القائمون على صفحة "باطل"، المهتمة بالشؤون المصرية التساؤل: "كيف يتم إزاحة مصر عن أوروبا؟".

البداية من تيران

وحول دور التنازل عن "تيران وصنافير"، المصرية للسعودية في تحقيق المشروعات الإسرائيلية، وبينها "القطار التجاري"، و"الجسر البري"، وفي تحقيق خطط التطبيع ومشروعاته الاقتصادية، قال الأكاديمي المصري الدكتور ممدوح المنير: "التنازل عن تيران وصنافير فتح المجال للسعودية لأن تكون لها حدود مائية مشتركة مع الكيان الصهيوني".

مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية بإسطنبول، أضاف في حديثه لـ"الاستقلال": "وبالتالي ترتب على ذلك فتح علاقات معها لإدارة ملف، ثم تحول بعد ذلك لعلاقات تجارية واقتصادية هي بالنسبة لمصر لا جدوى اقتصادية منها، فقط تمّ التنازل عنهما ليكونا ثمنا لبقاء السيسي بالسلطة، وإنهاء سيطرة مصر على أهم معبر مائي بالمنطقة وتدويله".

وعن "القطار التجاري" و"الجسر البري"، يعتقد المنير، أنها "مشاريع ليست وليدة اليوم أو أمس، لكنها مشاريع قديمة تمّ فقط الإعلان عنها حاليا، كمسألة التطبيع ذاتها، فالإمارات كانت تطبع منذ سنين دون خجل أو مواربة، وما تم مؤخرا هو فقط إعطاؤه طابعا رسميا وشعبيا".

وبشأن المخاوف من إزاحة مصر عن أوروبا في المشروعات العملاقة، وإحلال إسرائيل مكانها، أكد أن "مصر كلها مهددة منذ قدوم النظام العسكري الحالي، فمصر المكانة والتاريخ أصبحت أثرا بعد عين، وأصبحت أوروبا ودول الخليج ينظرون إليها من خلال نظرتهم للسيسي، وبالتالي تقزمت مصر بأعينهم بقدر حجم السيسي ونظامه لديهم".

ولفت إلى أن "السعودية، والإمارات، يعدان "تل أبيب" مفتاحا لرضاء البيت الأبيض عليهم، وبالتالي التطبيع السياسي والاقتصادي مهم جدا لبقاء هذه الأنظمة الحاكمة، وربط مصيرها بمصيره، فكلما تشعبت العلاقات وتداخلت المصالح كلما أصبح كل طرف لا يستغني عن الآخر، وهو ما تفعله أبوظبي والرياض مع إسرائيل حاليا".

الأكاديمي المصري، أوضح، أنه "حتى مشروع "كابلات غوغل"، فالبنية التحتية التكنولوجية للكيان الصهيوني أقوى عشرات المرات من مصر، ومع قطار التطبيع المتسارع، تعتبر "غوغل" أن إسرائيل مستقرة سياسيا، والأضمن لمصالحها المرور عبر الكيان، لتخرج مصر من معادلة الاقتصاد كما خرجت من معادلة السياسة".

الخبير السياسي المصري ختم حديثه بالقول: "ويصبح نظام مصر في أحسن الأحوال يتراوح دوره بين سمسار صفقات، أو مرتزق يتاجر بدماء أبناء الوطن".

تقزيم مصر

المحاضر في جامعة "سكاريا" التركية، الدكتور محمد الزواوي، قال: "ما من شك أن كل ما يحدث وسيحدث من تقزيم للدولة المصرية هو نتيجة لحسابات السلطة الحالية التي قايضت مصلحة مصر العليا بمصلحة بقائها".

 الباحث والأكاديمي المصري، سرد في حديثه لـ"الاستقلال" أسباب تقزم مصر، مشيرا إلى آفات مثل "الفردية في التخطيط، وعدم اعتبار دراسات الجدوى الاقتصادية، كما اعترف رأس السلطة بذلك، هو جانب آخر من فشل السلطوية العسكرية في إدارة شؤون البلاد، فضلا عن تسترها على الفساد وسجنها من يفضحه".

"الزواوي"، لفت إلى "الدور الخليجي في تثبيت أركان السلطة الحالية، ما يجعلها غير قادرة على تحدي مخططاتهم التي تتمحور حول بقاء تلك الأنظمة السلطوية التي ترى أن سبب وجودها وبقاء شرعيتها هو الانضواء تحت هيمنة الولايات المتحدة ووكيلتها في المنطقة "إسرائيل"، ما أدى لكل تلك التداعيات الكارثية بالإقليم".

ومن وجهة نظر اقتصادية، أكد الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور عبد النبي عبد المطلب، في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "موضوع القطار التجاري فكرة قديمة، أو هي إحياء لخط الحج الذي كان يبدأ من تركيا مرورا  بفلسطين ونهاية بالسعودية". 

"وكذلك كان هناك له نقطة بداية من القاهرة ثم فلسطين ثم السعودية"، تابع عبد المطلب حديثه، متوقعا أن تكون فكرة "إحياء هذا الخط مستحيلة، ولن يكون ذا قيمة تجارية تذكر".

وأوضح أن "ميناء جدة على البحر الأحمر يحقق الكثير من المزايا في استخدامه للسعودية"، مشيرا إلى أن "دخول البضائع السعودية لخليج العقبة ثم أيلات ومنها إلى أوروبا أو العكس، بدلا من ذهابها إلى خليج السويس ثم المرور بقناة السويس والعكس، فأعتقد أن هذا أمر صعب جدا ومكلف، ويحتاج إرادة سعودية قوية لتنفيذه".

وختم الأكاديمي المصري حديثه بالقول: "أما الحديث عن خطوط الإنترنت فهذا أمر وارد، لكنه لن يُخرج إفريقيا من المعادلة، فموقع مصر سيظل عنصرا حاسما في تحديد مسارات الكابلات".

ويعتقد الخبير الاقتصادي المصري الدكتور علي عبد العزيز، أن "الخيانة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني أكبر من أي تقييم اقتصادي لمشروعات مشتركة أو خط قطار أو جسر بري أو خط أنابيب".

الأستاذ المساعد بكلية التجارة بجامعة الأزهر، أضاف في حديثه لـ"الاستقلال": "وبالتالي فإن الأنظمة العربية التي تتعاون مع الصهاينة هي أنظمة محكوم بنهايتها عاجلا أو آجلا".

"ولا يمكن أن نغض الطرف عن مبررات هذه الخيانة، وبالأخص من النظام المصري العسكري الفاشي فاقد الشرعية، والذي يرى دائما أن التفريط في الحقوق والممتلكات هو السبيل للبقاء على كرسي الحكم، والتغاضي عن جرائم سرقة الشعب وتعذيبه وقتله"،

أكمل عبد العزيز رؤيته وختم بالقول: "إذا كانت هذه الأنظمة الخائنة للأمة اعتقدت أن حمايتها ومكاسبها مع الاحتلال الصهيوني، فلتعلم أن هذا أمر مؤقت، لأن الكلمة الأخيرة للشعوب المسلمة والتي لا ترى الكيان الصهيوني إلا محتلا غاصبا تجب محاربته لتحرير الأرض واستعادة العزة والكرامة".