مسرحيات ضد الإسلام منعت الدولة العثمانية عرضها في أوروبا

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة تركية، الضوء، على واحدة من القصص التاريخية السيئة لطريقة تعامل أوروبا وخاصة فرنسا مع الإسلام، أيام السلطان عبد الحميد الثاني.

وقالت صحيفة "تركيا" في مقال للكاتب البروفيسور أكرم بوغرا ايكينجي: "عندما سمع السلطان عبد الحميد، أن هناك مسرحية ضد الإسلام ستقام في باريس، حاول على الفور منع ذلك من خلال سفارة باريس".

وتابع: "بعد عصر التنوير، ثار فضول المفكرين الأوروبيين لفهم الشرق بشكل صحيح. ونتيجة لذلك، تعاطفوا مع كل من الإسلام والجمال في الدولة العثمانية والثقافة فيها".

ولكن، مع تأثير العادات الاجتماعية والسياسية، لم يغب المتعصبون من الناس عن المشهد. فقد لا يُتوقع من غير المؤمنين احترام ما يؤمن به المؤمنون، ولكن يجب أن يكون من واجب الإنسان المتحضر ألا يظهر عدم احترامه لما يقدره الناس بشكل علني، وفق الكاتب.

وتطرق الكاتب إلى هذا الاستعراض التاريخي بعدما شن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا هجمة ضد الإسلام مقرا ومبررا نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد، وسط حديث متكرر عن أن الإسلام "يعيش في أزمة"، وفق تعبيره.

التحرك بدبلوماسية

ويشير ايكينجي أن الحكومة العثمانية حاولت إطفاء هذا التعصب الظرفي خوفا من أن يعود بالضرر على نفسها وعلى الشعب المسلم. وتظهر هذه الحساسية في السلطان عبد الحميد الثاني الذي كان يعطي الأهمية الكبرى للحفاظ على "هيبة الخلافة".

ويضيف: هناك وثائق في الأرشيف العثماني تفيد بأن المسرحيات التي أقيمت ضد الإسلام أو العثمانيين في أوروبا ألغيت من المسارح بالوسائل الدبلوماسية أو بناء على طلب من الحكومة العثمانية. وقد نشرها الصحفي الراحل السيد زياد أبو الضياء من قبل.

ويذكر أن السلطان أرسل تعليماته إلى السفارة في باريس، بعد أن قرأ في صحيفة فرنسية أن الكاتب الفرنسي الشهير وعضو الأكاديمية الفرنسية ماركي هنري دي بورنييه سيصعد على خشبة المسرح في باريس بمسرحية محمد "Mahomet" والتي تحتوي على تعبيرات غير لائقة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الإسلام.

وقد ورد أنه قال في هذه التعليمات الذي يرجع تاريخها لعام 1888: وصل إلينا أن هناك عرضا مسرحيا أعد ضد الإسلام سيعرض في المسرح المسمى "Comedie Française" في باريس، ومن الواضح أن الدولة الفرنسية لن توافق على أداء مثل هذه المسرحية التي سيكون لها تأثير سيئ على جميع المسلمين.

يتابع الكاتب: "لقد كان يريد منع المسرحية بلغة دبلوماسية وبأسلوب مهذب للغاية. ونجح أسعد باشا سفير باريس بعد أن التقى بالبيروقراطيين الفرنسيين، في تأجيل أداء المسرحية لمدة عام".

وعندما أعادت كوميدي فرانسيس "Comedie Française" المسرحية إلى قائمة العرض في مارس/آذار 1890، حدثت أزمة دبلوماسية. 

وصرح وزير الخارجية الفرنسي آنذاك، بأنه لا يوجد ما هو ضد الإسلام والنبي في المسرحية، مؤكدا أنها لن تقام في الجزائر وتونس واللتين كانتا تحت الحكم الفرنسي في ذلك الوقت.

وبحسب الكاتب التركي، التقى السلطان شخصيا بالسفير الفرنسي الكونت مونتيبيلو " Kont Montebello " وأصر على إلغاء المسرحية. 

وبناء على تحذير السفير اليقظ، لرئيس الوزراء فريسينيت "Freycinet"، منعت الحكومة أداء المسرحية في جميع أنحاء فرنسا فضلا عن إلغائها في كوميدي فرانسيس "Comedie Française".

 وقد أبلغ السفير بذلك سعيد باشا وزير الخارجية في 22 مارس/آذار 1890. والمراسلات المتعلقة بهذا موجودة في الأرشيف العثماني.

دور الدبلوماسيين 

واستطرد ايكينجي: بعد ذلك، حاول بورنييه أن يقدم مسرحيته في إنجلترا، بلد الحرية. وتعاقد مع مسرح ليسيوم "Lyceum" في لندن. 

لكن بناء على طلب من السلطان، نجحت الحكومة في منع عرض المسرحية في إنجلترا، عن طريق وزير خارجية الملكة فيكتوريا، اللورد سالزبري والذي كان معروفا بصداقته وقربه من تركيا في ذلك الوقت.

وتابع: "بعد ثلاث سنوات، وعندما حل اللورد روزبيري محل سالزبوري، تجرأ بورنييه وعقد صفقة مع مسرح آخر في لندن مرة أخرى، ولكن بناء على طلب السفير العثماني، تم منعه من قبل الحكومة أيضا. لقد كان أعضاء السفارة العثمانية في ذلك الوقت من الدبلوماسيين المثقفين وذوي الخبرة والحساسية الذين يتابعون مصالح البلاد بجدية".

ولفت الكاتب إلى أن "هذه المسرحيات لم تكن الوحيدة التي ناضل السلطان عبد الحميد الثاني لمنعها من العرض دبلوماسيا، فقد كان يتابع ويقرأ كل صحيفة منشورة في أوروبا تقريبا، ليكون على دراية بما يحدث في العالم،  ولم يكن يناضل بإثارة الشعوب أو بإعلان الحرب كما لم يحاول أحد قطع رأس كاتب المسرحية أيضا".

وأضاف: وبناء على تعليمات السلطان عبد الحميد الثاني الذي سمع أن مسرحية "محمد الثاني" ستعرض في روما عام 1893، تقدمت الحكومة بطلب إلى وزارة الخارجية الإيطالية؛ وأكدت على أنه يجب إلغاء المسرحية في حال وجود ما هو مهين حول كل من محمد الفاتح والإسلام.

كما ذكر أنه عندما أرادت مسرحية "Mahomet and His Heaven" التي كتبها ويليام بيرسي عام 1601 أن تعرض في باريس عام 1900، تم تغيير اسم المسرحية بتدخل من سفارة الحكومة العثمانية في باريس وأزيلت القضايا التي يمكن إساءة فهمها وتلك التي هي ضد الإسلام.

مسرحيات فولتير

ويعتبر ايكينجي أن مسرحية الفيلسوف الفرنسي الذي توفي عام 1778 فولتير التي تسمى"Le Fanatisme ou Mahomet le Prophete Tragedie" (التعصب أو تعصب النبي محمد) "والتي تصور زواج النبي من زينب بأسلوب مبتذل، تتعارض مع الحقائق التاريخية في كل جملة فيها تقريبا".

وجاء في المسرحية أن "زينب التي اشتهرت بجمالها وكرمها كانت زوج الحبيب زيد (بن حارثة)، قررت الانفصال لعدم التوافق معه، وأن النبي (والد زيد بالتبني وقتها)، الذي كان حزينا جدا على ذلك، شعر بالمسؤولية عن التسبب في تعاستها واعتقد أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يريح زينب هو الزواج منها؛ لكنه تجنب ما يمكن أن يقال عنه. وفي هذه الأثناء نزلت آية تقول إن رأيه صحيح وأن زواجهما تم في السماء".

وسُبِي زيد بن حارثة وهو صغير وبِيع في سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد، فلما تزوجها النبي وهبته له، وبعد أن عرفه أهلُه أرادوا فِداءه، خيره رسول الله فاختار النبي على أهله.

عندها تبناه المصطفى، وقال: اشهدوا أنّه ابني يرثني وأرثه، وأصبح يُدعى زيد بن محمد. ونظام التبني كان شائعا قبل الإسلام، وبقي نافذا بعده برهة، والابن بالتبني كالابن الصلبي، وعليه فلا يجوز - في نظام العرب قبل الإسلام - أن يتزوج المتبني زوجة متبناه إذا فارقها بطلاق أوموت.

ويتابع الكاتب: "وبما أن هذا يظهر أن الابن بالتبني لا يعتبر ابنا حقيقيا؛ فقد تم تأكيد الحكم بأنه وزوجته ليسا محارم. وعلى الرغم من أنها حادثة عادية جدا، إلا أنها تحولت إلى مادة دعائية سلبية من قبل الكتاب والمستشرقين الأوروبيين".

فقد كانوا يتحدثون عنها باستمرار ويقولون بأن الرسول أحب زينب بعد أن رأى جمالها عن غير قصد، ولم يظهر أحد ليقول لهم إن النبي كان يعرف ابنة عمته، كما كان يعرف أنها جميلة. فلو أراد الزواج منها لما منعه شيء من ذلك فكيف يقع الآن في حبها ويرغب في الزواج منها بعد أن تزوجها زيد؟، يقول الكاتب.

وبحسب الكاتب فقد عُرضت مسرحيات فولتير في المسارح منذ عام 1742؛ ونظرا لأنه تعرض لانتقادات شديدة في البداية من قبل اليانسينيين من الطائفة الكاثوليكية بسبب تعرضه للدين، فقد تم إبعاده عن المسرح ثلاث مرات.

وينوه إلى أن فولتير اعترف في رسالة كتبها إلى ملك بروسيا فريدريك أثناء طباعة المسرحية، أنها لا علاقة لها بالحقائق التاريخية، وقال: إن هدفه هو شرح مساوئ التعصب وأنه يعتقد أن التسامح الديني سيؤسس للأخوة. 

وعندما انتشر أن التعصب هنا يشير إلى المسيحية وشهد رد فعل كبير؛ قدم فولتير الذي لا علاقة له بالدين مسرحيته إلى خصم اليانسينيين البابا الرابع عشر وقدسه وعظمه لينقذ نفسه.

أصل العداء الأوروبي

ويعرض ايكينجي بعض آراء أعلام أتراك في فولتير وأعماله، حيث يقول نامق كمال: إن فولتير جعل من نفسه أضحوكة بسبب الأخطاء الواضحة في مسرحيته الذي قام به لمصلحته الشخصية. وينتقده شاهبندرزاده أحمد حلمي وسيديشهيرلي محمود أسعد وإسماعيل فني أرطغرل. 

بينما يقول أحمد حكمت مفتوغلو: إن مسرحيته ليست لها علاقة بالحقيقة وهي وصمة عار سوداء بحق فولتير. أما جلال نوري إيليري فيندهش من الطريقة التي كتب بها شخص ذو نظرة وفكر تقدمي مثل فولتير لهذه المسرحية. 

ويقول أحمد مدحت أفندي وبشير فؤاد: إن العمل لا يستهدف الإسلام بل المسيحية. مشيرين إلى أن فولتير يستخدم الاستعارة ليبقي على علاقته مع الكنيسة.

غير أن فولتير غير العديد من أفكاره عن الإسلام في وقت لاحق. وعلى الرغم من أنه امتدح النبي محمد وأثنى عليه فيما بعد، فإن هاتين المسرحتين الساخطتين اللتين كتبهما من قبل والمليئة بأخطاء المعلومات كانتا من أهم عوامل تكون النظرة السلبية والمواقف المبتذلة عن الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم في أوروبا، برأي الكاتب.

ويضيف: "وعلى الرغم من أن البعض يعتقد أن مسرحية فولتير هي التي منع السلطان عبد الحميد الثاني أداءها وعرضها في أوروبا، فإن هذا غير صحيح". 

وأصل هذه المعلومات جاءت مما يقوله رجل الدين والموسيقي علي رضا ساغمان بقوله: "حسب المعلومات التي حصلت عليها من مكان موثوق به" دون إعطاء أي مصدر.

ويردف قائلا: إنه يقول إن هذه المسرحية أريد تقديمها في زمن السلطان عبد الحميد الثاني. وعندما أبلغ سفير باريس منير باشا، السلطان بذلك، قال له الأخير: "اذهب إلى رئيس الجمهور وأبلغه سلامي وقل له إننا وجدنا هذه المسرحية غير مناسبة للعرض! وهكذا، وعلى الرغم من بيع جميع التذاكر، فقد تم إلغاء المسرحية. وقد كان رئيس فرنسا آنذاك هو سعدي كارنو الذي اغتيل عام 1894".

ويختم الكاتب التركي مقاله بالإشارة إلى سبب هذه المعلومات الخاطئة قائلا: إن السبب في هذا هو أن مسرحية أخرى لفولتير تُدعى "Mahomet" تم إحضارها إلى الأراضي العثمانية وجرى حظر توزيعها بموجب تعليمات مؤرخة عام 1893 أُرسلت إلى مديريات المعارف. 

ويتابع: "علمنا هذا من وثيقة في الأرشيف العثماني (قلم خطابات مديرية المعارف. وهي المؤسسة التي كانت مسؤولة عن التربية والتعليم في الدولة العثمانية ويقابلها حاليا وزارة التربية والتعليم)".