انتخابات زمن السيسي.. كيف تحولت إلى مسرحية كوميدية أبطالها كومبارس؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شهدت مصر مؤخرا انتخابات برلمانية هي الثانية خلال حكم الانقلابي عبد الفتاح السيسي، لم تختلف في طبيعتها ونتائجها عن الانتخابات التي أجريت في 2015.

تقارير إعلامية رصدت انتهاكات بالجملة، واستخدام للمال السياسي بدرجة كبيرة، ومعدل مشاركة متدن للغاية من قبل الأحزاب الفاعلة، وغياب الوجوه والرموز البرلمانية المؤثرة في الساحة السياسية والمجتمع، بالإضافة إلى غياب الناخبين الملحوظ أمام اللجان التي بدت خالية.

أوجه واحدة ومتشابهة كانت السمة المميزة للانتخابات عموما في "زمن السيسي"، أبرزها هيمنة قائمة "من أجل مصر" التابعة للنظام الحاكم، والتي تضم كثيرا من العسكريين، وفلول الحزب الوطني السابقين، مع عدم وجود برنامج واضح أو خطة إصلاحية تدفع الجماهير للمشاركة في الانتخابات.

فضائح بالجملة

انطلقت المرحلة الأولى من الانتخابات في 14 محافظة يومي 24 و25 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، فيما ينتظر إقامة اقتراع المرحلة الثانية يومي 7 و8 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، في 13 محافظة، بينها العاصمة القاهرة.

في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قال النائب المثير للجدل مرتضى منصور، خلال مقطع مصور، يشكو إلى السيسي تعرضه للظلم والاضطهاد قائلا: "هناك من يتهمني، أنني مخبر لأمن الدولة والمخابرات العامة والحربية، ولو كنت مخبرا، لكنت ضمن القوائم الانتخابية الحالية"، في إشارة منه أن المنضمين إلى القوائم التابعة للنظام مجرد مخبرين تابعين للأجهزة الأمنية.

وسبق لمرتضى منصور أيضا أن هاجم قائمة "من أجل مصر" المدعومة من السيسي للفوز بأغلبية مجلس النواب الجديد، قائلا: "أنا مادفعتش 50 مليون جنيه من دم الشعب عشان يحطني (يضعني) في القائمة.. اللي يدفع 50 مليون ده يبقى معاه كام؟ وبيجيب الفلوس دي منين، وهايلمهم إزاي؟!".

وخسر أحمد نجل مرتضى منصور، الانتخابات خلال المرحلة الأولى في دائرة الدقي والعجوزة بمحافظة الجيزة (وسطا)، ليقوم مرتضى بوصف منافسي نجله عبر أحد برامج فضائية "الزمالك"، بأنهم "حيتان مستقبل وطن (حزب السيسي)"، مؤكدا أنهم يؤخرون الوطن بطريقتهم هذه، واصفا مشهد توزيع المنافسين للأموال على الناخبين في دائرة نجله بـ"الفضيحة"، وأضاف: أن "الحزب الوطني في عهد حسني مبارك لم يفعل هذا".

المرشح أيمن هيبة، الذي خسر أيضا الانتخابات عن دائرة كفر الدوار، بمحافظة الغربية (شمالا)، عندما دون على حسابه بموقع "تويتر"، قائلا: "ليس من الحكمة أن تضع الدولة رأسها فى الرمال وتصر على إنكار التجاوزات فى انتخابات مجلس النواب .. التدخل بالمال السياسي لا يمكن إنكاره والإصرار على نزاهة الانتخابات طرفة.. صحيح الانتخابات قد تكون نزيهة من وصول الصوت للصندوق حتى الفرز. لكن كيف يصل الناخب وكيف يصوت.. هنا المهزلة".

نشرت صفحة النائبة السابقة في البرلمان مي محمود، والمرشحة عن دائرة المنتزة بالإسكندرية، عددا من المقاطع المصورة لمجموعة من المواطنين يقفون لاستلام أموال من مسؤولي حزب "مستقبل وطن" أمام اللجان الانتخابية، وقالت مصورة المقطع: إن "الحزب يوزع 100 جنيه على كل ناخب". 

وكذلك رصدت صفحة "حزب المحافظين" على موقع "فيسبوك"، توزيع وجبات غذائية ومواد تموينية في دائرة الدقي بمحافظة الجيزة. كما شهدت الحملات الانتخابية توزيع حلوى "المولد النبوي" ضمن أدوات الدعاية الانتخابية.

فى دائرة عين شمس بمحافظة القاهرة أجرى مرشحا حزب "مستقبل وطن" النائب محمد الكومي، وصفوت النجار، جولة بمنطقة مساكن عين شمس، ووزعا خلالها علب حلوى المولد على المواطنين فى مربعات مساكن الشركة العربية وعزبة مجاهد، الذين احتشدوا حول سيارة توزيع الحلوى، في مشهد كاشف لطبيعة إدارة الانتخابات من قبل حزب السيسي.

بلا ناخبين

مع فتح مراكز الاقتراع أبوابها للناخبين، تم دعوة نحو 63 مليون ناخب من أصل 100 مليون نسمة، حسب عدد سكان مصر، إلى التصويت في الانتخابات التي يتنافس فيها أكثر من 4 آلاف مرشح على 568 مقعدا، يجري انتخاب 284 منها وفق "النظام الفردي" و284 وفق "نظام القوائم المغلقة". 

وتخصص نسبة لا تقل عن 25% من المقاعد للنساء، كما لا يحق للرئيس تعيين أكثر من 5% من أعضاء البرلمان.

شهدت الانتخابات ضعفا حادا في الإقبال، وحسب وكالة الأنباء الفرنسية، كان الإقبال على لجان الاقتراع ضعيفا، على غرار انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية في البرلمان) التي أجريت قبل أشهر قليلة.

ضعف الإقبال في انتخابات مجلس الشيوخ، استفز النظام الذي توقع تكرار نفس المشهد في انتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) هدد بفرض غرامة على المتخلفين عن التصويت، وقدر عدد غير المشاركين في انتخابات الشيوخ بأكثر من 50 مليون مواطن من بين أكثر من 60 مليونا يحق لهم التصويت.

معارضة مغيبة

طبيعة العمليات الانتخابية دائما ما تقوم على مبدأ المنافسة، ووجود قوى مختلفة من المعارضة، لكن في مصر المعارضة الحقيقية غائبة، ويسيطر على المشهد الانتخابي القوائم والأفراد، المدعومون من أجهزة المخابرات. 

مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية، ذكرت في تقرير لها بتاريخ 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أن مصر تحضر "لمهزلة انتخابات جديدة تعكس مشاكلها، والبرلمان سيكون مليئا بالنواب المتملقين للسيسي". 

وقالت: إن "الانتخابات الحالية وبمعايير مصر حيث يتم شراء الأصوات وسجن المعارضين، ليست ديمقراطية، فعبر الاستفزازات والمعوقات البيروقراطية والاعتقال قام النظام بتنظيف الساحة من معظم نقاده، ويتنافس المرشحون للظهور بمظهر من هو أكثر تأييدا للسيسي".

وأوردت المجلة البريطانية، أن "السيسي يتصرف وكأنه فوق الخلاف لكن رجاله يغوصون في وحل السياسة، فرجاله يسيطرون على البرلمان ويحلبون أنصارهم، عبر عدد من الأحزاب الكبيرة، وأكبرها يدعى حزب مستقبل وطن والذي يقال إن المخابرات العسكرية هي التي أنشأته". 

بينما وصف موقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي"، في تقريره عن الانتخابات، أنه "ينقصها المشاركة الجادة"، وأضافت أن ما يميزها "استخدام المال السياسي في عملية اختيار المرشحين، ومشاركة نادرة لبعض أحزاب المعارضة، ودعاية انتخابية لا تراع قواعد التباعد الاجتماعي.. تلك هي أبرز ملامح مشهد انتخابات مجلس النواب في مصر".

مسرحية فاشلة

الباحث البرلماني المصري السابق شريف خلف، شبه في تصريحاته "للاستقلال" العملية الانتخابية البرلمانية في مصر بـ"المسرحية الفاشلة"، قائلا: "مصر ليست دولة مستجدة على الانتخابات، والعمل البرلماني، بل هي واحدة من أقدم دول الشرق التي شهدت برلمانا قويا، وانتخابات متقدمة".

مضيفا: "من العبث أن تنزلق مصر نحو هذه المشاهد الفجة خلال انتخابات المجالس التشريعية الأخيرة، فهل يصدق أن دولة بها أكثر من 100 مليون مواطن، وفي عاصمتها القاهرة قرابة 15 مليون مواطن، تشهد هذا الإقبال الضعيف من الناخبين؟!". 

وأضاف مجيبا عن سؤاله: "بالطبع هذا أمر طبيعي مع شعور المواطن بعدم الجدية، وعدم وجود مرشحين ذوي أهلية، يدفعون الناس نحو التصويت والانتخاب، وكانت مصر تتميز قديما بوجود نواب مخضرمين، أصحاب خبرة طويلة في العمل البرلماني، ومخاطبة الجماهير، وكانوا يوجدون في كثير من الدوائر".

وتابع خلف: "ومع الاعتراف أنه كان يوجد تزوير وتلاعب في الأصوات، لكن المشاهد كانت تخرج بصورة أرقى، أما الوضع الحالي فبعيد تماما عن النضج السياسي، بل تشهد مصر انتخابات أسوأ من التي حدثت عام 2010، التي أشرف عليها رجل الأعمال أحمد عز، وتسببت بعد ذلك في سقوط نظام مبارك". 

وذكر: أنه "لا يمكن أيضا إغفال غياب الأحزاب القوية القادرة على المنافسة، وذلك ارتدادا لواقع الحياة السياسية الحالي، فحتى الأحزاب التاريخية مثل الوفد أو التجمع، تشهد ركودا شديدا، وحزب النور أصبح بلا شعبية وفشل في أن يحصد أي مقعد في انتخابات مجلس الشيوخ، وبالتالي فإن أبسط قواعد الانتخابات الحقيقية غائبة، وهي المنافسة القوية".

وأكد خلف: أن "مصر في حاجة إلى حزمة إصلاحات دستورية وتشريعية، وإعادة صياغة لمفردات الحياة السياسية، حتى تخرج لنا مؤسسات تشريعية ورقابية قادرة على أداء دورها على أكمل وجه، وتحقق آمال المواطنين، وتضبط الدولة كدور أي برلمان في العالم المتقدم، ومصر كدولة عريقة ليست أقل من أن تمتلك مجالس وهيئات تشريعية مؤثرة، لا أن تكون محل سخرية وتندر كما يحدث الآن".