مصر سبقتهم للوهم.. كيف انطلت خديعة مزايا التطبيع على قادة السودان؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، اتفقت إسرائيل والسودان على تطبيع العلاقات بينهما، حيث تم إبرام الاتفاق برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب،  في اتصال هاتفي مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك.

الحدث مثل صدمة في الأوساط السياسية السودانية، وانعكست آثاره على الشارع السوداني، الذي انتفض غاضبا في وجه الحكومة الانتقالية، مسترجعا إرثه التاريخي في مقاومة دولة الاحتلال، وأن الخرطوم كانت عاصمة الرفض والممانعة في سياق الصراع العربي الإسرائيلي.

الصحفي السوداني فوزي بشرى علق على الاتفاق بقوله: "لقد داس البرهان وحمدوك على شعارات الثورة السودانية، بأحذية ثقيلة، وهم إذ يفعلان ذلك كانا يدوسان على أطهر دماء، ما في عروق واحد منهما قطرة منها".

جبهة مقاومة

الخرطوم المعروفة تاريخيا في ملف الصراع العربي الإسرائيلي، بكونها عاصمة اللاءات الثلاثة، باتت ليلة حزينة بإعلان اتفاق التطبيع مع إسرائيل، الذي دشنته الحكومة الانتقالية بقيادة حمدوك، وبإقرار رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان.

أعلن سودانيون وأحزاب وقوى سياسية رفضهم للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ودعوا إلى تشكيل جبهة مقاومة ضد التطبيع.

وفي 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أعلن حزب "البعث" السوداني، سحب دعمه للسلطة الانتقالية على خلفية قبولها التطبيع مع تل أبيب، ودعا القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني الرافضة للتطبيع إلى الاصطفاف في جبهة عريضة لمقاومة تزييف إرادة الشعب.

وقال الحزب الذي هو ضمن أحزاب الائتلاف الحاكم، في بيان: "إننا في حزب البعث السوداني، إذ نعلن سحب دعمنا للسلطة الانتقالية، ندعو القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني الرافضة للتطبيع إلى الاصطفاف في جبهة عريضة لمقاومة تزييف إرادة الشعب السوداني ومحاولات تركيعه وإذلاله". 

فيما نشر حزب حركة "الإصلاح الآن" بقيادة السياسي السوداني غازي صلاح الدين، بيانا، قال فيه: "إنه ليوم حزين من أيام أمتنا، يوم يقف فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي مفتخرا ومنتشيا ليعلن أن الخرطوم، بعد 53 سنة من القمة العربية عام 1967، لم تعد عاصمة اللاءات الثلاث، ذلك الاسم الذي كان يجلل هامتها بأكاليل الفخار".

وتابع: "الخرطوم اليوم كما قال (نتنياهو) عاصمة نعم للتفاوض، نعم للصلح، ونعم للسلام مع إسرائيل".

الحزب أكد أن "التطبيع مع إسرائيل صفقة بيعت فيها جبال الوهم لحكام السودان، مقابل تنازلهم عن واحدة من أهم ركائز سياسة السودان الخارجية (اللاءات الثلاثة)، التي عبرت عنها والتزمت بها الحكومات الوطنية المتعاقبة في إجماع وتقليد قوي وراسخ".

واتساقا مع الموقف الرافض، اعتبر رئيس حزب الأمة السوداني الصادق المهدي، أن "تطبيع السلطات الانتقالية في بلاده مع إسرائيل، يناقض المصلحة الوطنية العليا، والموقف الشعبي".

وأكد في بيان، أن "إعلان التطبيع مع إسرائيل، يناقض القانون الوطني السوداني، والالتزام القومي العربي، ويساهم في القضاء على مشروع السلام في الشرق الأوسط، والتمهيد لإشعال حرب جديدة".

غضب متصاعد

رفض التطبيع لم يقف عند بعض الأحزاب والحركات السياسية، بل وصل إلى أحزاب الائتلاف الحاكم نفسه، ففي 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، رفض تحالف "قوى الإجماع الوطني"، ثاني أبرز مكونات قوى "إعلان الحرية والتغيير"، وهو الذي يمثل (الشق المدني المشارك بالائتلاف الحاكم)، تطبيع الحكومة مع إسرائيل.

وأكد التحالف في بيان، أن "شعبنا الذي يتم عزله وتهميشه بطريقة منهجية عبر الصفقات السرية، غير ملزم بما ينتهي إليه التطبيعيون من اتفاقيات".

وذكر أن "الشعب سيلتزم بمواقفه التاريخية، وسيعمل من خلال جبهة عريضة لمقاومة التطبيع ودعم الشعب الفلسطيني من أجل الحصول على كامل حقوقه المشروعة".

واعتبر التحالف أن "السلطة الانتقالية تتعمد انتهاك الوثيقة الدستورية وتمضي في اتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني، والخروج على ثوابت سودان اللاءات الثلاثة، في دعم حقوق الفلسطينيين".

ووصل الرفض إلى الشارع السوداني، عندما أحرق متظاهرون سودانيون علم الاحتلال الإسرائيلي، خلال الاحتجاجات التي خرجت بالعاصمة الخرطوم.

وبث ناشطون مقاطع مصورة للمحتجين وهم يهتفون: "اسمع اسمع يا برهان.. لا تطبيع مع الكيان". كما رددوا: "لا تفاوض ولا سلام.. ولا صلح مع الكيان"، و"لا بنستسلم ولا بنلين.. نحن واقفين مع فلسطين".

زمن الصهاينة

في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، كتب الصحفي السوداني فوزي بشرى، عبر صفحته بفيسبوك قائلا: "من فوض البرهان وهو رئيس انتقالي؟ ومن فوض حمدوك وهو رئيس وزراء انتقالي أن يقررا في قضايا مصيرية وإستراتيجية ليس لهما ولا لغيرهم مناقشتها دعك من الحل و الربط فيها؟".

وأضاف: "التطبيع مع إسرائيل يمثل أكبر عملية اختطاف لإرادة الأمة السودانية و أكبر انتهاك لتاريخها". 

بشرى أوضح أن "البرلمان السوداني وحده محل انعقاد إرادة الشعب، هو المخول باتخاذ قرارات تتعلق بمصائر البلاد. ولأنه لا يوجد برلمان أو تم تغييب البرلمان قصدا استغفل حمدوك والبرهان الشعب الجائع بوعود المن والسلوى تحت وهم (الانفتاح على العالم)". 

ثم قال ناعيا دخول السودان إلى صف التطبيع: "إنه انفراط العقد لو تعلم يا هذا.. إنه ذهاب الريح.. إنه الدخول في الزمن الصهيوني.. إنه موت دنيا و قيام أخرى كالحة".

واختتم تدوينته قائلا: "لقد داس البرهان وحمدوك على شعارات الثورة السودانية بأحذية ثقيلة وهم إذ يفعلان ذلك كانا يدوسان على أطهر دماء، ما في عروق واحد منهما قطرة منها". 

أما الكاتب المصري عبد الطحاوي، فدون قائلا: "أهلا بالسودان في نادي المطبعين حيث البؤس والفقر والسجون. هناك من وعد المصريين بأنهار العسل عقب كسر الحواجز والتطبيع وها نحن نرفل في النعيم ثروة وحرية وعدالة.. أهلا بالسودان.. نحن مستقبلكم".

وقال الصحفي الفلسطيني فراس أبو هلال، معقبا على تطبيع النظام السوداني: "السودان لم يكن استثناء.. ثار الشعب بأهداف مشروعة ضد نظام استبدادي، ولكنه سلم ثورته للعسكر. العسكر لديهم الاستعداد لبيع فلسطين وكل شيء لتثبيت سلطتهم. لن يحصل الشعب سوى على نظام مستبد جديد. البشير لم يكن حاله أفضل في السنوات الأخيرة، فقد غير جلده لأجل البقاء في السلطة، ولكنه رحل.. وهم سيرحلون أيضا".

وغرد الصحفي السوداني خالد طه "إذا كنتم مع (سودانيون ضد التطبيع) فلا تأبهوا بما يرضخ به الحكام وقولوا ما عندكم، فرضوخهم ليس مسؤوليتكم ولا هو جريرتكم، فالحكم زائل لكن المواقف تثبت والتاريخ لا ينسى".

 

وعود الأبالسة 

السياسي السوداني الدكتور إبراهيم عبد العاطي، قال لـ"الاستقلال": "انزلاق المجلس السيادي السوداني، والحكومة الانتقالية نحو التطبيع، يمثل انقلابا على هوية شعب السودان وتاريخه الطويل ضد دولة الاحتلال، فيكفي أن يقال إن عاصمة اللاءات الثلاثة، التي كانت فخرا لكل سوداني، طبعت مع إسرائيل، وارتضت بالدخول في زمام المطبعين، وهو ما لا يرضاه كل سوداني حر".

وأضاف: "الحجج الواهية التي يحاول النظام السوداني، تسويقها للشعب، بأن التطبيع مع إسرائيل سيفتح باب الخيرات، وسنجني من ورائه الخير الكثير، وسينطلق البلد إلى فضاء العالم الواسع، وسيحقق نهضة غير مسبوقة، فإنما هي وعود الأبالسة، وأكاذيب رأينها بأم أعيننا في دول الجوار، وهذه مصر الشقيقة، أول من طبع مع إسرائيل قبل عقود، فأين الرخاء والاستقرار الذي تنعم به؟".

وتابع: "لم تجن مصر من وراء إسرائيل حتى الآن إلا المؤامرات، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، والفقر، والديون المتراكمة، فما الذي قدمته إسرائيل لمصر حتى تتجاوز أزماتها الداخلية والخارجية!".

وأردف: "النهضة الحقيقية للشعوب إنما تنبع من إرادتها، فعندما يؤسس السودان نظامه الديمقراطي المنتخب، ويختار قادته بنفسه، وتكون هناك مؤسسات قادرة على استغلال موارد الأمة لصالحها، وقتها سينهض السودان من كبوته، ويتجاوز عثراته، أما إسرائيل وأميركا وأوروبا، لن يزيدوا بلادنا إلا رهقا، وسيعملون فقط وفق مصالحهم، وسيستغلون السودان لأقصى درجة ممكنة، ووقتها الشعب هو الذي سيدفع الثمن وحده".