مجيد الخوئي.. نجل المرجع الشيعي بالعراق الذي اغتاله أبناء طائفته

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أحيت التهديدات التي أطلقها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قضية اغتيال عبد المجيد الخوئي، نجل المرجع الشيعي السابق أبو القاسم الخوئي، والذي عاد للعراق مع الاحتلال الأميركي وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003.

ناشطون ردوا على تهديدات الصدر، التي توعد فيها بقمع المتظاهرين الذين هتفوا ضده لمهاجمته احتجاجات "تشرين" في وقت سابق، وذلك بإعادة نشر ملابسات اغتيال الخوئي، المتهم بها زعيم التيار الصدري، وصدرت بحقه وقتها مذكرة توقيف لكنها لم تنفذ حتى الآن.

وريث الحوزة

عبد المجيد الخوئي هو الابن الأصغر للمرجع أبو القاسم الخوئي، الذي كان زعيما للحوزة الشيعية في النجف قبل المرجع الحالي علي السيستاني، والذي توفي بمدينة الكوفة في 8 أغسطس/آب 1992 عن عمر ناهز الرابعة والتسعين عاما.

ولد عبد المجيد في 16 أغسطس/آب 1962 بالنجف من أسرة ذات جذور غير عربية، ويحمل الجنسية الإيرانية، إذ يعود أصله إلى مدينة خوي التابعة لمحافظة آذربايجان الغربية ــ شمال غربي إيران ــ ومن هنا جاءت تسمية العائلة بـ "الخوئي".

في عام 1991 تمكن الأخ الأكبر لعبد المجيد (محمد تقي الخوئي) من تهريبه، وساعده على ذلك أن عبد المجيد يحمل الجنسية الإيرانية، حيث أقام الخوئي في لندن منذ خروجه من العراق.

تفرغ عبد المجيد للمشاركة في إدارة مؤسسة الخوئي الخيرية، التي تمثل الإمبراطورية المالية والاستثمارية بواجهة خيرية، ولها صلات مع جميع المرجعيات الشيعية في العالم.

وفي عام 1994 قتل أخوه محمد تقي في ظروف غامضة بالعراق، فتولى عبد المجيد إدارة مؤسسة "الخوئي" كأمين عام، وكانت له صلات مع المعارضة العراقية في الخارج، كما كان معارضا لمبدأ ولاية الفقيه الذي جاء به الخميني إلى إيران عام 1979 ولا يزال قائما حتى الآن.

اشتهر عن الخوئي مشروعه تدويل مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة في العالم، وجعلها مستقلة على غرار الفاتيكان، وكان البريطانيون وبعض قادة الدول العربية من جيران العراق، يدعمونه في هذا المشروع.

عودته للعراق

في 8 كانون الثاني/يناير 2002 جاء عبد المجيد الخوئي من لندن إلى مدينة قم الإيرانية ليلتقي بالعراقيين في أهم مهجر من مهاجرهم الكثيرة، إذ لم يسبق له أن زار إيران سوى زيارة واحدة خاطفة، بسبب العلاقة السيئة بين الخميني والخوئي.

اختار عبد المجيد أن تكون قم مكانا لمحاضرته، التي بدأت عقب صلاتي المغرب والعشاء، وتحدث عما أسماه "المجلس الشيعي العراقي" وهي مؤسسة سياسية دعا لتأسيسها، وتستند على فكرة إنهاء التاريخ الطويل في إقصاء الشيعة عن السلطة وإعادة حقوقهم في القرار وإدارة الدولة.

أما على صعيد القوى السياسية الشيعية المعارضة، فإنها كانت ترفضه وتشك بنواياه وتتوجس خيفة منه، كونه كان قادرا على سحب البساط منها بحكم علاقاته الوطيدة مع بريطانيا وأميركا، وقادرا على أن يكون الرقم الأول أو الأهم لما بعد سقوط صدام.

بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، كان الخوئي أول معارض يدخل إلى العراق عن طريق البحرين، ومن هناك صرح لوكالات الأنباء بأن المرجع علي السيستاني أفتى بعدم إعاقة وصول قوات الاحتلال إلى العراق وقيل إن التسجيل الذي يتضمن اتصاله الهاتفي بهذا الشأن ما زال موجودا.

وعند دخوله النجف اتصل بالمراجع وقام بتشكيل قوة سماها "الوحدة الوطنية"، وأوكل قيادتها إلى العقيد عبد المنعم عامر عبود الضابط السابق، لكن جماعات مناوئة كانت تتربص به في سباق صراع المرجعيات والسيطرة على النجف بعد الاحتلال.

اغتيال مدروس

الأميركيون أعطوا سلطة إدارة محافظة النجف بعد الاحتلال مباشرة إلى عبد المجيد الخوئي، لكن جماعات مناوئة كانت تتربص به في سباق صراع المرجعيات والسيطرة على المدينة، وكان الموالون لمقتدى الصدر في مقدمة هؤلاء.

أتباع الصدر تعللوا بمصاحبة الخوئي حيدر الكليدار، الذي كان عضو المجلس الوطني قبل الاحتلال، ومقربا من الحكومة ونظام صدام حسين، ويقولون إن الأخير هو من عينه لإدارة المراقد الدينية في النجف.

في 10 أبريل/نيسان 2003، هاجمته مجموعة مسلحة بالهراوات والسكاكين في مسجد "الإمام علي" الذي كان يوجد فيه الخوئي، إلا أن الروايات تعددت بخصوص طريقة قتله، حيث نقلت وكالات أنباء عن زوجة الخوئي بأنهم اقتادوه إلى دار مقتدى الصدر ليحكم بأمره ما يشاء.

وأفادت زوجة عبد المجيد الخوئي، بأن مقتدى الصدر قال لأنصاره الذين جاؤوا بـه مكبلا ينزف: أنا لا أعرفه اعملوا به ما شئتم، ويقال إن القوات الأميركية التي كانت على مقربة لم تهرع لنجدة الخوئي، بعد أن ذهب إليها بعض النجفيين يطلبون العون.

عملية اغتيال "الخوئي" وقعت في 10 أبريل/ نيسان 2003، أي بعد 24 ساعة فقط من إعلان احتلال العراق وإسقاط نظام صدام، ورغم أن الحادث كان صادما للكثيرين، لكنه لم يكن نتيجة فوضى عامة أو فراغ أمني، بل كان واحدا من أكثر الاغتيالات المدروسة.

وفي هذا الصدد يقول الكاتب اللبناني مصطفى فحص المختص بالشأن الإيراني: "عملية مقتل الخوئي هي واحدة من أكثر الاغتيالات المدروسة التي نفذت عن سابق إصرار وترصد، لما يمتلكه الراحل من خصوصيات علمية ومعنوية تؤهله لتقديم سلوك اجتماعي وثقافي وحتى سياسي "ملتزم بشروط المرجعية التقليدية التي تضع حدا لدور رجل الدين في السياسة، فهو يمارسها من موقعه كمواطن وليس كمعمم".

فحص أضاف خلال مقال نشره موقع قناة "الحرة" الأميركية في 27 أبريل/ نيسان 2019: أن "الرهان كان على دور مميز للخوئي في تشكيل وعي عام قادر على تحديد خياراته السياسية والعقائدية بعيدا عن الأيديولوجيات الدينية والسياسية ويمهد الطريق لحراك اجتماعي متدين يرفض استخدام الدين في الوصول إلى السلطة كما يرفض استخدام السلطة للدين".

تبرؤ الصدر

في 25 مايو/ أيار 2003، قال الصدر في مقابلة مع قناة "الجزيرة" القطرية: إن توقيت مجيء الخوئي لم يكن مناسبا، وخصوصا اصطحابه لحيدر الكليدار وإدخاله معه في الصحن (مرقد الإمام علي في النجف).

وأضاف: أنه "دخل مع دبابات بريطانية كما هو عبَّر قبل مقتله، وهذا ولّد شحنات ضده من الشعب العراقي المحب كله للسيد الصدر، كله يصيح سيد الصدر، لذلك حصلت مشادة بين مكتبه وبين قاتليه".

وبخصوص اتهامه بقتله، قال الصدر: "أنا لم أدر به عندما جاء إلى الحضرة (المرقد)، ولا أعرف حتى شكله، ولو أني لم أره بالصور ما عرفت شكله، وكثير من الناس الذين اشتركوا بقتله فعلا قد لا يعلمون بأن هذا هو السيد مجيد، إنما أرادوا هم حيدر الكيلدار، وليس السيد مجيد".

وعلل ذلك بالقول: "لأن السيد مجيد قد دخل في الصحن الشريف عدة مرات، وألقى خطبا ولم يُفعل له شيء، حتى جاء الكيلدار، وبسبب هذا قُتل مجيد، وإن كان هو لا يراد أولا وبالذات، لكن بسبب حيدر الكيلدار ذهب (الخوئي) إلى رحمة ربه. لا يحق لأحد اتهامي بقتل الخوئي من دون دليل ومن دون أي مبررات".

لكن عائلة الخوئي لا تزال تتهم الصدر بقتل عبد المجيد، فخلال مقابلة في 7 مارس/ آذار 2018 مع قناة "بي بي سي" قال جواد الخوئي ابن شقيق عبد المجيد: إن "عمه راح ضحية العنف الديني، ولم يغتال من قومية أخرى أو مذهب آخر، لكن المؤسف أنه اغتيل من أبناء المذهب (الشيعة)".

جواد أضاف: "اغتياله كان نتيجة التضليل والخوف، والصراع بين السلام والعنف وبين البربرية والحضارة، وهذه الحركات تريد الفوضى والعنف الدائم والحروب، ولا تريد سلاما، لذلك كان عبد المجيد الخوئي يهدد مشروعهم، لأنه يريد الاستقرار والكرامة للعراقيين".

المفارقة التي كانت بمثابة الطعنة الثانية لنا، وفق جواد "هو خذلان حركات الإسلام السياسي الشيعي، فقد تنكروا للموضع بتاتا، لكن القضاء العراقي كان أكثر نزاهة واتهم 24 شخصا بمقتله بعد تحقيقات وشهود أخذت وقتا طويلا، لكن مع الأسف بعض الشخصيات السياسية الشيعية تزلفا وتملقا للمتهم أطلقوا سراح المتهمين، والسلطة التنفيذية لم تأخذ مجراها".

وبخصوص ردة فعل إيران، قال جواد الخوئي: "إيران كانت سعيدة بمقتله، والصحف هناك بدأت تكتب أن هذا مصير كذا، ونشروا صور عبد المجيد الخوئي مع توني بلير، إضافة إلى أن القنوات التلفزيونية استضافت شخصيات سياسية شيعية عراقية أبدت الشماتة في مقتله".