خطف وقتل واغتصاب.. لهذا عادت المطالبة بتنفيذ الإعدام في الجزائر

وهران - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في صباح الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2020، اهتزت الجزائر على وقع جريمة قتل فتاة (19 عاما)، عثر على جثتها داخل محطة وقود بولاية بومرداس (شرقا)، بعد تعرضها للاغتصاب.

بعد الحادثة، دعا عدد كبير من الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إيقاع أشد العقوبة بحق مرتكب جريمة اختطاف واغتصاب وقتل وإحراق الفتاة شيماء.

الجريمة وقعت بعد أيام من مصادقة الحكومة على مشروع قانون قدمه وزير العدل، يتضمن عقوبات مشددة ضد جريمة الاختطاف، وتنص التعديلات التي قدمها الوزير بعقاب الجاني بالسجن المؤبد والإعدام في حالة حدوث وفاة.

إثر تقديم مشروع القانون عرف الشارع الجزائري جدلا واسعا، بين مؤيد لتفعيل عقوبة الإعدام ومعارض لها، رغم تزايد حالات الاختطاف، وحديث تقارير صحفية عن وصول عدد المختطفين من الأطفال فقط إلى 100 في فترة الحجز الصحي الذي فرضه انتشار فيروس كورونا.

خطف الأطفال

طرح مشروع القانون على البرلمان، يوم 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، لمناقشته والتصويت عليه، وهو أول قانون رادع لحماية الأطفال من "خطر مجهول وغامض"، كما هو حال عدد من قضايا قتل الأطفال بالسنوات الأخيرة، والتي لم تتمكن التحقيقات من الوصول إلى مرتكبي تلك الجرائم.

وتعليقا على مناقشة القانون، قال رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل، عبد الرحمن عرعار: إنه تم تسجيل 13 حالة اختطاف للأطفال خلال 2020.

وأضاف عرعار، في تصريح للإذاعة أن حالات اختطاف الأطفال لم تسجل أي جريمة قتل، وأوضح أن المقاربة الأمنية نجحت في معالجة الظاهرة، إلى أبعد الحدود في ظل تراجع عدد الحالات مقارنة مع السنوات الماضية.

وذكر المتحدث، أنه في عام 2014، تم تسجيل 220 محاولة اختطاف نجحت الجهود الأمنية، في استرجاع أزيد من 52 ضحية وسلمت لذويهم. ولفت المتحدث  إلى أن عدة أسباب تقف وراء ظاهرة الاختطاف التي استفحلت خلال السنوات الماضية لا سيما في عامي 2011 و2012.

جريمة بشعة

قضية شيماء لقيت تعاطف مستخدمي مواقع التواصل في الجزائر وخارجها، إلى جانب إعلاميين ومثقفين وحتى سياسيين.

وتوالت التغريدات المنددة بالجريمة المروعة عبر هاشتاغ #القصاص_لقاتل_شيماء والذي تم نشره على تويتر، وارتفعت الأصوات الداعية إلى تفعيل عقوبة الإعدام.

وأفادت وسائل إعلام محلية أن الفتاة شيماء، تعرضت للاختطاف من أحد المجرمين ممن لهم سوابق في عالم الإجرام، قبل تعرضها للاغتصاب والقتل والحرق.

والدة الفتاة أكدت أنه سبق لهم رفع دعوى قضائية في عام 2016 ضد المتهم ذاته بتهمة الاغتصاب، وأنه عاد لينتقم من ابنتها مرة أخرى بعد إطلاق سراحه.

ظهرت والدة الضحية في مقطع مصور، وهي تروي بعض تفاصيل المأساة، داعية الرئيس عبد المجيد تبون إلى تنفيذ عقوبة الإعدام بحق الجاني.

وزير العدل بلقاسم زغماتي صرح أواخر سبتمبر/أيلول 2020، بأن "ورش عمل كثيرة مفتوحة في قطاع العدالة على رأسها القانون المجرم للاختطاف الذي كلف رئيس الجمهورية بإعداده في أغسطس/آب 2020، بغرض حماية أمن المواطن".

وتنص المادة 261 من قانون العقوبات أنه "يعاقب بالإعدام كل من ارتكب جريمة القتل أو قتل الأصول أو التسميم"، وتضمنت المادة 262 من نفس القانون "ﻳﻌﺎﻗﺐ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻩ ﻗﺎﺗﻼ كل ﻣﺠﺮم ﻣﻬﻤﺎ كان وﺻﻔﻪ اﺳﺘﻌﻤﻞ اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ أو ارﺗﻜﺐ أﻋﻤﺎلا وﺣﺸﻴﺔ ﻻرﺗﻜﺎب ﺟﻨﺎﻳﺘﻪ". 

وأضافت اﻟﻤﺎدة 263: "ﻳﻌﺎﻗﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﻞ ﺑﺎﻹﻋﺪام إذا ﺳﺒﻖ أو ﺻﺎﺣﺐ أو تلا ﺟﻨﺎﻳﺔ أﺧﺮى"، كما ﻳﻌﺎﻗﺐ ﻋﻠﻰ "اﻟﻘﺘﻞ ﺑﺎﻹﻋﺪام إذا كان اﻟﻐﺮض ﻣﻨﻪ إﻣﺎ إﻋﺪاد أو ﺗﺴﻬﻴﻞ أو ﺗﻨﻔﻴﺬ ﺟﻨﺤـﺔ أو ﺗﺴﻬﻴﻞ ﻓﺮار ﻣﺮﺗﻜﺒﻲ هذه اﻟﺠﻨﺤﺔ أو الشركاء ﻓﻴﻬﺎ أو ﺿﻤﺎن ﺗﺨﻠﺼﻬﻢ ﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺘﻬﺎ"، وﻳﻌﺎﻗﺐ اﻟﻘﺎﺗﻞ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻻت ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ اﻟﻤﺆﺑﺪ.

سمعة دولية

وتفاعلا مع النقاش المطروح توقع المحامي فاروق قسنطيني الرئيس السابق للهيئة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، في حديث مع صحيفة "المساء" المحلية، أن الجزائر تتجه نحو إنزال عقوبة السجن المؤبد في حق المتورطين بعمليات اختطاف وتنكيل وقتل.

لكن الحقوقي استبعد العودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام على المدانين في مثل هذه الجرائم، كون ذلك سيمس بسمعة الجزائر أمام المجتمع الدولي وخاصة وأن مشروع قانون الدستور خصص مجالا واسعا لحقوق الإنسان وترقيتها وفي مقدمتها الحق في الحياة الذي يعد حقا مقدسا.

وعلقت الجزائر العمل بعقوبة الإعدام منذ سنة 1993، وبقيت مجرد قانون لم يطبق منذ تلك السنة، إثر تصديقها في الأمم المتحدة على توصية الجمعية العامة بعدم تنفيذ عقوبة الإعدام.

وبرأى قسنطيني، فإن الأشخاص الذين يتورطون في مثل هذه الجرائم البشعة، هم في الحقيقة مرضى نفسيين وغير أسوياء ولديهم اضطرابات خطيرة تحملهم على ارتكاب تلك الأفعال.

ولا تنتهي أثار عقوبة الإعدام عند هذا الحد في حال اعتمادها، حيث من الممكن أن تطبق في حق المساجين المحكوم عليهم بهذه العقوبة منذ سنة 1993، بسبب تورطهم في أعمال إرهابية خلال العشرية السوداء.

الدكتور بوزيد لزهاري المختص في القانون الدستوري، كشف في حوار مع القناة الثانية، أن الدستور الجديد الذي من المنتظر الاستفتاء عليه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وضع مادة جديدة وهي الحق في الحياة.

وقال لزهاري: "الجزائر صادقت على اتفاقية دولية تمنع أخذ الحياة بطريقة تعسفية، لذلك فالشخص الذي يرتكب جريمة القتل يجب أن توفر له محاكمة عادلة".

عقوبات غير رادعة

الأستاذ في العلوم الاجتماعية والسياسية بجامعة عنابة بالجزائر فؤاد منصوري، شدد على ضرورة الإشارة إلى أن "الظاهرة غريبة عن قيم مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وهي نتاج لتوترات أو اختلالات في البنى السوسيو-ثقافية والاقتصادية والسياسية لمجتماعتنا".

وقال في حديث مع الاستقلال: "الاختطاف ظاهرة واضحة للعيان، لكن لا بد أيضا ألا نهول في الظاهرة، فهناك الاختفاء الطوعي وهناك الاختطاف، وينبغي ألا نخلط بين الظاهرتين، الأولى مرتبطة بالأساس بالأسرة والدراسة، إذ يتم استخدام العنف من طرف العائلة أو في المدرسة".

أما ظاهرة الاختطاف فقد وصلت أرقامها في عام 2018 إلى 120 حالة، بحسب المتحدث، الذي أرجع أسبابها إلى "الخلافات العائلية التي تؤدي إلى الانتقام، وهناك سبب آخر وهو مادي، أي بغرض طلب الفدية".

وأشار منصوري إلى سبب ثالث، وإن كان غير منتشر بشكل كبير، وهو المتاجرة بالأعضاء البشرية، ويبقى هذا السبب بنسبة محدودة جدا. وأفاد الأستاذ الجامعي أن هناك تراجعا للظاهرة، لكن في الوقت نفسه لا يجب التهوين أو التقليل من خطورتها.

أستاذ علوم الاجتماع والسياسة ربط هذا التراجع وبين الإطار القانوني الذي يحرص على حماية الطفولة، وهو القانون رقم 15/ 12، المقرر في 15 يوليو/ تموز 2015.

ويحتوي القانون على 150 مادة قانونية ومنه تأسست "الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة"، ويشرف عليها مباشرة رئيس الحكومة، وهي تشتغل بشكل أفقي وعمودي مع كل مؤسسات المجتمع وهيئاته والأشخاص أيضا الذي لهم علاقة بحماية الطفولة.

والقانون موضوع النقاش في البرلمان الآن، يشير منصوري، هو تفعيل لمقتضيات القانون 15/ 12، وينص على الحكم بالمؤبد لكل من ثبت في حقه اختطاف طفل، وفي حال الاعتداء أو القتل، فتكون العقوبة الإعدام.

كشف الأستاذ الجامعي، أن غالبية المجتمع الجزائري تتفق مع مقتضيات القانون، وتدفع باتجاه تطبيقه، في حين تبقى الفئة التي تقف ضد عقوبة الإعدام ضئيلة جدا.

جزم منصوري في حديثه أن العقوبات المشددة (مثل الإعدام) وحدها غير كافية للحد من الظاهرة، إذ يجب النظر إلى الموضوع بمقاربة شاملة، اجتماعية واقتصادية وسياسية، مع إشراك فعاليات المجتمع المدني للتوعية والوقاية من الظاهرة.