تفريعة وعاصمة وقطار سريع.. مشاريع السيسي الوهمية تورط الجيل القادم

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يترك النظام المصري الحالي بقيادة عبد الفتاح السيسي أي بارقة أمل للأجيال القادمة كي تحيا وتعيش بكرامة وآدمية، وأصر أن يورثها حقيبة مليئة بالديون تثقل كاهلها لسنوات طويلة قادمة.

مشروعات لا طائل من ورائها، أغلبها "فنكوش"، وإخفاقات اقتصادية أخلت بميزانية الدولة، وقروض مستمرة من الخارج لا تتوقف، ولا يعرف أحد على الإطلاق متى ولا كيف سيتم سدادها.

وفنكوش كلمة عامية وردت في أحد أفلام الفنان عادل إمام وكان يعني بها بيع الوهم للبسطاء.

خط همايوني 

مؤخرا أعلنت الحكومة المصرية عن مناقصة عالمية لتنفيذ أول مشروع قطار سريع في مصر، يربط العين السخنة بالبحر الأحمر، بمدينة العلمين مرورا بالعاصمة الإدارية الجديدة.

وفي 4 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلنت اللجنة العليا للإشراف على مشروع القطار السريع، فوز التحالف المصرى الصينى "سامكريت - ccecc - crcc" بتنفيذ مشروع القطار السريع، العين السخنة - العلمين، بطول 543 كلم، وبسرعة 250 كلم بتكلفة تقدر بـ9 مليارات دولار، بضمان أملاك الدولة.

بعدها، غرد الأكاديمي المصري وخبير الطاقة نايل الشافعي علق على تويتر قائلا: "قرض صيني لمصر قيمته 9 مليارات دولار، لإنشاء خط قطار سريع من السخنة- العاصمة الإدارية - العلمين، بطول 543 كلم وبسرعة 250 كلم/س، وبضمان أملاك الدولة.. سفه في الإنفاق على مالا تحتاجه مصر، وعلى حساب الأجيال القادمة. شركة CCECC الصينية قامت بعدد من مشاريع القطارات في إسرائيل".

وأضاف المواطن أحمد بكار عبر "تويتر": "يعني لما نقترض 9 مليارات دولار علشان خط قطار لن يخدم أكثر من مليون مواطن بحد أقصى مليون ونص، وألغي خط مترو شبرا القليوبية علشان هيتكلف 8 مليارات جنيه مش دولار، وهيخدم زيادة عن 20 مليون مواطن كلها ديون على الفاضي حسبي الله".

وفي 15 سبتمبر/ أيلول 2020، كشف الدكتور عصام والي، رئيس الهيئة القومية للأنفاق، سبب إلغاء مقترح الهيئة بمد الخط الثاني للمترو من منطقة شبرا الخيمة إلى مدينة قليوب، مرجعا ذلك إلى عدم الجدوى الاقتصادية للمشروع.

وكتب الصحفي المصري محمد جمال عرفة، عبر حسابه بفيسبوك" قائلا: "كان مفروض يتم مد خط مترو الأنفاق من شبرا الخيمة لقليوب من عامين.. تأخر التنفيذ لأن هذا الخط بتاع الغلابة الفلاحين البسطاء.. وكمان الحكومة قررت فجأة تلغي الخط والفكرة كلها بدعوى أنه هيتكلف 10 مليارات جنيه ومش هيجيب تكلفته!".

وأضاف: "بالمقابل قرروا إنفاق 144 مليار جنية (9 مليارات دولار) لإنشاء خط قطار سريع من السخنة - العاصمة الإدارية - العلمين، وهياخدوا قرض صيني لتنفيذه، مع أنه خط ليس له جدوى اقتصادية ولن يخدم سوى الأثرياء!".

وأردف: "النكتة أن وزارة النقل دفعت 20 مليون جنيه لمكتب سيسترا الفرنسى مطلع العام الجارى عشان تنهي دراسة الجدوى للمشروع (شبرا الخيمة - قليوب) .. يعني ضاعت الـ 20 مليون جنية !".

 

شبح الفنكوش 

لم يكن خط قطار (السخنة العلمين) أول فنكوش (وهم) يصدره السيسي للمصريين، بل سبقه فنكوش مشروع "تفريعة قناة السويس الجديدة"، التي صورها النظام وكأنها العبور الثاني العظيم لخط بارليف، والطريق المنير لإدخال مصر إلى العالم السحري ونادي المليونيرات وعصر النهضة، وهو ما لم يحدث بحسب تقارير اقتصادية محلية ودولية.

في 16 أغسطس/ آب 2015، قال السيسي: "القناة دي اتكلفت 20 مليار جنيه، وإذا كان على العشرين مليار فأنا بقولكم إن دخل القناة اللي زاد من مرور السفن من 45 إلى 47 سفينة في اليوم وصل لـ60 إلى 63 سفينة في اليوم، إذا كان على العشرين مليار اللي احنا دفعناهم احنا جبناهم".

كثير من الخبراء والمتابعين شككوا في صحة كلام السيسي وجدوى مشروعه، من هؤلاء رجل الإعلام المؤيد لانقلاب السيسي في 3 يوليو/تموز 2013 نجيب ساويرس، الذي صدم الإعلامي عمرو أديب، في 28 يونيو/ حزيران 2018، عندما لم يبد أي ترحيب أو رغبة  في المشاركة في مشروع قناة السويس.

ساويرس قال: إنه مستعد للمشاركة في مشروع له فائدة وطائل حقيقي، يعود على الناس بالخير، وكأنه يلمح بأن العكس صحيح في حالة مشروع التفريعة الجديدة، وذكر: "ما اظنش إن المشروع اتعمل له الدراسات اللازمة".

وفي 4 يوليو/ تموز 2020، أعلنت هيئة قناة السويس أن "إيرادات القناة انخفضت إلى 5.72 مليارات دولار في العام المالي 2019-2020 من 5.75 مليارات دولار في السنة السابقة"، والقناة هي أقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا وتعد واحدة من المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في مصر، وتعاني من انخفاض إيرادات بشكل مستمر منذ سنوات.

وفي 19 مايو/ أيار 2019، أعلنت هيئة قناة السويس عجزها عن سداد 450 مليون دولار تمثل 3 أقساط مستحقة، ووافقت البنوك الدائنة، في إطار البروتوكول على ترحيل مواعيد استحقاق الأقساط على الهيئة لمدة عامين.

والأقساط المستحقة عن قرض بقيمة مليار دولار، للمساهمة في حفر التفريعة الجديدة، التي ما زادت ميزانية الدولة إلا رهقا ومزيدا من الديون، وكثيرا من الخسائر في الإيرادات.

  

عاصمة مثقلة 

في 13 مارس/ آذار 2015، أطلق السيسي مشروع "العاصمة الإدارية" الجديدة، بمساحة إجمالية تصل إلى 170 ألف فدان بين إقليم القاهرة الكبرى وقناة السويس، مخططا لأن تكون تلك المدينة، مقراً للبرلمان والرئاسة والوزارات الرئيسية، وكذلك السفارات الأجنبية ويتضمن المشروع أيضاً متنزها رئيسيا ومطارا دوليا.

وفي ظل تأزم الوضع الاقتصادي للدولة، أعلنت الحكومة وقتها أن تكلفة العاصمة الجديدة، تصل إلى نحو 45 مليار دولار.

تضم العاصمة مجمع أديان بداخله مسجد الفتاح العليم على مساحة 250 ألف متر مسطح، ويتسع لنحو 12 ألف مصل، لكنه وسط صحراء جرداء، وبعيد عن أماكن العمران.

تكتمت الحكومة عن ذكر تكلفة المسجد لكنها تأرجحت بحسب تقارير غير رسمية ما بين 400 مليون ومليار جنيه مصري.

ومن المشروعات التي أثارت جدلا داخل تلك المدينة، عمل نهر صناعي، تحت مسمى "النهر الأخضر" بتكلفة تصل إلى 35 مليار جنيه وفق بيانات وزارة الإسكان. أما عن وهم التسويق لأن تكون عاصمة السيسي، بديلا للقاهرة، وأن تكون مدينة من طراز عالمي، فقد بددتها المشكلات والأزمات التي تعصف بالمشروع.

في ديسمبر/ كانون الأول 2019، كشف يزيد صايغ الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط أن شركة "إعمار الإماراتية" انسحبت من العاصمة الإدارية بمصر، لأن الجيش أصر على الحصول على نسبة من الأرباح لم تقبل بها.

وأورد صايغ خلال تقريره "أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري"، أن "عبد الفتاح السيسي لم يستطع إجبار شركات دولية كبرى على قبول شروطه للعمل في العاصمة الإدارية الجديدة".

فيما قال ديفيد سيمز مؤلف كتاب "أحلام الصحراء المصرية"، عن مشروع العاصمة الإدارية، "أن يكون لديك جيش من العمال وكثير من الآلات في مشروع يزيلون تلال الرمال فهذا أمر.. لكن أن يكتمل المشروع بصورته النهائية فهذا أمر آخر".

ولم يتحمل الاقتصاد المصري المتأزم تلك التكاليف الهائلة للعاصمة الإدارية، فلجأت الدولة إلى حلها الأثير، وهو الاقتراض،

في 28 أبريل/ نيسان 2019، حصلت الحكومة على قرض من بنك إكزيم بقيمة 1.2 مليار دولار، وفي نفس اليوم أعلن وزير الإسكان المصري، من العاصمة الصينية بكين، عن توقيع اتفاقية قرض تمويل تصميم وإنشاء منطقة الأعمال المركزية في العاصمة الإدارية، مع مجموعة من البنوك الصينية الممولة للمشروع بقيادة بنك ICBC، بإجمالي 3 مليارات دولار.

كما سبق وقدمت 3 بنوك ألمانية تمويلاً بقيمة 4.1 مليارات يورو، للحكومة، بغرض إنشاء 3 محطات كهربائية، تعمل بنظام الدورة المركبة، داخل العاصمة الجديدة.

ديون متراكمة

في 29 يونيو/ حزيران 2020، أعلن البنك المركزي أن الدين العام الكلي لمصر، يمثل 86% من الناتج المحلي، وهو ما علق عليه خبراء بأن حجم الديون والقروض تضاعف منذ وصول السيسي للحكم عام 2014، وأنه استدان من البنوك المحلية والدولية، والعديد من الدول الخارجية أكثر من ضعف ما استدانه جميع رؤساء مصر السابقون، الذين تعاقبوا على حكم البلاد منذ قرابة 70 عاما.

وقال الخبراء: إن القروض التي حصل عليها السيسي تجاوز ضعف الديون التراكمية لمصر وسط مؤشرات على تفاقمها في ظل هرولته المستمرة نحو الاستدانة بسبب مشروعات لا طائل من ورائها، رغم التحذيرات المتصاعدة من مغبة إغراق البلاد في ديون تعصف بمستقبل الأجيال القادمة.

وفي 28 مايو/ آيار 2019، أكد موقع وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأميركية، أن مصر توسعت في الاستدانة من الخارج خلال السنوات الأخيرة بنسبة زادت على 130%، بحسب بيانات أعلنها البنك المركزي.

واستشهد الموقع بتصريح لوزير الكهرباء محمد شاكر في مقابلة معها أعلن فيه أن حكومته "سوف تبيع 3 محطات كهرباء قامت ببنائها شركة (سيمنز) الألمانية بمصر، لتقليل الديون".

وتستحوذ خدمة الدين على غالبية الإيرادات العامة للدولة، فأرقام البيان التمهيدي لموازنة 2020-2021، تبين أن إجمالي الإيرادات العامة نحو 1.28 تريليون جنيه، بينما أقساط الدين العام كما توقع البيان بحدود 555 مليار جنيه، وفوائد الدين العام 566 مليار جنيه، أي أن خدمة الدين العام تمثل 1.12 تريليون جنيه، وهو ما يعادل 87% من إجمالي الإيرادات العامة.