جمشيد آل سعيد.. سلطان زنجبار العائد لعمان بعد 56 عاما في المنفى

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد 56 عاما في منفاه، عاد سلطان زنجبار السابق جمشيد بن عبد الله آل سعيد، آخر سلاطين دولة البوسعيدي العمانية في زنجبار إلى سلطنة عمان.

وحسب صحيفة الجارديان البريطانية التي انفردت بنقل الخبر، فإن جمشيد آل سعيد (91 عاما) آخر سلاطين مملكة زنجبار من أسرة البوسعيد العمانية عاد بعد أكثر من 56 عاما من منفاه في بريطانيا.

وكشفت الصحيفة في عددها الصادر 20 سبتمبر/أيلول 2020 أن "جمشيد" عاد إلى سلطنة عُمان في 15 سبتمبر/أيلول 2020، بعد أن أطاحت به ثورة دموية في يناير/كانون الثاني 1964، ورفض حكومة بلاده السماح له بالعودة لأسباب أمنية.

وأفادت الصحيفة أن طلبا أخيرا للسلطان الأسبق تم قبوله بسبب تقدمه في العمر ورغبته في قضاء أيامه الأخيرة في بلد أسلافه.

وأشارت الصحيفة إلى أن السلطان السابق تجمعه صلة قرابة بعيدة بالسلطان الحالي هيثم بن طارق آل سعيد، والذي يشترك معه في نفس النسب إلى العائلة المالكة، وقد تم استقبال السلطان جمشيد مع أسرته.

الإمبراطورية العمانية

ومنذ عام 1698، كانت زنجبار الواقعة في المحيط الهندي والمحاذية لتنزاينا وتضم جزر أنغوجا وبمبا وتومباتو ومافيا، جزءا من الإمبراطورية العمانية التي تمتد من شبه القارة الهندية شرقا وحتى وسط إفريقيا غربا، وذلك بعد أن استردها العمانيون من البرتغاليين، باعتبارها امتدادا للإمبراطورية العمانية تاريخيا.

واستمرت زنجبار تابعة لعمان حتى قيام السلطان ماجد بن سعيد بإعلان انفصال سلطنة زنجبار عن عمان عام 1858، ومنذ ذلك الحين استمرت خاضعة لأسرة البوسعيدي كمملكة دستورية مستقلة، حتى أطاح ثوار أفارقة محليون بالسلطان جمشيد آل سعيد، آخر سلاطين البوسعيدي عام 1964 وأصبحت منذ ذلك الوقت تابعة لتنزانيا.

الجدير بالإشارة أن بريطانيا كانت قد شجعت انفصال زنجبار عن عمان عام 1858 ودعمت السلطان ماجد بن سعيد، لتعلن بعد ذلك نفسها حامية عليها في عام 1890 حتى استقلالها في ديسمبر/كانون الأول 1963، أي قبل قيام الثورة ضد سلاطين آل بوسعيد.

تمرد 1964

هو جمشيد بن عبد الله بن خليفة بن حارب بن ثويني بن سعيد بن سلطان بن أحمد بن سعيد آل سعيد البوسعيدي، من أبناء القبائل العربية والعمانية تحديدا، ولد في 16 سبتمبر/أيلول عام 1929.

تلقى تعليما نوعيا، فدرس الثانوية في كلية فكتوريا بالإسكندرية شمالي مصر، ثم انتقل إلى الجامعة الأميركية في بيروت، وعمل بعد ذلك في البحرية الملكية البريطانية لمد عامين، ثم درس الإدارة العامة في بريطانيا، وانخرط في السلك الإداري للمملكة حينها، واكتسب خبرات إدارية وعلمية.

تولى الحكم في زنجبار، عقب أبيه، خلال الفترة من 1 يوليو/تموز 1963، غير أنه لم يستمر سوى نحو 6 أشهر إثر نجاح تمرد 12 يناير/كانون الثاني 1964، وبعد نحو 31 يوما من استقلال زنجبار عن بريطانيا، والإطاحة به كآخر الحكام العرب لأرخبيل زنجبار.

خرج جمشيد من قصره مع نحو 61 شخصا من حاشيته وأصدقائه، متنقلا قبل أن يستقر به المقام في منفاه بمدينة بورت سموث البريطانية.

حسب ناصر الريامي مؤلف كتاب "زنجبار شخصيات وأحداث"، والذي أجرى لقاء مع السلطان جمشيد في منزله بإنجلترا عام 2006، فإنه في حدود الحادية عشرة من صباح أول أيام سقوط نظام سلطنة زنجبار الذي صادف يوم الأحد 12 يناير/كانون الثاني 1964، خرج السلطان جمشيد من قصره المعروف باسم (بيت الساحل).

جمشيد اتجه إلى ميناء زنجبار البحري الذي يبعد مسافة 500 متر تقريبا، ومعه حاشيته وأسرته، وركب سفينة (السلامة) دون أن يعلم وجهته تحديدا، بقدر ما كان يعلم بأن عليه الخروج من البلد فحسب، لينأى بنفسه وأسرته من مذبحة محققة".

كان جمشيد قد طلب السماح له بالتوجه لعمان، لكن لم يسمح له، وقام سلاطين البوسعيد هناك بإعلان انفصال زنجبار عن عمان، ونزعها من الإمبرطورية العمانية حينها، وهو الأمر الذي قصم ظهر السلطة المركزية في عمان.

عاش جمشيد في بريطانيا، في حين عاش عدد من أولاده في عمان، من بينهم علي، وعبد الله، وخليفة، ووصفي الذي كان رئيسا تنفيذيا للبنك الوطني العماني سابقا.

وخلال فترة إقامته في بريطانيا، لم يتحدث للصحافة ولا لوسائل الإعلام، كما لم يثر أي اهتمام.

أحداث مفصلية

بحسب المؤرخ عيسى بن ناصر بن عيسى الإسماعيلي في كتابه "زنجبار التكالب الاستعماري وتجارة الرق" فإن 4 أحداث كبرى حدثت خلال 6 أشهر من عهد جمشيد.

أولها كان الانتخابات العامة الرابعة التي جرت في 8 يوليو/تموز 1963، حيث تم انتخاب 31 عضوا في الجمعية الوطنية التشريعية. هذه الانتخابات أعدت لإيصال زنجبار إلى نيل استقلالها والتحرر من الاستعمار البريطاني في 10 ديسمبر/كانون الأول 1963، حيث حصلت زنجبار على "الحكم الذاتي الداخلي".

أما ثاني هذه الأحداث الكبرى فتمثل في التنازل عن جزء من كيان زنجبار على الشريط الساحلي للقارة إلى كينيا، وبحسب المؤلف فإن تلك الخطوة كانت من أجل تسريع محادثات الاستقلال عن الحماية البريطانية.

ووفق الكاتب، فإن زنجبار لو أصرت وقتها على عدم التنازل عن ذلك الإقليم لوجد الإنجليز المبرر المطلوب والكافي لتطويل أمد المحادثات المطولة أصلا لزيادة تأخير موعد الاستقلال، الأمر الذي كان الإنجليز يبيتون له.

عقب حصول زنجبار على استقلالها في 10 ديسمبر/كانون الأول 1963، تم غزوها في 12 يناير/كانون الثاني 1964، وإقصاء حكومتها المنتخبة وكان ذلك هو الحدث الثالث المزلزل في زنجبار.

أما الحدث الجلل الرابع الذي ذكره المؤرخ عيسى بن ناصر بن عيسى الإسماعيلي في كتابه، فهو مغادرة السيد جمشيد زنجبار، بعد أن وصل لقناعة بأن بقاءه لم يعد مجديا، وأن خروجه أصبح الحل الأنسب.

جزيرة القرنفل

وزنجبار كلمة عربية محرفة أصلها بر الزنج، وتسمى الجزيرة الكبرى (زنجبار) وباللغة السواحلية: أنغوجا وهي مركبة من كلمتين أنغو ومعناها المنسف وجاء ومعناها امتلاء.

أكبر الجزر وهي جزيرة زنجبار أو أنغوجا وهي عاصمة "دولة زنجبار" وتسمى "بستان إفريقيا الشرقية" ويبلغ طولها 85 كلم، وعرضها حوالي 40 كلم.

وتتميز جزيرة زنجبار بأرضها الحجرية التي تصلح لزراعة الأرز والطلح والمهوغو والجزر والحبوب، وفيها حوالي مليون شجرة قرنفل، ويقطعها نهر كبير يسمى مويرا، وهو أكبر أنهارها.

ويستمد أهل هذه الجزيرة الماء من عين نضاجة تفور في شمال المدينة، ويقال إن أصل هذه العين ينبع من البر العذب الإفريقي ثم يجري ماؤها تحت البحر إلى أن يظهر في شمال الجزيرة.

أما الجزيرة الثانية فيه جزيرة بمبا، وتسمى (الجزيرة الخضراء) ويبلغ طولها قرابة 78 كلم وعرضها 23 كلم أرضها خصبة جدا وتشتهر بزراعة القرنفل والنارجيل، وهي أكثر أمطارا من زنجبار وألين هواء، وقرنفلها غاية في الجودة وفيها حوالي 3 ملايين شجرة قرنفل، وأرضها رملية وليست حجرية مثل أنغوجا. 

أما الجزر الأخرى فتقع شمال جزيرة بمبا مثل: قوتها أنغوما ومونغوه ويكاتي وإمبالا وأنجيا أوزي وأوسوبي وأنجاو، وأفينجة وفونزي وفقتوني ويدميبتي ومونغو وكجامبامبانو ومكوش وكسوامهرج.

حسب آخر إحصاء يبلغ عدد سكان زنجبار حوالي مليون شخص أغلبهم من المسلمين (98%) وبقية سكان زنجبار مسيحيون وهندوس وسيخ.

وبالإضافة إلى الأصل الإفريقي تعود أصول مسلمي زنجبار إلى عمان وفارس والهند وباكستان، ويعاني المسلمون في البلاد حاليا من الفقر والتخلف رغم ارتفاع نسبتهم وكثرة كنوز أراضيهم.

كان السكان يتحدثون العربية كلغة رسمية في العهد العماني كما كانت كذلك أغلب الدول المسلمة غير العربية، أما الآن فأصبحت لغة زنجبار هي السواحلية رسميا بجانب الإنجليزية التي خلفها الاحتلال البريطاني.